لصوفية والصفوية خصائص واهداف مشتركة
ولغرض الأمانة العلمية ومنع التشكيك والإرتياب فقد إستندنا على امهات كتب الصوفية مثل طبقات الصوفية وقوت القلوب واليواقيت والجواهر والفيوضات الربانية في المآثر والاوراد القادرية وعوارف المعارف وفصوص الحكم وديوان الحلاج ولطائف المنن ورسائل أقطاب الصوفية وغيرها. كما إعتمدنا بشكل أساسي على أمهات كتب الصفوية كالكافي للكليني وبحار الأنوار للمجلسي والغيبة للطوسي وتفاسير القمي والصافي والعياشي وغيرها. وإستعنا بقلة من المصادر الأخرى.
يذكر د. زكي مبارك بأن " إن أهل فارس هم اكثر الناس تصوفا بين الأمم الاسلامية، وهم ايضا أشد الشعوب الاسلامية تشيعا". ( كتاب الشيخ البدوي/ د.سعيد عبد الفتاح عاشور). متفقا بالرأي مع المستشرق الانكليزي أدورد براون في كتابه( التأريخ الأدبي لبلاد فارس) بأن" التشيع والتصوف هما السلاحان اللذان إستخدمهما الفرس في حربهم ضد العرب". ومن الجدير بالملاحظة ان معظم مؤسسي التصوف هم من الفرس. وهذا ليس عيبا إذا جهدوا وإجتهدوا في سبيل الإسلام وخدمته. فلا فضل لعربي على أعجمي الا بإيمانه وتقواه. لكن سنجد في متصوفة الفرس رؤية معاكسة.
منه صوفية الفرس معروف الكرخي، شقيق البلخي، السهروردي، ابراهيم بن ادهم،ابو منصور الحلاج، ابو يزيد البسطامي، وصفي الدين اسحق الاردبيلي وعبد القادر الكيلاني، جلال الدين الرومي. ويمكن القول بأنه لم يكن في القرنين الثالث والرابع متصوفا عربيا. ومعظمهم يرجع نسبه لآل البيت فإبراهيم الدسوقي يرجع نسبه الى البيت العلوي. ومحمد بن محمد بن محمدبن حسين يرجع نسبه الى بني هاشم. والشيخ أحمد الرفاعي يرجع نسبه الى الامام موسى الكاظم، وصفي الدين الاردبيلي(الملقب بخليل العجم) يرجع نسبه إلى الإمام الحسين وهكذا.
ويذكر د. كامل مصطفى الشيبي في كتابه( تأريخ الطريقة الصوفية) بأنه" سبقت الدولة الصفوية حركات على أسس التصوف المسلح بزعامة علوية"، منها حركة الصفويين العلويين نعمة الله، وفضل الله الحروفي، ومحمد بن عبد الله المكنى(نوربخش) الذي زعم نفسه المهدي. وحركة الصفوي العلوي محمد بن فلاح الذي ثار في منطقة البطائح وإدعى أيضا بأنه المهدي، وقد جمع رسائله وخطبه في كتاب سماه(كلام المهدي). ومن المعروف بأن أتباع ( نوربخش) تميزوا بلبس السواد وهم أول من لبس العمامة السوداء وصارت تقليدا لعلماء الإمامية فيما بعد. للمزيد راجع(مجالس المؤمنين للسيد نور الله التستري). كما إن الشاه إسماعيل الصفوي كان بدوره متصوفا وكتب أشعارا يرددها أصحاب الطرق الصوفية ذات النزعة الصفوية المتشددة كالشبك والبكتاشية والقلزباشية. وقد ذكر اسماعيل عن نفسه" إن ولايتي الصوفية قد صدرت من ختم النبوة وكمال الولاية" للمزيد راجع( تأريخ إسماعيل شاه). ويصف الشيبي حركة إسماعيل شاه بأنها كانت" شيعية الإطار، صوفية المذهب".
