aloqili.com
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

aloqili.com

سيرة نبوية - تاريخ القبائل - انساب العقلييين - انساب الهاشمين - انساب المزورين
 
السياسة الدوليةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
الشيخ عودة
الشيخ عودة
الشيخ عودة



عدد المساهمات : 1748
تاريخ التسجيل : 28/09/2008
العمر : 73

كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم Empty
مُساهمةموضوع: كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم   كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم Emptyالأربعاء نوفمبر 11, 2015 6:38 pm




أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن عبد الله بن عمر جعفر، أبو علي، سكن حلب، وحدث بدمشق عن: أبي شعيب الحراني، وجعفر الفريابي، والحسن بن علي بن الوليد الفارسي.
روى عنه تمام الرازي.
أحمد بن عبد بن محمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق:
ابن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو العباس، صاحب الخال، نسب نفسه هكذا.
وقيل: أحمد بن عبد الله بن محمد بن جعفر.
وقيل: محمد بن عبد الله بن جعفر، وقيل عبد الله بن أحمد بن محمد بن اسماعيل.
وقيل: ان اسمه الحسين بن زكرويه بن مهرويه وقيل ابن مهري - الصواني، من أهل صوان، من سواد الكوفة، وهو المعروف بصاحب الخال، أخو علي بن عبد الله القرمطي، نسب نفسه إلى محمد بن اسماعيل بن جعفر، وتسمى بالمهدي.
وبايعته القرامطة بعد قتل أخيه بنواحي دمشق وصار إلى السخنة، والاركه والزيتونة وخناصرة من الأحص من أعمال حلب، ودخل هذه المواضع عنوة، ونهب ما فيها من الأموال والسلاح.
وأفسد بالشام، وعاث في بلادها، وغلب على أطراف حمص، وخطب على منابرها، وفتحوا له بابها، وسار إلى حماه، ومعرة النعمان وغيرهما من البلاد، فقتل أهلها، والنساء والأطفال، ثم جاء إلى سلمية، فمنعوه، ثم أعطاهم الأمان ففتحوا له بابها، فدخل وقتل الهاشميين أجمعين بها، ثم قتل الرجال، ثم البهائم ثم الصبيان ثم خرج منها وليس بها عين تطرف.
وجهز جيشا كثيفا بخيل ورجاله مع بعض دعاته ويعرف بعميطر المطوق، إلى ناحية حلب فأوقعوا بأبي الأغر خليفة بن المارك بوادي بطنان، وقتلوا خلقا عظيما، وانتهبوا عسكره، وأفلت أبو الأغر في ألف رجل لا غير، فدخل إلى حلب، ووصلوا خلفه إلى حلب، فأقاموا عليها على سبيل المحاصرة، وتسرع أهل حلب في يوم الجمعة سلخ شهر رمضان من سنة تسعين ومائتين، وطلبوا الخروج لقتالهم فمنعوا من ذلك، فكسروا قفل باب المدينة، وخرجوا إلى القرامطة فتحاربوا، ونصر الله الرعية من أهل حلب عليهم، وقتل من القرامطة جماعة كبيرة، وخرجوا يوم السبت يوم عيد الفطر مع أبي الأغر إلى مصلى العيد، وعيد المسلمون وخطب الخطيب على العادة، ودخل الرعية إلى مدينة حلب في أمن وسلامة، وأشرف أبو الأغر على عسكر القرامطة فلم يخرج إليه أحد منهم، فلما يئسوا من فرصة ينتهزونها من حلب ساروا ومضوا إلى صاحب الخال.
ولما انتهى إلى المكتفي بالله هذه الأمور خرج نحوه، وجهز إليه عسكرا قويا في المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين، فقتل من أصحاب القرمطي خلق كثير، وانهزم نحو الكوفة، فقبض بالدالية من سقي الفرات، وحمل إلى الرقة إلى المكتفي بالله.
فحمل إلى بغداد، وشهر وطيف به على جمل، وقيل على فيل، ثم بنيت له دكة فقتل عليها هو وأصحابه في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين ومائتين.
وكثير مما يقع الاختلاف في اسمه ونسبه، واسم أخيه الذي قبله علي بن عبد الله، وبعضهم يسمي أخاه محمد بن عبد الله بن يحيى، والصحيح أن الذي ثبت عليه في اسمه ونسبه: أبو العباس أحمد بن عبد الله، وهو دعي.
وإنما سموا القرامطة، زعموا أنهم يدعون إلى محمد بن اسماعيل بن جعفر ابن محمد بن علي، ونسبوا إلى قرمط، وهو حمدان بن الأشعث، كان بسواد الكوفة، وإنما سمي قرمطا لأنه كان رجلا قصيرا، وكان رجلاه قصيرتين، وكان خطوه متقاربا، فسمي بهذا السبب قرمطا، وكان قرمط قد أظهر الزهد والورع وتسوق به على الناس مكيدة وخبثا.
وكان أول سنة ظهر فيها أمر القرامطة سنة أربع وستين ومائتين، وذكر بعض العلماء أن لفظة قرامطة إنما هو نسبة إلى مذهب يقال له القرمطة خارج عن مذاهب الاسلام، فيكون على هذه المقالة عزوة إلى مذهب باطل، لا إلى رجل.

وإنما قيل لهذا القرمطي صاحب الخال، لأنه كان على خده الأيمن خال، ويعرف بابن المهزول زكرويه بن مهري الصواني، من أهل صوان، من سواد الكوفة وقيل هو وأخوه من قيس من بني عبادة بن عقيل من بني عامر، ثم من بني قرمطي ابن جعفر بن عمرو بن المهيا بن يزيد بن عبد الله بن يزيد بن قيس بن جوثة بن طهفة بن حزن بن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، فادعى أنه من ولد محمد بن اسماعيل بن جعفر، فعلى هذا يكون منسوبا إلى قرمطي، ولا يبعد أن يكون الأمران جميعا، والله أعلم.
وقرأت في رسالة أبي عبد الله محمد بن يوسف الأنباري الكاتب إلى أخيه أبي علي في ذكر أخبار هذا القرمطي: انه ادعى أنه أحمد بن عبد الله بن جعفر، وأنه المهدي، وأنه نظر محمد بن اسماعيل في النسب، فلما وقف على بعد هذا النسب، ادعى بعد وقعة السطح من الكسوة، أنه محمد بن عبد الله بن جعفر، وكتب بذلك كتابا بخطه إلى المعروف بابن حوي السكسكي ممن يسكن بيت لهيا، فصار ابن حوي إلى أبي نصر حمد بن محمد، كاتب طغج، ثم نزع عن هذا النسب إلى عبد الله بن ادريس الحسني القادم من الحجاز إلى مدينة أذرعات من جهة دمشق، وقيل ابن القرمطي من يهود نجران، وأنه دعي وذكر أبو محمد عبد الله بن الحسين الكاتب القطربلي ومحمد بن أبي الأزهر في التاريخ الذي اجتمعا على تأليفه في حوادث سنة تسع وثمانين ومائتين قالا: وفي آخر هذه السنة ظهر رجل يقال له محمد بن عبد الله بن يحيى، من ولد اسماعيل ابن جعفر العلوي بنواحي دمشق، يدعو إلى نفسه، واجتمع إليه خلق كثير من الأعراب، وأتباع الفتن، فسار بهم إلى دمشق، وكان بها طغج بن جف مولى أمير المؤمنين من قبل هارون بن خمارويه عامل أمير المؤمنين على مصر والشام، فلما بلغه خبره استعد لحربه، وتحصن طغج بدمشق، فحصره هذا العلوي بها، وكانت بينهما وقعات، وانقضت.
قالا: وفي هذه السنة - يعني سنة تسعين ومائتين - جرت بين طغج بن جف وبين القرمطي حروب كثيرة كلها على طغج، فكتب إلى هارون يستنجده، فوجه إليه من مصر جيشا بعد جيش، كل ذلك يهزمهم القرمطي.
ثم وجه هرون بن خمارويه ببدر الحمامي، وكتب إلى طغج في معاضدته، وضم إليه وجوه القواد بمصر والشام، فخرج إلى القرمطي، فكانت بينهم حروب كثيرة أتت على أصحاب بدر الحمامي، وكان هذا القرمطي قد جعل علامته ركوب جمل من جماله، وترك ركوب الدواب، ولبس ثيابا واسعة، وتعمم عمة أعرابية، وأمر أصحابه أن لا يحاربوا أحدا وأن أتي عليهم حتى ينبعث الجمل من قبل نفسه من غير أن يثيره أحد، فكانوا إذ فعلوا ذلك لم يهزموا، وكان إذا أشار بيده إلى ناحية من النواحي انهزم من يحاربه، واستغوى بذلك الأعراب.
فخرج إليه بدر يوماً لمحابرته، فقصد القرمطي رجل من أصحاب بدر يقال له زهير بزانة، فرماه بها فقتله، ولم يظهر على ذلك أصحاب بدر إلا بعد مدة، فطلب في القتلى فلم يوجد، وكان يكنى أبا القاسم.
قال ابن أبي الأزهر: وحدثني كاتبه المعروف بإسماعيل بن النعمان، ويكنى بأبي المحمدين، وسبب هذه الكنية أنه وافى مع جماعة من القرامطة بعد الصلح وقبولهم الأمان من القاسم بن سيماء، وكان على طريق الفرات، ومن عبد الله بن الحسين بن سعد وكان على القابون، فكان القاسم بن سيماء يكنى أبا محمد وصاحب الخرائط قرابة أبي مروان يكنى أبا محمد، فكني إسماعيل هذا أبا المحمدين، فبقي معروفاً بذلك.
فحدثني إسماعيل عن هذه الوقعة قال: فصرت إليه غير مرة وهو راكب على نجيبه، وعليه دراعة ملحم، فقلت له: قد اشتد الأمر على أصحابنا، وقد قربوا منك، فتنح عن هذا الموضع إلى غيره، فلم يرد علي جواباً، ولم يثر نجيبه، فعدلت إليه ثانية، فقلت له: قم، فانتهرني ولم يرم إلى أن وافته زانة، أو قال: حربة، فسقط عن البعير، وكاثرنا من يريد أخذه، فمنعنا منه، وقتل زهاء مائة إنسان في ذلك الوضع، ثم أخذناه وتنحينا بأجمعنا.
فقلت: هذا الذي أقمتموه مقامه أهو أخوه؟ فقال لا والله ما نعلم ذاك غير أنه وافانا قبل هذه الحادثة بيومين، فسألناه من أنت من الإمام؟ فقال: أنا أخوه، ولم نسمع من الشيخ شيئاً في أمره، يعني المكتني أبا القاسم.

