| سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | موضوع: سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب الخميس سبتمبر 25, 2008 4:34 am | |
| .[b[color=red]]: الحلقة الأولى :.
المقدمة :
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدِنا وحبيبِ قلوبنا أبي القاسم محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وعلى أصحابه الغر الميامين وعلى من اتبع أثرهم إلى يوم الدين ، وبعــد :
محمد صلى الله عليه وسلم ، أحيا الله به الأرواح من الجهل والشرك والخرافة، حتى كانت خير أمة أخرجت للناس ، فاللهم حبِّب إلينا الإيمان، وزيِّنه في قلوبنا، وكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين. اللهم أرنا الحق حقًا، والباطل باطلاً ، اللهم وفقنا لاتباع الحق والعمل به والدعوة إليه والصبر على الأذى في ابتغاء وجهك، وطلب مرضاتك (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنّا سيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ ) .
أحبتي في الله .. من مبادئنا الأصيلة، ومن تعاليمنا الجليلة، أن نفتخر بهذا الدين، وأن نتشرف بأن جعلنا الله مسلمين، فمن لم يتشرف بالدين ومن لم يفتخر بكونه من المسلمين، ففي قلبه شك وقلة يقين :
وممـــا زادنــــي شـــــــــرفـًـا وفخـــــرًا وكدتُ بأخمصي أَطأُ الثريَّا
دخولي تحت قولك »يا عبادي« وأن صيَّرت أحمــد لــي نبـيِّا
الشرف كل الشرف ليس في الدور، ولا القصور، ولا في الأموال، ولا في* الأولاد، ولا في الهيئات ولا في الذوات، الشرف أن تكون عبدًا لرب الأرض والسماوات، الشرف أن تكون من أولياء الله، الذين يعملون الصالحات، ويجتنبون المحرّمات.
روى أحمد في مسنده عن حذيفة : ( أنه تبع النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العشاء ، فعرض للنبي عارضٌ فناجاه ثم ذهب ، يقول حذيفة : فاتبعته فسمع صوتي فقال : من هذا ؟ فقلت : حذيفة ، قال : ما لك ؟ قلت : استغفر لي ولأمي ، فقال : غفر الله لك ولأمك ، ثم قال : أما رأيت العارض الذي عرض لي قبيل ، قلت : بلى ، قال : فهو ملك من الملائكة لم يهبط الأرض قبل هذه الليلة ، فاستأذن ربه أن يسلم علي ، ويبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأن فاطمة سيدةُ نساء أهل الجنة ) 1 ، فرضي الله عنهم جميعًا .
إخواني من أين أبدأ ؟ .. أتدرون عن من أتكلم هذه الليلة ، ( بينا كان عمرو بن العاص في ظلّ الكعبة جالسًا ، إذ رأى طيفًا قادما ، فقال : هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم ، فلمّا أقبل فإذا هو الحسين بن علي ) 2 ، كيف أسرد لكم قصته .. من أين أبدؤها ؟ وكيف أصوغها ؟ وبأيّ شعرٍ يستفيض بياني ؟ فالكلمات لا تسعفني .. والعبارات تخونني .. والعبرات تسبقني ..
أقدم اليوم رمزًا من رموز الشهادة على مرّ تاريخ الإنسان ، أقدمه لكم غضًّا طريًّا ، وأنا أشعر بالحرج ، لأنني مهما قلت، مهما ذكرت .. فسوف أقصّر في سيرته وترجمته، إنه حياة لضمير الأجيال .. رمز من رموز الإسلام ،إنه الرجل الذي لمّا مات أمست مدن الإسلام في مصيبة وعزاء . [/colo[/b]r]
عدل سابقا من قبل الشيخ عودة ال في الثلاثاء سبتمبر 30, 2008 7:35 am عدل 2 مرات | |
|
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | موضوع: رد: سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب الخميس سبتمبر 25, 2008 4:37 am | |
| إنه الرجل الذي قال فيه جابر : ( من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة ؛ فلينظر إلى الحسين بن علي ) 3 ، إنّه الرجل الذي أقبل عليه أبو هريرة فأخذ ينفض بثوبه التراب عن قدم الحسين 4 ، إنه الرجل الذي كان ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ الركاب له ولأخيه الحسن إذا ركبا ، ويرى هذا من النعم عليه 5 ، إنّه الرجل الذي حجّ خمسا وعشرين حجة ماشيا على قدميه 6 ، فاللهم أرنا وجه جدّيَ الحسين في الجنة ، واحشرنا مع نبينا محمد في مقعد صدق عند مليك مقتدر، واجمع بيننا وبينه ، ولا تفرّق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله .
من ههنا .. السلام عليك يا أبا عبد الله ، وبيننا وبينك أربعة عشر قرناً ، السلام عليك يوم ولدت ، ويوم قتلت ، ويوم تبعث حيا .
عليك سلامُ اللـه وقفًا فإننـي رأيت الكريم الحرَّ ليس له عُمْر ثوى طاهر الأردان لم تبْقَ بقعةٌ غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبرُ
أيها الناس :
إذا لم نخرج بالحسين أمام العالَم ، فبمن نخرج ؟ ما النموذج الذي نُقدمه إذا لم نُقدّم أمثال هؤلاء الأبطال ؟ هنا مواقف مؤثرة ، في حياة الحسين ، سجلها التاريخ، ووقف أمامها، وأنصت لها .. من مدرسة النبوة .. تخرّج الإمام الحسين بن علي ، ليكون تلميذا من تلاميذها العظام .
وقبل البداية أحبّ أن أشير إلى أمرٍ في غاية الأهمية .. ألا وهو أنّ أغلب التراجم للإمام الحسين ركّزت على محورين فقط في حياته ، الأول : فضائله ، والأخير : استشهاده رضي الله عنه .
مما حرمنا من التمتّع بسيرته العطرة من ميلاده وحتى استشهاده ، وما واكب ذلك من مواقف مشرفة ، نحتاج لأن نقتدي بها ، مما أغراني بأن أغوص في هذا البحر الفيّاض ، وأتكلم عن تلك الحقبة ، فأعرض أمامكم بعض اللآلئ في تاريخ هذا الإمام ، من منّا يعلم أنّ الحسين شارك في فتح أفريقيا ؟ هل تعلمون أن الحسين شارك الجيش المسلم الذي غزا أوروبا ؟ كثير منّا لا يعلم ذلك !!
لكن اليوم بإذن الله التاريخ نقرأ ، وأعدكم بأني سأجتنب الروايات المكذوبة والموضوعة ، ولا يمنعني ذلك أن أرجع إلى مصادر غير أهل السنة والجماعة .
( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السموات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك ، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) 7 .
من هو الحسين بن علي ؟
إنّي لتطربني الخلال كريمة طرب الغريب بأوبة وتلاق ويهزّني ذكرُ المروءة والندى بين الشمائل هِزّة المشتاق
كنيته واسمه ونسبه :
أبو عبد الله الحسين بن علي بن أبي طالب ( عبد مناف ) 8 بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان 9 ، القرشي الهاشمي .
لقبـه :
سِبط رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وريحانته من الدنيا ، وهو سيد شباب أهل الجنة . | |
|
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | |
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | موضوع: رد: سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب الخميس سبتمبر 25, 2008 4:40 am | |
| .: الحلقة الثانية :.
قطوف من سيرة الحسين العطرة :
هو علم من أعلام تاريخنا الإسلامي ، قلما خلا التاريخ من سيرته وأخباره ، وقد تحدث عنه كثيرون ، لما عرف عنه ، من بذل النفس في سبيل الحق والمبدأ ، ولما تركه من الأثر العظيم على مر العصور.
قال الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ( من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني )1 ، ولد رضي الله عنه لخمس خلون من شهر شعبان سنة أربع من الهجرة ، وذلك بالمدينة المنورة ، ونالت سيرته العطرة منزلةً عظيمة ، مما لم تنله سيرة كثير من العظماء ، فهو إلى اليوم .. يذكرُ له المسلمون يومَ تضحيته بحياته ، فيجعلون منه مثلاً أعلى لما قام به من تقديم نفسه للاستشهاد في سبيل الدفاع عن منهجه ومبدئه ، القائم على إتباع الكتاب والسنة ، فأصبح الناس بين : حزين متألم لما ناله ومن معه من قتلٍ وتعذيب وهوان ، وبين من يحاول أن يتأسى به ، فيضحي بحياته في سبيل العزة والكرامة .
