قال ثم دخل من بعده ذو الكلاع الحميري وهو يقول:
أني لمن حمير العالين في النسب ** أهل الثنا والوفا والجود والحسب
أسد غضافرة سود جحاجحة ** نرى الكماة غدافي الحرب بالقضب
الحرب عادتنا والطعن همتنا ** وذو الكلاع أنا عال على الرتب
تبت يد الروم ما يدرون أن لنا ** صوارما تترك الاعضاء كالقصب
قام ثم دخل من بعده الزبير بن العوام وهو يقول:
أيا بطليوس يا كلبا لعينا ** ويا نسل الطغاة الارذلينا
أتتك حماة دين الله حقا ** وأولاد الجياد الخيرينا
خيار الناس نسل بني نزار ** كراما في الاعادي قاطعينا
إذا أحتبك العجاج بهم تراهم ** بحولك كالسباع الضاربينا
ولا منهم جبان قط يهزم ** ولا نذل فتلقاء حزينا
ولا منهم جبان قط يهزم ** ولا نذل فتلقاء حزينا
وليس ترى سوى مقدام قوم ** أثار الحرب صنديدا أمينا
قال ثم دخل من بعده عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق وهو يقول:
أتينا البهنساء بكل قرم ** شديد العزم في يوم النزال
وجيش فاق في الآفاق طرا ** على الاعداء بالسمر العوالي
قال ثم دخل من بعده عبد الله بن جعفر وهو يقول:
اليوم طاب الطعن في اللئام ** والضرب في الاعناق بالحسام
وأنصر الإسلام باهتمام ** ولم أزل عن سادتي أحامي
أنا الشجاع الفارس الهمام ** ومردى الاعداء في الحمام
قال ثم دخل بعده الفضل بن العباس وهو يقول:
ألا إننا السادات من آل هاشم ** ليوثا ذوي بطش شديد العزائم
لنا تشهد الابطال في كل معرك ** وتذكر عنا أهل كل المواسم
إذا اشتدت الاهوال واستبق القنا ** رأيت لنا في ذاك فعل الضراغم
قال ثم دخل من بعده الفضل بن أبي لهب وهو يقول:
لنحوك يا بطلوس عزمي قد طلب ** بحد حسام كالشهاب إذا انتدب
يطير شرار النار من لمعانه ** بكف شجاع الخيل أبن أبي لهب
فويلك يا ملعون منه إذا سطا ** بصارمه يوم العجاج وإن وثب
قال ثم دخل من بعده عياض بن غانم الاشعري وهو يقول:
لا أنثني يوم الهيج عن العدا ** بمهندي الصمصام إلا إذ قطع
فالويل للبطلوس من سطواتنا ** لأفرقن بحد سيفي ما جمع
قال ثم دخل من بعده المقداد ابن الاسود وهو يقول:
أنا الكندي كالليث الشجاع ** واني في العدا قد طال باعي
وتشهد لي الرجال بكل حرب ** وللهيجاء منقاد الطباع
فواثارات عبد الله إني ** عليه ذاهل حيران ناعي
قال ثم دخل من بعده أبان بن عثمان وهو يقول:
نحن الليوث ذوو المعروف والكرم ** وفي المعامع يوم الحرب والهمم
مجندلون العدا في كل معترك ** وقاهرون لهم كل مصطدم
لا يعجبنك يا بطلوس جيشك في ** هذا المقام فمعنا الكل كالرخم
قال ثم دخل من بعده مسلم بن عقيل وهو يقول:
ضناني الحرب والسهر الطويل ** وأقلقني التسهد والعويل
فواثارات جعفر مع علي ** وما أبدى جوابك يا عقيل
سأقتل بالمهند كل كلب ** عسى في الحرب أن يشفي الغليل
قال ثم دخل من بعده شرحبيل بن حسنة ثم القعقاع بن عمرو التميمي ثم مالك الاشتر ثم عبادة بن الصامت ثم أبو ذر الغفاري ثم أبو هريرة الدوسي ثم ابنه عبد الرحمن ثم معاذ بن جبل ثم شداد سن أوس ثم قيس بن هبيرة ثم أبو أبو دجانة الانصاري ثم جابر بن عبد الله ثم البراء بن عازب ثم النعمان بن بشير ثم سعيد بن زيد أحد العشرة الكرام رضي الله عنهم قال ثم الانصار يتلو بعضهم بعضا بهمم وعزائم قال ثم خرجت الروم وقاتلت قتالا شديدا وتواثبت جماعة من الأمراء مثل الزبير بن العوام وابنه عبد الله وعبد الرحمن بن أبي بكر إلى باب البحر واقتتلوا قتالا شديدا وتقدم عبد الرحمن والزبير إلى الباب والروم على أعلى السور ونزل عن جواده وصلى ركعتين والحجارة تتساقط عليه وهو