وكان هذا المدعي أخاه يكنى أبا العباس، واسمه أحمد بن عبد الله، فعقد لنفسه البيعة على القرامطة، ودعاهم إلى مثل ما كان أخوه يدعوهم إليه، فاشتدت شوكته، ورغبت البوادي في النهب، وانثالت عليه انثيالاً، وذلك في آخر شهر ربيع الآخر من هذه السنة.
ثم صار إلى دمشق فصالحه أهلها على خراج دفعوه إليه، فانصرف عنهم، ثم سار إلى أطراف دمشق وحمص فتغلب عليها، وخطب له على منابرها، وتسمى بالمهدي، ثم صار إلى مدينة حمص فأطاعه أهلها وفتحوا له بابها فدخلها، ثم صار إلى حماه، وسلمية، وبعلبك فاستباح أهلها، وقتل الذراري ولم يبق شريفاً لشرفه، ولا صغيراً لصغره، ولا امرأة لمحرمها؛ وقتل أهل الذمة، وفجروا بالنساء.
وحدثني من كان معهم قال: رأيت عصاماً سيافه وقد أخذ من بعلبك امرأة جميلة جداً ومعها طفل لها رضيع، فرأيته والله وقد فجر بها، ثم أخذ الطفل بعد ذلك فرمى به نحو السماء ثم تلقاه بسيفه فرمى به قطعتين، ثم عدل إلى أمه بذلك السيف بعينه، فضربها به فبترها.
فلما اتصل عظيم خبرهم، واقدامهم على انتهاك المحارم، ودام، خرج أمير المؤمنين المكتفي بالله متوجهاً نحوه، يوم الثلاثاء لتسع خلون من شهر رمضان، في قواده، ومواليه، وغلمانه، وجيوشه، وأخذ على طريق الموصل، ثم صار إلى الرقة وأقام بها، وأنفذ الجيوش نحو القرامطة، وقلد القاسم بن عبيد الله بن سليمان تدبير أمر هذه الجيوش، فوجه القاسم محمد بن سليمان الكاتب صاحب الجيش خليفة له على جميع القواد، وأمرهم بالسمع والطاعة، فنفذ عن الرقة في جيش ضخم، وآلة جميلة، وسلاح شاك؛ وكتب إلى جميع القواد والأمراء في النواحي بالسمع له والطاعة لأمره، وضم محمد بن سليمان القواد بعضهم إلى بعض، وصمد نحو القرمطي، فلم يزل يعمل التدبير، ويذكي العيون، ويشاور ذوي الرأي، ويتعرف الطرقات إلى أن دخلت سنة إحدى وتسعين.
قال: وفي أول هذه السنة كتب أمير المؤمنين إلى محمد بن سليمان، وإلى سائر القواد في مناهضة القرمطي فساروا إليه فالتقوا على اثني عشر ميلا من حماه في موضع بينه وبين سلمية، فاشتدت الحرب بينهم وصدقوهم القتال، فتجمع القرامطة وحملوا على الميمنة حمل رجل واحد، فثبت الأولياء، فمروا صادفين عنها وجعلوها هزيمة، ومنح الله أكتافهم، وقتل منهم وأسر أكثر من عشرة آلاف رجل، وشرد الباقون في البوادي، واستمرت بهم الهزيمة، وطلبهم الأولياء إلى وقت صلاة عشاء الآخرة من ليلة الأربعاء لسبع خلون من المحرم.
ولما رأى القرمطي ذلك، ورأى من بقي من القرامطة قد كاعوا عنه، حمل أخاً له يكنى أبا الفضل مالاً، وتقدم إليه أن يلحق بالبوادي إلى أن يظهر في موضع آخر، فيصير إليه، وتجمع رؤساء القرامطة، وهم الذين كانوا صاروا إلى رحبة مالك بن طوق، فطلبوا الأمان، وهم: أبو المحمدين، والنعمان بن أحمد، وأحمد بن النعمان أخو أبي المحمدين، ووشاح، وعطير، وشديد بن ربعي، وكليب من رهط النحاس، وعصمة السياف، وسجيفة رفيقه، ومسرور، وغشام فقالوا للقرمطي، وهو صاحب الخال،: قد وجب حقك علينا، وقد رأيت ما كان من جدنا واجتهادنا ومن حقك علينا أن ندعك ورأيك، وإنما يطلبنا السلطان بسببك، فانج بنفسك، فأخذ ألف دينار فشدها في وسطه في هميان، وأخذ معه غلاما له روميا يقال له لؤلؤ، كان يهواه ويحل منه محل بدر من المعتضد بالله، وركب معه المدثر، وكان يزعم أنه ابن عمه، والمطوق غلامه، ومع كل واحد منهم هميان في وسطه.
فأما المطوق - وهو اتخذ له سخاب وقت دخوله إلى مدينة السلام - فإني سألت عنه أبا المحمدين فذكر أنه رجل من أهل الموصل، وأنه صار إلى الإمام - بزعمه - فجعل يورق له ويسامره، ولم يعرف قبل ذلك الوقت.


 

وأخذوا دليلاً، وسار يريد الكوفة عرضاً في البرية، فغلط بهم الدليل الطريق، وأخرجهم بموضع بين الدالية والرحبة يقال له بنو محرز، فلما صاروا إلى بني محرز نزلوا خارج القرية في بيدر عامر، فأخرجوا دقيقاً كان معهم في مزود، واقتدحوا ناراً، واحتطبوا ليخبزوا هناك، وكان وقت مغيب الشمس، فعلا الدخان، وارتاب الموكلون ببني محرز من أصحاب المسالح بما رأوه، فأموا الموضع، فلقوا الدليل فعرفه بعضهم، فقال ما وراءك؟ قال: هذا القرمطي وراء الدالية، فشدوا عليهم فأخذوهم، وكتبوا إلى أبي خبزة وهو في الدالية يعلمونه بهذا، فأتاهم ليلاً، فأخذهم وصار بهم إلى الدالية، وأخذ من وسط غلام له هميانا فيه ألفا دينار، ومن وسط المدثر مثل ذلك، وأخذ الهميان الذي كان مع القرمطي، ووكل بهم في دار بالدالية، وكتب إلى أحمد بن محمد بن كشمرد وهو بالرحبة يخبره فأسرع في السير إليهم، فلما وافى احتبس القرمطي في بيت لطيف في مجنب الحيري، فحدثني بعض أهل الدالية قال: لما وافى ابن كشمرد سأل القرمطي ما أخذه منك؟ قال: ما أخذ مني شيء، فقال له المطوق: أتبغي من الإمام ما لا يحسن منه الإقرار به، ودعا بالبزاز فأخذ ثياباً، ثم دعا بالخياط ليقطع للقرمطي تلك الثياب، فقال مالخياط للقرمطي: قم حتى أقدر الثوب عليك، فقال المطوق للخياط: أتقول يا بن اللخناء للإمام قم ! اقطع ثكلتك أمك على سبعة أشبار.
وصار ابن كشمرد وأبو خبزه بالقرمطي إلى الرقة، ورجعت جيوش أمير المؤمنين بعد أن تلقطوا كل من قدروا عليه من أصحاب القرمطي في أعمال حمص ونواحيها، وورد كتاب القاسم بن عبيد الله بأن القرمطي أدخل الرقة ظاهرا للناس على جمل فالج، وعليه برنس حرير ودراعة ديباج، وبين يديه المدثر والمطوق على جملين في يوم الاثنين لأربع ليال بقين من المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين حتى صير بهم إلى دار أمير المؤمنين بالرقة فأوقفوا بين يديه، ثم أمر بهم فحبسوا، واستبشر الناس والأولياء بما هنأه الله في أمر هذا القرمطي، وقرظ أمير المؤمنين القاسم بن عبيد الله هذا الوقت وأحمده فيما كان من تدبيره في أمر هذا الفتح، وخلع عليه خلعاً شرفه بها، وقلده سيفاً ولقبه بولي الدولة، وانصرف إلى منزله بالرقة.
وخلف أمير المؤمنين عساكره مع محمد بن سليمان، وشخص من الرقة في غلمانه ووجوه أصحابه، وحرمه، وشخص معه أبو الحسين القاسم بن عبيد إلى بغداد وحمل معه القرمطي والمدثر، والمطوق وجماعة ممن أسر في الوقعة مستهل صفر، وقعد في الحراقات في الفرات، ولم يزل متلوماً في الطريق حتى وصل إلى البستان المعروف بالبشرى ليلة السبت لليلتين بقيتا من صفر، فأقام به، ثم عبر من هناك إلى الجانب الشرقي، فعبأ الجيوش بباب الشماسمية، وكان أمير المؤمنين قد عزم على أن يدخل القرمطي بغداد مصلوباً على دقل، والدقل على ظهر فيل، وأمر بهدم الطاقات التي يجتاز بها الفيل إذ كانت أقصر من الدقل، ثم استسمج ذلك، فعمل له دميانة غلام يازمار كرسياً ارتفاعه ذراعان ونصف، وأجلسه عليه، وركب الكرسي على ظهر الفيل، فدخل أمير المؤمنين مدينة السلام صبيحة يوم الاثنين مستهل ربيع الأول في زي حسن، وتعبئة جيش كثيف، وآلة تامة، وسلاح شاك، بين يدي القرمطي على جمل فالج، وعليه دراعة حرير وبرنس، ثم القرمطي على الكرسي على ظهر الفيل وعليه دراعة ديباج وبرنس حرير، ثم دخل أمير المؤمنين خلفه حتى اشتق مدينة السلام إلى قصره المعروف بالحسني، والقاسم بن عبيد الله خلفه، وأمر بالقرمطي والمدثر فأدخلا الحبس بالحسني، ووجه بالأسرى إلى الحبس الجديد بالجانب الغربي، ومضى المكتفي من ساعته من الحسني إلى الثريا بعد أن خلع على أبي الحسين القاسم بن عبيد الله، وانصرف إلى منزله.