سنقدم بعض من الخصائص المتشابهة بين الصوفية والصفوية:
الولاية
يرى الصوفية بأن منصب الغوث أو القطب ليس من صنيعة الإنسان، بل هو منصب إلهي. ويقول بهذا الصدد إبن عربي" لقد منحني الله تعالى هذا المقام، هبة منه ولم أنله بعمل، وإنما هو إختصاص إلهي". اليواقيت والجواهر/ ص66. وترى الصفوية بأن الولاية منصب إلهي أيضا، يذكر محمد حسين آل كاشف الغطاء في كتابه أصل الشيعة وأصولها" إن الإمامة منصب إلهي كالنبوة" ويضيف هادي الطهراني في كتابه(ودايع النبوة) بأن الإمامة ليست منصب إلهي فحسب بل هي" أجل من النبوة، وإن أعظم ما بعث الله تعالى نبيه من الدين هو أمر الإمامة". ومن المعروف إن أول من قال بالولاية وحصرها بآل البيت هو شيطاق الطاق(يلقبه الصفويون مؤمن الطاق) وكذلك هشام بن الحكم(للمزيد راجع رجال الكشي). وتتفق الصفوية والصفوية بأن نكران الولاية والمشخة والخروج عن الإمام والقطب يعد شركا. ففي أمالي الصدوق "إن من أنكر الولاية لا تقبل منه صلاة ولا زكاة ولا حج ولا صوم". ويضيف المجلسي في البحار" ولو سجد الساجد حتى ينقطع عنقه ما قبل الله منه ذلك إلا بولاية أهل البيت". و في أصول الكافي وتفسير القمي وتفسير العجاشي والبرهان وبحار الأنوار ومرآة الأنوار ورد بأن" الكفر هو نكران الولاية". وعند المتصوفة كذلك حيث ذكر ابن عربي" من لا شيخ له فإن شيخه الشيطان".
التقليد
يؤمن الصفويون والصوفيون بضرورة وجود المرجع والشيخ وأن يقلده الأتباع، وجعلوا منهم أوصياء على المسلمين يأمرون وينهون كيفما شاءوا. وأسبغوا عليهم جمهرة من الألقاب لم يحمل الرسول(ص) لقبا مثلها أو يوازيها، ففي الصفوية توجد مرتبة روح الله وآية الله وحجة الله، وعند الصوفية القطب والغوث ووضع سلم بالمراتب كالاستاذ والمريد في التصوف والمرجع والمقلد في الامامية. والمريد والمقلد يمشون بتوجيهات عمياء فإرادتهم مسلوبة لإن طاعة الشيخ هي طاعة الله وغضبه هو غضب الله. يقول السهروردي" لا بد للمريد من شيخ مرشد الى الحق يرشده، ويلقنه الذكر، ويلقي في روعه النور"،كتاب(عوارف المعارف) للسهروردي. وكذلك الأمر عند الصفوية فقد ورد في كتاب الاعتقادات لابن بابويه القمي "أن الأئمة كالرسل، قولهم قول الله، وأمرهم أمر الله وطاعتهم طاعة الله ،ومعصيتهم معصية الله ولا ينطقون إلا عن الله وعن وحيه". وفي بحار الأنوار جاء " أن طاعة الأئمة واجبة على الكائنات الجامدة من سماوات وأراضي وكواكب". ونسبوا للإمام الرضا(ع) قوله" الناس عبيد لنا في الطاعة" الكافي للكليني.
وفي الوقت الذي يقلد فيه أتباع التصوف الشيخ الكيلاني في العراق، والسيد البدوي في مصر فإن أتباع الصفوية يقلدون المراجع العليا كالسيستاني والخامنئي والحائري. وأصبح للقطب والمرجع قدسية كبيرة عند العوام حيث تُلتمس منه البركة والمغفرة والرضا والشفاء والثواب. ولم تقتصر القدسية على الأحياء منهم فحسب بل الأموات أيضا! فالأئمة والأقطاب لهم قدسية مفرطة عند أتباعهم. فزيارة قبر الأئمة تعتبر بركة ورحمة، حتى الله جل جلاله يزور قبورهم كما يدعي الصفويون. كذلك يشد الرحال مئات الالوف من الناس لزيارة ضريح السيد البدوي والشاذلي ملتمسين البركة منهم .
ولم يقتصر الأمر على الطاعة فحسب بل إمتد الى الشرك بالله من خلال القسم بالأئمة والشيوخ، وقد نهى الرسول(ص) عن الحلف بغير الله" من كان حالفا فليحلِف بالله او ليصمت". فالصفوين يقسمون بفاطمة الزهراء والأئمة. ويذكر السيد محمد الشيرازي في كتابه( العباس والعصمة الصغرى) عن مشاهداته في كربلاء شدة الخوف من القسم بالعباس" فبعضهم يهون عليه الحلف بالله سبحانه تعالى على الحلف بالعباس". وأتباع الصوفية يحلفون بالشيخ الكيلاني والسيد البدوي والمرسي ابو العباس والعدوي. يقول الكيلاني " من استغاث بي في كربة كشفت عنه. ومن ناداني في شدة فرجت عنه، ومن توسل بيٌ في حاجة قضيت له". (للمزيد راجع كتاب الطرق الصوفية وإنتشار البدع/ د. احمد عبد الكريم نجيب).
