المكتبة الإسلامية > تراجم الأعلام > عرض الترجمة
القرمطي عدو الله ملك البحرين أبو طاهر ، سليمان بن حسن ، القرمطي الجنابي الأعرابي الزنديق .
الذي سار إلى مكة في سبع مائة فارس ، فاستباح الحجيج كلهم في الحرم ، واقتلع الحجر الأسود ، وردم زمزم بالقتلى ، وصعد على عتبة الكعبة ، يصيح : أنـا باللـه وباللـه أنـا
يخلق الخلق وأُفْنيهم أنا
فقتل في سكك مكة وما حولها زهاء ثلاثين ألفا ، وسبى الذرية ، وأقام بالحرم ستة أيام .
بذل السيف في سابع ذي الحجة ، ولم يعرِّفْ أحد تلك السنة فلله الأمر . وقتل أمير مكة ابن محارب ، وعَرَّى البيت ، وأخذ بابه ، ورجع إلى بلاد هجر .
وقيل : دخل قرمطي سكران على فرس ، فصَفَّر له ، فبال عند البيت ، وضرب الحجر بدبوس هشمه ثم اقتلعه ، وأقاموا بمكة أحد عشر يوما ، وبقي الحجر الأسود عندهم نيفا وعشرين سنة .
ويقال : هلك تحته إلى هجر أربعون جملا ، فلما أعيد كان على قعود ضعيف ، فسمن .
وكان بُجْكُم التركي دفع لهم فيه خمسين ألف دينار ، فأبوا ، وقالوا : أخذناه بأمر ، وما نرده إلا بأمر .
وقيل : إن الذي اقتلعه صاح : يا حمير ، أنتم قلتم وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا فأين الأمن ؟ قال رجل : فاستسلمت ، وقلت : إن الله أراد ، ومن دخله فأمِّنُوه . فلوى فرسه وما كلمني .
وقد وهم السمناني فقال في " تاريخه " : إن الذي نزع الحجر أبو سعيد الجنابي القرمطي ، وإنما هو ابنه أبو طاهر .
واتفق أن ابن أبي الساج الأمير نزل بأبي سعيد الجنابي فأكرمه ، فلما سار لحربه بعث يقول : لك علي حق ، وأنت في خمس مائة وأنا في ثلاثين ألفا . فانصرف ، فقال للرسول : كم مع صاحبك ؟ قال : ثلاثون ألف راكب . قال : ولا ثلاثة . ثم دعا بعبد أسود ، فقال له : خَرِّقْ بطنك بهذه السكين ، فبدد مصارينه . وقال لآخر : اغرق في النهر . ففعل ، وقال لآخر : اصعد على هذا الحائط ، وانزل على مخك . فهلك ، فقال للرسول : إن كان معه مثل هؤلاء ، وإلا فما معه أحد .
ونقل القيلوي في الحجر الأسود لما قيل : من يعرفه ؟ فقال ابن عليم المحدث : إنه يشوف على الماء ، وإن النار لا تُسخِّنه . ففعل به ذلك ، فقبله ابن عليم ، وتعجب الجنابي ، ولم يصح هذا .
وقيل : صعد قرمطي لقلع الميزاب ، فسقط ، فمات . وكان ذلك سنة سبع عشرة وكان أمير العراقين منصور الديلمي ، وجافت مكة بالقتلى .
قال المراغي : حدثنا أبو عبد الله بن محرم -وكان رسول المقتدر إلى القرمطي- قال : سألته بعد مناظرات عن استحلاله بما فعل بمكة ، فأحضر الحجر في الديباج ، فلما أبرز كبرت ، وأريتهم من تعظيمه والتبرك به على حالة كبيرة ، وافتتنت القرامطة بأبي طاهر ، وكان أبوه قد أطلعه وحده على كنوز دفنها ، فلما تملك كان يقول : هنا كنز. فيحفرون ، فإذا هم بالمال ، فيفتتنون به وقال مرة : أريد أن أحفر هنا عينا. قالوا : لا تنبع . فخالفهم ، فنبع الماء ، فازداد ضلالهم به ، وقالوا : هو إله . وقال قوم : هو المسيح . وقيل : نبي . وقد هزم جيوش بغداد غير مرة ، وعتا وتمرد .
قال محمد بن رزام الكوفي : حكى لي ابن حمدان الطيب ، قال : أقمت بالقطيف أعالج مريضا ، فقال لي رجل : إن الله ظهر ، فخرجت ، فإذا الناس يهرعون إلى دار أبي طاهر ، فإذا هو ابن عشرين سنة ، شاب مليح عليه عمامة صفراء ، وثوب أصفر على فرس أشهب ، وإخوته حوله . فصاح : من عرفني عرفني ، ومن لم يعرفني ، فأنا أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسن الجنابي ، اعلموا أنَّا كنا -وإياكم- حَميرا ، وقد منَّ الله علينا بهذا. وأشار إلى غلام أمرد ، فقال : هذا ربنا وإلهنا ، وكلنا عباده.
فأخذ الناس التراب ، فوضعوه على رءوسهم . ثم قال أبو طاهر : إن الدين قد ظهر وهو دين أبينا آدم ، وجميع ما أوصلت إليكم الدعاة باطل من ذكر موسى وعيسى ومحمد ، هؤلاء دجالون ، وهذا الغلام هو أبو الفضل المجوسي ، شرع لهم اللواط ، ووطء الأخت ، وأمر بقتل من امتنع.
فأُدخلت عليه وبين يديه عدة رءوس ، فسجدت له ، وأبو طاهر والكبراء حوله قيام ، فقال لأبي طاهر : الملوك لم تزل تعد الرءوس في خزائنها ، فسلوه كيف بقاؤها ؟ فسُئلتُ ، فقلت : إلهنا أعلم ، ولكني أقول : فجملة الإنسان إذا مات يحتاج كذا وكذا صبرا وكافورا . والرأس جزء فيعطى بحسابه . فقال : ما أحسن ما قال . ثم قال الطبيب : ما زلت أسمعهم تلك الأيام يلعنون إبراهيم وموسى ومحمدا وعليا ، ورأيت مصحفا مُسِحَ بغائط .
وقال أبو الفضل يوما لكاتبه : اكتب إلى الخليفة ، فصلِّ لهم على محمد ، وكِلْ من جراب النورة . قال : والله ما تنبسط يدي لذلك ، فافتض أبو الفضل أختا لأبي طاهر الجنابي ، وذبح ولدها في حجرها ، ثم قتل زوجها ، وهم بقتل أبي طاهر ، فاتفق أبو طاهر مع كاتبه ابن سنبر ، وآخر عليه فقالا : يا إلهنا ، إن والدة أبي طاهر قد ماتت ، فاحضر لتحشو جوفها نارا ، قال : وكان سَنَّه له ، فأتى ، فقال : ألا تجيبها ؟ قال : لا ؛ فإنها ماتت كافرة . فعاوده ، فارتاب وقال : لا تعجلا علي ، دعاني أخدم دوابكما إلى أن يأتي أبي.
قال ابن سنبر : ويلك هتكتنا ، ونحن نرتب هذه الدعوة من ستين سنة ، فلو رآك أبوك لقتلك ، اقتله يا أبا طاهر . قال : أخاف أن يمسخني ، فضرب أخو أبي طاهر عنقه ، ثم جمع ابن سنبر الناس ، وقال : إن هذا الغلام ورد بكذب سرقه من معدن حق ، وإنا وجدنا فوقه من ينكحه ، وقد كنا نسمع أنه لا بد للمؤمنين من فتنة يظهر بعدها حق ، فأطفئوا بيوت النيران ، وارجعوا عن نكاح الأم ، ودعوا اللواط ، وعظموا الأنبياء . فضجوا ، وقالوا : كل وقت تقولون لنا قولا . فأنفق أبو طاهر الذهب حتى سكنوا .
قال الطبيب : فاخرج إلى أبو طاهر الحجر ، وقال : هذا كان يعبد . قلت : كلا ، قال : بلى قلت : أنت أعلم ، وأخرجه في ثوب دبيقي ممسك .
ثم جرت لأبي طاهر مع المسلمين حروب أوهنته . وقُتل جنده ، وطلب الأمان على أن يرد الحجر ، وأن يأخذ عن كل حاج دينارا ويخفرهم .
قلت : ثم هلك بالجدري -لا رحمه الله- في رمضان سنة اثنتين وثلاث مائة بهجر كهلا . وقام بعده أبو القاسم سعيد .