ووافى محمد بن سليمان بعد اصلاحه الأمور وتلقطه جماعة من قواد القرمطي وقضاته وأصحاب شرطه، فأخذهم وقيدهم، وانحدر والقواد الذين تخلفوا معه إلى مدينة السلام فوافى بغداد إلى الباب المعروف بباب الأنبار ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وكان أمر القواد جميعاً بتلقي محمد بن سليمان والدخول معه إلى بغداد، ففعلوا ذلك، ودخل محمد بن سليمان صبيحة يوم الخميس وبين يديه نيف وسبعون أسيراً غير من أسمينا والقواد معه حتى صاروا إلى دار أمير المؤمنين بالثريا، فدخلوا عليه، وأمر أن يخلع على محمد بن سليمان، ويطوق بطوق ذهب، ويسور بسوار، وخلع على جميع القواد القادمين معه، وطوقوا وسوروا وانصرفوا إلى منازلهم، وأدخل الأسرى إلى الحبس الجديد بمدينة السلام في الجانب الغربي منها.
فلما كان في يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول بنيت دكة في المصلى العتيق من الجانب الشرقي الذي تخرج إليه الثلاث الأبواب ومن باب خراسان، تكسير ذرعها عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً، وجعل لها أربع درج يصعد منها إليها، وأمر القواد جميعاً بحضور هذه الدكة، ونودي بذلك في الناس أن يحضروا عذاب القرامطة ففعلوا وكثر الناس في هذا الموضع، وحضر القواد والواثقي المتقلد للشرطة بمدينة السلام، وحضر محمد بن سليمان، فقعدوا جميعاً عليها، وأحضروها ثلاثمائة ونيفاً وعشرين إنساناً ممن كان أسر قديما، ومن جاء به محمد بن سليمان، وأحضر القرمطي والمدثر فأقعدا، وقدم نيف وثلاثون إنساناً من هؤلاء الأسارى من وجوههم فقطعت أيديهم وأرجلهم وضربت أعناقهم، ثم قدم القرمطي فضرب مائتي سوط، ورش على الضرب الزيت المغلى، وكوي بالجمر، ثم قطعت يداه ورجلاه، وضربت عنقه، فلما قتل انصرف القواد وأكثر الناس من حضر للنظر إلى عذاب القرمطي، وأقام الواثقي إلى وقت العشاء الآخرة في جماعة من أصحابه حتى ضرب أعناق باقي الأسارى، ثم انصرف، فلما كان يوم الأربعاء لست بقين من هذا الشهر صير ببدن القرمطي إلى جانب الجسر الأعلى من الجانب الشرقي فصلب هناك، وحفر لأجساد القتلى آبار إلى جانب الدكة فطرحوا فيها، وطمت، فلما كان بعد أمر بهدم الدكة وتعفية أثرها ففعل ذلك.
قال ابن أبي الأزهر في هذا التاريخ في حوادث سنة ثلاث وتسعين ومائتين: وفيها ورد الخبر بأن أخا الحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة ظهر بالدالية من طريق الفرات في نفر واجتمع إليه جماعة من الأعراب وسار بهم إلى نحو دمشق. فعاث في نواحيها، فندب للخروج إليه حسين بن حمدان فخرج في جماعة، وورد الخبر برجوعه إلى الدالية.
فحدث محمد بن داود بن الجراح أن زكرويه بعد قتل صاحب الشامة أنفذ رجلاً كان معلماً للصبيان يقال له عبد الله بن سعيد، فتسمى نصراً ليخفي أمره، فدار في أحياء كلب يدعوهم إلى رأيه، فاستجاب له جماعة من صعاليكهم وسقاطهم وسقاط العليصيين، فسار فيهم إلى بصرى وأذرعات من كورتي حوران والبثنية فقتل وسبى، وأخذ الأموال.
قال: وأنقذ زكرويه رجلاً يقال له القاسم بن أحمد داعية، فصار إلى نحو رستاق نهر ملخانا.
قال: فالتقت به طائفة، فساروا إلى الكوفة حتى صبحوها غداه يوم النحر وهم غارون فوافوا باب الكوفة عند انصراف الناس من المصلى، فأوقعوا بمن قدروا عليه، وسلبوا وقتلوا نحواً من عشرين رجلاً، وكان رئيسهم هذا قد حملوه في قبة يقولون: هذا ابن رسول الله وهو القاسم بن أحمد داعية زكرويه، وينادون يا ثارات الحسين - يعنون الحسين صاحب الشامة - ، وشعارهم يا محمد يا أحمد - يعنون ابني زكرويه، ويموهون بهذا القول على أهل الكوفة - ونذر بهم الناس فرموهم بالحجارة من المنازل.
وإنما ذكرت هذا الفصل من قول ابن أبي الأزهر لأن فيه ما يدل على أن صاحب الخال كان يسمى الحسين بن زكرويه، وعاش زكرويه بعد ولديه القرمطيين في زعمه.


أنبأنا تاج الأمناء أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسين بن هبة الله الدمشقي قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا أبو غالب بن البناء قال: أخبرنا أبو الحسين بن الآبنوسي قال: أخبرنا عبيد الله بن عثمان بن يحيى الدقاق قال: أخبرنا أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل الحطمي قال: قام مقامه - يعني مقام صاحب الجمل - أخ له في وجهه خال يعرف به يقال له صاحب الخال، فأسرف في سوء الفعل، وقبح السيرة، وكثرة القتل، حتى تجاوز ما فعله أخوه، وتضاعف قبح فعله على فعله، وقتل الأطفال، ونابذ الإسلام وأهله، ولم يتعلق منه بشيء، فخرج الكتفي إلى الرقة، وسير إليه الجيوش، فكانت له وقائع وزادت أيامه على أيام أخيه في المدة والبلاء حتى هزم وهرب، فظفر به في موضع يقال له الدالية بناحية الرحبة، فأخذ أسيراً، وأخذ معه ابن عم له يقال له المدثر كان قد رشحه للأمر بعده، وذلك في المحرم سنة إحدى وتسعين. وانصرف المكتفي بالله إلى بغداد وهو معه، فركب المكتفي ركوباً ظاهراً في الجيش والتعبئة، وهو بين يديه على الفيل، وجماعة من أصحابه على الجمال مشهرين بالبرانس، وذلك يوم الاثنين غرة ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين، ثم بنيت له دكة في المصلى، وحمل إليها هو وجماعة أصحابه فقتلوا عليها جميعاً في ربيع الآخر بعد أن ضرب بالسياط، وكوى جميعه بالنار، وقطعت منه أربعته، ثم قتل ونودي في الناس فخرجوا مخرجاً عظيماً للنظر إليه، وصلب بعد ذلك في رحبة الجسر.
وقيل إنه وأخوه من قرية من قرى الكوفة يقال لها الصوان، وهما فيما ذكر ابنا زكرويه بن مهرويه القرمطي الذي خرج في طريق مكة في آخر سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وتلقى الحاج في المحرم من سنة أربع وتسعين فقتلهم قتلا ذريعاً لم يسمع قط بمثله، واستباح القوافل، وأخذ شمسة البيت الحرام، وقبل ذلك ما دخل الكوفة يوم الأضحى بغتة وأخرج منها، ثم لقيه جيش السلطان بظاهر الكوفة بعد دخوله إياها، وخروجه عنها، فهزمهم وأخذ ما كان معهم من السلاح والعدة، فتقوى بها، وعظم أمره في النفوس وهال السلطان، وأجلبت معه كلب وأسد، وكان يدعى السيد، ثم سير إليه السلطان جيشاً عظيماً فلقوه بذي قار بين البصرة والكوفة في الفراض فهزم وأسر جريحاً، ثم مات، وكان أخذه أسيراً يوم الأحد لثمان بقين من ربيع الأول سنة أربع وتسعين بعد أن أسر، فقدم به إلى بغداد مشهوراً في ربيع الأول، وشهرت الشمسة بين يديه ليعلم الناس أنها قد استرجعت، فطيف به ببغداد، وقيل إنه خرج يطلب ثأر ابنه المقتول على الدكة.
وذكر ابن أبي الأزهر في تاريخه أنه لما خرج على قافلة الحاج أن أصحابه أكبوا على الحاج فقتلوهم كيف شاؤوا واحتووا على جميع ما كان في القافلة، وسبوا النساء الحرائر، وجمع القرمطي لعنه الله أجساد القتلى، فعمل منها دكة تشبيها بالدكة التي قتل عليها أصحابه.
وسير إلي بعض الشراف الهاشميين بحلب تاريخاً جمعه أبو غالب همام بن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب، ذكر أنه تذكرة كتبها مما وجده في التواريخ المتقدمة، ومما وجده بخط جد أبيه الشيخ أبي الحسين علي بن المهذب بن أبي حامد محمد بن همام بن أبي شهاب وغيره قال فيه: سنة تسعين ومائتين فيها نجم بالشام قرمطي بأرض دمشق، انتسب إلى العلوية.

قال: وذكر الشيخ أبو الحسين علي بن المهذب أن أباه المهذب أخبره أن هذا القرمطي أول من وقع عليه هذا اللقب، وكان خرج في بطن من بني عدي من كلب يقال لهم بنو العليص، فخرج إليه طغج بن جف والي دمشق من قبل الطولونية محتقراً له في غير عدة ولا عدة، وكان هذا القرمطي في بادية كلب فأوقع بطغج، ودخل إلى دمشق مهزوماً، ثم رجع فجمع عسكره، وحشد، وخرج إليه فكان الظفر للقرمطي أيضاً، وقتل حلقاً كثيراً من أصحاب طغج، ونهبوا عسكره وعاد طغج إلى دمشق، فقوي القرمطي وكتب طغج إلى مصر، فوجه إليه جماعة من الفرسان والرجالة، وأمدهم من في الشام، فصار جيشاً عظيماً، فخرج وهو غير شاك في الظفر به، فأوقع القرمطي به، وكانت الوقعة في موضع بعرف بالكسوة، وسار القرمطي إلى بعلبك ففتحها وقتل أهلها، ونهب وأحرق، وسار منها إلى حمص فدعا لنفسه بها، وبث ولاته في أعمالها، وضرب الدنانير والدراهم، وكتب عليها المهدي المنصور أمير المؤمنين، وكذلك كان يدعى له على المنابر، وأنفذ سرية إلى حلب فأوقع بأبي الأغر خليفة بن المبارك السلمي، وعادت السرية، وجبى الخراج، وحمل إليه مال جند حمص، فأنفذ الأمير أبو الحجر المؤمل بن مصبح أمير برزويه والبارة والروق وأفامية وأعمال ذلك - وبقي والي هذه المواضع من قبل الخلفاء ببغداد أربعين سنة فيها - رجلين من أهل معرة النعمان اسم أحدهما أحمد بن محمد بن تمام، والآخر ابن عاص القسري، وجاءا إلى القرمطي يرفعان على أهل معرة النعمان فمضيا إليه، وقالا له: إن أهل معرة النعمان قد شقوا العصا، وبطلوا الدعوة، وغيروا الأذان، ومنعوا الخراج، وكان أهل معرة النعمان قد أرسوا معهما الخراج فأخذ منهما في الطريق، فلما قالا له ذلك، التفت إلى كاتبه وقال له: اكتب وشهد شاهدان من أهلها، فسار إليها وقال لأصحابه: إن أغلقوا الباب فاجعلوها غارة على الدارين، فخرج أهل معرة النعمان ولا علم لهم بما قد جرى، وأصحاب القرمطي يقولون: القوا مولانا السيد، فبلغ كثير من الناس إلى قرب حناك، وأخذ الأبواب أصحاب القرمطي على الناس، فقتل خلق كثير، ودخلها يوم الأربعاء النصف من ذي الحجة، فأقام يقتل المشايخ والنساء والرجال والأطفال، ويحرق وينهب خمسة عشر يوما، فذكر أن القتلى كانوا بضعة عشر ألفاً.
وخرج المكتفي إلى الرقة وأنفذ عساكره مع محمد بن سليمان الأنباري، وكان شهماً شجاعاً مدبراً، فحصل في حلب في جيش فيه ثلاثون ألفا مرتزقة، فيما ذكر غير واحد، وكان جهير بن محمد يقول له: تخرج إليهم فقد أهلكوا عشيرتي، فيقول له ابن الأنباري الكاتب: لو أخذوا بلحيتي ما خرجت إليهم حتى يهل هلال المحرم، يريد سنة إحدى وتسعين.
قال أبو غالب بن المهذب: سنة إحدى وتسعين، فيها: سار محمد ابن سليمان الكاتب الأنباري إلى القرامطة فأوقع بهم في قرية تعرف بالحسينية فقتلهم وبدد شملهم، ولما تصور القرمطي ورأى أنه لا طاقة له بعساكر الخلافة هرب قبل الوقعة بأصحابه، فحصل في قرية شرقي الرحبة تعرف بالدالية، في نفر يسير من خواص أصحابه، فتستروا بها، وبعث بعض أصحابه متنكراً ليمتار لهم ما يحتاجون إليه، فأخذ وأنكر، وأتي به إلى رجل كان يتولى معونة الدالية يعرف بأبي خبزة لأحمد ابن محمد بن كشمرد والي الرقة، وكان أبو خبزة صغير الشأن حقيراً في الجند، فسأله أبو خبزة عن خبزه وقصته، فتبين منه قولا مختلفا، فألح عليه أبو خبزة، فأقر ذلك الرجل بأنه من رجال القرمطي، ودل عليهم في أي موضع هم، فخرج أبو خبزة فيمن جمعه من الأجناد الرجال إلى الموضع الذي فيه القرمطي وأصحابه فظفر بهم وبالقرمطي، وكان معهم حملان من المال، فأخذهم والمال معهم، وحملهم إلى ابن كشمرد والي الرقة، فأخذهم وكتب بخبرهم إلى المكتفي، فبعث إليه من تسلمهم منه وأوردهم الرقة، وانحدر المكتفي إلى مدينة السلام بغداد وهم معه، فبنى لهم دكة عظيمة بظاهر القصر المعتضدي، وعذبوا عليها بأنواع العذاب.