لا ينزعج لذلك وتقدم هو والفضل وعبد الرحمن بن أبي بكر إلى الباب وجعلا السلاسل من فوق وصعدوا إلى أعلى البرج وهدموا الشرافات ووضعوا السيف في الحراس وفتحوا الباب ووثب شرحبيل بن حسنة والفضل بن العباس وأبو ذر الغفاري وأبو أيوب الانصاري إلى باب قندوس ووثب المسيب بن نجيبة الفزاري والقعقاع بن عمرو والأمير عياض بن غانم الاشعري إلى باب الجبل وفتحوا الأبواب واقتتلوا قتالا شديدا وقاتلت الروم قتال الموت إلى أن طلعت الشمس وارتفعت وقاتل عدو الله البطليوس قتالا شديدا وقتل رجالا وجندل أبطالا واقتتلوا في الازقة والشوارع وبين الأبواب وتقدم خالد وهو يصيح واثارات سليمان وطعنه طعنة صادقة في صدره فأطلع السنان يلمع من ظهره فوقع يخور في دمه وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار فلما رأى الروم ذلك ولوا الادبار وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون وينهبون وقتل من الروم نحو ثلاثين ألفا بوسط البلد وأسر منهم عشرون ألفا وأنشد خالد يقول:
وبالنهنسا الغرا أبيدت جيوشنا ** ثلاث سنين بابها ليس يفتح
ثماني الاف عداد جيوشنا ** وكل همام عن ثمانين يرجح
فما فتحت إلا وقد صار جيشنا ** ثلاثة آلاف عداد تسحسح
ولم أر في أرض الصليب كمثلها ** ولا جيشها لما على السور يسرح
ولا مر لي يوم كمثل حروبها ** لأن بها البطلوس ليث مبجح
وكان له جيش وعدة جيشه ** ثمانون ألفا بالحديد توشحوا
وكنا غلبناهم ثمانين مرة ** يخادعنا البطليوس عنهم فنصفح
ثلاث مرار نحن نفتح بابها ** وترتد للكفر الذميم وتجنح
وقد لعب الهندي يوم فتوحها ** وكلت أيادينا وفي الروم نذبح
ثلاثون ألفا قد محتها سيوفنا ** وأكبادنا من حرها النار تقدح
إلى أن ملأنا البر والبحر منهم ** وقد شبعت أسد الفلا وترنحوا
وولت ثلاثون الالوف شواردا ** وعشرون ألفا منهم قد تجرحوا
فمنهم قضى نحبا ومنهم بها طغى ** ومنهم أناس في المقابر روحوا
وبطلوسهم ذاك النهار قتلته ** وقد كان مقدام الجيوش مرجح
فبادرته في الحال حتى تركته ** صريعا عليه الغانيات تنوح
وعاجلته في الرأس مني بضربة ** فأضحى بها شطرين ملقى ومطرح
وعاد بسيف ابن الوليد مجندلا ** تمر به كل الحوادث تفلح
ولما فني بطلوسهم صار جمعهم ** كما شبه أغنام وغاب المسرح
وقد كان في بحر الهياج مغلغلا ** تولى سرايا قومنا منه مرح
فلله ما أعداه قد كان فارسا ** يفوق على جيش عظيم ويرجح
وقد فرحت أكبادنا وترنمت ** لعمرك والاكباد بالنصر تفرح
أقمنا بأرض البهنسا بعد فتحها ** ثلاثين يوما للمساجد نصلح
وصرت إلى أرض الصعيد معاجلا ** بألفين من خيل الصحابة ترمح
من البهنسا لاسوان جمعا فتحتها ** بعشر شهور بعدها ليس تلمح
وعندي الثلاثون الذي شاع ذكرها ** وكل فتى يا صاح بالالف يرجح
ورحنا فتحنا الهند والسند كله ** وأسيافنا في الغمد لله تسبح
وفي كل أرض عسكر قد تركته ** يقيمون دين الحق والحق يوضح
وهذا كلام ابن الوليد الذي جرى ** فكن سامعا معنى الذي لك أشرح
فما مثله في معمع الحرب سيد ** ولا مثله في جوهر النظم أفصح
ومن بعدذا صلوا على أشرف الورى ** نبي له كل البرية تجنح
عليك سلام الله ما لاح بارق ** وما غرد القمري إذ الصبح يطفح
وأصحابه والآل والعترة التي ** أقاموا لدين الله والشرك زحزحوا