الصفات الخَلقية للحسين رضي الله عنه :
لقد كان الحسين سيدًا وسيمًا جميلاً ، كيف لا ! وقد كان من بركات الله سبحانه وتعالى على الحسين : أنّه كان أشبه الناس بجدّه صلى الله عليه وآله وسلم ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( كان الحسين أشبههم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) 2 .
وعن عبيد الله بن أبي يزيد قال : ( رأيت الحسين بن علي : أسود الرأس واللحية إلا شعرات في مقدم لحيته ) ، وعن عمر بن عطاء : ( رأيت الحسين يصبغ بالوَسمة ، كان رأسه ولحيته شديدي السواد ) 3 ، وعن السدي قال : ( رأيت الحسين وله جُمة خارجة من تحت عمامته ) والجمة : مجتمع شعر الرأس .
هذه بعض أوصاف الإمام الحسين ، كما ذكرتها كتب التراجم ، للمزيد يمكنكم الرجوع إلى كتاب سير أعلام النبلاء ، للحافظ الذهبي .
علم الحسين رضي الله عنه :
لقد ترعرع الغلام في بيت سيّد الأنام ـ عليه الصلاة والسلام ـ يتأدّب بأدبه ويتعلّم من علمه ، ويتربّى على تربيته ، حتى بلغ الذَّروة في العلم والأدب ، كيف لا وقد تلقى علومه الأولى على يد جده رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ثم على يد والده علىٍ رضي الله عنه ، وعلى أيدي كرامِ الصحابة ، حفظ القرآن وهو صغير ، وروى عن جده الأحاديث ، وأيضا روى عن أبيه وأخيه ، وطائفةٍ من الصحابة رضي الله عنهم .
وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعلّم الناس كتاب الله تعالى ، ومن بينهم : الحسنُ والحسين ، فتعلما منه منهجه لبيان الحكمِ الشرعي ، وطريقتَه في الاستنباط ، والتي كان ملامحها : الالتزام بظاهر القرآن الكريم ، وحمل المطلق على المقيّد ، وحمل المجمل على المفسّر ، والعلمِ بالناسخ والمنسوخ ، والنظرِ في لغة العرب ، وفهمِ النّص بنصٍ آخر .. إلى غير ذلك .
كان القرآن الكريم لذلك الجيل ومنهم : الحسين بن علي : هو المنهج التربوي ، إضافة إلى الهدي النبوي ، فكان للآيات التي سمعها من والده أمير المؤمنين علي ، أثرها في علمه وصياغة شخصيته ، فقد تطهّر قلبه وزكت نفسه ، وتفاعلت معه روحه ، فأبصر الحقائق في عالم الوجود .
قال الحافظ ابن حجر في كتاب الإصابة : ( وقد حفظ الحسين أيضا عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، وروى عنه ، أخرج له أصحاب السنن أحاديث يسيرة ، وروى عن أبيه وأمه وخاله هند بن أبي هالة، وعن عمر . وروى عنه أخوه : الحسن ، وبنوه : على زين العابدين وفاطمة وسكينة ، وحفيدُه الباقر والشعبيُ وعكرمةُ وسِنان الدؤلي ، وكَرزُ التيمي ، وآخرون ) 4 .
وقال الحافظ الذهبي في سيره : ( حدث عن جده، وأبويه، وصهرِه عمر ـ بن الخطاب ـ وطائفة ، حدَّث عنه : وَلدَاه علي وفاطمة، وعبيدُ بن حنين، وهَمّامُ الفرزدق، وعكرمة، والشعبيُ ، وطلحةُ العقيلي، وابنُ أخيه زيد بن الحسن، وحفيدُه محمد بن علي الباقر، وابنته سكينة ، وآخرون ) 5 .
عبادته ومحبته لربه : | |
|
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | موضوع: رد: سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب الخميس سبتمبر 25, 2008 4:41 am | |
| كان الحسين بن علي رضي الله عنهما ، من المجتهدين في العبادة ، ومارس مفهوم العبادة الشامل في حياته ، فقد رضع العبادة ، مع ما رضعه من معدن النبوة ، وتربية الزهراء ، التي جاءت إلى أبيها عليه الصلاة والسلام لتطلب خادمًا ، فدلّها على ما هو أفضل من ذلك : ألا وهو التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير . وقال لها ولزوجها في الليل وهما في الفراش : ( ألا تقومانِ تصلِِيان ) ؟ .. فأطلّ الحسين على الحياة ، في بيت الزهد والعبادة .. والورع والتقى .. والحلم والصبر .. فانغمس الحسن في هذه المفاهيم .. والمثل والمبادئ .. حتى غدا مثالاً من مثُلها .. يشهد له بذلك معاصروه من الصحابة الأبرار .
فكان رضي الله عنه .. كثير الصوم والصلاة .. والحج والصدقة .. وأفعال الخير جميعها ، قال مصعب الزُبيري : ( حج الحسين خمسا وعشرين حِجة ماشيا على قدميه ) 6 ، وإبله تقاد بين يديه – كما كان يفعل أخوه – لكنه كان يسلك طريقاً غير الذي يسلكه الناس ، حتى لا يشقوا على أنفسهم في تقليده فيمشون في الطريق الذي مشى فيه ، وكان الحسن والحسين إذا طافا بالبيت يكاد الناس يحطّمونهما مما يزدحمون عليهما ، للسلام عليهما ( رضي الله عنهما ) .
كان يكثر من الصلاة بالليل والنهار ، وقد وصف الله عبادة المتقين بقوله : ( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ، وبالأسحار هم يستغفرون ) ، ولم يترك قيام الليل حتى في آخر ليلة من حياته رضي الله عنه ، أتدرون لماذا ؟ لأن قيام الليل شرف المؤمن ، كما قال جدّ الحسين صلى الله عليه وآله وسلم : ( شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزّه استغناؤه عن الناس ) 7 .
ومهما كثُرت دعاوى المحبة ، طُولب أصحابها بالدليل .. وشَهِدت عليهم ساعات الليل .. فالبيّنة على من ادّعى .. فأهل القيام .. هم الأشرف بين النّاس .. أما أهل النوم والغفلة ـ كأمثالنا ـ فقد فضحتهم تلك الساعات .. فأسْقَطَت ذكرهم .. وأدنَت شرفهم .
أمّا الحسين رضي الله عنه ، فقد كان كثير الدعاء والتضرّع ، وإظهار الافتقار إلى الله وحده ، فنراه في وقعة الطف 61 هـ يغتسل ويتطيب بالمسك ، ثم يركب فرسه ويستقبل القوم رافعاً يديه يدعو : ( اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت فيما نزل بي ثقة، وأنت وليُ كل نعمة، وصاحبُ كل حسنة ) 8 .
لقد كان الحسين عالما فقيها ورعا ، يخاف ربه ويخشاه ، كما أنه تعلَّم منذ الصغر فنون العلم والأدب ، ولقد آتاه الله عز وجل ملكة الخطابة ، وطلاقة اللسان ، وحُسنَ البيان .
جهاده رضي الله عنه :
للحسين رضي الله عنه السهْمُ الوافر ، والقَدَحُ المعلّى في الشجاعة ، نصرةً لهذا الدين وإعلاءً لكلمة الله عزّ وجل ، كيف لا ، وجدّه عليه الصلاة والسلام يقول : ( والذي نفس محمد بيده ، لوددت أن أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل ) 9 .
هذا كلام القائد فكيف يكون الجند ؟ هذا الأستاذ ، فكيف يكون الطلاب ؟ كانوا قمماً من العزّة والتضحية ، وقذائفَ من البذل والعطاء .
إنَّ ما كان عليه الحسين بن علي من عبادة ، وورع وتدريس للعلم ، لم يُنسِه دورَه في محاربة أعداء الإسلام ، وفتح الثغور لنشر دين الله عز وجل ، لأن ذلك من تمام الواجبات ، وهي تاج العزة وسياحة المؤمن ، ولقد ضرب لنا الحسين في ذلك أروع الأمثلة في الصبر والجهاد في سبيل الله ، فقام بواجبه وأدى دوره كما يجب أن يكون .
ولعل أفضل ما نبرهن به على ذلك : جهاده على أرض أفريقيا في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، ثم رجع مع المنتصرين ليبشروا الخليفة عثمان بالنصر على الرومانِ المحتلين الغاصبين .
وكذلك شهد موقعة ( طبرستان ) مع سعيد بن العاص ، الذي أرسله الخليفة عثمانُ بن عفان ، لنشر الإسلام وفتح البلاد ، وضمها لبلاد الإسلام .
