لمقالة في أصل الدعوة الملعونة ومبدئها
وقد رأيت أيها الناس وفقنا الله وإياكم للصواب وجنبنا وإياكم طرق الكفر والارتياب أن أذكر أحبال هذه الدعوة الملعونة لئلا
والشقوة ظهور [عبيد الله] بن ميمون القداح في الكوفة، وما كان له من الأخبار المعروفة والمنكرات المشهورة الموصوفة، ودخوله في طرق الفلسفة واستعماله الكتب المزخرفة، وتمشيته إياها على الطغام ومكيدته لأهل الإسلام.
وكان ظهوره في سنة ست وسبعين ومائتين من التاريخ للهجرة النبوية، فنصب للمسلمين الحبائل وبغى لهم الغوائل ولبس الحق بالباطل {وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ}، وجعل لكل آية من كتاب الله تفسيرا ولكل حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تأويلا، وزخرف الأقوال وضرب المثال، وجعل لآي القرآن شكلا يوازيه ومثلا يضاهيه. وكان الملعون عارفا بالنجوم معطلا لجميع العلوم {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}. فجعل أصل دعوته التي دعاها وأساس بِنْيَتِه التي بناها الدعاء إلى الله وإلى الرسول ويحتج بكتاب الله ومعرفة مثله وممثوله
والاختصاص لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بالتقديم والإمامة والطعن على جميع الصحابة بالسب والأذى، وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لعن الله من سب أصحابي". وقال عليه السلام: "أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم". وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من سب أصحابي فقد سبني ومن سبني فقد سب الله ومن سب الله كبه الله على وجهه في النار". فأفسد بتمويهه قلوب الجهال وزين لهم الكفر والضلال وله شرح يطول فيه الخطاب غير أني أختصر. وفيما أشرحه كفاية واعتبار لأولي الألباب والأبصار.
وكان هذا الملعون يعتقد اليهودية ويظهر الإسلام، وهو من اليهود من ولد الشلعلع من مدينة بالشام يقال لها سلمية،
وكان من أحبار اليهود وأهل والفلسفة الذين عرفوا جميع المذاهب وكان صائغا يخدم شيعة إسماعيل بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وكان حريصا على هدم الشريعة المحمدية لما ركّب الله في اليهود من عداوة الإسلام وأهله والبغضاء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم ير وجها يدخل به على الناس حتى يردهم عن الإسلام ألطف من دعوته إلى أهل بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم -. وكان قد خرج في أيام قرمط البقار، وكان اسمه أو لقبه لأنه كان يقرمط في سيره إذا مشى، ولذلك نسب أهل مذهبه ومذهب بن ميمون إلى قرمط لأنهما اجتمعا وعملا ناموسا يدعوان إليه.
وكانا يعرفان النجوم وأحكام الزمان، فدلهما الوقت على تأسيس ما عملاه فخرج ميمون إلى الكوفة وأقام بها مدة وله أخبار يطول شرحها مما كان منه ومن علي بن فضل والمنصور صاحب مسور وأبي سعيد الجنابي. وأنا أشرح ذلك عند انتهائي إليه إن شاء الله تعالى. وأما قرمط البقار فإنه خرج إلى بغداد وقتل هناك لا رحمه الله.
باب ذكر ما كان من القداح وعقبه لعنه الله وتعلق بسببه ودخل ضلالته ومذهبه
وكان أول أولاده عبيد وهو المهدي، ثم محمد وهو القائم، ثم الطاهر إسماعيل المنصور، ثم المعز ثم العزيز ثم الحاكم ثم الظاهر ثم معد المستنصر. هؤلاء الذين ينسبون إليه إلى عصرنا هذا، فانتسبوا إلى ولد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وانتحالهم انتحال كاذب وليس لهم في ذلك برهان. وأهل الشرف ينكرون ذلك فإنهم لم
يجدوا لهم في الشرف أصلا مذكورا ولا عرفوا لهم في كتاب الشجرة نسبا مشهورا، بل الكل يقصيهم عن الشرف وينفيهم عن النسب إلا من دخل معهم في كفرهم وضلالتهم فإنه يشهد لهم بالزور ويساعدهم في جميع الأمور. وقد زعموا أنهم ولد محمد إسماعيل بن جعفر الصادق وحاشى لله ما كان لمحمد إسماعيل من ولد ولا عرف ذلك من الناس أحد بل هم {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}.
الدليل على ذلك وعلى بطلان ما ذكروه أنهم يقولون معد المستنصر بن الظاهر بن الحاكم بن العزيز بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي وهو عبيد بن ميمون، ثم يقولون ابن الأئمة المستورين من ولد إسماعيل بن جعفر الصادق فإذا سألهم سائل عن هؤلاء المستورين حادوا عن الجواب وكان للسائل لهم الارتياب.