عدم إكمال لنبي(ص)الرسالة السماوية والإنتقاص منه
يدعي الصوفيون بأن النبي(ص) لم يكمل الرسالة السماوية لذلك فهو يأتيهم او يزورهم في المنام ليبلغهم الأخبار والاذكار والاوراد ويكمل رسالته. فابن عربي ذكر بأن كتابه المسمى( فصوص الحكم) قد دلٌه عليه النبي محمد (ص) في المنام وأمره بتبليغه للناس" فجردت القصد والنية لإبرازه كما خطه الرسول(ص) من غير زيادة ولا نقصان". ويدعي الصفويون بأن أن الإمامة استمرار للنبوة (للمزيد راجع كتاب عقائد الإمامية للشيخ المظفر) ويزعمون بوجود كتب الجفر وقرآن فاطمة وغيرها. وقد إدعى الخميني بأن الرسول(ص) لم يبلغ رسالته " من الواضح ان النبي لو كان قد بلغ بأمر الولاية طبقا لما أمره الله وبذل المساعي في هذا الأمر لما نشبت في البلدان الاسلامية كل تلك الخلافات والمشاحنات والمعارك" (كشف الأسرار). وهذه الطروحات البليدة تنسف ما جاء في من سورة المائدة/3(( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)). وفي العقيدتين هناك روايات كثيرة تنتقص من النبي المصطفى. يدعي ابن سبعين" لقد كذب ابن أبي كبشة(يقصد النبي محمد) عندما قال لا نبي بعدي". ويذكر الصفويون بأنه " لما ولد النبي مكث أياما بلا لبن فألقاه ابو طالب على ثدي نفسه، فأنزل الله فيه لبنا فرضع منه اياما" وتكرر الحدث مع النبي(ص) نفسه" كان يؤتى بالحسين الى النبي فيلقمه لسانه فيمصه فيجتزيء به، ولم يرضع من أنثى" كتاب الكافي.
الكهانة والسحر والتنجيم
روجت العقيدتين الكهانة والسحر والتنجيم بين أتباعهم، فهناك العديد من الرسائل والكتب تتضمن طلاسم سحرية وارقام وألغاز لايعقلها رشيد، وبعضها يتعلق بالتنجيم كقرعة الامام الصادق وقرعة ابن عربي. وجفر الإمام علي وغيرها. من طلاسم الصوفية في أورادهم " يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فإنفذوا لا لا آلا إلا آلاؤك يالله. كدكد كردد كرده كرده ده ده الله رب العزة. طهور بدعق محببه صوره محببه سقاطيم أحوق ق أدم حم هاء أمين". للمزيد راجع( الطرق الصوفية في مصر/ د. عامر النجار). ويوصي الشاذلي أتباعه بحفظ طلسم( حزب البحر) وقراءته بعد العصر مدعيا انه يتضمن إسم الله الأعظم وهو" كهيعص كهيعص كهيعص أنصرنا فإنك خير الناصرين. شاهت الوجوه شاهت الوجوه شاهت الوجوه. طس حمعسق مرج البحرين يلتقيان. بينهما برزخ لايبغيان حم حم حم حم حم حم حم حم وجاء النصر فعلينا لا ينصرون". ومن الطريف إن الصفوية تفسر البرزغين" علي وفاطمة بينهما برزخ لايبغيان، أي لايبغي (علي) على (فاطمة) ولاتبغي فاطمة على علي. ويخرج منهما اللؤلؤ والمرجان أي الحسن والحسين عليهم السلام" (بحار الأنوار للمجلسي). ويردد الصوفيون الدعوة البرهتية" بسم الله الرحمن الرحيم وصلى على سيدنا برهتيه، تبتليه طارك، مزحل، برهشب، خوطر، قلينهود، برشا كطهير، بانموا شلخ، شماهير، شمها حيرحورب النو الأعلى عبطال، فلا إله إلا هو، رب العرش العظيم". ( للمزيد راجع كتاب مجمع الاوراد الكبير/ للسيد محمد الحسن المرغيني)
ومن أورادهم التي تضمنها كتاب ( الفيوضات الربانية والاوراد القادرية) هذا الطلسم العجيب" يا الله بصعع، والباب بهبوب هبوب أو النور السام بسهسوب سهسوب ذي الفر الشامخ مطهطوب هطوب يالله يالله كهوب كهوب كهوب بي".
