عبدالرحمن عبدالخالق
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق بين يدي الساعة مفرقاً بين الهدى والضلال، وبين التوحيد والشرك، وبين الجاهلية والإسلام. والصلاة والسلام على النبي الهادي الذي أتم رسالة ربه غاية الإتمام، وترك أمته على المحجة الواضحة البينة التي لا يزيغ عنها إلا من صرف الله قلبه عن الإيمان والإسلام.
وبعد.
فإني رأيت بعد طول دراسة وتدبر أن الفكر الصوفي هو أشد الأخطار جميعاً على أمة الإسلام وأنه الذي حوّل عز هذه الأمة ذلاً ومهانة، ولا يزال هذا دأبه على الدوام وأنه السوس الذي ظل ينخر ويهدم في جسم شجرتنا الباسقة حتى أناخها مع الأيام، وأنه لا خلاص للأمة إلا بالتخلص من هذا السوس أولاً قبل أي خطر آخر، وقد كتبت بحمد الله في هذا كتاب الفكر الصوفي. ولما كان هذا الكتاب ذا حجم كبير قد لا يسعف القارئ المشغول أن يلم بأطرافه أفردت هذه الرسالة الصغيرة لتشرح أهم المخاطر التي تهدد العالم الإسلامي من وراء الفكر الصوفي، لعل في هذه الرسالة باعثاً ومنبهاً لقادة الأمة الإسلامية وموجهيها أن يحذروا من هذه الآفة الخفية الماحقة ويعملوا على استئصالها من جسم الأمة الإسلامية. ثم أتبعت بيان المخاطر بنموذج مختصر لكيفية الجدال مع الصوفي وذلك حتى يتدرب طلاب العلم على كيفية النقاش معهم ويتعلموا كيف يستطيعون إقامة الحجة عليهم أو لإقامتهم على الطريق المستقيم والله أسأل أن ينفع بهذه الرسالة أمة الإسلام وطلاب العلم الشرعي وأحمد الله وأصلي على عبده ورسوله في البدء والختام.
كتبه
عبدالرحمن عبدالخالق
الكويت السبت 14 من ذي القعدة سنة 1404 هـ
الموافق 11 من أغسطس سنة 1984 م
الباب الأول: مخاطر الفكر الصوفي
هذه هي أهم مخاطر الفكر الصوفي:
1- صرف الناس عن القرآن والحديث:
عمد المتصوفة قديماً وحديثاُ إلى صرف الناس عن القرآن والحديث بأسباب شتى وطرق ملتوية جداً ومن هذه الطرق ما يلي:
أ- الزعم أن التدبر في القرآن يصرف النظر عن الله فقد جعلوا الفناء في الله في زعمهم هو غاية الصوفي وزعموا أيضاً أن تدبر القرآن يصرف عن هذه الغاية وفاتهم أن تدبر القرآن هو ذكر الله عز وجل لأن القرآن إما مدح الله بأسمائه وصفاته، أو ذكر لما فعله سبحانه بأوليائه وبأعدائه، وكل ذلك مدح له وعلم بصفاته أو تدبر لحكمه وشرعه، وفي هذا التدبر تظهر حكمته ورحمته بخلقه عز وجل ولكن لأن الصوفية يريد كل منهم أن يكون إلهاً ويتصف -في زعمه بصفات الله- فإنهم كرهوا تدبر القرآن لذلك. وهاهو الشعراني يقول في كتابه الكبريت الأحمر: يقول الله عز وجل في بعض الهواتف الإلهية "يا عبادي الليل لي لا للقرآن يتلى إن لك في النهار سبحاً طويلا فاجعل الليل كله لي وما طلبتك إذا تلوت القرآن بالليل لتقف على معانيه فإن معانيه تفرقك عن المشاهدة فآية تذهب بك إلى جنتي وما أعددت فيها لأوليائي فأين أنا إذا كنت في جنتك مع الحور متكئا على فرش بطائنها من إستبرق وآية تذهب بك إلى جهنم فتعاين ما فيها من أنواع العذاب فأين أنا إذا كنت مشغولاً بما فيها وآية تذهب بك إلى قصة آدم أو نوح أو هود أو صالح أو موسى أو عيسى عليهم الصلاة والسلام وهكذا وما أمرتك بالتدبر إلا لتجتمع بقلبك علي وأما إستنباط الأحكام فلها وقت آخر وثم مقام رفيع وأرفع" أهـ (الكبريت الأحمر على هامش اليواقيت والجواهر ص21).
وهذه زندقة عظيمة، إذ أين قال الله هذا الذي يفتريه الشعراني، ثم كيف يقول الله ما يخالف القرآن الحق المنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم حيث يقول تعالى (كتاب أنزلناه إليك مباركٌ ليدبروا آياته). وقال تعالى (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها). وقال تعالى (فذكر بالقرآن من يخاف وعيد).
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم الليل بالقرآن كلما مر على آية فيها ذكر للجنة وقف عندها ودعا الله عز وجل وكلما مر على آية أخرى فيها تهديد ووعيد وقف عندها ودعا الله سبحانه واستعاذ من النار كما صح ذلك من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، وهؤلاء زعموا أن قراءة القرآن بالليل والقيام به مشغلة وانصراف عن الله!! والحال أن القيام بالليل هو أعظم فريضة فرضها الله على رسوله ليبلغ بذلك المنزلة العظمى يوم القيامة، قال تعالى (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) ومعنى (تهجد به) أي بالقرآن، فجعل الله المقام المحمود للرسول ثمرة لقيام الليل بالقرآن وهذا أيضا أول أمر أُمر به الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى:
(يأيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص من قليلاً أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا) الآيات.
والمهم هنا أن هؤلاء الكذابين صرفوا الناس عن القرآن بزعمهم أنه مشغلة عن عبادة الله فأي تلبيس أكبر من هذا.
ب- الزعم بأن أجر أذكارهم المبتدعة أفضل من القرآن:
كما قال أحمد التيجاني وغيره إن صلاة الفاتح تعدل كل ذكر تلي في الأرض ستة آلاف مرة..
إقرأ الفصل الخاص (بالطريقة التيجانية في الفكر الصوفي). وهذا في المحصلة يؤدي بالناس إلى هجر القرآن إلى الأذكار المبتدعة.
ج- زعمهم أن من قرأ القرآن وفسره عاقبه الله لأن للقرآن أسرار ورموزاً، وظهراً وبطناً ولا يفهمها إلا الشيوخ الكبار ولو تعرض شيء من تفسيره أو فهمه عاقبه الله عز وجل .
د- جعل القرآن والحديث هو الشريعة والعلم الظاهر وأما العلوم اللدنية الأخرى في زعمهم فهي أكمل وأعلى من القرآن كما قال أبو يزيد البسطامي خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله.. وقال ابن سبعين: (لقد حجر ابن آمنة واسعاً إذ قال لا نبي بعدي) وهذا القول من هذا الزنديق في غاية الشناعة والباطل وإتهام الرسول!! فلعنة الله على من قال ذلك أو صدقه.. وتابعه في هذا القول.
وبإختصار فللمتصوفة أعنى الزنادقة منهم أساليب عظيمة في الكيد والمكر بالإسلام ومن أعظم ذلك صرف الناس عن القرآن بهذه الأكاذيب والافتراءات.