قال الراوي: وصار المسلمون يصعدون إلى البيت ويأخذون الرجال من بين حريمهم من الروم ويقتلونهم حتى كلت سواعدهم من الذبح وجرى الدم في الازقة وصارت القتلى في الشوارع والاسواق مطروحين وخرجت إليهم النصارى والقبط وهم يبكون ويقولون نحن أهل ذمتكم ونحن عوام وتجار وسوقة وكلنا مغلوبون على أمرنا وقتل خيارنا باسيافكم وبقية الأمراء ويقولون هؤلاء قد صاروا رعيتنا وليس لهم بطش فتركوهم وقالوا: بشرط أن تدلونا على من أخفى نفسه في المغاير والمخابي ومن فر من الباب الشرقي وغرق في الماء فدلوهم على الجميع ولم يزالوا يقتلون ذلك اليوم كله وفي اليوم الثاني استدعوا بنجارين يعملون عربات لحمل القتلى من المسلمين وأخذوا دواب أهل السواد من البقر تسحب العربات والفلاحون عملوا عليها وصاروا يضعون كل ثمانية وستة وعشرة في حفيرة ويردون عليم الرمل حتى صاروا تلالا وشهروا قبورهم ووضعوهم بدروعهم وثيابهم ودمائهم رضي الله عنهم وأخذوا ألواح رخام وكتبوا عليها أسماءهم وأنزلوها في مدافن قبورهم ورجعوا إلى قتلى أهل البلد فواراهم أهلهم في قبورهم وكان جملة من قتل من المسلمين في ذلك اليوم نحو أربعمائة وأزيد الاعيان منهم صاغر بن فرقد وعبد الله بن سعيد وعبد الله بن حرملة وعبد الله بن النعمان وعبد الرزاق الانصاري وعبد الرحيم اللخمي وأبو حذيفة اليماني وأبو سلمة الثقفي وأبو زياد اليربوعي وأبو سليمان الداراني وابن أبي دجانة الانصاري وأبو العلاء الحضرمي وأبو كلثوم الخزاعي وأبو مسعود الثقفي وهاشم بن نوفل القرشي وعمارة بن عبد الدار الزهري ومالك بن الحرث وأبو سراقة الجهني والبقية من أخلاط الناس وقتل عند سوق التمارين نحو عشرين ودفنوا هناك وعند سوق الصابون جماعة كثيرة وقريبا من العطارين في جانب القبور نحو أربعين وقريبا من البحر اليوسفي جماعة عند السور رضي الله عنهم.
قال الراوي: ولما وارى المسلمون شهداءهم صعدوا إلى قصر البطليوس والى قصور البطارقة ودورهم ومقاصيرهم فوجدوا فيها من آلية الذهب والفضة ما لا يوصف ومن المتاع والحلى والحلل واللآلىء والنمارق والجواهر والبسط والوسائد والمساند واقتتلت الروم على بغلة محملة عند باب السر فغلبهم المسلمون عليها وأخذوها فإذا عليها صندوقان فيهما أحجار معادن فاشترى رجل من المسلمين من بيت المال حجرا بستة آلاف دينار فباعه على غشوميته بمائة ألف دينار وأخذوا بساط البطليوس وكان مثل بساط كسرى سداه حرير وذهب مرصع بالمعادن فأرسلوه مع الخمس إلى المدينة فجعل لعلي بن أبي طالب فيما حصل له من البساط عشرون ألف دينار وغنمت المسلمون غنائم كثيرة من أواني الذهب والفضة وغير ذلك.
قال الراوي: حدثنا عون بن عبيدة عن عبد الحميد بن أبي أمية قال هدم المسلمون القصر والكنيسة وتلك الدور وفتحوا خزائن البطليوس واستخرجوا جميع ما فيها من الذهب والفضة وغير ذلك ولم يتركوا فيها شيئا أبدا وقسم خالد الغنيمة على المسلمين فكان للفارس عشرة آلاف مثقال من الذهب وألف أوقية من فضة ومن الثياب والملبوس وغير ذلك ما لا يوصف ولما دخلوا الكنيسة ورأوا تصاويرها وقناديلها الذهب والفضة والستور الحرير المنقوشة والاعمدة وغير ذلك تعجبوا وقرأ خالد: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون: 91] الآية وقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله فصاح المسلمون بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير وقرأ عياض الاشعري: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الدخان:25] إلى قوله: {وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} [الدخان: 28] وأخربوا تلك البيعة وجعلوا بجانبها مسجدا على أعمدة من الرخام مسقوف عليها بتلك الاخشاب وهو الجامع الاول قبل بناء حسن بن صالح هذا الجامع الان وبقية الاخشاب والحجارة جعلوا منها مساجد وربطا.