أخبرنا أبو البركات بن محمد بن الحسن كتابة قال: أخبرنا علي ابن أبي محمد الدمشقي قال: قرأت على أبي منصور بن خيرون عن أبي محمد الجوهري وأبي جعفر بن المسلمة عن أبي عبد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني قال: أحمد بن عبد الله الخارج بالشام في أيام المكتفي بالله، وكان ينتمي إلى الطالبيين، وهو المعروف بصاحب الخال، وقتل بالدكة في سنة إحدى وتسعين ومائتين يروى له ولأخيه علي بن عبد الله شعر يشك في صحته، فمما يروى لأحمد:
متى أرى الدنيا بلا كاذب ... ولا حروري ولا ناصبي
متى أرى السيف على كل من ... عادى عليّ بن أبي طالب
متى يقول الحق أهل النهى ... وينصف المغلوب من غالب
هل لبغاة الخير من ناصرٍ ... هل لكؤوس العدل من شارب
قال: ويروى له:
نفيت من الحسين ومن عليّ ... وجعفر الغطارف من جدودي
وخيب سائلي وجفوت ضيفي ... وبتّ فقيد مكرمةٍ وجود
وأعطيت القياد الدّهر مني ... يمين فتىً وفيٍّ بالعهود
لئن لم أعط ما ملكت يميني ... لحرب من طريفٍ أو تليد
وأفتتحنها حربا عوانا ... تقحم بالبنود على البنود
فإما أن أبوح بروح عزٍّ ... وجدٍّ آخذٍ ثار الجدود
وإما أن يقال فتىً أبيٌّ ... تخرّم في ذرى مجدٍ مشيد
وهي أكثر من هذا فيقال أن عبد الله بن المعتز أجابه عنها بقصيدة منها:
تهددنا زعمت شبوب حربٍ ... تقحم بالبنود على البنود
فكان السيف أدنى عند وردٍ ... إلى ود جيك من حبل الوريد
قرأت بخط أبي بكر محمد بن يحيى الصولي، وأخبرنا به أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل، فيما أذن لنا أن نرويه عنه، قال: كتب إلينا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي أن أبا القاسم البندار أنبأهم عن أبي أحمد ابن أبي مسلم عن أبي بكر الصولي قال: وأجلس القرامطة مكان علي بن عبد الله أخاً له يقال له أحمد بن عبد الله، زعموا أنه عهد إليه، وصار أحمد بن عبد الله إلى حمص ودعي له بها وبكورها، وأمرهم أن يصلوا الجمعة أربع ركعات، وأن يخطبوا بعد الظهر، ويكون أذانهم: أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن علياً ولي المؤمنين حي على خير العمل؛ وضرب الدراهم والدنانير وكتب عليها الهادي المهدي، لا إله إلا الله محمد رسول الله، جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وعلى الجانب الآخر قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى.
ووجه أحمد بن عبد الله هذا برجل يعرف بالمطوق - أمرد فرأيته بعد ذلك - فكبس أبا الاغر وهو غافل، فقتل أكثر أصحابه، وأفلت أبو الاغر، ثم خرج المكتفي بالله إليه، وأقام بالرقة، وأنفذ الجيوش إليه محمد بن سليمان، وأنفذ غلامه سوسنا معه في جيش عظيم، فورد الخبر بأنه قتل، ذكر ذلك الصولي في سنة احدى وتسعين ومائتين.
قال: ثم أتى الخبر للنصف من المحرم من الدالية بأن فارسين من الكلبيين أحدهما من بني الاصبغ والآخر من بني ليلى نزلا بالسقافية فأخذا فأقرا أنهما من القرامطة، وأن القرمطي بالقرب، فركب محمد بن علي أبو خبزة، وأحمد بن محمد بن كشمرد من الرحبة فظفرا بالقرمطي، وأخذ معه رجل يقال له المدثر، وكاتبه، وغلام أمرد حدث يقال له المطوق، وحمل إلى الرقة، وقد ذكرنا خبره.
قال الصولي: ومما يروى من شعر أحمد بن عبد الله:
متى أرى الدنيا بلا كاذب..
وذكر الأبيات الاربعة، وقال: ومنه:
ثأرت بجدي خير من وطي الحصا ... وأنصاره بالطف قتلى بني هند
فأفنيت من بالشام منهم لأنهم ... بقصدهم جاروا عن المنهج القصد
على أنهم جاشوا لنا وتجمعوا ... وكادوا وكان الله أعلم بالقصد
فجاهدتهم بالله منتصرا به ... فأفنيتهم بالبيض والسمر والجرد
قال الصولي: ولعلي بن عبد الله وأخيه أحمد بن عبد الله شعر أظن بعض من يميل إليهم ويكره السلطان عمله أو أكثره، وحمله عليهما.

أخبرنا أبو البركات بن محمد بن الحسن كتابة قال: أخبرنا علي ابن أبي محمد الدمشقي قال: قرأت على أبي منصور بن خيرون عن أبي محمد الجوهري وأبي جعفر بن المسلمة عن أبي عبد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني قال: أحمد بن عبد الله الخارج بالشام في أيام المكتفي بالله، وكان ينتمي إلى الطالبيين، وهو المعروف بصاحب الخال، وقتل بالدكة في سنة إحدى وتسعين ومائتين يروى له ولأخيه علي بن عبد الله شعر يشك في صحته، فمما يروى لأحمد:
متى أرى الدنيا بلا كاذب ... ولا حروري ولا ناصبي
متى أرى السيف على كل من ... عادى عليّ بن أبي طالب
متى يقول الحق أهل النهى ... وينصف المغلوب من غالب
هل لبغاة الخير من ناصرٍ ... هل لكؤوس العدل من شارب
قال: ويروى له:
نفيت من الحسين ومن عليّ ... وجعفر الغطارف من جدودي
وخيب سائلي وجفوت ضيفي ... وبتّ فقيد مكرمةٍ وجود
وأعطيت القياد الدّهر مني ... يمين فتىً وفيٍّ بالعهود
لئن لم أعط ما ملكت يميني ... لحرب من طريفٍ أو تليد
وأفتتحنها حربا عوانا ... تقحم بالبنود على البنود
فإما أن أبوح بروح عزٍّ ... وجدٍّ آخذٍ ثار الجدود
وإما أن يقال فتىً أبيٌّ ... تخرّم في ذرى مجدٍ مشيد
وهي أكثر من هذا فيقال أن عبد الله بن المعتز أجابه عنها بقصيدة منها:
تهددنا زعمت شبوب حربٍ ... تقحم بالبنود على البنود
فكان السيف أدنى عند وردٍ ... إلى ود جيك من حبل الوريد
قرأت بخط أبي بكر محمد بن يحيى الصولي، وأخبرنا به أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل، فيما أذن لنا أن نرويه عنه، قال: كتب إلينا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي أن أبا القاسم البندار أنبأهم عن أبي أحمد ابن أبي مسلم عن أبي بكر الصولي قال: وأجلس القرامطة مكان علي بن عبد الله أخاً له يقال له أحمد بن عبد الله، زعموا أنه عهد إليه، وصار أحمد بن عبد الله إلى حمص ودعي له بها وبكورها، وأمرهم أن يصلوا الجمعة أربع ركعات، وأن يخطبوا بعد الظهر، ويكون أذانهم: أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن علياً ولي المؤمنين حي على خير العمل؛ وضرب الدراهم والدنانير وكتب عليها الهادي المهدي، لا إله إلا الله محمد رسول الله، جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وعلى الجانب الآخر قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى.
ووجه أحمد بن عبد الله هذا برجل يعرف بالمطوق - أمرد فرأيته بعد ذلك - فكبس أبا الاغر وهو غافل، فقتل أكثر أصحابه، وأفلت أبو الاغر، ثم خرج المكتفي بالله إليه، وأقام بالرقة، وأنفذ الجيوش إليه محمد بن سليمان، وأنفذ غلامه سوسنا معه في جيش عظيم، فورد الخبر بأنه قتل، ذكر ذلك الصولي في سنة احدى وتسعين ومائتين.
قال: ثم أتى الخبر للنصف من المحرم من الدالية بأن فارسين من الكلبيين أحدهما من بني الاصبغ والآخر من بني ليلى نزلا بالسقافية فأخذا فأقرا أنهما من القرامطة، وأن القرمطي بالقرب، فركب محمد بن علي أبو خبزة، وأحمد بن محمد بن كشمرد من الرحبة فظفرا بالقرمطي، وأخذ معه رجل يقال له المدثر، وكاتبه، وغلام أمرد حدث يقال له المطوق، وحمل إلى الرقة، وقد ذكرنا خبره.
قال الصولي: ومما يروى من شعر أحمد بن عبد الله:
متى أرى الدنيا بلا كاذب..
وذكر الأبيات الاربعة، وقال: ومنه:
ثأرت بجدي خير من وطي الحصا ... وأنصاره بالطف قتلى بني هند
فأفنيت من بالشام منهم لأنهم ... بقصدهم جاروا عن المنهج القصد
على أنهم جاشوا لنا وتجمعوا ... وكادوا وكان الله أعلم بالقصد
فجاهدتهم بالله منتصرا به ... فأفنيتهم بالبيض والسمر والجرد
قال الصولي: ولعلي بن عبد الله وأخيه أحمد بن عبد الله شعر أظن بعض من يميل إليهم ويكره السلطان عمله أو أكثره، وحمله عليهما.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://arabelalekat.yoo7.com
عمر




عدد المساهمات : 1369
تاريخ التسجيل : 28/09/2008

كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم   كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم Emptyالأربعاء ديسمبر 23, 2015 8:05 pm

أحمد بن عبد بن محمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق:
ابن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو العباس، صاحب الخال، نسب نفسه هكذا.