2- فتح باب التأويل الباطني لنصوص القرآن والحديث:
ومن أعظم مخاطر الفكر الصوفي كذلك فتحهم باب للتفسير الباطني لنصوص القرآن والسنة، والحق أنه لا يكاد يوجد آية أو حديث إلا وللمتصوفة الزنادقة تأويلات باطنية خبيثة لها. ويقول ابن الجوزي في وصف ذلك:
وقد جمع أبو عبد الرحمن السلمي في تفسير القرآن من كلامهم الذي أكثره هذيان لا يحل نحو مجلدين سماها حقائق التفسير قال في فاتحة الكتاب عنهم أنهم قالوا إنما سميت فاتحة الكتاب لأنها أوائل ما فاتحناك به من خطابنا فإن تأدبت بذلك وإلا حرمت لطائف ما بعد (!!)
قال المصنف رحمه الله: وهذا قبيح لأنه لا يختلف المفسرون أن الفاتحة ليست من أول ما نزل، وقال في قول الإنسان (آمين) أي قاصدون نحوك.
قال المصنف رحمه الله: وهذا قبيح لأنه ليس من أم لأنه لو كان كذلك لكانت الميم مشددة. وفي قوله: (وان يأتوكم أسارى) قال: قال أبو عثمان: غرقى في الذنوب. وقال الواسطي: غرقى في رؤية أفعالهم. وقال الجنيد: أسارى في أسباب الدنيا تفدوهم إلى قطع العلائق.
قلت: وإنما الآية على وجه الإنكار ومعناها إذا أسرتموهم فديتموهم وإذا حاربتموهم قتلتموهم وهؤلاء قد فسروها على ما يوجب المدح. وقال محمد بن علي: (يحب التوابين) من توبتهم. وقال النوري: (يقبض ويبسط) أي يقبض بإياه ويبسط لإياه وقال في قولــه: (ومن دخله كان آمناً) أي من هواجس نفسه ومن وساوس الشيطان. وهذا غاية في القبح لأن لفظ الآية لفظ الخبر ومعناه الأمر وتقديرها من دخل الحرم فأمنوه. وهؤلاء فسروها على الخبر ثم لا يصح لهم لأنه كم من داخل إلى الحرم ما أمن من الهواجس ولا الوساوس، وذكر في قوله: (إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه) قال أبو تراب: هي الدعاوي الفاسدة. (والجار ذي القربى) قال سهل: هو القلب، (والجار الجنب) النفس، (وابن السبيل) الجوارح. وقال في قوله (وهم بها)، قال أبو بكر الوراق: الهمان لها ويوسف ما هم بها. قلت هذا خلاف لصريح القرآن. وقوله (ما هذا بشراً)، قال محمد بن علي ما هذا بأهل أن يدعى المباشرة. وقال الزنجاني: الرعد صعقات الملائكة والبرق زفرات أفئدتهم والمطر بكاؤهم. وقال في قوله (ولله المكر جميعاً)، قال الحسين: لا مكر أبين فيه من مكر الحق بعباده حيث أوفاهم أن لهم سبيلاً إليه بحال، أو للحدث اقتران مع القدم.
قال المصنف رحمه الله: ومن تأمل معنى هذا علم أنه كفر محض لأنه يشير إلى أنه كالهزء واللعب. ولكن الحسين هذا هو الحلاج وهذا يليق بذاك. وقال في قوله (لعمرك) أي بعمارتك سرك بمشاهدتنا. قلت: وجميع الكتاب من هذا الجنس ولقد هممت أن أثبت منه هاهنا كثيراً فرأيت أن الزمان يضيع بين الكفر والخطأ والهذيان. وهو من جنس ما حكينا عن الباطنية، فمن أراد أن يعرف جنس ما في الكتاب فهذا أنموذجه. ومن أراد الزيادة فلينظر في الكتاب. (تلبيس إبليس ص332،333)
وهذا الذي ذكره الإمام ابن الجوزي إنما هو نموذج فقط للتأويل الصوفي لرواده الأوائل ولو رحنا نتتبع ما سطرته أيدي المتصوفة من التأويل الباطني الخبيث للقرآن والحديث لجمعنا عشرات المجلات كلها من أمثال هذا الهذيان والافتراء، والتقول على الله بلا علم والزعم أن هذه هي معاني القرآن الحقيقية..
وللأسف فإن المنهج الباطني لتأويل القرآن والحديث قد درج عليه من سار على هديهم لليوم. ولقد أصبح منهاجاً وأسلوباً لمن أبتلي بالتصديق بهذه الخرافات الصوفية، وإطلاعك مثلاً على كتاب (القرآن محاولة لتفسير عصري. لمؤلفه مصطفى محمود) أو الكتب التي ألفها محمود محمد طه السوداني صاحب ما يسمى بالحزب الجمهوري السوداني يطلعك على هذه النماذج العجيبة التي تأثرت بالفكر الصوفي وخرجت على المسلمين بتأويلات باطنية للقرآن والحديث… واليك بعض النماذج في ذلك:
* المحاولة العصرية لتفسير القرآن التي كتبها الدكتور مصطفى محمود على صفحات صباح الخير المصرية، ثم جمعها في رسالة لعنوان "القرآن محاولة لفهم عصري للقرآن" كانت محاولة صوفية حديثة لتفسير القرآن وهي محاولة فجة في إطار الفكر الصوفي كما سماها بذلك محمود محمد طه الأستاذ الذي نقل عنه الدكتور في كتابه فقد قال مادحا له ناقلاً عنه: "وأعجبني في كتاب للمفكر الإسلامي محمود طه بعنوان "رسالة الصلاة" تعبير جميل يقول فيه: إن الله استل آدم استلالاً من الماء والطين. "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" إنه الانبثاق من الطينة درجة درجة، وخطوة خطوة، من الاميبا إلى الإسفنج إلى الحيوانات الرخوية إلى الحيوانات القشرية إلى الفقريات إلى الأسماك إلى الزواحف إلى الطيور إلى الثدييات إلى أعلى رتبة آدمية بفضل الله وهديه وإرشاده" (ص53 المحاولة).
وهذا المفكر الإسلامي على حد تعبير الدكتور مصطفى محمود مهندس زراعي سوداني درس التصوف ووصل إلي القول بسقوط التكاليف عنه لأنه وصل إلى مرحلة اليقين وله كتاب الصلاة الذي نقل عنه الدكتور مصطفى محمود وكتب أخرى، وله كتاب في الرد على المحاولة العصرية بتفسير القرآن.
ومما أعجب الدكتور في كتاب الصلاة لمحمود محمد طه ما نقلناه بنصه آنفاً، وهو إقحام عجيب لخلق آدم عليه السلام في نظرية دارون التي انحسر الإيمان بها إلا من عقول أولئك الذي يجمعون من كل فكر غث يفسرون به كلام الله عز وجل زاعمين انهم وصلوا إلى هذا بالكشف والمجاهدة، وما هو إلا نقل لثقافات الكفرة والملحدين ثم حمل آيات الكتاب الكريم عليها.
وأما الدليل على أن المحاولة العصرية لتفسير القرآن وتأويله ينطلق من إطار الفكر الصوفي فهي هذه النقول من كتاب الدكتور مصطفى محمود عن القرآن:
أ- كتب الدكتور مصطفى محمود فصلاً كاملاً بعنوان "أسماء الله" جعل المعرفة الصحيحة السليمة لمعاني الرب والإله هي التي توصل إليها المتصوفة قال: "والمتصوفة يقولون انه يبعد عن إدراكنا لفرط قربه ويخفى علينا لفرط ظهوره" ص99.
ثم يسترسل في مدح الفكر الصوفي: "وهم يطلبون القرب من الله حباً، وليس خوفاً من النار، أو طلباً لجنة، ويقولون إنه في هجرة دائمة إلى الله من الأكوان إلى المكون" ص101.
