سنة (656هـ) الغدر والخيانة
قال ابن كثير:كان ابن العلقمي شيعيا رافضيا خبيثا وزيرا للخليفة العباسي المعتصم بالله، وكان يترصد الوقيعة بأهل السنة،
فدبر على الإسلام وأهله، فخطط لإبادة أهل السنة ودولتهم وإقامة دولة رافضية، فصرف الجيوش من أعمالهم حتى أصبح
الجيش لا يبلغون عشرة آلاف فارس بعد أن كان في آخر أيام المستنصر قريبا من مائة ألف مقاتل وأصبحت بغداد بلا جيش
يدافع عن الإسلام والمسلمين؛ كاتب التتار وأطمعهم في أخذ البلاد طمعا منه أن يزيل السنة بالكلية وأن يظهر البدعة الرافضة،
فكان أول من برز إلى التتار هو، فخرج بأهله بهولاكو خان لعنه الله ثم عاد فأشار على الخليفة بالخروج إليه لتقع المصالحة،
فاحتاج الخليفة إلى أن يخرج في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والأعيان فلما اقتربوا من منزل السلطان هولاكو
خان حُجبوا عن الخليفة إلا سبعة عشر نفسا، وأنزل الباقون عن مراكبهم ونهبت وقتلوا عن آخرهم وأحضر الخليفة بين يدي
هولاكو فاضطرب الخليفة من هول ما رأى من الإهانة والجبروت ثم عاد إلى بغداد وفي صحبته نصير الدين الطوسي وزير هولاكو
والوزير ابن العلقمي والخليفة تحت الحوطة والمصادرة فأحضر من دار الخلافة الذهب والجواهر وقد أشار أولئك الملأ من
الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لا يصالح الخليفة وحسنوا له قتل الخليفة،فلما عاد الخليفة إلى هولاكو أمر بقتله
والذي أشار بقتله الوزير ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي فقتلوه رفسا وهو في جوالق لئلا يقع على الأرض شيء من دمه خافوا
أن يؤخذ بثأره.فباءوا بإثمة وإثم من كان معه من سادات العلماء والقضاة وأُولى الحل والعقد ببلاده.
ثم مالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال والنساء والولدان والمشايخ والكهول والشبان ودخل كثير من الناس
في الآبار وأماكن الحشوش وقنى الوسخ وكمنوا كذلك أياما لا يظهرون وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات ويغلقون
عليهم الأبواب فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار ثم يدخلون عليهم فيهربون منهم إلى أعالي الأمكنة فيقتلونهم بالأسطحة
حتى تجري الميازيب من الدماء في الأزقة وكذلك في المساجد والجوامع والربط ولم ينج منهم احد سوى أهل الذمة من اليهود
والنصارى ومن التجأ إليهم وإلى دار الوزير ابن العلقمي الرافضي الذي دبر هذه المكيدة لإبادة المسلمين.
وقد بلغ القتلى في المسلمين في بغداد ألف ألف وثمانمائة ألف وقيل بلغت القتلى ألفي ألف نفس والسيف يقتل أهلها أربعين
يوما وقتل مع الخليفة ولده الأكبر أبو العباس أحمد ولده الأوسط أبو الفضل عبدالرحمن وأُسر ولده الأصغر مبارك وأُسرت أخواته
الثلاث فاطمة وخديجة ومريم وأسر من دار الخلافة من الأبكار ما يقارب ألف بكر،وقُتل أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين
يوسف بن الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي وكان عدو الوزير، وقتل أولاده الثلاثة عبد الله وعبدالرحمن وعبدالكريم وأكابر الدولة
واحد بعد واحد منهم الديودار الصغير مجاهد الدين أيبك وشهاب الدين سليمان شاه وجماعة من أمراء السنة وأكابر البلد وكان
الرجل يستدعي به من دار الخلافة من بني العباس فيخرج بأولاده ونسائه فيذهب به إلى مقبرة الخلال تجاه المنظرة فيذبح كما
تذبح الشاة ويؤسر من يختارون من بناته وجواريه وقتل الخطباء والأئمة وحملة القرآن وتعطلت المساجد والجماعات والجُمعات
مدة شهور ببغداد.
يتبع
وبقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس والقتلى في الطرقات كأنها التلول وقد سقط عليهم المطر
فتغيرت صورهم وأنتنت من جيفهم البلد وتغير الهواء فحصل بسببه الوباء الشديد حتى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام فمات
خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون ـ فإنا لله وإنا إليه راجعون ـ.
ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والقنى والمقابر كأنهم الموتى إذا نبشوا من قبورهم وقد أنكر
بعضهم بعضا فلا يعرف الوالد ولده ولا الأخ أخاه وأخذهم الوباء الشديد فتفانوا وتلاحقوا بمن سبقهم من القتلى واجتمعوا تحت
الثرى بأمر الذي يعلم السر وأخفى الله لا إله إلا هو له الاسماء الحسنى.
وقد رحل هولاكو خان عن بغداد وفوض أمر بغداد إلى الأمير على بهادر وإلى الوزير بن العلقمي وأراد ابن العلقمي قبحه الله ولعنه
أن يعطل المساجد والمدارس والربط ببغداد ويستمر بالمشاهد ومحال الرفض وأن يبني للرافضة مدرسة هائلة ينشرون عِلْمَهُم
وعَلَمَهم بها وعليها،فلم يقدره الله تعالى على ذلك بل أزال نعمته عنه وقصف عمره بعد شهور يسيرة من هذه الحادثة فلم يمهله
الله ولا أهمله بل أخذه أخذ عزيز مقتدر فمات جهدا وغما وحزنا وندما فولى بعده الوزارة ولده عز الدين بن الفضل محمد فألحقه الله
بأبيه في بقية هذا العام ولله الحمد والمنة.
المراجع: "البداية والنهاية" لابن كثير، "المنتظم" لابن الجوزي"