وقيل: أحمد بن عبد الله بن محمد بن جعفر.




وقيل: محمد بن عبد الله بن جعفر، وقيل عبد الله بن أحمد بن محمد بن اسماعيل.


وقيل: ان اسمه الحسين بن زكرويه بن مهرويه وقيل ابن مهري - الصواني، من أهل صوان، من سواد الكوفة، وهو المعروف بصاحب الخال، أخو علي بن عبد الله القرمطي، نسب نفسه إلى محمد بن اسماعيل بن جعفر، وتسمى بالمهدي.
وبايعته القرامطة بعد قتل أخيه بنواحي دمشق وصار إلى السخنة، والاركه والزيتونة وخناصرة من الأحص من أعمال حلب، ودخل هذه المواضع عنوة، ونهب ما فيها من الأموال والسلاح.





لعنة الله علية وعلي ابية فهم من اصول القرامطة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تامر النجدي




عدد المساهمات : 6
تاريخ التسجيل : 21/10/2008

كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم   كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم Emptyالجمعة ديسمبر 25, 2015 4:00 am


وإنما قيل لهذا القرمطي صاحب الخال، لأنه كان على خده الأيمن خال، ويعرف بابن المهزول زكرويه بن مهري الصواني، من أهل صوان، من سواد الكوفة وقيل هو وأخوه من قيس من بني عبادة بن عقيل من بني عامر، ثم من بني قرمطي ابن جعفر بن عمرو بن المهيا بن يزيد بن عبد الله بن يزيد بن قيس بن جوثة بن طهفة بن حزن بن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، فادعى أنه من ولد محمد بن اسماعيل بن جعفر، فعلى هذا يكون منسوبا إلى قرمطي، ولا يبعد أن يكون الأمران جميعا، والله أعلم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تامر النجدي




عدد المساهمات : 6
تاريخ التسجيل : 21/10/2008

كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم   كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم Emptyالجمعة ديسمبر 25, 2015 4:03 am

قال: وأنقذ زكرويه رجلاً يقال له القاسم بن أحمد داعية، فصار إلى نحو رستاق نهر ملخانا.
قال: فالتقت به طائفة، فساروا إلى الكوفة حتى صبحوها غداه يوم النحر وهم غارون فوافوا باب الكوفة عند انصراف الناس من المصلى، فأوقعوا بمن قدروا عليه، وسلبوا وقتلوا نحواً من عشرين رجلاً، وكان رئيسهم هذا قد حملوه في قبة يقولون: هذا ابن رسول الله وهو القاسم بن أحمد داعية زكرويه، وينادون يا ثارات الحسين - يعنون الحسين صاحب الشامة - ، وشعارهم يا محمد يا أحمد - يعنون ابني زكرويه، ويموهون بهذا القول على أهل الكوفة - ونذر بهم الناس فرموهم بالحجارة من المنازل.
وإنما ذكرت هذا الفصل من قول ابن أبي الأزهر لأن فيه ما يدل على أن صاحب الخال كان يسمى الحسين بن زكرويه، وعاش زكرويه بعد ولديه القرمطيين في زعمه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
تامر النجدي




عدد المساهمات : 6
تاريخ التسجيل : 21/10/2008

كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم Empty
مُساهمةموضوع: رد: كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم   كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم Emptyالجمعة ديسمبر 25, 2015 4:05 am

كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم Emptyموضوع: كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم   كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم I_icon_minitimeالأربعاء نوفمبر 11, 2015 3:38 amكتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم I_icon_quote






أنبأنا أبو اليمن زيد بن الحسن قال: أخبرنا أبو منصور بن زريق قال: أخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أحمد بن عبد الله بن عمر جعفر، أبو علي، سكن حلب، وحدث بدمشق عن: أبي شعيب الحراني، وجعفر الفريابي، والحسن بن علي بن الوليد الفارسي.
روى عنه تمام الرازي.
أحمد بن عبد بن محمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق:
ابن محمد بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو العباس، صاحب الخال، نسب نفسه هكذا.
وقيل: أحمد بن عبد الله بن محمد بن جعفر.
وقيل: محمد بن عبد الله بن جعفر، وقيل عبد الله بن أحمد بن محمد بن اسماعيل.
وقيل: ان اسمه الحسين بن زكرويه بن مهرويه وقيل ابن مهري - الصواني، من أهل صوان، من سواد الكوفة، وهو المعروف بصاحب الخال، أخو علي بن عبد الله القرمطي، نسب نفسه إلى محمد بن اسماعيل بن جعفر، وتسمى بالمهدي.
وبايعته القرامطة بعد قتل أخيه بنواحي دمشق وصار إلى السخنة، والاركه والزيتونة وخناصرة من الأحص من أعمال حلب، ودخل هذه المواضع عنوة، ونهب ما فيها من الأموال والسلاح.
وأفسد بالشام، وعاث في بلادها، وغلب على أطراف حمص، وخطب على منابرها، وفتحوا له بابها، وسار إلى حماه، ومعرة النعمان وغيرهما من البلاد، فقتل أهلها، والنساء والأطفال، ثم جاء إلى سلمية، فمنعوه، ثم أعطاهم الأمان ففتحوا له بابها، فدخل وقتل الهاشميين أجمعين بها، ثم قتل الرجال، ثم البهائم ثم الصبيان ثم خرج منها وليس بها عين تطرف.
وجهز جيشا كثيفا بخيل ورجاله مع بعض دعاته ويعرف بعميطر المطوق، إلى ناحية حلب فأوقعوا بأبي الأغر خليفة بن المارك بوادي بطنان، وقتلوا خلقا عظيما، وانتهبوا عسكره، وأفلت أبو الأغر في ألف رجل لا غير، فدخل إلى حلب، ووصلوا خلفه إلى حلب، فأقاموا عليها على سبيل المحاصرة، وتسرع أهل حلب في يوم الجمعة سلخ شهر رمضان من سنة تسعين ومائتين، وطلبوا الخروج لقتالهم فمنعوا من ذلك، فكسروا قفل باب المدينة، وخرجوا إلى القرامطة فتحاربوا، ونصر الله الرعية من أهل حلب عليهم، وقتل من القرامطة جماعة كبيرة، وخرجوا يوم السبت يوم عيد الفطر مع أبي الأغر إلى مصلى العيد، وعيد المسلمون وخطب الخطيب على العادة، ودخل الرعية إلى مدينة حلب في أمن وسلامة، وأشرف أبو الأغر على عسكر القرامطة فلم يخرج إليه أحد منهم، فلما يئسوا من فرصة ينتهزونها من حلب ساروا ومضوا إلى صاحب الخال.
ولما انتهى إلى المكتفي بالله هذه الأمور خرج نحوه، وجهز إليه عسكرا قويا في المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين، فقتل من أصحاب القرمطي خلق كثير، وانهزم نحو الكوفة، فقبض بالدالية من سقي الفرات، وحمل إلى الرقة إلى المكتفي بالله.
فحمل إلى بغداد، وشهر وطيف به على جمل، وقيل على فيل، ثم بنيت له دكة فقتل عليها هو وأصحابه في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين ومائتين.
وكثير مما يقع الاختلاف في اسمه ونسبه، واسم أخيه الذي قبله علي بن عبد الله، وبعضهم يسمي أخاه محمد بن عبد الله بن يحيى، والصحيح أن الذي ثبت عليه في اسمه ونسبه: أبو العباس أحمد بن عبد الله، وهو دعي.
وإنما سموا القرامطة، زعموا أنهم يدعون إلى محمد بن اسماعيل بن جعفر ابن محمد بن علي، ونسبوا إلى قرمط، وهو حمدان بن الأشعث، كان بسواد الكوفة، وإنما سمي قرمطا لأنه كان رجلا قصيرا، وكان رجلاه قصيرتين، وكان خطوه متقاربا، فسمي بهذا السبب قرمطا، وكان قرمط قد أظهر الزهد والورع وتسوق به على الناس مكيدة وخبثا.
وكان أول سنة ظهر فيها أمر القرامطة سنة أربع وستين ومائتين، وذكر بعض العلماء أن لفظة قرامطة إنما هو نسبة إلى مذهب يقال له القرمطة خارج عن مذاهب الاسلام، فيكون على هذه المقالة عزوة إلى مذهب باطل، لا إلى رجل.

وإنما قيل لهذا القرمطي صاحب الخال، لأنه كان على خده الأيمن خال، ويعرف بابن المهزول زكرويه بن مهري الصواني، من أهل صوان، من سواد الكوفة وقيل هو وأخوه من قيس من بني عبادة بن عقيل من بني عامر، ثم من بني قرمطي ابن جعفر بن عمرو بن المهيا بن يزيد بن عبد الله بن يزيد بن قيس بن جوثة بن طهفة بن حزن بن عبادة بن عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية ابن بكر بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان، فادعى أنه من ولد محمد بن اسماعيل بن جعفر، فعلى هذا يكون منسوبا إلى قرمطي، ولا يبعد أن يكون الأمران جميعا، والله أعلم.
وقرأت في رسالة أبي عبد الله محمد بن يوسف الأنباري الكاتب إلى أخيه أبي علي في ذكر أخبار هذا القرمطي: انه ادعى أنه أحمد بن عبد الله بن جعفر، وأنه المهدي، وأنه نظر محمد بن اسماعيل في النسب، فلما وقف على بعد هذا النسب، ادعى بعد وقعة السطح من الكسوة، أنه محمد بن عبد الله بن جعفر، وكتب بذلك كتابا بخطه إلى المعروف بابن حوي السكسكي ممن يسكن بيت لهيا، فصار ابن حوي إلى أبي نصر حمد بن محمد، كاتب طغج، ثم نزع عن هذا النسب إلى عبد الله بن ادريس الحسني القادم من الحجاز إلى مدينة أذرعات من جهة دمشق، وقيل ابن القرمطي من يهود نجران، وأنه دعي وذكر أبو محمد عبد الله بن الحسين الكاتب القطربلي ومحمد بن أبي الأزهر في التاريخ الذي اجتمعا على تأليفه في حوادث سنة تسع وثمانين ومائتين قالا: وفي آخر هذه السنة ظهر رجل يقال له محمد بن عبد الله بن يحيى، من ولد اسماعيل ابن جعفر العلوي بنواحي دمشق، يدعو إلى نفسه، واجتمع إليه خلق كثير من الأعراب، وأتباع الفتن، فسار بهم إلى دمشق، وكان بها طغج بن جف مولى أمير المؤمنين من قبل هارون بن خمارويه عامل أمير المؤمنين على مصر والشام، فلما بلغه خبره استعد لحربه، وتحصن طغج بدمشق، فحصره هذا العلوي بها، وكانت بينهما وقعات، وانقضت.
قالا: وفي هذه السنة - يعني سنة تسعين ومائتين - جرت بين طغج بن جف وبين القرمطي حروب كثيرة كلها على طغج، فكتب إلى هارون يستنجده، فوجه إليه من مصر جيشا بعد جيش، كل ذلك يهزمهم القرمطي.
ثم وجه هرون بن خمارويه ببدر الحمامي، وكتب إلى طغج في معاضدته، وضم إليه وجوه القواد بمصر والشام، فخرج إلى القرمطي، فكانت بينهم حروب كثيرة أتت على أصحاب بدر الحمامي، وكان هذا القرمطي قد جعل علامته ركوب جمل من جماله، وترك ركوب الدواب، ولبس ثيابا واسعة، وتعمم عمة أعرابية، وأمر أصحابه أن لا يحاربوا أحدا وأن أتي عليهم حتى ينبعث الجمل من قبل نفسه من غير أن يثيره أحد، فكانوا إذ فعلوا ذلك لم يهزموا، وكان إذا أشار بيده إلى ناحية من النواحي انهزم من يحاربه، واستغوى بذلك الأعراب.
فخرج إليه بدر يوماً لمحابرته، فقصد القرمطي رجل من أصحاب بدر يقال له زهير بزانة، فرماه بها فقتله، ولم يظهر على ذلك أصحاب بدر إلا بعد مدة، فطلب في القتلى فلم يوجد، وكان يكنى أبا القاسم.
قال ابن أبي الأزهر: وحدثني كاتبه المعروف بإسماعيل بن النعمان، ويكنى بأبي المحمدين، وسبب هذه الكنية أنه وافى مع جماعة من القرامطة بعد الصلح وقبولهم الأمان من القاسم بن سيماء، وكان على طريق الفرات، ومن عبد الله بن الحسين بن سعد وكان على القابون، فكان القاسم بن سيماء يكنى أبا محمد وصاحب الخرائط قرابة أبي مروان يكنى أبا محمد، فكني إسماعيل هذا أبا المحمدين، فبقي معروفاً بذلك.
فحدثني إسماعيل عن هذه الوقعة قال: فصرت إليه غير مرة وهو راكب على نجيبه، وعليه دراعة ملحم، فقلت له: قد اشتد الأمر على أصحابنا، وقد قربوا منك، فتنح عن هذا الموضع إلى غيره، فلم يرد علي جواباً، ولم يثر نجيبه، فعدلت إليه ثانية، فقلت له: قم، فانتهرني ولم يرم إلى أن وافته زانة، أو قال: حربة، فسقط عن البعير، وكاثرنا من يريد أخذه، فمنعنا منه، وقتل زهاء مائة إنسان في ذلك الوضع، ثم أخذناه وتنحينا بأجمعنا.
فقلت: هذا الذي أقمتموه مقامه أهو أخوه؟ فقال لا والله ما نعلم ذاك غير أنه وافانا قبل هذه الحادثة بيومين، فسألناه من أنت من الإمام؟ فقال: أنا أخوه، ولم نسمع من الشيخ شيئاً في أمره، يعني المكتني أبا القاسم.

وكان هذا المدعي أخاه يكنى أبا العباس، واسمه أحمد بن عبد الله، فعقد لنفسه البيعة على القرامطة، ودعاهم إلى مثل ما كان أخوه يدعوهم إليه، فاشتدت شوكته، ورغبت البوادي في النهب، وانثالت عليه انثيالاً، وذلك في آخر شهر ربيع الآخر من هذه السنة.
ثم صار إلى دمشق فصالحه أهلها على خراج دفعوه إليه، فانصرف عنهم، ثم سار إلى أطراف دمشق وحمص فتغلب عليها، وخطب له على منابرها، وتسمى بالمهدي، ثم صار إلى مدينة حمص فأطاعه أهلها وفتحوا له بابها فدخلها، ثم صار إلى حماه، وسلمية، وبعلبك فاستباح أهلها، وقتل الذراري ولم يبق شريفاً لشرفه، ولا صغيراً لصغره، ولا امرأة لمحرمها؛ وقتل أهل الذمة، وفجروا بالنساء.
وحدثني من كان معهم قال: رأيت عصاماً سيافه وقد أخذ من بعلبك امرأة جميلة جداً ومعها طفل لها رضيع، فرأيته والله وقد فجر بها، ثم أخذ الطفل بعد ذلك فرمى به نحو السماء ثم تلقاه بسيفه فرمى به قطعتين، ثم عدل إلى أمه بذلك السيف بعينه، فضربها به فبترها.
فلما اتصل عظيم خبرهم، واقدامهم على انتهاك المحارم، ودام، خرج أمير المؤمنين المكتفي بالله متوجهاً نحوه، يوم الثلاثاء لتسع خلون من شهر رمضان، في قواده، ومواليه، وغلمانه، وجيوشه، وأخذ على طريق الموصل، ثم صار إلى الرقة وأقام بها، وأنفذ الجيوش نحو القرامطة، وقلد القاسم بن عبيد الله بن سليمان تدبير أمر هذه الجيوش، فوجه القاسم محمد بن سليمان الكاتب صاحب الجيش خليفة له على جميع القواد، وأمرهم بالسمع والطاعة، فنفذ عن الرقة في جيش ضخم، وآلة جميلة، وسلاح شاك؛ وكتب إلى جميع القواد والأمراء في النواحي بالسمع له والطاعة لأمره، وضم محمد بن سليمان القواد بعضهم إلى بعض، وصمد نحو القرمطي، فلم يزل يعمل التدبير، ويذكي العيون، ويشاور ذوي الرأي، ويتعرف الطرقات إلى أن دخلت سنة إحدى وتسعين.
قال: وفي أول هذه السنة كتب أمير المؤمنين إلى محمد بن سليمان، وإلى سائر القواد في مناهضة القرمطي فساروا إليه فالتقوا على اثني عشر ميلا من حماه في موضع بينه وبين سلمية، فاشتدت الحرب بينهم وصدقوهم القتال، فتجمع القرامطة وحملوا على الميمنة حمل رجل واحد، فثبت الأولياء، فمروا صادفين عنها وجعلوها هزيمة، ومنح الله أكتافهم، وقتل منهم وأسر أكثر من عشرة آلاف رجل، وشرد الباقون في البوادي، واستمرت بهم الهزيمة، وطلبهم الأولياء إلى وقت صلاة عشاء الآخرة من ليلة الأربعاء لسبع خلون من المحرم.
ولما رأى القرمطي ذلك، ورأى من بقي من القرامطة قد كاعوا عنه، حمل أخاً له يكنى أبا الفضل مالاً، وتقدم إليه أن يلحق بالبوادي إلى أن يظهر في موضع آخر، فيصير إليه، وتجمع رؤساء القرامطة، وهم الذين كانوا صاروا إلى رحبة مالك بن طوق، فطلبوا الأمان، وهم: أبو المحمدين، والنعمان بن أحمد، وأحمد بن النعمان أخو أبي المحمدين، ووشاح، وعطير، وشديد بن ربعي، وكليب من رهط النحاس، وعصمة السياف، وسجيفة رفيقه، ومسرور، وغشام فقالوا للقرمطي، وهو صاحب الخال،: قد وجب حقك علينا، وقد رأيت ما كان من جدنا واجتهادنا ومن حقك علينا أن ندعك ورأيك، وإنما يطلبنا السلطان بسببك، فانج بنفسك، فأخذ ألف دينار فشدها في وسطه في هميان، وأخذ معه غلاما له روميا يقال له لؤلؤ، كان يهواه ويحل منه محل بدر من المعتضد بالله، وركب معه المدثر، وكان يزعم أنه ابن عمه، والمطوق غلامه، ومع كل واحد منهم هميان في وسطه.
فأما المطوق - وهو اتخذ له سخاب وقت دخوله إلى مدينة السلام - فإني سألت عنه أبا المحمدين فذكر أنه رجل من أهل الموصل، وأنه صار إلى الإمام - بزعمه - فجعل يورق له ويسامره، ولم يعرف قبل ذلك الوقت.


 

وأخذوا دليلاً، وسار يريد الكوفة عرضاً في البرية، فغلط بهم الدليل الطريق، وأخرجهم بموضع بين الدالية والرحبة يقال له بنو محرز، فلما صاروا إلى بني محرز نزلوا خارج القرية في بيدر عامر، فأخرجوا دقيقاً كان معهم في مزود، واقتدحوا ناراً، واحتطبوا ليخبزوا هناك، وكان وقت مغيب الشمس، فعلا الدخان، وارتاب الموكلون ببني محرز من أصحاب المسالح بما رأوه، فأموا الموضع، فلقوا الدليل فعرفه بعضهم، فقال ما وراءك؟ قال: هذا القرمطي وراء الدالية، فشدوا عليهم فأخذوهم، وكتبوا إلى أبي خبزة وهو في الدالية يعلمونه بهذا، فأتاهم ليلاً، فأخذهم وصار بهم إلى الدالية، وأخذ من وسط غلام له هميانا فيه ألفا دينار، ومن وسط المدثر مثل ذلك، وأخذ الهميان الذي كان مع القرمطي، ووكل بهم في دار بالدالية، وكتب إلى أحمد بن محمد بن كشمرد وهو بالرحبة يخبره فأسرع في السير إليهم، فلما وافى احتبس القرمطي في بيت لطيف في مجنب الحيري، فحدثني بعض أهل الدالية قال: لما وافى ابن كشمرد سأل القرمطي ما أخذه منك؟ قال: ما أخذ مني شيء، فقال له المطوق: أتبغي من الإمام ما لا يحسن منه الإقرار به، ودعا بالبزاز فأخذ ثياباً، ثم دعا بالخياط ليقطع للقرمطي تلك الثياب، فقال مالخياط للقرمطي: قم حتى أقدر الثوب عليك، فقال المطوق للخياط: أتقول يا بن اللخناء للإمام قم ! اقطع ثكلتك أمك على سبعة أشبار.
وصار ابن كشمرد وأبو خبزه بالقرمطي إلى الرقة، ورجعت جيوش أمير المؤمنين بعد أن تلقطوا كل من قدروا عليه من أصحاب القرمطي في أعمال حمص ونواحيها، وورد كتاب القاسم بن عبيد الله بأن القرمطي أدخل الرقة ظاهرا للناس على جمل فالج، وعليه برنس حرير ودراعة ديباج، وبين يديه المدثر والمطوق على جملين في يوم الاثنين لأربع ليال بقين من المحرم سنة إحدى وتسعين ومائتين حتى صير بهم إلى دار أمير المؤمنين بالرقة فأوقفوا بين يديه، ثم أمر بهم فحبسوا، واستبشر الناس والأولياء بما هنأه الله في أمر هذا القرمطي، وقرظ أمير المؤمنين القاسم بن عبيد الله هذا الوقت وأحمده فيما كان من تدبيره في أمر هذا الفتح، وخلع عليه خلعاً شرفه بها، وقلده سيفاً ولقبه بولي الدولة، وانصرف إلى منزله بالرقة.
وخلف أمير المؤمنين عساكره مع محمد بن سليمان، وشخص من الرقة في غلمانه ووجوه أصحابه، وحرمه، وشخص معه أبو الحسين القاسم بن عبيد إلى بغداد وحمل معه القرمطي والمدثر، والمطوق وجماعة ممن أسر في الوقعة مستهل صفر، وقعد في الحراقات في الفرات، ولم يزل متلوماً في الطريق حتى وصل إلى البستان المعروف بالبشرى ليلة السبت لليلتين بقيتا من صفر، فأقام به، ثم عبر من هناك إلى الجانب الشرقي، فعبأ الجيوش بباب الشماسمية، وكان أمير المؤمنين قد عزم على أن يدخل القرمطي بغداد مصلوباً على دقل، والدقل على ظهر فيل، وأمر بهدم الطاقات التي يجتاز بها الفيل إذ كانت أقصر من الدقل، ثم استسمج ذلك، فعمل له دميانة غلام يازمار كرسياً ارتفاعه ذراعان ونصف، وأجلسه عليه، وركب الكرسي على ظهر الفيل، فدخل أمير المؤمنين مدينة السلام صبيحة يوم الاثنين مستهل ربيع الأول في زي حسن، وتعبئة جيش كثيف، وآلة تامة، وسلاح شاك، بين يدي القرمطي على جمل فالج، وعليه دراعة حرير وبرنس، ثم القرمطي على الكرسي على ظهر الفيل وعليه دراعة ديباج وبرنس حرير، ثم دخل أمير المؤمنين خلفه حتى اشتق مدينة السلام إلى قصره المعروف بالحسني، والقاسم بن عبيد الله خلفه، وأمر بالقرمطي والمدثر فأدخلا الحبس بالحسني، ووجه بالأسرى إلى الحبس الجديد بالجانب الغربي، ومضى المكتفي من ساعته من الحسني إلى الثريا بعد أن خلع على أبي الحسين القاسم بن عبيد الله، وانصرف إلى منزله.