ولا ننسى الدور الذي قام به الحسين في عهد معاوية رضي الله عنهما ، فلقد شارك بروحه وجسمه ونفسه في إعلاء كلمة لا إله إلا الله ، يصل إلى القسطنطينية مجاهدًاً مقاتلاً ، سنة 50 للهجرة ، مع الجيوش المسلمة المجاهدة لفتح أوربا ، وأدى دوره في إيمان وشجاعة ، ثم عاد إلى المدينة .
مجلس الحسين رضي الله عنه :
أكرم المجالس مجالس العلم والذكر ، فما بالك إذا توسّط والد سيدا شباب أهل الجنّة ( علىِ ) رضي الله عنه بحديثه وتعليمه وتوجيهه ، كان من صفاء مجلسه ونقاء سريرته : أن يردَّ المخطئ ، ويعلّمَ الجاهل ، وينبّهَ الغافل ، ولا يقبلُ في مجلسه إلا كلَ خير .
ولذلك نجد أنّه لما تجرّأ البعض على سبّ الصحابة رضوان الله عليهم ، وانتقاصِ قدرهم والطعنِ فيهم ، ما كان من ( علي ) رضي الله عنه إلا أنه أنكر تلك الغيبة والنميمة والبهتان ! وردّ عن أعراض إخوانه من الصحابة وبيّن فضلهم .
قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : ( أوصيكم في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لا تسبّوهم فإنهم أصحاب نبيّكم ، وهم أصحابه الذين لم يبتدعوا في الدين شيئًا ، ولم يوقّروا صاحب بدعة ، نعم أوصاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هؤلاء ) 10. | |
|
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | |
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | موضوع: رد: سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب الخميس سبتمبر 25, 2008 4:44 am | |
| .: الحلقة الثالثة :.
خطبة علي لفاطمة رضي الله عنهما :
تعالوا معنا يا أحبابنا ، وبسرعة نخترق العصور راجعين إلى الوراء ، ونتجاور القرون ، ثمّ نأتي لنقف عند باب تلك الغرفة ، تلك الحجرة الصغيرة ، إنها حجرة علي رضي الله عنه ، وعلي جالس يفكّر في الزواج ، ممّن ؟ من ابنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ( فاطمة الزهراء ) ، لكنه يستحى أن يكلم رسول الله في ذلك .
فقام إليه رجلان من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ورغّبا علي على ذلك الزواج وشجّعاه على التقدّم لخطبة ( فاطمة ) ، أتدرون من هما ؟ إنهما الصاحبان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما ، كما أورد ذلك المجلسي في بحاره ، و الطوسي في الأمالي :
عن الضحاك قال : سمعتُ عليَّ بن أبي طالب يقول : " أتاني أبو بكر وعمر فقالا : لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له فاطمة ، قال: فأتيته ؛ فما رآني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضحك، ثم قال: ما جاء بك يا علي؟ وما حاجتُك؟ فذكرتُ له قرابتي وقدِمي في الإسلام، ونُصرتي وجهادي ، فقال: يا علي، صَدَقْتَ ، فأنت أفضلُ مما تذكر .
فقلت : يا رسول الله ، فاطمة تُزوّجنيها ؟ قال : على رِسْلِكَ حتى أخرج إليك ، فدخل [صلى الله عليه وعلى آله وسلم] عليها؛ فقامت إليه ؛ فقال لها : يا فاطمة! علي بن أبي طالب قد ذكر من أمركِ شيئًا ، فما ترين ؟ فسكتت ولم تولّ وجهها ، فقام وهو يقول الله أكبر ، سكوتُها إقرارُها " 1 .
وفي رواية أخرى : وعداه على تحمّل المؤونة المالية للزواج ، وهذا كله دليل المودة والرحمة والأخوة الإيمانية الخالصة رضي الله عنهم جميعًا ، والتي انعكست على حياة الحسين بعد ذلك ، ثمّ أقول : هذا جيل محمد عليه الصلاة والسلام ، هذه مدرسته التي قدمها للتاريخ ، هذا الرعيل الأول الذي ما سمع الناس بمثله .
مهر فاطمة رضي الله عنها وجهازها :
جاء تفصيل ما قدّمه أبوبكر وعمر رضي الله عنهما في إعانة أخيهم علي رضي الله عنه في تحمّل مؤنة نكاحه في مصادر كثيرة منها ، مثل : " كشف الغمة " للأربلي " و" بحار الأنوار " للمجلسي " و " أمالي الطوسي " ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة بأن يشتروا للزهراء ما تحتاجه للعرس بإشراف من أبي بكر الصديق رضي الله عنه 2 :
( عن عليًّ رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال له : قم فبع الدرع؛ فَقُمْتُ فَبِعْتُهُ وأخذتُ الثمن ودخلتُ على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؛ فكببتُ الدراهم في حِجره ؛ فلم يسألني كم هي، ولا أنا أخبرته ، ثم قَبضَ قبضةً ودعا بلالاً ، فأعطاه وقال: " ابتع لفاطمة طيبًا " ، ثم قبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبضة من الدراهم بكلتا يديه فأعطاها أبا بكر وقال: "ابتع لفاطمة ما يصلحها من ثياب وأثاث البيت" ، وأردفه بعمار بن ياسر وبعدة من أصحابه، فحضروا السوق، فكانوا يعرضون الشيء مما يصلح فلا يشترونه حتى يعرضوه على أبي بكر، فإن استصلحه اشتروه ، فكان مما اشتروه قميص بسبعة دراهم، وخمار بأربعة دراهم، وقطيفةٌ سوداء خيبرية، وسرير مزمّل بشريطة ، وفراشين من خيس مصر ... وأربع مرافق من أدم الطائف ... حتى إذا استكمل الشراء حمل أبو بكر بعض المتاع، وحمل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذين كانوا معه الباقي ؛ فلما عرضوا المتاع على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعل يُقَلَّبُهُ بيده ويقول : بارك الله لأهل البيت ) 3 .
وفي رواية أخرى : أَنَّ عليًا رضي الله عنه لمَّا أراد تجهيز فاطمة رضي الله عنها باع درعه على عثمان رضي الله عنه، ثُمَّ ردَّ عثمان الدرع عليه هدية له 4، وجاء في " كشف الغمة " : ( .. فأخذت درعي فانطلقت به إلى السوق فبعته بأربع مائة درهم من عثمان بن عفان ، فلما قبضت الدراهم منه وقبض الدرع منّي قال : " يا أبا الحسن ، ألستُ أولى بالدرع منك وأنت أولى بالدراهم مني ؟ فقلت : نعم ، قال : فإنّ هذا الدرع هدية مني إليك ، فأخذت الدرع والدراهم ، وأقبلت على رسول الله فطرحتُ الدرع والدراهم بين يديه ، وأخبرته بما كان من أمر عثمان ، فدعا له النبي بخيرٍ ) 5 .
فتأملوا معي يا أحبابي .. هذا المنظر الجميل من تجهيز فاطمة رضي الله عنها ، التي أنجبت لنا جيلا مباركا كالحسن والحسين ـ سيدا شباب أهل الجنة ـ وكيف كان لكبار الصحابة دورهم في إتمام مراسم ذلك الاحتفال ، ومساعدتهم في شؤون التجهيز ، والإيثار في دفع ثمن الدرع ، وصدق الله : { محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع يغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيماً } 6 .
شهود زواج علي من فاطمة رضي الله عنهما : | |
|
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | |
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | موضوع: رد: سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب الخميس سبتمبر 25, 2008 4:47 am | |
| .: الحلقة الرابعة :.
جولة في بيت الحسين
هذه الحلقة .. لنا جولة في بيت الحسين .. إنّ الرحلة إلى حيث بيت الحسين رضي الله عنه ، ورؤية دقائق حياته وأسلوب معاملته أمرٌ مشوّق للغاية .. سنعود قرونًا خلت .. ونقلّب صفحات مضت .. نقرأ فيها .. نتأمّل سطورها .. نقوم بزيارة الحسين رضي الله عنه في بيته عبر الحروف والكلمات .. نعم سندخل بيته .. ونرى حاله وواقعه .. نستلهم الدروس .. ونستنير بالقول والفعل .. جادّين في تطبيق ما نراه ونعرفه .. ولضيق المقام نعرّج على مواقف معيّنة في بيته .. علّنا نربّي أنفسنا ونطبّق ذلك في بيوتنا .
ها نحن نطلّ على المدينة المنوّرة ، وهذا أكبر معالمها البارزة بدأ يظهر أمامنا ، إنه جبل أحد ، الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : ( هذا جبلٌ يحبّنا ونحبّه ) 1 ، وها نحن نشاهد المسجد العظيم .. إنّه مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم .. إنّه المسجد الذي يصطفّ فيه الصحابة الكرام يصلّون .. خلف من ؟ .. خلف أعظمِ البشر .. سيدِ ولد آدم .. صلى الله عليه وآله وسلم .. إنه المسجد الذي يصلي فيه الحسين .. رضي الله عنه .. إنّه المسجد الذي شرع لنا شدّ الرحال إليه .