وعند الصفوية توجد آلاف الطلاسم السحرية. منها ما جاء ذكره في بحار الأنوار عن الإمام الصادق" إذا كانت لك حاجة الى اللّه، وضقت بها ذرعـًا، فـصلّ ركعتين، فإ ذا سلّمت كبّر اللّه ثلاثًا، وسبّح تسبيح فاطمة ثـمّ اسـجـد وقـل مـائة مـرّة: يـا مـولاتـي فـاطـمـة اغـيـثـيـنـي. ثـمّ ضـع خدّك الايمن على الأرض وقـل مـثـل ذلك ثـمّ عـد الى السـجـود وقـل ذلك مائة مرّة وعشر مرّات، واذكر حاجتك، فإ نّ اللّه يقضيها".
وعن أبي جعفر (ع) قال: من نفرت به دابة، يقول" يا عباد الله الصالحين أمسكوا علي رحمكم الله، يا نارفي ع ح ويا ه ا ه ح". فإن البر موكل به ارع ح والبحر موكل به ه و م ح". وذكر ابن طاووس في (كتاب المعادات) حرزا عجيبا ضد السهام نسبه الأفكاك إلى الإمام علي(رض) مشترطا كتابته بالمِسك والزعفران على جلد غزال وهو" آهيا أدوناي. سوماه بع مالح. هملو حيم ساهويرا. أديالو اساماي ألوهي. الشهيا سر عارام أوراب. صفواث صوصو بواره لا". فإن كان للإمام علي هكذا حرز فلماذا لم يحميه من قاتله إبن ملجم؟ وفي كتاب (ضياء الصالحين) يوجد حرزان مهمان تكتبهما وتشدهما على ساقك فلا تعجز عن المشي" يا اينكج يا كينكج يا نينكج" أو الآخر" يا طيعوا علجح الذي يعفوا عن المدبري" وهما يفيدان في مراسيم عاشوراء بالمشي على الأقدام مئات الكيلومترات لزيارة الأئمة، ربما يفيد في ما يسمى( ركضة طويريج).
أستحلفكم بالله اليس قراءة القرآن الكريم أفضل من قراءة هذه الهرطقات؟ اليس الغرض منها كما يبدو للعقلاء ابعاد المسلم عن تلاوة الذكر الحكيم والأحاديث النبوية الشريفة، وإقحامه في متاهات وترهات وهرطقات لايفقه منها شيئا؟ لأنها أصلا لاشيء.
ابن خلدون " لولا التشيع لما عرف التصوف". المقدمة / تأريخ إبن خلدون
نود قبل إستكمال هذه المباحث ان نوضح بأن حديثنا لا يتعلق بالشيعة العلوية مطلقا وإنما الشيعة الصفوية فقط، والحق أني لأبغض هذه التسمية(التشيع الصفوي) لأنه ليس من الإنصاف ان يتطلخ مذهب آل البيت بهذه التسمية الشعوبية المسمومة. لذا سنحذف كلمة( شيعة) ونستخدم فقط( الصفوية) للدلالة على الصفويين من الفرس والعرب المتفرسين أكثر من الفرس أنفسهم. ونكرر القول بأنه إذا كانت محبة آل البيت تعني (شيعة) فكل المسلمين شيعة بلا إستثناء. وحاشا لله أن يبغض مسلم أهل البيت وقد طهرهم الله تطهيرا. كلنا نحب آل البيت ولكن ليس آل البيت وفق الرؤية الصفوية الذين يشاركون الله بكل صفاته ومعجزاته، وليس آل البيت السحرة على شاكلة أبطال هاري بوتر. يطيرون في الهواء وينتقلون آلاف الأميال برمشة عين، ويُحيون الميت ويعرفون ملايين اللغات بما فيها لغات الحيوانات. من يحتاج هذه الأساطير، ليحبهم لا يؤمن بالله ولا برسوله ولا يحب آل البيت، لأن هؤلاء دجالين وسحرة وكفرة وأفاكين حاشا لآل البيت أن يكونوا هكذا. نحب آل البيت بإعتبارهم بشر وليس أندادا للرحمن ورسوله الأمين. نحبهم على سجيتهم وبساطتهم وتواضعهم وإيمانهم وليس بالقوى الخارقة المنسوبة لهم كذبا وإفتراءا.
وعندما نتحدث عن الصوفية فإننا لانتحدث عنها من الناحية السياسية بل العقائدية وأسسها التأريخية ومدى تأثرها وتأثيرها بالفكر الصفوي. ونؤكد بأن الصوفية لا تختلف كثيرا عن الكهانة. ولم يكن هناك تصوف في فجر الرسالة. ولو كان التصوف مستمدا من جوهر الإسلام وهو ميزة إيمانية لكان الأولى بالرسول(ص) والخلفاء الراشدين وآل البيت وكبار الصحابة أن يتصوفوا. كما إن ما تتضمنه العقيدة الصوفية من أفكار كالحلول بذات الله ووحدة الوجود والكرامات تتعارض مع الإسلام. ومن يراجع كتاب (الإشراق/ للسهروردي) سيجد إعترافا صريحا بأن كثيرا من أفكارهم مستمدة من ديانات الهند والإغريق والمجوس واليهودية.
وإذا كان بعض الزعماء قد مارسوا التصوف وأعجبوا به فقد عرفناهم كزعماء وليس كمتصوفة. ومن يظن إن التصوف يُرقي القيم الروحية للبشر. نشير عليه بأن يقرأ النصوص الواردة في هذا المبحث والأجزاء القادمة ليرى العكس من ذلك. نحن لا نتجنى عن المتصوفة. ونعترف بأن عقيدتهم شأنها شأن بقية العقائد لم تسلم من التشويه والإنحراف ومكائد المندسين. ولكننا نناقش أصل العقيدة من خلال كتبهم ونوزنها أولا: بميزان الإسلام الصحيح. وثانيا: بميزان العقل والمنطق. ومن يظن بأن التصوف يسمو بالحس الديني ويهذبه ويُعمق الصلة بالذات الإلهية! نرد على كلامه بسؤال: هل عجز الذكر الحكيم والأحاديث النبوية الشريفة عن السمو المادي والمعنوي للبشر ليتولى المتصوفة هذه المهمة؟ أما من يدعي بأننا خلطنا الحابل(الصوفية) بالنابل(الصفوية)، فندعوه لقراءة تعليق مؤسس الصفوية إسماعيل شاه في أدناه ففيه الجواب الشافي على تعليقه.
فيما يتعلق بالطرق الصوفية وممارسة مراسيمهم فإننا تجنبنا خوض الحديث فيها بشكل مفصل وأقصرنا حديثنا على الشيوخ الذين إنحرفوا عن خط الإسلام المستقيم. وبقدر تعلق الأمر بالطريقة النقشبندية فإنها لا ترجع في أصلها كما هو معروف لآل البيت(ع) كغيرها من الطرق، وإنما لأبي بكر الصديق(رض) كما يذكر شيوخها. ونود التنويه بإننا نبارك قوات المقاومة الوطنية (تاج رؤوسنا) ضد الاحتلال الامريكي- الصفوي بغض النظر عن العقيدة المذهبية التي تؤمن بها فصائل تلك القوات الباسلة. ونخص بالذكر جيش الطريقة النقشبندية البطل وعملياته الجسورة ضد قوى الشر والطغيان. فالوطن لكل العراقيين بغض النظر عن الدين والمذهب والقومية واللون والجنس ولاعلاقة للمذهب بالثوابت الوطنية. كن ماشئت! وإعتقد ماشئت! فأنت حرٌ في إعتقادك، لكن تذكر دائما بأنه عندما يتعرض الوطن للغزو. يفترض ان يكون الجميع جنودا أوفياء للوطن، يذودوا عنه بغيرة وشرف كيفما كانت توجهاتهم العقائدية. وهذه المهمة الوطنية ليست مِنة من أحد. بل واجب وطني مقدس يسطر بحروف من ذهب في تأريخ الأمة تتذاكره الأجيال جيل بعد جيل.
أما أحد الأساتذة الأفاضل الذي تساءل فيما لدينا النية بالكتابة عن الوهابية بعد كتابتنا عن الصوفية. فنلفت إنتباهه بأننا كتبنا عنها ووصفنا شيوخها بـ(شيوخ المكدونالد). وقد شبهنا هموم الأمة بمثلث فيه (زاوية عليا) تُمثل النخب الإجتماعية الراقية التي تسمو على الباطل وترتفع عن التخلف والعصبية والأقليمية والطائفية. و(زاويتين حادتين) في أقسى اليمين والشمال، متباعدتين ومتطرفتين تتمثلان بالصفوية والوهابية ومن يدور في فلكهما من تسميات أخرى. نرفض التطرف والعنف بكل أنواعهما، لأنهما يتعارضان أصلا مع قيم الإسلام الحنيف. فالإسلام دين الحب والتآخي والتسامح والسلام.
وعندما نتحدث عن الإرتباط بين الصفوية والصوفية لم نخترع معادلة رياضية غير قابلة للخطأ والتعديل، نحن نتحدث عن علاقة تأريخية بين عقيدتين، وليس مجرد تشابه في المصطلحين، وعندما تساءلنا عن ذلك في مبحثنا السابق، لم نبنِِِ موضوعنا عليه أو على الظنون. ومن ينكر العلاقة تلك أو يعترض عليها نحترم رأيه ونكون ممتنين له، ومتمنين منه أن يرفد الموضوع بأفكاره مؤيدا كان أو معارضا، سيما إذا سمحت له الفرصة بالإطلاع على تأريخ الصفوية وبالذات إسماعيل الصفوي وحسين الصفوي وعقيدتهما، وأشعار الأول الصوفية والإطلاع على أمهات الكتب الصوفية كجامع كرامات الأولياء وكتاب الإشراق والطبقات وفصوص الحكم. إن إختلاف وجهات النظر حالة صحية لاتفسد للود قضية. ونحن لسنا معصومين فالعصمة لله وحده، ومن خالفني الرأي أعتز به جدا، لأنه سيضيف ليٌ شيئا أو ينبهني على أمر ربما غفلت عنه، أو عن خطأ ربما وقعت فيه. وقد صدق روبرت هيلين بقوله" لن أتعلم أبدا من شخص يوافقني الرأي دائما".
ونود التذكير بأن مؤسس الصفوية يكشف بنفسه عن عقيدته الصوفية بقوله" ولايتي الصوفية صادرة من ختم النبوة وكمال الولاية". أليس الإعتراف سيد الأدلة؟ ألم يجتمع الحابل بالنابل؟ كما إنه يؤكد من جهة أخرى عصمته، وأنه لا فاصل بينه وبين الإمام المهدي. مضيفا بأن تحركه يتم وفقا لأوامر الأئمة. ويذكر د. كامل مصطفى الشيبي بأن" إسماعيل مات شابا(38عاما) بعد أن نجح لأول مرة في تأسيس دولة صفوية شيعية".
ونود أن نضيف على ما سبق ذكره، بأن انفراط عقد الصفوية - الصوفية جرى عام 1694 بعد موافقة الشاه حسين الصفوي على إجلاء الصوفيين من أصفهان ومنعهم من ممارسة طقوسهم التعبدية. وكان لمحمد باقر المجلسي صاحب كتاب( البحار) اليد الطولى في هذا الأمر.( للمزيد راجع كتاب تراث فارس/ اربري). وقد غادر عدد من شيوخ الصوفية الى الهند بسبب إضطهادهم واستقروا فيها ناشرين معتقداتهم فيها. وعندما سيطر الأفغان على اصفهان، قتلوا العديد من أمراء الصفوية فهرب بعضهم الى الهند وإلتحقوا بالصوفيين من مواطنيهم. ويذكر الشيبي حول هذا الموضوع" غادر امراء الصفوية ايران للهند ليعودوا صوفية من جديد يجمعون حولهم المريدين، وهكذا إنتهى الصفويون كصوفية كما بدءوا".
لنكمل المشوار مع بقية الخصائص المشتركة:
الإستخفاف بالذات المقدسة
من خلال الإطلاع على بعض نصوص الفكرين الصفوي والصوفي نلاحظ وجود إهانة أو إستهانة بالذات الإلهية المقدسة. ففي الصوفية مثلا يذكر الشيخ ابو زيد البسطامي" سبحاني سبحاني. أنا ربي الأعلى. أنا اللوح المحفوظ". ويضيف" إني أنا الله، لا إله إلا أنا فاعبدونِِ". وفي قول آخر مقارنا نفسه بالخالق" طاعتك ليٌ يارب أعظم من طاعتي لك. وبطشي أشد من بطشك بيٌ" منوها بما جاء في سورة البروج/ 12(( إن بطش ربك لشديد)).( للمزيد راجع كتاب تلبيس ابليس لإبن الجوزي). ويؤكد الشيخ الشلبي هذه القدرة الإلهية عنه وعن شيوخه زاعما "إن لله عبادا لو بزقوا على جهنم لأطفئوها".(المصدر السابق). وهذا الشيخ حسن الشاذلي يجعل الله ندا له بقوله" اللٌهم ادرج أسمائي تحت أسمائك، وصفاتي تحت صفاتك، وأفعالي تحت أفعالك، وأغنني حتى تغني بيٌ، وأحٌيني حتى تحيا بيٌ".(كتاب الطبقات الكبرى لعبد الوهاب الشعراني)، وفي موضع آخر يصف جبته بالقول" ما في الجبة إلا الله". وهذا الغوث الأعظم إبن عربي يصف الله- تعالى " الرجل والمرأة صورتان من صور الله" (كتاب تنبيه الغبي الى تكفير ابن عربي/ برهان الدين البقاعي). وهذا الشيخ التلمساني يقييم القرآن الكريم كتقييم الشيطان" القرآن كله شرك، والتوحيد في كلامنا". كتاب (مجموعة الرسائل والمسائل). وهذا نموذج من شعر الحلاج:
كفرت بدين الله والكفر واجب*** لديٌ وعند المسلمين قبيح
ويعتبر نفسه والذات لإلهية صنوان بقوله:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا *** نحن روحان حللنا جسدا
لاحظ إن هذا الشعر يمثل نزعة في الفكر الصوفي لم يختص به الحجاج فقط، وقارنه بقول الخميني " إن لنا حالات مع الله نكون فيها هو نحن، ونحن هو. إلا إنه هو هو، ونحن نحن". (مصباح الهداية/ الخميني). وهذا كفر صريح بالذات المقدسة ويتعارض من الآية الكريمة((ليس كمثله شيء)) سورة الشورى/11. كذلك قوله" إننا لا نعبد إلهاً يقيم بناء شامخا للعبادة والعدالة والتدين ثم يقوم بهدمه بنفسه ويجلس يزيداً ومعاوية وعثمان وسواهم من العتاة في مواقع الإمارة على الناس. ولا يقوم بتقرير مصير الأمة بعد وفاة نبيه ". وهذا الرأي يمثل محورا مهما في الفكر الصفوي تمتد جذوره الى عدة قرون مضت، حيث ورد بنفس الصيغة كتاب الأنوار النعمانية/ تحقيق محمد علي القاضي الطباطبائي." إن ربهم هو الذي كان محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبيه وخليفته بعده أبو بكر ونحن لا نقول بهذا الرب ولا بذلك النبي . أن الرب الذي خليفة نبيه أبو بكر ليس ربنا ولا ذلك النبي نبينا".
يذكر الغزالي في كتابه(المفصح بالاحوال) بأن الصوفية" يشاهدون في يقظتهم الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتا، ويقتبسون منهم فوائد". وهناك آلاف الشواهد التي يمكن الإستدلال بها على شركهم، وليست(شطحات) كما يحلوا للبعض تسميتها. إن التهجم على الذات الإلهية المقدسة وإسباغهم المعجزات والكرامات على أنفسهم كانت من أهم أسباب تعرضهم لسخط الحكام والانتقام منهم، رغم انهم لم يطمحوا في الحكم أو ينافسوا الخلفاء على كراسيهم. والأنكى من هذا كله يسمون أنفسهم ( العارفين بالله)! فهل من يعرف الله يشرك به؟ أم يزداد إيمانا به ويطهر نفسه من الذنوب ويتجنب الكبائر؟ وإذا كان من يعرف الله على هذه الشاكلة فلا عتب إذن على من يجهله.
الصفوية يبادلون الصوفية هذا الضلال، يقول ابو جعفر" نحن لسان الله، ونحن وجه الله، ونحن عين الله في خلقه". وكذلك قوله" إن الله خلطنا بنفسه فجعل ظلمنا ظلمه وولايتنا ولايته".( كتابا الكافي والتوحيد). ويضيف الكليني بأن" الأئمة هم وجه الله، الذي لا يفنى" مفسرا قوله تعالى ((ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)) سورة الرحمن/27. وجاء في شرح المازنداني على الكافي بأن" قول الإمام ينسخ القرآن والشرائع وأن حديث كل واحد من الأئمة هو قول الله عز وجل". (كتاب شرح المازنداني على الكافي). ويذكر الكليني بأن" الله خلط الأئمة بنفسه". ويضيف المجلسي بأن" الرجل إذا أراد أن يناجي ربه فما عليه إلا أن يناجي الإمام ويحرك شفتيه فيأتيه مطلبه".
نفي علم الغيب عن الذات المقدسة
من الصفات المشتركة أيضا زعمهم بأن الله لا يعلم الغيب. لكن شيوخهم ومراجعهم يعرفون الغيب! فقد نسب الشيخ السرهندي الى ابن عربي قوله" الله تعالى ليس عالما للغيب". (كتاب المكتوبات الربانية للسرهندي). وهذا يتعارض مع قول تعالى((وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)) سورةالأنعام/59. وقوله تعالى آمراً النبي(( قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ)) سورة الأنعام/50.
أما الصفوية فهي تأخذ بمبدأ البداء الذي يعني علم ما لم يكن يعلمه الله في حين يعلمه أائمتهم. وقد حاواوا فيه تبرير إخفاق الإمام جعفر الصادق(ع) عنما نص على ولاية إبنه اسماعيل لكن الله قبض روح اسماعيل قبله. وعندما سألوه عن هذا الامر الغريب الذي يتنافى مع علم الإئمة بالغيب، وإن الامام يعرف متى يموت؟ لم يجد الإمام منفذا للخروج من هذا المأزق سوى القول بالبداء، حيث أجابهم" إن الله بدا له في إمامة اسماعيل". بمعنى تغيرت مشيئة الله لعدم علمه بموت اسماعيل!(كتاب فرق الشيعة للنوبختي) وهذا ا يتنافى مع ما جاء في سورة الطلاق/12(( وأن الله قد أحاط بكل شيء علما)).
سماع صوت الله تعالى
العقيدتان تدعيان بأن الشيخ والإمام يسمع كلام الله تعالى مباشرة، وليس عن طريق الوحي كما هو عليه الأمر عند الأنبياء والرسل. فشيخ الطريقة الختمية محمد الميرغني يدعي بأن الله كلمه قائلا له" أنت تذكرة لعبادي ومن أراد الوصول اليٌ فليتخذك سبيلا". للمزيد راجع( الطريقة الختمية/ السيد محمد عثمان الميرغني). كما إدعى بأن النبي محمد(ص) كلمه قائلا" من قََبَل جبهتك كإنما قبل جبهتي، ومن قََبَل جبهتي دخل الجنة". ويقول الغزالي" من لفٌ رأسه بخرقة وجلس في مكان أظلم رأى الله، وعرف كل شيء، وشاهد الكون أعلاه وأسفله" (كتاب تفنيد الصوفية/ عبد الرحمن عبد الخالق).
وعند الصفوية يحدثنا المجلسي في بحار الأنوار بقوله" وليس الوحي إلى الأئمة من باب الإلهام فقط وإنما تقر في الأسماع بأوامر وتوجيهات مباشرة من المَلك، وأنه يسمعه كصوت السلسلة ويأتيه المَلك في صورة أعظم من جبرائيل وميكائيل". ويضيف الكليني في الكافي" ويأتيهم المَلك في المنام واليقظة وفي البيوت والمجالس، وأن الله أمدهم بخمسة أرواح منها روح القدس. وأنهم بروح القدس يعلمون ما تحت العرش وما تحت الثرى".
الإطلاع على اللوح المحفوظ
العقيدتان تدعيان بأن شيوخهم وأئمتهم يعرفون اللوح المحفوظ، فقد نقل الكوثري عن أبي حسن الشاذلي قوله" أطلعني الله على اللوح المحفوظ".( كتاب إرغام المريد في شرح النظم العتيد). وعن أبي بكر العيدروس عندما تعسرت بأمه ولادته قال أبوه" هذا ولدي ما أن يُولد حتى يقرأ اللوح المحفوظ". (كتاب كنوز السعادة الأبدية). وفي سيرة الشيخ إسماعيل الأنبابي جاء" كان مطلعا على اللوح المحفوظ، يقول كذا وكذا فلا يخطيء". للمزيد راجع كتب( جامع كرامات الأولياء للنبهاني). ونقل الشعراني في كتابه الطبقات قولا عن الشيخ نفسه" ما أخذت العهد على مريد حتى رأيت إسمه مكتوبا في اللوح المحفوظ". وإدعى إبن عربي بإنه يعرف ما في اللوح المحفوظ كذلك. كما إدعى الشعراني بأن (شيخه الخواص) يعلم ما في اللوح المحفوظ ساعة بساعة. وكذلك إدعى أحمد بن المبارك بإن شيخه (عبد العزيز الدباغ) يعلم ما في اللوح المحفوظ وهو مكتوب بالسريانية. بل بعضهم يدعي نفسه اللوح المحفوظ! يذكر أبو زيد البسطامي" سبحاني سبحاني. أنا ربي الأعلى. أنا اللوح المحفوظ".
ويدعي الصفويون كذلك بأن الأئمة مطلعين على اللوح المحفوظ. ونسبوا الى جعفر بن محمد قوله" قال الإمام علي: أعطيت تسع لم يعط أحد قبلي سوى النبي، فعلمت المنايا والبلايا والأنساب وفصل الخطاب، ولقد نظرت في الملكوت بإذن ربي، فما غاب عني ما كان قبلي ولا ما يأتي بعدي". ويذكر الشيخ غلام رضا بأن الذين طهرهم الله يقصد الأئمة" قادرون على الإطلاع على اللوح المحفوظ وحقائقه، وهي غيب السماوات والأرض".(راجع كتاب الردٌ على شبهات الوهابية/ غلام رضا كاردان).