ووافى محمد بن سليمان بعد اصلاحه الأمور وتلقطه جماعة من قواد القرمطي وقضاته وأصحاب شرطه، فأخذهم وقيدهم، وانحدر والقواد الذين تخلفوا معه إلى مدينة السلام فوافى بغداد إلى الباب المعروف بباب الأنبار ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول، وكان أمر القواد جميعاً بتلقي محمد بن سليمان والدخول معه إلى بغداد، ففعلوا ذلك، ودخل محمد بن سليمان صبيحة يوم الخميس وبين يديه نيف وسبعون أسيراً غير من أسمينا والقواد معه حتى صاروا إلى دار أمير المؤمنين بالثريا، فدخلوا عليه، وأمر أن يخلع على محمد بن سليمان، ويطوق بطوق ذهب، ويسور بسوار، وخلع على جميع القواد القادمين معه، وطوقوا وسوروا وانصرفوا إلى منازلهم، وأدخل الأسرى إلى الحبس الجديد بمدينة السلام في الجانب الغربي منها.
فلما كان في يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول بنيت دكة في المصلى العتيق من الجانب الشرقي الذي تخرج إليه الثلاث الأبواب ومن باب خراسان، تكسير ذرعها عشرون ذراعاً في عشرين ذراعاً، وجعل لها أربع درج يصعد منها إليها، وأمر القواد جميعاً بحضور هذه الدكة، ونودي بذلك في الناس أن يحضروا عذاب القرامطة ففعلوا وكثر الناس في هذا الموضع، وحضر القواد والواثقي المتقلد للشرطة بمدينة السلام، وحضر محمد بن سليمان، فقعدوا جميعاً عليها، وأحضروها ثلاثمائة ونيفاً وعشرين إنساناً ممن كان أسر قديما، ومن جاء به محمد بن سليمان، وأحضر القرمطي والمدثر فأقعدا، وقدم نيف وثلاثون إنساناً من هؤلاء الأسارى من وجوههم فقطعت أيديهم وأرجلهم وضربت أعناقهم، ثم قدم القرمطي فضرب مائتي سوط، ورش على الضرب الزيت المغلى، وكوي بالجمر، ثم قطعت يداه ورجلاه، وضربت عنقه، فلما قتل انصرف القواد وأكثر الناس من حضر للنظر إلى عذاب القرمطي، وأقام الواثقي إلى وقت العشاء الآخرة في جماعة من أصحابه حتى ضرب أعناق باقي الأسارى، ثم انصرف، فلما كان يوم الأربعاء لست بقين من هذا الشهر صير ببدن القرمطي إلى جانب الجسر الأعلى من الجانب الشرقي فصلب هناك، وحفر لأجساد القتلى آبار إلى جانب الدكة فطرحوا فيها، وطمت، فلما كان بعد أمر بهدم الدكة وتعفية أثرها ففعل ذلك.
قال ابن أبي الأزهر في هذا التاريخ في حوادث سنة ثلاث وتسعين ومائتين: وفيها ورد الخبر بأن أخا الحسين بن زكرويه المعروف بصاحب الشامة ظهر بالدالية من طريق الفرات في نفر واجتمع إليه جماعة من الأعراب وسار بهم إلى نحو دمشق. فعاث في نواحيها، فندب للخروج إليه حسين بن حمدان فخرج في جماعة، وورد الخبر برجوعه إلى الدالية.
فحدث محمد بن داود بن الجراح أن زكرويه بعد قتل صاحب الشامة أنفذ رجلاً كان معلماً للصبيان يقال له عبد الله بن سعيد، فتسمى نصراً ليخفي أمره، فدار في أحياء كلب يدعوهم إلى رأيه، فاستجاب له جماعة من صعاليكهم وسقاطهم وسقاط العليصيين، فسار فيهم إلى بصرى وأذرعات من كورتي حوران والبثنية فقتل وسبى، وأخذ الأموال.
قال: وأنقذ زكرويه رجلاً يقال له القاسم بن أحمد داعية، فصار إلى نحو رستاق نهر ملخانا.
قال: فالتقت به طائفة، فساروا إلى الكوفة حتى صبحوها غداه يوم النحر وهم غارون فوافوا باب الكوفة عند انصراف الناس من المصلى، فأوقعوا بمن قدروا عليه، وسلبوا وقتلوا نحواً من عشرين رجلاً، وكان رئيسهم هذا قد حملوه في قبة يقولون: هذا ابن رسول الله وهو القاسم بن أحمد داعية زكرويه، وينادون يا ثارات الحسين - يعنون الحسين صاحب الشامة - ، وشعارهم يا محمد يا أحمد - يعنون ابني زكرويه، ويموهون بهذا القول على أهل الكوفة - ونذر بهم الناس فرموهم بالحجارة من المنازل.
وإنما ذكرت هذا الفصل من قول ابن أبي الأزهر لأن فيه ما يدل على أن صاحب الخال كان يسمى الحسين بن زكرويه، وعاش زكرويه بعد ولديه القرمطيين في زعمه.


أنبأنا تاج الأمناء أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسين بن هبة الله الدمشقي قال: أخبرنا عمي أبو القاسم علي بن الحسن الحافظ قال: أخبرنا أبو غالب بن البناء قال: أخبرنا أبو الحسين بن الآبنوسي قال: أخبرنا عبيد الله بن عثمان بن يحيى الدقاق قال: أخبرنا أبو محمد إسماعيل بن علي بن إسماعيل الحطمي قال: قام مقامه - يعني مقام صاحب الجمل - أخ له في وجهه خال يعرف به يقال له صاحب الخال، فأسرف في سوء الفعل، وقبح السيرة، وكثرة القتل، حتى تجاوز ما فعله أخوه، وتضاعف قبح فعله على فعله، وقتل الأطفال، ونابذ الإسلام وأهله، ولم يتعلق منه بشيء، فخرج الكتفي إلى الرقة، وسير إليه الجيوش، فكانت له وقائع وزادت أيامه على أيام أخيه في المدة والبلاء حتى هزم وهرب، فظفر به في موضع يقال له الدالية بناحية الرحبة، فأخذ أسيراً، وأخذ معه ابن عم له يقال له المدثر كان قد رشحه للأمر بعده، وذلك في المحرم سنة إحدى وتسعين. وانصرف المكتفي بالله إلى بغداد وهو معه، فركب المكتفي ركوباً ظاهراً في الجيش والتعبئة، وهو بين يديه على الفيل، وجماعة من أصحابه على الجمال مشهرين بالبرانس، وذلك يوم الاثنين غرة ربيع الأول من سنة إحدى وتسعين، ثم بنيت له دكة في المصلى، وحمل إليها هو وجماعة أصحابه فقتلوا عليها جميعاً في ربيع الآخر بعد أن ضرب بالسياط، وكوى جميعه بالنار، وقطعت منه أربعته، ثم قتل ونودي في الناس فخرجوا مخرجاً عظيماً للنظر إليه، وصلب بعد ذلك في رحبة الجسر.
وقيل إنه وأخوه من قرية من قرى الكوفة يقال لها الصوان، وهما فيما ذكر ابنا زكرويه بن مهرويه القرمطي الذي خرج في طريق مكة في آخر سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وتلقى الحاج في المحرم من سنة أربع وتسعين فقتلهم قتلا ذريعاً لم يسمع قط بمثله، واستباح القوافل، وأخذ شمسة البيت الحرام، وقبل ذلك ما دخل الكوفة يوم الأضحى بغتة وأخرج منها، ثم لقيه جيش السلطان بظاهر الكوفة بعد دخوله إياها، وخروجه عنها، فهزمهم وأخذ ما كان معهم من السلاح والعدة، فتقوى بها، وعظم أمره في النفوس وهال السلطان، وأجلبت معه كلب وأسد، وكان يدعى السيد، ثم سير إليه السلطان جيشاً عظيماً فلقوه بذي قار بين البصرة والكوفة في الفراض فهزم وأسر جريحاً، ثم مات، وكان أخذه أسيراً يوم الأحد لثمان بقين من ربيع الأول سنة أربع وتسعين بعد أن أسر، فقدم به إلى بغداد مشهوراً في ربيع الأول، وشهرت الشمسة بين يديه ليعلم الناس أنها قد استرجعت، فطيف به ببغداد، وقيل إنه خرج يطلب ثأر ابنه المقتول على الدكة.
وذكر ابن أبي الأزهر في تاريخه أنه لما خرج على قافلة الحاج أن أصحابه أكبوا على الحاج فقتلوهم كيف شاؤوا واحتووا على جميع ما كان في القافلة، وسبوا النساء الحرائر، وجمع القرمطي لعنه الله أجساد القتلى، فعمل منها دكة تشبيها بالدكة التي قتل عليها أصحابه.
وسير إلي بعض الشراف الهاشميين بحلب تاريخاً جمعه أبو غالب همام بن الفضل بن جعفر بن علي بن المهذب، ذكر أنه تذكرة كتبها مما وجده في التواريخ المتقدمة، ومما وجده بخط جد أبيه الشيخ أبي الحسين علي بن المهذب بن أبي حامد محمد بن همام بن أبي شهاب وغيره قال فيه: سنة تسعين ومائتين فيها نجم بالشام قرمطي بأرض دمشق، انتسب إلى العلوية.