ثم يقول: "والمتصوفة أهل أطوار وأحوال ولهم آراء طريفة لها عمقها، ودلالتها، فهم يقولون إن المعصية تكون افضل أحيانا من الطاعة، فرب معصية تؤدي إلى الرهبة من الله والى الذل والانكسار، وطاعة تؤدي إلى الخيلاء والاغترار وهكذا يصبح العاصي أكثر قرباً وأدباً مع الله من المطيع" ص101.
ثم يقول: "والمتصوف واليوجي والراهب كلهم على درب واحد، وأصحاب منطق واحد وأسلوب واحد في الحياة هو الزهد" ص101.
ثم يقول أيضاً: "واليوجي والراهب والصوفي المسلم يطلبون القرب والوصل بنفس الأسلوب بالتسابيح فيدعون الله بأسمائه "ولله الأسماء الحسنى يدعوه بها" وهناك يوجا خاصة بالتسابيح اسمها "المانترايوجا" من كلمة "منترام" الهندية أي تسبيحة، ومن التسابيح السنكريتية أن يتلو اليوجي في خشوع كلمة "رهيم، رهام" آلاف المرات وهي كلمات تقابل رحيم.. رحمن عندنا وهي من اسماء الله بالسنسكريتية ويضع اليوجي في عنقه مسابح طويلة من ألف حبة"!!
ثم يسترسل الدكتور مصطفى محمود في الإشادة بمنهج التصوف وفهم المتصوفة للإسلام فيقول: "والتصوف إدراك عن طريق المدارك العالية، والمتصوف عارف" ص103.
ثم يجري خلف المتصوفة في تطويع الآيات القرآنية إلى تفسيرهم الباطني فيقول: "وفي بعض أخبار داود أنه قال: "يا رب أين أجدك؟ فقال: "اترك نفسك وتعال.. غب عني تجدني". وفي هذا يفسر بعض المتصوفة كلام الله لموسى في القرآن": (فاخلع نعليك انك بالوادي المقدس طوى ) أن المقصود بالنعلين هي النفس والجسد، أو النفس وملذات الجسد، فلا لقاء بالله إلا بعد أن يخلع الإنسان النعلين: نفسه وجسده بالموت أو بالزهد" ص104.
ثم يسترسل الدكتور فيقول:" والمتصوف لا يسأل.. وهو يمرض فلا يسأل الله الشفاء ويقول في أدب.. كيف أجعل لنفسي إرادة إلى جانب إرادة الله فأسأله ما لم يفعل" ص105.
ثم يفسر قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) إن معناها ما خلقت الجن والإنس إلا ليعرفون.
ثم يقول في ختام هذا الفصل الصوفي: "هؤلاء هم أهل السر القرب والشهود الأولياء الصالحون حقاً" ص109.
فما أثر هذا المنهج الصوفي الذي اختطه الدكتور لنفسه، وكيف كان نتاج هذا الفكر عند الدكتور؟
لقد تصدى الدكتور مصطفى محمود لتأويل القرآن وتفسيره فبماذا طلع على الناس، وما الفهم العصري لكتاب رب العالمين عز وجل ؟ هناك نماذج مما وصل إليه فهم الدكتور المفسر:
أ- اجتهد الدكتور على حد تعبيره في معرفة الشجرة التي أكل منها آدم فعصى الله تبارك وتعالى وأوصله (اجتهاده) إلى ما يأتي بالنص:
"كان التلاقح الجنسي والشجرة المحرمة التي أكلت منها الحياة فهوت إلى العدم " … "وكان الشيطان يعلم أن شجرة النسل هي إيذان ببدء الموت والطرد من جنة الخالدين فكذب على آدم فسول له أنها شجرة الخلود بعينها، وأغراه بأن يخالط زوجه بالجسد" ص62.
ثم لا يكتفي الدكتور بذلك بل يجزم أن حواء أيضاً حملت في أثناء هذا اللقاء حيث يقول:
"ثم نرى القرآن يخاطبها بعد تذوق الشجرة على أنهما جمع فيقول ( اهبطوا بعضكم لبعض عدو) بينما كان الخطاب في نفس الآيات قبل الخطيئة إلى مثنى، ومعنى هذا أن الأكل من الشجرة أدى إلى التكاثر" ص62.
ثم يقول الدكتور بعد كل هذا الهذيان "ولا يمكننا القطع في هذه المسائل، ويجب أن نقول أن الشجرة ما زالت لغزاً، وأن قصة الخلق ما زالت من أمر الغيب لا نستطيع أن نقول فيها أكثر من الاجتهاد، والله أعلم بكتابه وهو وحده الذي يعلم تأويل ما فيه".
قلت: كيف وقد قطعت وفسرت بما يحلو لك آنفاً وتقولت على الله وعلى كتابه بغير علم ولا هدى.. وزعمت كل الذي زعمت في معاني القرآن بما يوافق هواك ورأيك..
والعجيب حقاً أن مصطفى محمود نفسه يهاجم البهائية الذين يعمدون إلى التأويل الباطني للقرآن فيقول: "وهو أمر يكشف خطورة التفسير الباطني للقرآن، وخطورة إغفال ظاهر الحروف، ومقتضى الكلمات والعبارات، وكيف يمكن أن يؤدي أمثال هذه التفاسير إلى اقتلاع الدين من أساسه، وهو ما كانت تلجأ إليه بالفعل فرق الخوارج والأثنا عشرية والباطنية والبابية لتطويع القرآن لأغراضها في هدم بعضها البعض".
ثم يستطرد قائلاً: "وهذا ينتهي بنا إلى موقف في التفسير لا بد من التزامه، وهو الارتباط بحرفية العبارة، ومدلول الكلمات الظاهر، لا تنتقل إلى تأويل باطني إلا بإشارة وإلهام من الكلمات القرآنية ذاتها فنفسر القرآن بالقرآن ظاهراً وباطناً على أن لا يتعارض تفسيرنا الباطن مع مدلول الظاهر أو يكون نافياً له" أهـ (محاولة تفسير عصري ص122-123)
والعجيب حقاً أن مصطفى محمود بالرغم من كل ما قاله عن خطورة التأويل الباطني قد فتح لنفسه هو المجال ليقول حسب هواه، فقد جعل الجنة والنار كليهما عذاباً ونعيماً معنوياً وليس شيئاً حقيقياً حسياً وقال أنا أكره العسل، ومنذ سمعت أن في الجنة أنهار عسل تقززت نفسي!!. وجعل يأجوج ومأجوج هم شعب الصين، وجعل الدجال المذكور في الحديث هو العلم العصري لأنه ينظر بعين واحدة إلى الدنيا فقط.. وجعل لباس البحر للنساء لباساً أوجدته الضرورة والتفكر في خلق الله… وهذه فقط بعض تأويلاته… وأما أستاذه الذي نقل عنه وهو محمد محمود طه السوداني فهذا الذي وصلت به التأويلات الى إسقاط الشريعة عن نفسه فهو لا يصلي لأنه وصل منزلة الله!! وقد وجـد بتأويلاته أن الاشتراكيـة في القــرآن بأن الله
يقول (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) والعفو هي الزيادة في زعمه عن الحاجة الضرورية وهذا يعني عنده أنه لا يجوز الإدخار ويجب إنفاق كل الكسب الزائد… وبالرغم من كل هذه الخزعبلات والخرافات فقد وجد مثل هذا الفكر رواجاً وقد ناقشت بنفسي أعداداً كبيرة من هذا الذي يسمونه بالحزب الجمهوري في السودان… ويعجب القارئ إذا علم أن مثل هذا الفكر الباطني قد انتحله أساتذة جامعات ومحامون ومدرسون وطلاب… وأنهم يدافعون عن هذا الفكر باستماتة عجيبة. فأي خطورة أعظم من مثل هذا؟!