وقبل أن نلج بيت الحسين رضي الله عنه ونرى بناءه وهيكله .. لا نتعجّب إن رأينا المسكن الصغير ، والفراش المتواضع ، فإنّ ( عليًا ) رضي الله عنه والد الحسين من أزهد الناس في الدنيا ، لا ينظر إلى زخارفها وأموالها .
أوصاف بيت الحسين :
وقد أقبلنا على بيت الحسين رضي الله عنه .. نستحثّ الخُطا ، سائرون في طرق المدينة .. ها هو قد بدا بيت الحسين ، مبنيٌ من جريدٍ عليه طين ، من حجارة مرضومة 2 ، وسقفه من جريد ! نعم .. هكذا كانت بيوت الصحابة رضي الله عنهم ، حتى يقول الحسن ( كما في الطبقات الكبرى ) : ( كنت أدخل بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة عثمان بن عفّان فأتناول سقُفَها بيدي ) !
لاشك إنّه بيتٌ متواضع ، ومكانٌ ضيّق .. لكنه عامرٌ بالطاعة والإيمان .. حيّ بالوحي والقرآن .
ونحن نقترب من بيت الحسين رضي الله عنه ونطرق بابه استئذانا .. أذن لنا ، واستقر بنا المقام في وسَط البيت ، لنجيل النظر .. وينقل لنا الصحابة رضوان الله عليهم واقع هذا البيت من فرشٍ وأثاثٍ وأدواتٍ وغيرها .. إنّه بيتٌ أساسه التواضع ورأس ماله التقوى ، والبركة تحلّ في نواحيه .. بل الملائكة تحفّه !!
ألا ترى أنّ جدرانه تخلو من الصور التي يعلّقها كثير من الناس اليوم !! فقد قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : ( بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ، فقال : لا تدع صورة إلا محوتها ، ولا قبراً إلا سويته ) 3 كما ورد في كتاب الوسائل ، وجاء في كتاب الكافي : عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال جبريل عليه السلام : ( يا رسول الله إنا لا ندخل بيتاً فيه صورة انسان ) 4 .
بعض أدوات البيت :
أطلق بصرك .. لترى بعضًا مما كان يستعمل في الحياة اليومية .. فهناك ( الدرع الحطمية ) التي شهدت بطولات علي رضي الله عنه ، ومعاركَه الحربية وأيامَ البأسِ والشدّة .. وفي تلك الزاوية توجد ( جرتان ) للماء ، وهما اللتان بعث بهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت علي رضي الله عنه 5 .
وانظر إلى تلك الناحية .. إنّه ( الفراش ) الذي ينام عليه أهل البيت عليهم السلام ، فهو من جلد كبش ينامون عليه في الليل ، وفي النهار تعلف عليه فاطمةُ ناضحهم 6، و ( الوسادة ) فمن الجلد المدبوغ حشوها ليف ، أما ( اللحاف ) فهو متواضع وقصير !! قطيفة إذا غطيت الرؤوس تكشفت الأقدام ! وإذا غطيت الأقدام تكشفت الرؤوس ! 7 فلا إله إلا الله ..
ولو أطلقنا النظر ، شاهدنا ( الرحى ) .. نعم إنه الرحى .. الذي كانت فاطمة رضي الله عنها تطحن فيه حتى تأثّرت يداها ، فبدأت تشكو مما تلقى في يدها من الرحى !
كانت حياتها في غاية البساطة ، والقصة التالية تصوّر لنا حال السيدة فاطمة من التعب وصبرها ، ففي صحيح البخاري ، عن علي أنّ فاطمة عليهما السلام أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى ، وبلغها أنه جاءه رقيقٌ ( أي سبي ) ، فلم تجده في البيت ، فذكرت ذلك لعائشة ، فلما جاء الرسول أخبرته عائشة ، قال : فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم ، فقال : ( على مكانكما ، فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني ، فقال : ألا أدلكما على خير مما سألتما ، إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما ، فسبحا ثلاثا وثلاثين ، واحمدا ثلاثا وثلاثين ، وكبرا أربعا وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم ) 8 . الله أكبر .. هذا البيت نشأ فيه الحسين !! | |
|
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | |
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | موضوع: رد: سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب الخميس سبتمبر 25, 2008 4:49 am | |
| .: الحلقة الخامسة :.
بين الحسين والنبي :
كان الحسين أصغر من أخيه الحسن ، لذلك فقد كان محل رعاية جده صلى الله عليه وآله وسلم ، سواءٌ أكان وحده أم مع أخيه الحسن ، وكان يحبّه حبا عظيمًا ، يقول أسامة بن زيد : ( طرقت باب النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم في بعض الحاجة ، فخرج النبي وهو مشتملٌ على شيء لا أدري ما هو ، فلما فرغت من حاجتي قلت : ما هذا الذي أنت مشتمل عليه يا رسول الله ؟ فكشف فإذا حسن وحسين رضي الله عنهما على وركيه ، فقال : هذان ابناي وابنا ابنتي ، اللهم إني أحبُّهما فأحبَّهما ، وأحبَّ من يحبُّهما ) 1 .
وضع النبي صلى الله عليه وسلم حسينا على عاتقه ، فسال لعاب الحسين عليه فلم يغضب ، أتدرون لماذا ؟ لأنه يحبّه !! 2 أتي بالحسين رضي الله عنه ، فوُضع في حِجر النبي صلى الله عليه وسلم ، فبال في حجره ، فلم يغضب ، لماذا ؟ لأنه يحبّه !! 3
أخي المشاهد .. إنّ خلق الرسول العظيم مدعاةٌ إلى الأخذِ به ، والسّيرِ على خُطاه ، فنحن في زمن فقدنا فيه الإحساس بمحبّة الصغار .. وإنزالَهم منزلَتهم .. فهم الآباء غدًا .. وهم رجال الأمة وفجرُها المنتظر .. بلغ بنا الجهلُ والكبرُ وقلةُ الرأي .. إلى أن تركنا مفتاح القلوب مغلقًا مع الناشئة !! أمّا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنّ المفتاح بيده وعلى لسانه .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوّذ الحسن والحسين ، ويقول : ( إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق : أعوذ بكلمات الله التامة ، من كل شيطانٍ وهامة، ومن كل عينٍ لامة ) 4.
في هذا الحديث قيمة تربوية قيّمة ، حيث بيّن الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية دعاء الوالدين لأبنائهم ، كما ذكر علاجًا يتفرّد به الطبّ النبوي للأطفال ، وهو ركنٌ من أركان المحافظة على صحة الطفل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا ما فعله مع الحسن والحسين رضي الله عنهما .
بل رحمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تَطالُ الحسين حتى وهو في عبادة عظيمة ( في الصلاة ) ، فعن عبد الله بن شداد عن أبيه قال : ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر ، وهو حامل الحسن أو الحسين ، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه ، ثم كبّر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها .
فقال : إني رفعت رأسي فإذا الصبيّ على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ، فرجعت في سجودي ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ، قال الناس : يا رسول الله ، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك هذه سجدةً قد أطلتها ، فظننا أنه قد حدث أمرٌ ، أو أنه قد يوحى إليك ، قال : فكل ذلك لم يكن ، ولكن ابني ارتحلني فكرهت أن اُعجِله حتى يقضي حاجته ) 5.
فسبحان الله .. إنّ ذلك دليل رحمة القلب والفؤاد ، من قبل المصطفى ، لريحانة المصطفى ، صلى الله عليه وسلم ، وهو برهانٌ على تواضع المربّي للمتربّي ، وحنان الكبيرِ على الصغير ، إنّه نورٌ ساطع يبهر فؤاد الطفل ، ويشرح صدره ويزيد من تفاعله .
أخرج ابن ماجه والتوذي عن يعلى بن مرة : أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى طعام دُعوا له ، فإذا حسينٌ يلعب في السِّكة ، قال : فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ، وبسَط يديه ، فجعل الغلام يفرُّ ها هنا وها هنا ويضاحكه النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى أخذه فجعل إحدى يديه تحت ذقنه والأخرى في فأس رأسه فقبَّله ، وقال : ( حسين مني وأنا من حسين ، أحبّ الله من أحب حسيناً ، حسينٌ سِبطٌ من الأسباط ) 6 .