قال: وذكر الشيخ أبو الحسين علي بن المهذب أن أباه المهذب أخبره أن هذا القرمطي أول من وقع عليه هذا اللقب، وكان خرج في بطن من بني عدي من كلب يقال لهم بنو العليص، فخرج إليه طغج بن جف والي دمشق من قبل الطولونية محتقراً له في غير عدة ولا عدة، وكان هذا القرمطي في بادية كلب فأوقع بطغج، ودخل إلى دمشق مهزوماً، ثم رجع فجمع عسكره، وحشد، وخرج إليه فكان الظفر للقرمطي أيضاً، وقتل حلقاً كثيراً من أصحاب طغج، ونهبوا عسكره وعاد طغج إلى دمشق، فقوي القرمطي وكتب طغج إلى مصر، فوجه إليه جماعة من الفرسان والرجالة، وأمدهم من في الشام، فصار جيشاً عظيماً، فخرج وهو غير شاك في الظفر به، فأوقع القرمطي به، وكانت الوقعة في موضع بعرف بالكسوة، وسار القرمطي إلى بعلبك ففتحها وقتل أهلها، ونهب وأحرق، وسار منها إلى حمص فدعا لنفسه بها، وبث ولاته في أعمالها، وضرب الدنانير والدراهم، وكتب عليها المهدي المنصور أمير المؤمنين، وكذلك كان يدعى له على المنابر، وأنفذ سرية إلى حلب فأوقع بأبي الأغر خليفة بن المبارك السلمي، وعادت السرية، وجبى الخراج، وحمل إليه مال جند حمص، فأنفذ الأمير أبو الحجر المؤمل بن مصبح أمير برزويه والبارة والروق وأفامية وأعمال ذلك - وبقي والي هذه المواضع من قبل الخلفاء ببغداد أربعين سنة فيها - رجلين من أهل معرة النعمان اسم أحدهما أحمد بن محمد بن تمام، والآخر ابن عاص القسري، وجاءا إلى القرمطي يرفعان على أهل معرة النعمان فمضيا إليه، وقالا له: إن أهل معرة النعمان قد شقوا العصا، وبطلوا الدعوة، وغيروا الأذان، ومنعوا الخراج، وكان أهل معرة النعمان قد أرسوا معهما الخراج فأخذ منهما في الطريق، فلما قالا له ذلك، التفت إلى كاتبه وقال له: اكتب وشهد شاهدان من أهلها، فسار إليها وقال لأصحابه: إن أغلقوا الباب فاجعلوها غارة على الدارين، فخرج أهل معرة النعمان ولا علم لهم بما قد جرى، وأصحاب القرمطي يقولون: القوا مولانا السيد، فبلغ كثير من الناس إلى قرب حناك، وأخذ الأبواب أصحاب القرمطي على الناس، فقتل خلق كثير، ودخلها يوم الأربعاء النصف من ذي الحجة، فأقام يقتل المشايخ والنساء والرجال والأطفال، ويحرق وينهب خمسة عشر يوما، فذكر أن القتلى كانوا بضعة عشر ألفاً.
وخرج المكتفي إلى الرقة وأنفذ عساكره مع محمد بن سليمان الأنباري، وكان شهماً شجاعاً مدبراً، فحصل في حلب في جيش فيه ثلاثون ألفا مرتزقة، فيما ذكر غير واحد، وكان جهير بن محمد يقول له: تخرج إليهم فقد أهلكوا عشيرتي، فيقول له ابن الأنباري الكاتب: لو أخذوا بلحيتي ما خرجت إليهم حتى يهل هلال المحرم، يريد سنة إحدى وتسعين.
قال أبو غالب بن المهذب: سنة إحدى وتسعين، فيها: سار محمد ابن سليمان الكاتب الأنباري إلى القرامطة فأوقع بهم في قرية تعرف بالحسينية فقتلهم وبدد شملهم، ولما تصور القرمطي ورأى أنه لا طاقة له بعساكر الخلافة هرب قبل الوقعة بأصحابه، فحصل في قرية شرقي الرحبة تعرف بالدالية، في نفر يسير من خواص أصحابه، فتستروا بها، وبعث بعض أصحابه متنكراً ليمتار لهم ما يحتاجون إليه، فأخذ وأنكر، وأتي به إلى رجل كان يتولى معونة الدالية يعرف بأبي خبزة لأحمد ابن محمد بن كشمرد والي الرقة، وكان أبو خبزة صغير الشأن حقيراً في الجند، فسأله أبو خبزة عن خبزه وقصته، فتبين منه قولا مختلفا، فألح عليه أبو خبزة، فأقر ذلك الرجل بأنه من رجال القرمطي، ودل عليهم في أي موضع هم، فخرج أبو خبزة فيمن جمعه من الأجناد الرجال إلى الموضع الذي فيه القرمطي وأصحابه فظفر بهم وبالقرمطي، وكان معهم حملان من المال، فأخذهم والمال معهم، وحملهم إلى ابن كشمرد والي الرقة، فأخذهم وكتب بخبرهم إلى المكتفي، فبعث إليه من تسلمهم منه وأوردهم الرقة، وانحدر المكتفي إلى مدينة السلام بغداد وهم معه، فبنى لهم دكة عظيمة بظاهر القصر المعتضدي، وعذبوا عليها بأنواع العذاب.

أخبرنا أبو البركات بن محمد بن الحسن كتابة قال: أخبرنا علي ابن أبي محمد الدمشقي قال: قرأت على أبي منصور بن خيرون عن أبي محمد الجوهري وأبي جعفر بن المسلمة عن أبي عبد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني قال: أحمد بن عبد الله الخارج بالشام في أيام المكتفي بالله، وكان ينتمي إلى الطالبيين، وهو المعروف بصاحب الخال، وقتل بالدكة في سنة إحدى وتسعين ومائتين يروى له ولأخيه علي بن عبد الله شعر يشك في صحته، فمما يروى لأحمد:
متى أرى الدنيا بلا كاذب ... ولا حروري ولا ناصبي
متى أرى السيف على كل من ... عادى عليّ بن أبي طالب
متى يقول الحق أهل النهى ... وينصف المغلوب من غالب
هل لبغاة الخير من ناصرٍ ... هل لكؤوس العدل من شارب
قال: ويروى له:
نفيت من الحسين ومن عليّ ... وجعفر الغطارف من جدودي
وخيب سائلي وجفوت ضيفي ... وبتّ فقيد مكرمةٍ وجود
وأعطيت القياد الدّهر مني ... يمين فتىً وفيٍّ بالعهود
لئن لم أعط ما ملكت يميني ... لحرب من طريفٍ أو تليد
وأفتتحنها حربا عوانا ... تقحم بالبنود على البنود
فإما أن أبوح بروح عزٍّ ... وجدٍّ آخذٍ ثار الجدود
وإما أن يقال فتىً أبيٌّ ... تخرّم في ذرى مجدٍ مشيد
وهي أكثر من هذا فيقال أن عبد الله بن المعتز أجابه عنها بقصيدة منها:
تهددنا زعمت شبوب حربٍ ... تقحم بالبنود على البنود
فكان السيف أدنى عند وردٍ ... إلى ود جيك من حبل الوريد
قرأت بخط أبي بكر محمد بن يحيى الصولي، وأخبرنا به أبو القاسم عبد الصمد بن محمد بن أبي الفضل، فيما أذن لنا أن نرويه عنه، قال: كتب إلينا أبو القاسم زاهر بن طاهر الشحامي أن أبا القاسم البندار أنبأهم عن أبي أحمد ابن أبي مسلم عن أبي بكر الصولي قال: وأجلس القرامطة مكان علي بن عبد الله أخاً له يقال له أحمد بن عبد الله، زعموا أنه عهد إليه، وصار أحمد بن عبد الله إلى حمص ودعي له بها وبكورها، وأمرهم أن يصلوا الجمعة أربع ركعات، وأن يخطبوا بعد الظهر، ويكون أذانهم: أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن علياً ولي المؤمنين حي على خير العمل؛ وضرب الدراهم والدنانير وكتب عليها الهادي المهدي، لا إله إلا الله محمد رسول الله، جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وعلى الجانب الآخر قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى.
ووجه أحمد بن عبد الله هذا برجل يعرف بالمطوق - أمرد فرأيته بعد ذلك - فكبس أبا الاغر وهو غافل، فقتل أكثر أصحابه، وأفلت أبو الاغر، ثم خرج المكتفي بالله إليه، وأقام بالرقة، وأنفذ الجيوش إليه محمد بن سليمان، وأنفذ غلامه سوسنا معه في جيش عظيم، فورد الخبر بأنه قتل، ذكر ذلك الصولي في سنة احدى وتسعين ومائتين.
قال: ثم أتى الخبر للنصف من المحرم من الدالية بأن فارسين من الكلبيين أحدهما من بني الاصبغ والآخر من بني ليلى نزلا بالسقافية فأخذا فأقرا أنهما من القرامطة، وأن القرمطي بالقرب، فركب محمد بن علي أبو خبزة، وأحمد بن محمد بن كشمرد من الرحبة فظفرا بالقرمطي، وأخذ معه رجل يقال له المدثر، وكاتبه، وغلام أمرد حدث يقال له المطوق، وحمل إلى الرقة، وقد ذكرنا خبره.
قال الصولي: ومما يروى من شعر أحمد بن عبد الله:
متى أرى الدنيا بلا كاذب..
وذكر الأبيات الاربعة، وقال: ومنه:
ثأرت بجدي خير من وطي الحصا ... وأنصاره بالطف قتلى بني هند
فأفنيت من بالشام منهم لأنهم ... بقصدهم جاروا عن المنهج القصد
على أنهم جاشوا لنا وتجمعوا ... وكادوا وكان الله أعلم بالقصد
فجاهدتهم بالله منتصرا به ... فأفنيتهم بالبيض والسمر والجرد
قال الصولي: ولعلي بن عبد الله وأخيه أحمد بن عبد الله شعر أظن بعض من يميل إليهم ويكره السلطان عمله أو أكثره، وحمله عليهما.

أخبرنا أبو البركات بن محمد بن الحسن كتابة قال: أخبرنا علي ابن أبي محمد الدمشقي قال: قرأت على أبي منصور بن خيرون عن أبي محمد الجوهري وأبي جعفر بن المسلمة عن أبي عبد الله محمد بن عمران بن موسى المرزباني قال: أحمد بن عبد الله الخارج بالشام في أيام المكتفي بالله، وكان ينتمي إلى الطالبيين، وهو المعروف بصاحب الخال
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» كتاب بغية الطلب في تاريخ حلب : لابن العديم
» كتاب الفهرست : لابن النديم
» تاريخ القرامطة
» كتاب:بغية المرتاد في الرد على المتفلسفة والقرامطة والباطنية المؤلف : شيخ الإسلام ابن تيمية
» كتاب : تاريخ الرسل والملوك المؤلف : الطبري

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
aloqili.com :: منتدي القرامطة الفاجرة-
انتقل الى: