حديث حذيفة والفتن
بسم الله الرحمن الرحيم
ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري
والحديث في صحيح مسلم والبخاري ومسند احمد وابو داوود رحمهم الله تعالى, من حديث أبي إدريس الخولاني رضي الله عنه أنهسمع حذيفة يقول:
كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد الخير شر؟ قال: نعم. فقلت: فهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخَنٌ، قال قلت: وما دخَنُهُ؟ قال: قومٌ يستنُّونَ بغيرِ سُنتي ويَهْدونَ بغير هدْيِي تعرفُ منهُمْ وتُنكرُ، فقلت هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم , فتنةٌ عمياءٌ , دُعاةٌ على أبوابِ جهنم، مَنْ أجابَهُمْ إليها قذفوهُ فيها. فقلت: يا رسول الله ! صِفْهُمْ لنا، قال: نعم، قوم من جَلدتِنا ويتكلمونَ بألسنتِنا، فقلت: يا رسول الله، وما تأمرني إن أدركت ذلك، قال : تلزَمُ جماعةَ المسلمين وإمامِهِمْ, قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزلْ تلك الفرقُ كلِّها، ولوْ أنْ تعَضَّ على أصلِ الشجرةِ حتى يُدركُكَ الموتُ وأنتَ على ذلك
ولعلَّ هذا الحديث مناسب للفتن والاحداث الذي تعيشها الأمة اليوم , بل وينطبق على الزمن الذي نعيش فيه تماماً وكأنه موجهٌ الينا تحديدا وكأننا نحن المقصودون به, فهو قريبٌ جداً من احوالنا اليوم وشبيه بما تعيشه امة الاسلام اليوم.
يقول شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في شرحه للحديث
وإن كان حذيفة رضي الله عنه يذكر عن نفسه أن الناس كان يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير(أي فضائل الأعمال، والأعمال الصالحة، وعن صلة الارحام ) يقول: وكنت أسأله عن الشر مَخافة أن يُدركني، وليس المراد هنا الشر المحرمات ، لا، ولكنه يسأله عما سيكون من الشرور والأحداث والأمور المستقبلية عن الأحداث التي ستكون، وتكون هذه الاحداث سببا للضلال والانحراف عن الجادة القويمة وطريق الله المستقيم.
يقول: مخافة أن يدركني، يقول قلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، نعم فقد كان الناس قبل الاسلام في جاهلية وضلال لا علم ولا هدى وشر، وكانوا في شرك ومعاص وحروب، ومن هذه المعاصي قتل الأولاد، فجاءنا الله بهذا الخير على يده عليه الصلاة والسلام , وهو العلم والإيمان والقرآن والأعمال الصالحة، التي دعا إليها الرسول صلى الله عليه وسلم وبلغها وعلمها وعمل بها المسلمون, فهل بعد هذا الخير الذي نحن فيه من شر؟! قال: نعم، فقلت: فهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن : قوم يهدون بغير هديي ويستنون بغير سنتي تعرف منهم وتنكر، فذكر أنه يكون شر بعد الخير الذي كان الناس عليه في عهد النبوة وفي عهد الخلافة الراشدة ولا سيما خلافة الخلفاء الخليفتين الأولين أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم كذلك ولكن مع وجود بدايات الشر
فيه دخن يعني الخير الثاني ليس خيرا خالصا هناك كدر هناك شرور ليس ذلك الخير صافيا وخالصا كالخير الأول نعم.
قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر، فقلت هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم. فتنة عمياء دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوا فيها
هذا هو الأمر الثالث بعد ذلك الخير المدخون، فيه دخن . قال قلت: وهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، فتنة عمياء. هذا مطابق للفتنة الحالية العمياء والصماء وفسر هذه الفتنة بالدعاة، ودعاة الفتنة هم مُوقدوها هم الذين يُوقدون الفتنة , يُحرضون الناس على الشر على القتال، يدعون الناس , دعاة على أبواب جهنم، وكما قلنا: إن الغالب في مثل هذه الفتن هي فتن القتال، القتال الذي لا يقوم على غرض صحيح ومقصود شرعي، بل هي أغراض جاهلية وأغراض دنيوية يقتتل عليها الناس دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه، كل فريق يدعو إلى الانضمام إليه , له دُعاةٌ يدعون إليه فجمهور الناس مما لا بصيرة له يلحقون بهذه الطوائف وهذه الفرق، ويكونون وقوداً لهذه الحروب العمياء.
وقوله: على أبواب جهنم، أبواب جهنم هي السبل ومداخل جهنم هي : المعاصي والذنوب من أنواع الكفر والكبائر، ولا شك أن الدخول والمشاركة في الحروب الجاهلية والحروب العمياء هذه من أسباب العذاب , فكما روى الائمة الستة مسلم والبخاري والنسائي وابن ماجة وابوداوود واحمد رحمهم الله من قوله صلى الله عليه وسلم : إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار فدُعاةُ هذه الفتنة مَن أجابهم وانخدعَ بدعوتهم قذفوه في أتون الفتنة، وعرَّضوه لعذاب النار، من أجابهم إليها قذفوه فيها لا يُبالون.
قال قلت: يا رسول الله ! صفهم لنا. قال: قومٌ من جَلدتنا يعني من قومنا , ومن أهل لغتنا يتكلمون بألسنتنا , من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا يعني عرباً، قيل: إنه يؤخذ من هذا أنهم من العرب وأن هذه الفتنة المشار إليها تكون من العرب أو تكون بين العرب
وهذه الفتن هي التي حدثت في أول الإسلام وكان معظم من يدخل في تلك الحروب العمياء معظمهم من العرب ومن يدعو إليها هم من العرب قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا
وما أشبهُ اليومَ بالبارحةِ
قال حذيفة رضي الله عنه , قلت: فما تأمرني؟ ماذا أصنع عند هذه الفتنة؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، تعتزل الفرق المتصارعة والمختلفة وتلزم جماعة المسلمين وإمامهم، تلزم جماعة المسلمين بالطاعة في المعروف بطاعة إمامهم، إمام المسلمين بالمعروف، وبالتعاون مع جماعة المسلمين على الخير، كما هو الواجب على المسلمين دائما، إنما يكون مع الجماعة لتحقيق التعاون على البر والتقوى، قال قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ يعني قد عمت الفوضى وعمت الفرقة ولم يكن هناك جماعة منحازة بقيادة يعني عادلة، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت.
وهذا الحديث أولا يدل على منهج حذيفة رضي الله عنه واهتمامه بمعرفة الشر لاتقائه الشر، وهذا من الحزم، فينبغي للمسلم أن يحرص على معرفة الأخطار والشرور المتوقعة أو الشرور القائمة ليتقيها ويحذرها، كما أن عليه أن يعرف شرع الله ليُحدد موقفه , ويقوم بواجبه عند حدوث هذه الفتن وهذه الشرور، وفيه الدلالة على وجوب لزوم جماعة المسلمين وطاعة ولي الأمر بالمعروف, وفيه الدلالة على أن دُعاة الباطل هم دُعاة إلى جهنم , دُعاة الباطل يدعون إلى النار، واللهُ يدعو الى الجنة, كما قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة 221
أولئك يدعون إلى النار , والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه
فالله عزوجل دوما وأبداً يدعو إلى الجنة , من خلال الأخذ بأسباب دخولها , وأسبابها هو: الإيمان بالله عزوجل والعمل الصالح , والكفار يدعون دائما وأبداً إلى النار، واسبابها: اتباع الشيطان سواءً كان انسياً أم جنياً , وما يدعوان اليه, وكلاهما يدعوان إلى النار , كما في قوله تعالى في سورة فاطر 6:
إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ
وهكذا جنود الشيطان من الإنس شياطين الجن والإنس كلهم دعوتهم واحدة يدعون إلى النار، وكما قال الله عزوجل على لسان عبده مؤمن آل فرعون في سورة غافر 41- 42:
وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي عِلْمٌ , وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ
فدعاة الباطل دعاة إلى الدخول في الحروب الجاهلية والدعاة إلى المذاهب الباطلة والأفعال المنكرة هم دعاة إلى النار، وهم بما يقومون به هم على أبواب من أبواب النار، فالأسباب المفضية إلى النار هي أبواب ولعله مما يستشهد به بهذا المعنى ما جاء في فضل رمضان، وأنه إذا دخل رمضان تفتح ابواب الجنة وتغلق ابواب النار كما في رواية البخاري ومسلم وغيرهما من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار
أبواب النار هي المعاصي والذنوب التي تفضي بسالكيها تفضي بأهلها إلى النار ما لم يتوبوا.