أما خطر ببالك أيها المشاهد العزيز .. أن تداعب صغارك .. وتمازح أبناءك .. وتسمع ضحكاتِهم .. وجميل عباراتهم ! كان نبيّ هذه الأمة يفعل ذلك كلّه ، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم .
تصوّروا معي يا أحباب .. النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبّل الحسين .. اللــه .. ما أعظمها من قبلة ! أعظم البشر يقبّل الحسين ! سيّد ولد آدم يقبّل الحسين ! فأين الآباء عن هذه المعاني ؟ القبلة لها دورٌ فعّال في تحريك مشاعر الطفل وعاطفته ، بل القبلة تسكّن ثوران الطفل وغضبه ، بالإضافة إلى الشعور بالارتباط الوثيق في تشييد علاقة الحبّ بين المربّي والمتربي .
ولقد ظلّ النبي صلى الله عليه وسلم ، يعلّم المسلمين حبّ الحسين رضي الله عنه ، حتى قال : ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ) 7، وقد نقل إلينا خبر سيادة الحسن والحسين في الجنة ، جمعٌ غفير من الصحابة . فما معنى ذلك ؟ معنى ذلك أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلن ذلك مرةً بعد مرةً ، بل يكرّر ذلك في المحافل الجامعة ! 8 .
أخرج الإمام احمد في مسنده : عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني ، يعني الحسن والحسين ) 9 .
قال الإمام الشافعي : | |
|
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | |
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | |
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | |
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | موضوع: رد: سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب الخميس سبتمبر 25, 2008 4:57 am | |
| .: الحلقة السادسة :.
الحسين في عهد الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم :
الحسين في خلافة أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنهما :
كان للحسن والحسين بن علي رضي الله عنهما ، مكانةٌ مرموقةٌ لدى الصديق وعمرَ وعثمانَ وعلي ، رضي الله عن الجميع ، فقد كانوا يحبّونهم ، ويتعاملون معهم بشكلٍ خاصٍ .
وحينما تولى أبو بكر رضي الله عنه الخلافة كان الحسين في دور الطفولة ، فكان أبو بكرٍ يدعو الناس إلى محبّةِ النبي صلى الله عليه وسلم وآلِ بيته ، ويقول : ( ارقبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في آل بيته ) 1 ، قال الحافظ ابن حجر في شرحه : ( يخاطِبُ بذلك الناسَ ويوصيهم به ، والمراقبةُ للشيء : المحافظةُ عليه ، فلا تؤذوهم ولا تُسيئوا إليهم ) .
كان رضي الله عنه حينما يرى الحسين يُقبل عليه .. ويـبُشُّ له ، وهو القائل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه وقد فاضت عيناه من الدموع : ( والذي نفسي بيدِه ، لَقرابةُ رسول الله ، أحبُّ إليَّ أنْ أَصِلَ من قرابَتِي ) 2 .
كان الصدّيق رضي الله عنه يعبّر في كلماته عن آل البيت وحبه للحسين ، وكان يحبه حباً جماً ، وهذا الحبُّ صادرٌ من شخصٍ ، كان هو الرفيق الصادق لجد الحسين صلى الله عليه وسلم .
وأيضًا حظى ( الحسن ) شقيق الحسين رضي الله عنهما ، برعاية أبي بكر رضي الله عنه وحبّه ومداعبته ، فعن عُقبة بن الحارث رضي الله عنه قال : ( صلَّى أبو بكر رضي الله عنه العصرَ ، ثم خرج يَمشي ، فرأى الحسنَ يلعبُ مع الصِّبيان ، فحمله على عاتقه ، وقال :
بأبي شبيهٌ بالنبي ** لا شـبيـهٌ بعلي
وعليٌّ يضحك ) 3 .
قال الحافظ في شرحه : ( قوله : (بأبي) : فيه حذفٌ تقديره أَفديه بأبي ) ، وقال أيضاً : ( وفي الحديث فضلُ أبي بكر ومَحبَّتُه لقرابةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وقد تتعجّبون بأنّ الحسين رضي الله عنه ، بلغ تأثره بسيرة الصدّيق ، حتى أنه سمّى أحد أبنائه على اسم : أبي بكر ! ( أبي بكر بن الحسين ) وكما تعلمون بأنه لا يسمّي أحدٌ من الناس أسماءً على شخصٍ معينٍ ، إلا نتيجة حبٍ ومعرفةٍ مفصلة بسيرته .
الحسين في خلافة عمر الفاروق رضي الله عنهما :
كان عمر رضي الله عنه يجلّ الحسين ويعظّمه ويكرمه ويحبّه ويتفدّاه ، كيف لا وهو صهره ، فهو زوج أخته ( أمِ كلثوم ) بنت علي وفاطمة أخت الحسين رضي الله عنهم أجمعين ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كلُّ سببٍ ونسبٍ منقطعٌ يوم القيامةِ إلاَّ سبَبِي ونسبِي ) 4 .
وفي بعض طرق هذا الحديث .. أنَّ هذا الحديث هو الذي جعل عمر رضي الله عنه .. يرغبُ في الزواج من أمِّ كلثوم بنت عليٍّ وفاطمة رضي الله عنهم ، وذكر الذهبي أنّ ( عمر ) رضي الله عنه أصدقها أربعين ألفا 5 .. إكرامًا لها ولأبيها .
خطب عمر بن الخطاب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنهما ابنته من فاطمة ، وأكثر تردّده إليه ، فقال : يا أبا الحسن ! ما يحملني على كثرة تردّدي إليك إلا حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كلُّ سببٍ ونسبٍ منقطعٌ يوم القيامةِ إلاَّ سبَبِي ونسبِي ) فأحببت أن يكون لي منكم أهل البيت سببٌ وصهر .
فأنكحه عليٌ .. فأتى عمر إلى المهاجرين فقال : " ألا تهنّوني ؟ فقالوا : بمن يا أمير المؤمنين ؟ فقال : أمِ كلثوم بنتِ علي وابنةِ فاطمة بنتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، وولدت له أم كلثوم ( زيد ) بن عمر بن الخطاب ، فعاش حتى كان رجلاً ثم مات 6 .
وقصة زواج عمر من ابنة فاطمة ثابتة حتى في مصادر غير أهل السنة ، كما ذكر المجلسي في كتابه ( مرآة العقول ) 7 .
فكيف لا يحبّ الحسين ( عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه ، وهو صهره وكذلك خال ابنه ( زيد ) بن عمر بن الخطاب ؟
وكان الخليفة عمر رضي الله عنه يحبّ الحسن والحسين حبّا كبيرا ، وكان يفضلهما على ولده ، فقد جاءه ولده يومًا يطالبه بأن يساوي بينه وبين الحسن والحسين في العطاء ، فقال عمر : ( ائتني بأبٍ كأبيهما ، وأم كأمهما ، وجدّ كجدهما ، أعطك عطاءهما ) 8 لأنه كان يلحقهما بعلي بن أبي طالب .
ذكر الحافظ ابن حجر في الإصابة : عن ابن حُنين أنه قال : حدثني الحسين بن علي رضي الله عنهما قال : ( صعدت المنبر إلى عمر ، فقلت له : انزل عن منبر أبي ، واذهب إلى منبر أبيك ! فقال عمر : إنّ أبي لم يكن له منبر ، فأقعدني معه ، فلما نزل قال : أي بنيّ ! من علمك هذا ؟ قلت : ما علّمنيه أحد ، قال : أي بني ، وهل أنبت على رؤوسنا الشعر إلا الله ثم أنتم ! ووضع يده على رأسه وقال : أي بنيّ ! لو جعلت تأتينا وتغشّانا ) 9 .
وذكر الذهبي في سيره : أنّه قدم على عمر حللٌ من اليمن ، فكسا الناس ، فراحوا في الحلل ، وهو جالس بين القبر والمنبر ، والناس يأتون فيسلمون عليه ويدعون ، فخرج الحسن والحسين ابنا علي رضي الله عنهم من بيت أمهما فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخطيان الناس ، وليس عليهما من تلك الحلل شيء ، وعمر حزين ، لأنه لم يكن في تلك الحلل ما يصلح للحسن والحسين ; فأرسل إلى عامله في اليمن أن يرسل له حلتين للحسن والحسين وأن يعجّل بهما ، فأرسل إليه حلتين فكساهما وقال : ( الآن طابت نفسي ) 10 . | |
|
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | |
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | موضوع: رد: سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب الخميس سبتمبر 25, 2008 4:59 am | |
| .: الحلقة السابعة :.
الحسين في خلافة علي وأخيه الحسن
الحسين في خلافة أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنهما :
بعد أن استشهد الخليفة الراشد عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، على أيدي الأعلاج ، الهمج الرعاع من غوغاء القبائل ، سفلة الأطراف والأراذل ، الخارجين المارقين .
قام كلُ من بقي بالمدينة من الصحابة بمبايعة علي بن أبي طالب بالخلافة ، وذلك لأنه لم يكن أحدٌ أفضل منه على الإطلاق في ذلك الوقت ، أقدمهم إسلامًا ، وأوفرهم علمًا ، وأقربهم بالنبي صلى الله عليه وسلم نسبًا ، وأشجعهم نفسًا ، وأحبّهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأشبهُهم به هديًا وسمتًا .
وبعد أن تولّى علي بن أبي طالب الخلافة اتخذ الكوفة عاصمةً له، وحصل أنّ السيدة عائشة والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهم ، خرجوا ومن معهم يطلبون بثأر عثمان بن عفّان رضي الله عنه ، فخرجوا إلى البصرة ، حيث بعض قتلة عثمان هناك ، فأرادوا قتلهم .
أما علي بن أبي طالب فلم يكن لديه مانعًا من وجوب قتل قتلة عثمان رضي الله عنه ، لكن عليًا رضي الله عنه ، كان يرى تأجيل هذا الأمر حتى تستقرّ الأوضاع ، فلحقهم علي بن أبي طالب ، وكادت الأمور أن تستبّ ، لولا أنّ السبئيين ( وهم قتلة عثمان ) مكروا وأشعلوا الفتنة بين الفريقين فكانت وقعة الجمل سنة 36هـ ! وكان الصحابة بلا استثناء الذين شاركوا في هذه المعركة ندموا على ما وقع !
وكذلك حصل خلاف بين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومعاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهما ، وقد كان والي الشام من قبل عثمان ، حيث امتنع عن مبايعة علي بن أبي طالب حتى يتمّ القصاص لعثمان بن عفّان ! فجهّز علي رضي الله عنه جيشًا قوامه 100 ألف مقاتل لقتال معاوية بن أبي سفيان ، فوقعت بينهما معركة صفين سنة 38هـ ، وقد انتهت بالتحكيم .
وعندما رجع علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الكوفة ، خرج عليه الخوارج ! لا إله إلا الله ! رحمك الله يا أبا الحسن .. من معركة إلى معركة .. ومن قتالٍ إلى قتال !! حيث أنّ هؤلاء الخوارج رفضوا التحكيم وقالوا : ( لا حكم إلا لله ) ، وبدؤوا يشغّبون على ( علي ) حتى في المسجد ، يقومون ويصيحون : ( لا حكم إلا لله ) ، وكان ( علي ) يقول : ( كلمة جقٍ أريد بها باطل ) .
ثمّ بعد ذلك قتلوا الصحابي الجليل / عبد الله بن خبّاب ، وقتلوا زوجته وبقروا بطنها ، وكانت حاملاً ، متمّة في شهرها ! فلمّا بلغ الأمر عليًا رضي الله عنه ، أرسل إلى الخوارج : من قتله ؟ فردّوا : كلنا قتلناه !! فخرج إليهم علي بن أبي طالب بجيش قوامه 10 آلاف ، فقاتلهم في ( النهروان ) .
رضي الله عن أمير المؤمنين ( علي بن أبي طالب ) .. أما إمامنا ( الحسين ) رضي الله عنه ، فقد وقف بجوار والده مع إخوانه في كل تلك المواقف والمعارك ، يشدّون من أزره ويقوّون من عزيمته ، وينفّذون كل ما يأمرهم به من أعمال ، وقد يتولون مناصب في بعض البلاد ، وكانت إقامة الحسين بالمدينة إلى أن خرج مع أبيه إلى الكوفة فشهد معه الجمل، ثم صِفِّين ، ثم قتال الخوارج .
إنّ شهود الحسين لهذه المواقع أكسبته صبرًا في الشدائد ، إضافةً إلى الشجاعة والقوة ، لكن الشجاعة القائمة على الأخلاق ، والقوة المبنية على المبادئ ، فأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان بعد نهاية الجولات الحربية في صفّين ، يتفقّد القتلى ، وقد وقف على قتلاه وقتلى معاوية ، فقال : ( غفر الله لكم ، غفر الله لكم ، وللفريقين جميعًا ) 1 .
وعن يزيد بن الأعصم قال : لما وقع الصلح بين علي ومعاوية ، خرج علي يمشي في قتلاه ، فقال : ( هؤلاء في الجنة ) ثمّ خرج إلى قتلى معاوية فقال : ( هؤلاء في الجنّة ، وليصير الأمر إليّ وإلى معاوية ) 2 .
نعم هذه هي عظمة الأخلاق ، بل قُل : أخلاق العظماء ، بل روي أن عليًا رضي الله عنه ، لمّا بلغه أنّ اثنين من أصحابه يظهران شتم ولعن أهل الشام ، أرسل إليهما : أن كفّا عمّا يبلغني عنكما ، فأتيا فقالا : يا أمير المؤمنين ، ألسنا على الحقّ وهم على الباطل ؟ قال : بلى وربّ الكعبة ، قالا : فلم تمنعنا من شتمهم ولعنهم ؟ قال : ( كرهتُ لكم أن تكونوا لعّانين ، ولكن قولوا : اللهم احقن دماءنا ودماءهم ، وأصلح ذات بيننا وبينهم ، وأبعدهم عن ضلالتهم ، حتى يعرف الحقّ من جهله ، ويرعوي عن الغيّ من لهج به ) 3 .
هكذا كان الإمام الحسين يعاصر تلك الأحداث ، ويسمع ويرى موقف والده من خصومه ، فيتأثّر بها ، ويستفيد منها .
وقد حدثت حادثة لـ ( علي ) رضي الله عنه عندما مرّ بشط الفرات ، يرويها لنا عبد الله بن نجي عن أبيه ; أنه سار مع عليّ وكان صاحب مطهرته، فلما حاذى نينوى، وهو سائر إلى صفين، ناداه علي : ( اصبر أبا عبد الله بشط الفرات . قلت : وما ذاك ؟ قال : دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم، وعيناه تفيضان، فقال : " قام من عندي جبريل، فحدثني أن الحسين يقتل، وقال : هل لك أن اُشِمَّك من تربته ؟ قلت : نعم ، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب ، قال : فأعطانيها، فلم أملك عينيّ أن فاضتا ) 4 .
وحين هدأت الأمور قليلاً بعد معركة النهروان ، بفترة تقارب السنتين ، انتدب ثلاثةٌ من الخوارج ، فاجتمعوا بمكة وتعاقدوا على قتل : علي ، ومعاوية ، وعمرو من العاص رضي الله عنهم ، وفعلاً قام عبد الرحمن بن ملجم بطعن علي بن أبي طالب وهو خارج لصلاة الفجر بخنجر قد سمّه أسبوعًا ! فرحمك الله يا أبا الحسن ، ورضي عنك . | |
|
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | |
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | موضوع: رد: سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب الخميس سبتمبر 25, 2008 5:02 am | |
| .: الحلقة الثامنة :.
الحسين في خلافة معاوية رضي الله عنه وابنه يزيد :
الحسين في خلافة معاوية رضي الله عنهما :
كان معاوية رضي الله عنه يبعث للحسن والحسين بالجوائز ، إضافة إلى احترام معاوية وإجلاله لهما، فربما أجاز الحسن بأربعمائة ألف درهم ، وراتبه في كل سنة مائة ألف ، وبعد وفاة الإمام الحسن ، كان الحسين رضوان الله عليه يفِد على معاوية رضي الله عنه في كل عامٍ فيعطيه ويكرمه 1 .
وعندما نادى معاوية بغزو القسطنطينية ، ما كان من الحسين إلا تلبية ذلك النداء ، فشارك في ذلك الجيش المسلم ، سنة خمسين للهجرة 2 ، كيف لا وقد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( أول جيشٍ من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفورٌ لهم ) 3 .
هكذا كانت علاقة ( الحسين ) مع ( معاوية ) رضي الله عنهما ، لكن المشكلة بدأت ، عندما عهد معاوية رضي الله عنه بالخلافة إلى ولده يزيد ، حينها تألّم الحسين ، وحُقَّ له ذلك ، فامتنع عن مبايعة يزيد بن معاوية .
الحسين في عهد يزيد بن معاوية :
لما أخذت البيعة ليزيد بن معاوية امتنع الحسين من البيعة لأنه كان يرى أن هناك من هو أحق بالخلافة والبيعة من يزيد ، فخرج من المدينة إلى مكة، ولم يكن على وجه الأرض يومئذٍ أحد يساويه في الفضل والمنزلة .
موقف الحسين من بيعة يزيد بن معاوية :
كان الحسين رضي الله عنه يرى عدم جواز بيعة يزيد بن معاوية ، وقد شاركه في ذلك : عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ، وذلك لسببين :
1. أنّ ( يزيد ) لا يصلح خليفةً للمسلمين ، نظرًا لانعدام توفّر شرط العدالة فيه 4 . 2. انعدام شرط الشورى ، والاستئثار بالسلطة للحكم الأموي ، والذي يخالف المنهج الإسلامي في الحكم .
أهل الكوفة يراسلون الحسين بن علي :
وبلغ أهل العراق أن الحسين لم يبايع يزيد بن معاوية وذلك سنة 60هـ فأرسلوا إليه الرسل والكتب يدعونه فيها إلى البيعة، وذكروا بأنهم لا يريدون يزيدَ ولا أباه ، بل لا يريدون إلا عليا وأولاده رضي الله عنهم أجمعين ، وبلغت الكتب التي وصلت إلى الحسين أكثر من خمسمائة كتاب ، فعند ذلك بعث ابن عمه مسلم بن عقيل إلى العراق ، ليكشف له حقيقة الأمر، فإن كان الأمرً حازماًً بعث إليه ليركب في أهله وذويه .
فلما وصل مسلم إلى الكوفة تيقن أن الناس يريدون الحسين ، فبايعه الناس على بيعة الحسين ، وذلك في دار هانئ بن عروة ، وكتب مسلم إلى الحسين ليقدم عليها ، فقد تمت له البيعة، فتجهز رضي الله عنه خارجاً من مكة قاصداً الكوفة .
فانتشر الخبر بين الناس ، ولما بلغ الأمر يزيد بن معاوية في الشام أرسل إلى عبيد الله بن زياد والي البصرة بأنه ضمّ إليه ولاية الكوفة ، وأمره بأن يمنع أهل الكوفة من بيعة الحسين .
فدخل عبيد الله بن زياد إلى الكوفة متلثمًا ، فلا يمر على أحد فيسلم ، إلا يقول له : عليك السلام يا ابن رسول الله ، يظنونه الحسين بن علي ، فعلم عبيد الله بن زياد خطورة الموقف .
ما كان من مسلم بن عقيل إلا أن ركب فرسه واجتمع معه أربعة آلاف من أهل الكوفة وتوجه إلى قصر ابن زياد فحاصره ، دخل ابن زياد القصر وأغلق عليه الباب ، وكان من كيده أن أمر أشراف وأمراء القبائل بتخذيل الناس عن مسلم بن عقيل ، ووعدهم بالعطايا ففعلوا ذلك ( المال .. وانظر الآن المال ماذا سيفعل ؟؟ إنه سيشتري الذمم ) فجعلت المرأة تجيء إلى ابنها وأخيها وتقول له: ارجع إلى البيت والناس يكفونك، كأنك غداً بجنود الشام ، قد أقبلت فماذا تصنع معهم؟
فتخاذل الناس حتى لم يبق معه إلا خمسمائة نفس ، ثم تناقصوا حتى بقي معه ثلاثمائة ، ثم تناقصوا حتى بقي معه ثلاثون رجلاً، فصلى بهم المغرب ثم انصرفوا عنه ، بقي وحده ..فذهب على وجهه واختلط عليه الظلام ، يتردد الطريق لا يدري أين يذهب ، قبض عليه وأمر المجرم عبيد الله بن زياد بقتله ، وهنا أرسل مسلم بن عقيل رسالة إلى الحسين : ( ارجع بأهلك ، ولا يغرنّك أهل الكوفة ، فإن أهل الكوفة قد كذبوك وكذبوني ، وليس لكاذب رأي ) .
ثم أمر عبيد الله بقتل مسلم بن عقيل فقتل رضي الله عنه ، في يوم عرفة .
معارضة الصحابة رضوان الله عليهم لخروج الحسين :
خرج الحسين من مكة قاصداً أرض العراق ولم يعلم بمقتل ابن عمه مسلم بن عقيل ، وحاول منعه كثير من الصحابة ونصحوه بعدم الخروج مثل : ابن عباس وابن الزبير وابن عمرو وأخيه محمد بن الحنفية وغيرهم ومن بينهم ابن عمر.
قبل خروجه قال له ابن عباس : أين تريد يا ابن فاطمة ؟ قال : العراق وشيعتي . قال : إني كاره لوجهك هذا، تخرج إلى قوم قتلوا أباك ، لولا أن يزرى بي وبك الناس لشبَّـثت يدي في رأسك ، فلم أتركك تذهب ، ثم بكى ابن عباس ، فقال الحسين: لأن أُقتل في مكان كذا وكذا أحب إلي من أن أُقتل بمكة ).
فلما كان من العشي جاء ابن عباس إلى الحسين مرة أخرى ، فقال له : يا ابن عم! إني أتصبر ولا أصبر ، إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك، إن أهل العراق قوم غَدر فلا تغتر بهم ، أقم في هذا البلد وإلا فسر إلى اليمن ، فإن به حصوناً وشعاباً ، وكن عن الناس في معزل، فقال الحسين: يا ابن عم! والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير .
وكان ابن عمر بمكة فبلغه أن الحسين قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليال ، فقال له: أين تريد؟ قال: العراق، وهذه كتبهم ورسائلهم وبيعتهم، فقال ابن عمر: لا تأتهم، فأبى، فقال له: إني محدثك حديثاً، إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم، فأبى أن يرجع، فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل .
وفي طريقه لقي الحسين فرزدقا ، ذلك الشاعر، فسلم عليه وقال له : من أين ؟ قال : من العراق ، قال : كيف حال أهل العراق ؟ قال له : ( قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية ) . | |
|
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | موضوع: رد: سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب الخميس سبتمبر 25, 2008 5:04 am | |
| وأبى الحسين على كل من أشار عليه إلا المسير إلى العراق ، وسار نحو العراق .. لا إله إلا الله .. فلأكنّي أنظر إلى تلك الزمرة .. ولأكنّي أنظر إلى ذلك الجمع المبارك .. فيهم من ؟ .. فيهم أطهر من ولدتهم أمهاتهم .. وعلى رأسهم ( الحسين ) رضي الله عنه .
الحسين رضي الله عنه في طريقه إلى الكوفة :
وفي أثناء الطريق .. وصل للحسين خبر استشهاد ( مسلم بن عقيل ) عن طريق الرسول ، فهمّ الحسين بالرجوع ، فلما كلّم أبناء مسلم بن عقيل ، قالوا : لا والله لا نرجع حتى نأخذ بثأر أبينا ، فنزل على رأيهم .
ثم أقبلت عليهم خيول ابن زياد ، بقيادة الحرِّ بن يزيدِ التميمي وكانوا ألف فارس، فقال له الحر : إلى أين ؟ قال : إلى العراق ، قال : فإني آمرك أن ترجع وألا يبتليني الله بك ، ارجع من حيث أتيت .
فأبي الحسين ذلك ، وصار الحر التميمي يعاكسه ويمنعه ، فقال له الحسين : ابتعد عني ، ثكلتك أمك ، فقال الحر : والله لو قالها غيرك من العرب ، لاقتصصت منه ومن أمه ، ولكن ماذا أقول وأمك سيدة نساء العالمين .
الحسين على أرض كربلاء :
بعدها توقف الحسين عن التقدّم ، ثم جاءت مؤخرة الجيش ، وكان عددهم أربعة آلاف بقيادة عمر بن سعد ، وكان الحسين في مكانٍ يقال له ( كربلاء ) ، فقال: ما اسم هذه الأرض ؟ فقالوا له : كربلاء ، فقال : كرب وبلاء !!
أيها المسلمون .. سنعيش معكم الآن وقائع كارثة كربلاء .. فيا قلبُ معذرةً .. ويا ضمير معذرةً .. ويا أيها المشاهدون معذرةً .. ويا أيها المسلمون الغيارى معذرةً .. لو كانت مندوحةً من ذكر هذه الكارثة .. التي ينحني لها رأس كلِ مسلمٍ .. ويندى لها جبين كلِ مؤمن .. لطويت عنها كشحًا .. وضربت عنها صفحًا .. لكن التاريخ الذي يساير الأحداث .. مرغمٌ على ذكر هذه الكارثة .. تسجيلاً للواقع .. وإتمامًا للحديث ..
** لما رأى الحسين هذا الجيش العظيم ( أربعة آلافِ مقاتل ) علم أنه لا طاقة له بهم ، وقال لعمر بن سعد : إني أخيّركم بين ثلاثة أمور: أن تدعني أرجع ، أو أذهب إلى ثغر من ثغور المسلمين ، أو أذهب إلى يزيد في الشام.
فقال له عمر بن سعد : ( أرسل إلى يزيد وأرسل أنا إلى عبيد الله ) فأرسل عمر إلى عبيد الله، فلما وصل الخبر إلى عبيد الله أبى وقال : ( حتى ينزل على حكمي ) 5 ، ولما بلغ الحسين ما قاله عبيد الله ، قال : ( لا والله ، لا أنزل على حكم عبيد الله بن زياد أبدًا ) .
وكان عدد الذين مع الحسين اثنان وسبعون فارسا ، وجيش الكوفة خمسة آلاف ، ولما تواقف الفريقان قال الحسين لجيش عبيد الله : ( راجعوا أنفسكم وحاسبوها ، هل يصلح لكم قتال مثلي ؟ وأنا ابن بنت نبيّكم ، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيري ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي ولأخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة ) .
وصار يحثّهم على الانضمام إليه ، فانضم للحسين منهم ثلاثون ، فيهم الحر بن يزيد التميمي الذي كان قائد مقدمة جيش عبيد الله بن زياد ، فقيل للحر : أنت جئت معنا أمير المقدمة والآن تذهب إلى الحسين ! فقال : ( ويحكم ، والله إني أخيّر نفسي بين الجنة والنار ، والله لا أختار على الجنة ولو قطّعت وأحرقت ) .
وهنا دعا الحسين على أهل الكوفة قائلا : ( اللهم إن متعتهم إلى حين ، ففرقهم فرقاً ، واجعلهم طرائق قددا ، و لا تُرض الوُلاة عنهم أبدا ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثم عدوا علينا فقتلونا ) 6 .
***
المصادر :
(1) انظر جلاء العيون للمجلسي والكافي في الفروع . (2) انظر البداية والنهاية لابن كثير . (3) أخرجه البخاري برقم ( 2707 ) . (4) الفقهاء والخلفاء ، سلطان حثيلين ص 21 . (5) أي يأتي إلى الكوفة وأنا أسيّره إلى الشام أو الثغور أو أرجعه إلى المدينة . (6) الإرشاد للمفيد 241 ، إعلام الورى للطبرسي 949، كشف الغمة 18:2و38 . | |
|
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | موضوع: رد: سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب الخميس سبتمبر 25, 2008 5:05 am | |
| .: الحلقة التاسعة :.
كارثة كربلاء :
صلى الحسين الظهر والعصر من يوم الخميس ، على أرض كربلاء ، والغريب أنه صلى بالفريقين ، بمن معه وبجيش عبيد الله ، فلما قرب وقت المغرب تقدّموا بخيولهم نحو الحسين ، وكان الحسين محتبيا بسيفه ، فلما رآهم وكان قد نام قليلا قال : ما هذا ؟ قالوا إنهم تقدموا ، ويقولون : إما ينزل على حكم عبيد الله بن زياد , وإما أن يقاتل ، فقال الحسين : قولوا لهم أمهلونا هذه الليلة وغدا نخبركم حتى أصلي لربي ، فإني أحبّ أن أصلي لربي تبارك وتعالى .
ثم قام وخطب في أصحابه أول الليل، فحمد الله وأثنى عليه وقال لأصحابه : ( من أحب أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنت له، فإن القوم إنما يريدونني، فاذهبوا حتى يفرج الله عز وجل ) ، فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه : ( لا بقاء لنا بعدك، ولا أرانا الله فيك ما نكره ) ، فقال الحسين : ( يا بني عقيل حسبكم بمسلم أخيكم ، اذهبوا فقد أذنت لكم ) ، قالوا : ( فما تقول الناس أنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا، لم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف رغبة في الحياة الدنيا , لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك، فقبَّح الله العيش بعدك ) .
وبات الحسين وأصحابه طول ليلهم يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون ، وخيول حرس عدوهم تدور من ورائهم :
نحن الذين إذا دُعـوا لصـلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبّروا في مسمع الـروح الأميـن فكبـرا
فلا إله إلا الله .. ليل الحسين صلاة وخشوع وبكاء ، وليل أعداءه رقص وطرب وغناء .. نهار الحسين تلاوة وذكر وصيام ، ونهار أعداءه لهو وعشق وغرام ..
اليوم الأخير في حياة الحسين ( وقعة الطف 61 هـ ) :
أنا أعلن صرخة الاحتجاج ، ضد ابن زياد وأمثاله كالحجاج ، يا أرض الظالمين أبلعي ماءك، ويا ميادين السفّاحين أشربي دماءك .. آهٍ .. ما أطوله من يوم للقتلة ، إذا جاء المقتول ومن قتله، في يوم لا يكون الحاكم فيه إلا الواحد، ولا المُلك إلا للماجد، وقد خاب فيه الجاحد المعاند .
لما أذن الصبح صلى رضي الله عنه بأصحابه صلاة الفجر وكانوا اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً وفيهم سبعة عشر شابا من أهل بيت النبي ، وأعطى رايته أخاه العباس، وجعلوا الخيام التي فيها النساء والذرية وراء ظهورهم، فدخل الحسين خيمته وأتى إلى أخته زينب ، ووصّاها الوصية الأخيرة ، فيا ترى ما هي هذه الوصية ؟
جاء في مستدرك الوسائل عن علي بن الحسين رضي الله عنه قال : إنَّ الحسين قال لأخته زينب : ( يَا أُخْتَاهْ إِنِّي أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ فَأَبِرِّي قَسَمِي ، لَا تَشُقِّي عَلَيَّ جَيْباً ، وَلَا تَخْمِشِي عَلَيَّ وَجْهاً ، وَ لَا تَدْعِي عَلَيَّ بِالْوَيْلِ والثُّبُورِ إِذَا أَنَا هَلَكْتُ ) 1 .
نعم .. العين تدمع ، والقلب يحزن ، لكن اللسان لا ينطق إلا : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ، ثمّ اغتسل وتطيب بالمسك ثم ركب فرسه وأخذ مصحفاً ووضعه بين يديه ثم استقبل القوم رافعاً يديه يدعو : ( اللهم أنت ثقتي في كل كرب، ورجائي في كل شدة، وأنت فيما نزل بي ثقة، وأنت ولي كل نعمة ، وصاحب كل حسنة ) ، ثمّ تعلو وجهه ابتسامة مشرقة :
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهنّ أمان
يتبسم الحسين .. التبسم في وجه الموت أمرٌ لا يجيده إلا العظماء .. التبسّم في ساحة القتال لا يعرفه إلا الرجال .
وقفتَ وما في الموت شكٌ لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاحٌ وثغرك باسم
كيف لا يفرح ولا يبتسم ، وهو يعلم أنه بعد لحظات ، سوف يلقى محمداً عليه الصلاة والسلام ، كيف لا يفرح ولا يبتسم وهو يشمّ ريح الجنة !!
هيهات منّا الذلة !!
أناخ راحلته وأقبل أعداؤه يزحفون نحوه، فترامى الناس بالنبال، وأخذ الحر بن يزيد التميمي بالكرّ على أصحاب ابن زياد فقاتلهم ، فقتل منهم رجلين ثم قتل رحمة الله عليه 2 ، وقام علي بن الحسين يلوح بسيفه وينشد بيتا :
أنا علي بن الحسين بن علي نحن وبيت الله أولى بالنبي
فجاءته طعنة فقتلته رضي الله عنه ، ويجئ سهم ، فيقع بابن للحسين صغير، فجعل يمسح الدمّ عنه، ويقول : ( اللهم احكم بيننا وبين قومنا ، دعونا لينصرونا ، ثم يقتلوننا ) .
كانت الكفتان غيرَ متكافئتين .. فرأي أصحاب الحسين .. أنهم لا طاقة لهم بهذا الجيش ، فصار همهم الوحيد .. الموت .. بين يدي الحسين بن علي رضي الله عنهما ، أصبحوا يموتون بين يديه .. يتساقطون واحدًا تلو الآخر ، عذرا .. تساقطت أجسادهم ، لكن أرواحهم تسامت وتعالت .. إلى أين ؟ إلى عنان السماء .. إلى جنات عدن .. إلى مقعد صدق .. عند مليك مقتدر .. | |
|
 | |
الشيخ عودة ال الشيخ عودة

عدد المساهمات : 687 تاريخ التسجيل : 21/09/2008 الموقع : www.arabelalekat.yoo7.com
 | |
 | |
| سيرة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب | |
|