كما أفاد آخر الحديث بأنّ الواجب على المسلم إن لم تكن هناك قيادة يجتمع عليها الناس، فالواجب الانعزال واعتزال تلك الفرق، وهذا عندما تكون الأمور فوضى، وإن شئتم شبهوها ببعض البلاد التي اختلت فيها الولاية ولم يبق إلا يعني الناس فرق قبائل وأحياء وقرى، كل جماعة لهم قيادة وبعضهم يغير على بعض وبعضهم يقتل بعضا فوضى، ولعله مما يشبه هذا حال الاحداث اليوم في مختلف الاوطان العربية والمسلمة , فليس لهم المسيطر عليهم إلا إلى حد ما هم الكفرة الغرب ومن والالهُم باحتلال البلاد واحداث فوضى فيها ، لكن الواقع ليس لهم قيادة، فالآن كل يستطيع أن يفعل ما يشاء من النهب والسلب والقتال والحرب بحق أو بغير حق، فالواجب حينئذ إذا لم تتبين أو لم تتضح الراية فالواجب اعتزال الفرق كل الفرق
قال: ولو أن تعض على أصل شجرة يعني، ولو تلزم شجرة وكنّى النبي صلى الله عليه وسلم: بالعض : عن اللزوم , وهي تماما كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : وعضوا عليها بالنواجذ ... أي السنة , يعني الزموا السنة , وهنا قال: « وأن تعض على أصل شجرة حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك ...
الآن مناقشة الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه كونّ أحداث اليوم شبيهة بما مرّ من فتن
انّ الذين خرجوا على عثمان بن عفان رضي الله عنه, كانوا كاليوم أنواع: أصحاب أهواء ومنافقون وموقدو الفتنة , كما هو مشهور في التاريخ وهو عبد الله بن سبأ اليهودي , فهو الذي سعى بين الناس لإغارة صدورهم على عثمان رضي الله عنه, ومن شبهاتهم أنه كان قد ولّى أقرباءه , وأنه كان منهم من ولاته شيء من الاستبداد والأثرة شبهات، أما عثمان رضي الله عنه فقد كان عند أهل السنة خليفة راشد مجتهد في تدبيره وإدارته وتصرفاته, وتصرفه رضي الله عنه كان دائراً بين الأجر والأجرين، أما كونهم كفروا بذلك فلا نعني: إنهم كفروا بذلك بمجرد خروجهم على الإمام , فهذا وحده ليس موجبا للكفر , ولكنّ الجريمة الكبرى والذنب العظيم ما يتولد عن ذلك من شرور كثيرة , فمن يكون سببا فيه فعليه وزره وعليه مثل أوزار الذين اتبعوه في ذلك وقلدوه في ذلك وكان سببا في إضلالهم .
لماذا لم يقاتل الصحابة دفاعا عن عثمان رضي الله عنه؟
هذا مشهور في التاريخ وفي السيرة، بأن عثمان رضي الله عنه لم يسمح لأحد بأن يقاتل في سبيل حمايته، من اجل ألاّ يُقتلُ أحد بسببه ومن أجله.
هل ما جاء في حديث حذيفة رضي الله عنه قد حصل وانتهى أم في زمن ماض، أو أن هذا مستمر إلى وقتنا هذا؟
لا إله إلا الله، الله أعلم قلت لكم إن مثل هذه الأحاديث لا يمكن القطع بشيء يعني كل ما هنالك يقال احتمال لعله كذا أو الأقرب كذا، فالخير الأول هو عهد النبوة، ويلتحق به أول عهد الخلفاء الراشدين ري الله عنهم, والشر الذي حدث : منهم من فسَّرهُ بعد بما حصل مقتل عثمان رضي الله عنه, هذا هو الشر الأول، والخير الذي بعده منهم من فسَّرهُ بعهد معاوية رضي الله عنه, عندما اجتمع له الأمر في عام الجماعة عام أربعين من الهجرة، وأنّ هذا يعني حصل خير وانفكت الفتن بهذا الاجتماع، وبعضهم فسَّر الخير الثاني بخلافة الراشد العادل/ عمر بن عبد العزيز / رضي الله عنه ، وهذا كله محتمل ولا يمكن القطع بشيء من ذلك، وبعد ذلك الخير جاءت شرور وفتن، والخير والشر دول في الزمان في الأيام، وفي البلاد كما يشهد به التاريخ يعني تقوم الفتنة ثم يخلفها خير وتراجع، ففي عهد المأمون والمعتصم والواثق رحمهم الله حصلت فتنة القول بخلق القرآن , وكانت فتنة عظيمة ابتلي بها الناس، ودعا إليها دعاتها وامتحن الله العلماء , ثم رفع الله عزوجلّ هذه الفتنة بولاية المتوكل , والإنسان يقرأ التاريخ، لكن ما ذكر في حديث حذيفة رضي الله عنه , كأنه والله أعلم الأقرب أن المراد به أن ما جرى في القرن الأول والثاني للهجرة تقريباً
والله أعلم بالصواب.
نُكررُ أنه لا يمكن الجزم بتعيين المراد مما تتضمنه هذه الأخبار، إلا ببرهان
كيف عرف حذيفة أن عمر رضي الله عنه , هو المقصود بالباب؟
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ما أجد له إلا أنه عرف هذا من خبر الرسول/ عليه الصلاة والسلام: فالرسول صلى اله عليه وسلم يُفضي ببعض الأمور، ويُخبر حذيفة رضي الله عنه , ببعض الأمور، كما كان عليه الصلاة والسلام يُسرُّ إليه بأسماء بعض المنافقين، فلا يُستبعد أنه تلقى هذا عن الرسول/ عليه الصلاة والسلام / كما تقدم أن الرسول/ صلى الله عليه وسلم/ حدثه عن الفتن وأنه ما من فتنة تكون إلى قيام الساعة إلا أخبرهم عنها: صلى الله عليه وسلم, فلا بد أنّ حذيفة رضي الله عنه, عرف هذا بتلقٍّ عن النبي: صلى الله عليه وسلم, وعمر , عرف ذلك من فحوى كلام حذيفة رضي الله عنهما، أنه كان يعرف أنه هو الباب.
كيف أقي نفسي من فتنة النساء؟
كيف تقي نفسك من فتنة النساء كما في قوله تعالى في سورة النور 30:
قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ..
وكما روى مسلم والبخاري واحمد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم
تجنب مواقع الفتنة، لا تذهب للأسواق التي فيها المتبرجات، لا تعملَ في مجال يكثر فيه النساء, لا تجلس عند شاشة التلفاز التي تعرض فيها المناظر المنكرة، الله أعطاك عقلا تميز به الصح من الخطأ، وأعطاك علما تميز به أيضا بين الحلال والحرام، فاتقاء الأخطار يكون بالأسباب الواقية.
أحسن الله إليكم وأثابكم ونفعنا بعلمكم، وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, ,ىخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين