| بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | موضوع: بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي الأربعاء يوليو 13, 2016 1:35 pm | |
| مقدمة الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله الطاهرين الطيبين وصحبه الغر الميامين ومن حذا حذوهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين ، أما بعد : هذا مبحث بسيط جمعت به بعض طعونات الرافضة في ( الله ) جل وعلا لأبين للقارئ مدى خبث وفسق هؤلاء القوم ومدى تعديهم على الذات الإلهية فما بالكم من دونها ؟ بنيت عقيدة هؤلاء القوم مما لا يخفى عليكم على يد يهودي إدعى الإسلام وهو عبدالله بن سبأ ( ابن السوداء ) وما زال اليهود منذ بعث الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وهم أعداء لهذا الدين ، قال تعالى : ( وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ)- البقرة : 120 - وقال تعالى : (وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ، وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ ..)- آل عمران : 72 ، 73 -، وقال تعالى : (وَدَّت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ ..)- آل عمران : 69 - إلى آخرها من الآيات الكثيرة الدالة على حقد اليهود على الإسلام . وبما أن دين الرافضة قد أسسه هذا اليهودي فلا شك أنه دين بني أساسا لهدم دين الإسلام والكراهية والحقد على المسلمين ، كما أن المجوس قد طابت لهم هذه الأفكار وأتبعوها وزادوا عليها الكثير من عقائدهم المجوسية والحقد على الإسلام الذي هد ملك كسرى وفتح إيوانه في عهد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه . وما كان تعلقهم وغلوهم في آل البيت سوى خدعة لتشتيت شمل المسلمين والإطاحة بالقرآن والسنة ، ولكن هيهات هيهات (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )التوبة : 32، (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ )الصف : 8 ، (لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ )الأنفال : 8 ، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ )التوبة :33 وقد حفظ الله تعالى هذا الدين وتعهد بحفظ القرآن الكريم الذي هو كلام الله جل وعلا وشرعه لآخر الأمم ، وقد قيّض الله لهذه الأمة من بعد نبيها صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم أئمة من التابعين وتابعي التابعين وعلماء نافحوا ودفعوا كل شبهة ووضحوا وبينوا بدع الخارجين عن منهج السلف وكشفوا فسق المبتدعة المحدثين في هذا الدين وكأن هذا الدين لم يكتمل والله سبحانه وتعالى قال (... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ... )- المائدة : 3 - ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )- متفق عليه - ، وفي لفظ آخر ( كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) - رواه مسلم ، وقال صلى الله عليه وسلم (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) - رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح . وهنا أوضح بعض طعونات هؤلاء القوم – الرافضة - في (الله سبحانه ) وأعلق عليها حسب فهمي لها وأسأل الله أن يعقل كل شيعي هذه المسائل ويعود إلى دين الله ويتبرأ من هذه الكفريات والبدع (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر )- رواه أحمد ، وصححه أحمد شاكر - . كتبه : علي العلي الكعبي يوم الإثنين 19 من محرم لسنة 1429 هـ طعن الرافضة في ( الله سبحانه ) أولا ( الدعوى بتحريف القرآن ) قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )الحجر : 9 ، وقال تعالى (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) فصلت : 42، وقال تعالى (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ .. )البقرة : 2 ، وقال تعالى (فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ )البقرة : 23 ، وقال تعالى (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً )الإسراء :88 ، وكثيره هي الآيات التي تثبت القرآن وصحته وأنه كلام رب العالمين الذي جاء به الروح الأمين مصدقا لما بين يدي رب العالمين سبحانه إلى الصادق الأمين محمد صلى الله عليه وسلم والذي أطاع الله عز وجل بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ .. ) المائدة : 67 ، وكان خير رسول لخير أمة وبلغ رسالة الله تعالى وأدى أمانته وجاهد في الدين حق جهادة عليه الصلاة والسلام . لما نزلت (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين )َ النساء : 95 ، دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدا ، فجاء بكتف فكتبها ، وشكا ابن أم مكتوم ضرارته ، فنزلت (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ ... ) النساء :95 - رواه البخاري قال زيد بن ثابت رضي الله عنه : كنت أكتب الوحي عند النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فرغت قال: اقرأ ، فأقرؤه فإن كان فيه سقط أقامه - رواه السيوطي في تدريب الراوي ورجاله موثقون قال عثمان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العدد فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب فيقول ضعوا هذه الآية التي يذكر فيها كذا وكذا وكانت الأنفال من أوائل ما أنزلت بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها فمن أجل ذلك قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم فوضعتها في السبع الطوال - رواه الترمذي وهو حديث حسن صحيح تدل الآيات والأحاديث السابقة بأن الله تعالى قد تعهد بحفظ القرآن وهو القادر على كل شيء سبحانه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه الوحي بالقرآن يدعو من يكتبه فهو موثق بالكتابة قبل أن يكون في صدور الرجال الذين كانوا يتلونه في كل صلاة وفي قيام الليل وفي جميع الأوقات . ولنعلم أن هناك من الصحابة رضوان الله عليهم جميعا بعض من يقرأ ويكتب ، منهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وخالد بن الوليد وأبان بن سعيد وثابت بن قيس وغيرهم ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرهم بكتابة الآية في موضعها من السورة فكانوا يكتبونه في كل ما يتوفر لديهم من العسب واللخاف والرقاع وقطع الأديم وعظام الأكتاف وروي عن ابن عباس أنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزلت عليه سورة دعا بعض من يكتب، فقال: ضعوا هذه السورة في الموضع الذي يُذكر فيه كذا وكذا " (سنن أبي داود كتاب الصلاة، باب: 122). وعن زيد بن ثابت قال: " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نُؤلف القرآن من الرقاع " (سنن الترمذي المناقب: 73 ؛ والإمام أحمد في المسند: 5/185 ) وكان هذا التأليف عبارة عن ترتيب الآيات حسب إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى. وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم والقتال الذي كان في ردة بعض الأعراب قتل في اليمامة سبعون من القراء فأشار عمر رضي الله عنه على أبي بكر رضي الله عنه بجمع القرآن وشرح الله صدر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الأمر ، فأمر زيد بن ثابت رضي الله عنه بجمع القرآن من صدور الرجال ومن أماكنه المتفرقة التي كتب عليها ، وكان زيد رضي الله عنه لا يقبل من القرآن شي إلى بعد أن يشهد شاهدان عدلان أنها كتبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الإمام أبو عبد الله المحاسبي في كتاب فهم السنن ما نصه: " كتابة القرآن ليست بمحدثة، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقاً في الرقاع، والأكتاف، والعسُب، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعاً، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشراً، فجمعها جامع وربطها بخيط، حتى لا يضيع منها شيء " اهـ قال زيد: قال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه . فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال، ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن ! قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خيرٌ فلم يزل أبو بكر يراجعني، حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر. فتتبعت القرآن أجمعه من العُسب واللخاف وصدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره . رواه البخاري وبعد مرحلة جمع القرآن الأولى حفظ القرآن عند أم المؤمنين حفصة بنت عمر رضي الله عنهما ، ثم في خلافة عثمان رضي الله عنه تم جمعه مرة أخرى ووحد المصاحف في مصحف واحد وأحرق ما دونه ليجتمع المسلمون على قرآن واحد ، حيث أن المسلمين مع إنتشار الفتوحات وتفرق بعض الصحابة في البلدان كان كل بلد يقرأ بقراءة الصحابي الذي فيه مثلا في الكوفة يقرأون بقراءة عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وفي البصرة يقرأون بقراءة أبو موسى الأشعري رضي الله عنه وفي الشام يقرأون بقراءة أبي بن كعب رضي الله عنه وهكذا . إذا فالقرآن محفوظ بعهد الله تعالى ( وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ .. )- التوبة - 111 - هذه عقيدتنا فيه ولله الحمد ، نأتي لأقوال الرافضة بهذا الشأن : علامتهم وإمامهم النوري الطبرسي ألف كتابا أطلق عليه إسم ( فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب ) وجاء بألفي رواية يطعن بها بكتاب الله حتى قال أن في القرآن آيات سخيفة ولم ينكر عليه أحد من أصحاب العمائم بل كافؤوه حين مات بأن دفنوة في بقعة مقدسة عندهم في الصحن الرضوي وكثير من علمائهم قال بالتحريف والزيادة والنقصان ونذكر على سبيل المثال لا الحصر : 1- شيخهم المفيد محمد بن النعمان: في كتابه أوائل المقالات صفحة 91 2- أبو الحسن العاملي : وذكر ذلك في المقدمه الثانية لتفسير مرآة الأنوار ومشكاة الاسرار ص 36 وطبعت هذه كمقدمه لتفسير البرهان للبحراني 3- نعمة الله الجزائري : في كتابه الأنوار النعمانية ج 2 ص 357 4- محمد باقر المجلسي في شرحه لحديث هشام بن سالم في كتاب مرآة العقول الجزء الثاني عشر ص 525 5- سلطان محمد الخراساني : في كتاب تفسير (بيان السعادة في مقامات العبادة) مؤسسة الأعلمي ص 19 6- علامتهم السيد عدنان البحراني : في كتاب مشارق الشموس الدرية- منشورات المكتبه العدنانية - البحرين ص 126. 7- علي بن إبراهيم القمي : في تفسير القمي ج1/36 ط دار السرور – بيروت 8- علامتهم ومفسرهم الفيض الكاشاني في كتابه تفسير الصافي تفسير الصافي - منشورات مكتبة الصدر - طهران - ايران ج1 ص13 وص 40 ، وأيضا تفسير الصافي 1/49 منشورات الاعلمي ـ بيروت ، ومنشورات الصدر – طهران 9- أحمد بن منصور الطبرسي : في كتابه الإحتجاج : الاحتجاج للطبرسي منشورات الأعلمي - بيروت - ص 155 ج1، 1/249 ، 1/253 ، 1/254 10- علامتهم يوسف البحراني : الدرر النجفيه للعلامه المحدث يوسف البحراني مؤسسة آل البيت لاحياء التراث ص 298. 11- ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي : منهاج البراعة في شرح نهج البلاغه مؤسسة الوفاء - بيروت ج 2 المختار الاول ص214 ، ص 217 ، ص 220 12- الميثم البحراني : شرح نهج البلاغه لميثم البحراني : ص 1 جـ11 ط ايران لولا الإيجاز لذكرت رواياتهم بالنص ولكني أكتفي بالمصادر ومن أراد قراءة النصوص فليدخل هذا الرابط http://www.du3at.com/alrafedhah/r1.htm هذه الأسماء للمثال فقط وإن جل الإمامية الرافضة على هذا القول ومنهم من وثق أيضا دعاء صنمي قريش وفي هذا الدعاء يقولون بعد لعنهم للشيخين وأمهات المؤمنين رضي الله عنهم ( خالفا أمرك وانكرا وصيك وجحدا أنعامك وعصيا رسولك ، وقلبا دينك وحرفا كتابك ) أقول وبالله التوفيق والمستعان تعليقا على ما ذكر : لقد ذكرنا عهد الله بحفظ القرآن وأيضا الأحاديث التي توضح كتابته في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ويأتي هؤلاء القوم ويقولون ما يقولون بالزيادة والنقصان والتحريف لكلام الله تعالى : نقيس على هذه المسألة في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ) رواه البخاري ، وفي رواية صحيحة أخرى ( إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ) قولهم بتحريف القرآن وطعنهم بالله تعالى بعدم حفظ عهده بحفظ القرآن يعتبر من النفاق إذا قسنا عدم حفظ العهد مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسبحان الله عما يصفون وتعالى الله عما يقولون علوا كبيرا . ولن أزيد في هذا الباب عن أسباب طعنهم بتحريف كتاب الله إلا بجمل بسيطه : 1- لإسقاط الشريعة . 2- لأن القرآن لم يذكر دلائل الإمامة التي يزعمونها وبنوا عليها أساس دينهم. 3- لأن الصحابة هم من قاموا بجمع هذا القرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم وإذا أقروا بصحة القرآن يلزم إقرارهم بعدالة الصحابة . طبعا الأسباب عديدة أترك لكم ذكر ما تستنتجون وأكتفي بهذه الأسباب الثلاث . وهنا سأورد لكم بعض أقوال السلف فيمن طعن في القرآن : قد ذكر مفسروا أهل السنة عند قوله سبحانه : وقد ذكر مفسروا أهل السنة عند قوله سبحانه : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) أن القرآن محفوظ من أي تغيير أو تبديل أو تحريف . انظر القرطبي : " جامع أحكام القرآن " ، النسفي : " مدارك التنزيل " ، " تفسير الخازن " ، " تفسير ابن كثير " ، البيضاوي : " أنوار التنزيل " ، الألوسي : " روح المعاني " ، صديق خان : " فتح البيان " ، الشنقيطي : " أضواء البيان " ، وغيرهم من المفسرين . وصرّح كبار علماء السنة أن من اعتقد أن القرآن فيه زيادة أو نقص فقد خرج من دين الإسلام . وهذه العقيدة عند أهل السنة من الشهرة والتواتر بحيث أنها لا تحتاج إلى من يقيم أدلة عليها بل هذه العقيدة من المتواترات عند المسلمين. قال القاضي عياض - رحمه الله - ( وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين مما جمعه الدفتان من أول (الحمد لله رب العالمين ) إلى آخر (قل أعوذ برب الناس )أنه كلام الله ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وأن جميع ما فيه حق وأن من نقص منه حرفا قاصدا لذلك أو بدله بحرف آخر مكانه أو زاد فيه حرفا مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه وأجمع على أنه ليس من القرآن عامدا لكل هذا أنه كافر ) كتاب الشفاء الصفحة 1102- 1103 وينقل القاضي عياض عن أبي عثمان الحداد أنه قال : ( جميع من ينتحل التوحيد متفقون على أن الجحد لحرف من التنزيل كفر ) المصدر السابق قال ابن قدامة : ( ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفا متفقا عليه أنه كافر ) لمعة الإعتقاد صفحة 19 قال البغدادي : ( وأكفروا _ أي أهل السنة _ من زعم من الرافضة أن لا حجة اليوم في القرآن والسنة لدعواه أن الصحابة غيروا بعض القرآن وحرفوا بعضه ) الفرق بين الفرق الصفحة 315 دار الآفاق الجديدة - بيروت ويقول القاضي أبو يعلى : ( والقرآن ما غير ولا بدل ولا نقص منه ولا زيد فيه خلافا للرافضة القائلين أن القرآن قد غير وبدل وخولف بين نظمه وترتيبه - ثم قال - إن القرآن جمع بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم وأجمعوا عليه ولم ينكر منكر ولا رد أحد من الصحابة ذلك ولا طعن فيه ولو كان مغيراً مبدلاً لوجب أن ينقل عن أحد من الصحابة أنه طعن فيه ، لأن مثل هذا لا يجوز أن يتكتم في مستقر العادة .. ولأنه لو كان مغيراً ومبدلاً لوجب على علي رضي الله عنه أن يبينه ويصلحه ويبين للناس بيانا عاما أنه أصلح ما كان مغيراً فلما لم يفعل ذلك بل كان يقرأه ويستعمله دل على أنه غير مبدل ولا مغير ) المعتمد في أصول الدين الصفحة 258 ويقول ابن حزم : ( القول بأن بين اللوحين تبديلا كفر صريح وتكذيب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ) الفصل في الملل والنحل صفحة 40 قال الفخر الرازي عند قوله سبحانه : (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )، وإنا نحفظ ذلك الذكر من التحريف والزيادة والنقصان - إلى أن قال : إن أحداً لو حاول تغيير حرف أو نقطة لقال له أهل الدنيا هذا كذب وتغيير لكلام الله حتى أن الشيخ المهيب لو اتفق له لحن أو هفوة في حرف من كتاب الله تعالى لقال له الصبيان أخطأت أيها الشيخ وصوابه كذا وكذا ، وأعلم أنه لم يتفق لشيء من الكتب مثل هذا الحفظ فإنه لا كتاب إلا وقد دخله التصحيف والتحريف والتغيير إما في الكثير منه أو في القليل ، وبقاء هذا الكتاب مصوناً من جميع جهات التحريف مع أن دواعي الملاحدة واليهود والنصارى متوفرة على إبطاله وإفساده من أعظم المعجزات ) مفاتيح الغيب (19/160-161 ) ويقول ابن حزم - في الجواب عن احتجاج النصارى بدعوى الروافض تحريف القرآن - ( اما قولهم في دعوى الروافض تبديل القرآن فإن الروافض ليسوا من المسلمين ) الفصل 2/80 ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وكذلك - أي في الحكم بتكفيره - من زعم منهم أن القرآن نقص منه آيات وكتمت ، أو زعم أن له تأويلات باطنة تسقط الأعمال المشروعة ونحو ذلك وهؤلاء يسمون القرامطة والباطنية ومنهم التناسخية وهؤلاء لا اختلاف في كفرهم ) الصارم المسلول " دار الكتب العلمية - بيروت : صفحة 586
| |
|
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | موضوع: رد: بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي الأربعاء يوليو 13, 2016 1:37 pm | |
| [b] ثانيا : البداء في الله - تعالى الله عما يصفون – وهو طعنهم بالله بالجهل وتزكية أئمتهم بالعلم فأصبحوا بنظرهم أعلم من الله تعالى من طعوناتهم في الله تعالى أنهم نسبوا إليه البداء وهو الظهور بعد الخفاء أي أن الله سبحانه يبدوا له أمر كان يجهله فيقدر القدر على هذا الأمر الجديد الذي بدا له ( تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ) أذكر لكم هنا بعض أقوالهم التي جمعتها سابقا بهذه العقيدة الكفرية : معنى البداء هو الظهور بعد الخفاء والبداء مصدر بدا يبدو بداء أي : ظهر ، ويستعمل في العرف بمعنى الظهور بعد الخفاء ، فيقال فلانا كان عازما على كذا ، ثم بدا له فعدل عنه ( كما ذكر ذلك السيد محسن الأمين في كتابه الشيعة بين الحقائق والأوهام - ص 45 ، 46 ، الطبعة الثالثة سنة 1977 بيروت ) وبمثل ذلك نقل ابن منظور الأفريقي عن اللغويين حيث قالوا : البداء استصواب شيء بعد أن لم يعلم ، وقال الفراء بدا لي بداء ، أي ظهر لي رأي آخر وأنشد : لو على العهد لم يخنه لدمنا ثم لم يبد لي سواه بداء قال الجوهري : وبدا له في الأمر بداء ، أي نشأ له فيه رأي ، وذكر أيضا بدا لي بداء أي تغير لي رأي على ما كان عليه ( لسان العرب ج14 ، ص 66 طبعة مصر وبيروت) وفي هذا المعنى استعمل هذا اللفظ في القرآن الكريم : (وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ )الزمر 47 (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون ) الزمر47 (وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون )الجاثية 33 (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ )أل عمران 118 (فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ) الأعراف 22 وفي جميع هذه الآيات استعمل هذا اللفظ بمعنى الظهور بعد الخفاء وتجيز الرافضة هذا البداء لله تعالى ، أي يظهر له أمر بعدما كان خافيا عليه ( تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ) وهناك العديد من رواياتهم تنص على ذلك في أمهات كتبهم المعتمدة والموثوقة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر ما رووه عن جعفر أنه كان يقول بإمامة ابنه اسماعيل بعده ، ثم مات اسماعيل في حياة ابيه فقال : ( ما بدا لله في شيء كما بدا له في إسماعيل ابني ) – كتاب كمال الدين وتمام النعمة لأبن بابويه القمي ج1 ص69 طبعة طهران 1395 ، فرق الشيعة للنوبختي ص 64 ، كتاب المقالات والفرق لسعد بن عبدالله القمي ص78 طبعة طهران 1963 ، الأنوار النعمانية ج1 ص 359 طبعة ايران . وروى مثل ذلك الكليني في كتابه الكافي ، عن امامهم العاشر علي بن محمد المكنى بأبي الحسن أنه لما مات ابنه الأكبر محمد المكنى بأبي جعفر وبقي له ابنه الأصغر الحسن المكنى بأبي محمد قال كما روى أبو هاشم الجعفري : ( كنت عند أبي الحسن عليه السلام بعد ما مضى ابنه جعفر ، واني لأفكر في نفسي أريد أن أقول : كأنهما أعني أبا جعفر وأبا محمد في هذا الوقت كأبي الحسن موسى واسماعيل ابني جعفر بن محمد عليهم السلام وأن قصتهما كقصتهما ، إذ كان أبو محمد المرجي بعد أبي جعفر عليه السلام فأقبل عليّ أبو الحسن قبل أن أنطق ، فقال : نعم يا أبا هاشم ، بدا لله في أبي محمد بعد أبي جعفر عليه السلام ما لم يكن يعرف له ، كما بدا له في موسى بعد مضي اسماعيل ما كشف به عن حاله ، وهو كما حدثتك نفسك ، وإن كره المبطلون ، وأبو محمد ابني المخلف من بعدي ) كتاب الأصول من الكافي ج1 ص 327 وروى محمد بن عبدالله الأنباري أنه قال : ( كنت حاضرا أبا الحسن عليه السلام لما توفي ابنه محمد ، فقال للحسن : يا بني أحدثت لله شكرا ، فقد أحدث فيك أمراً ) الأصول من الكافي ص 326 والروايات السابقة صريحة في معناها بأن الله لم يكن يعلم بأن كلاً من اسماعيل بن جعفر ، ومحمد بن علي لا يصلحان للإمامة ، وخفي عليه الأمر ، ثم ظهر له عدم صلاحيتهما لتلك المنزلة فأحدث الإمامة في موسى بن جعفر وحسن بن علي ( تعالى الله علوا كبيرا عن ذلك ) . وروى الرافضة الكثير بهذا المعنى ، منها ما رواه لبن بابويه القمي الملقب بالصدوق عن علي بن موسى الملقب بالرضا الإمام الثامن عند الرافضة قال : لقد أخبرني أبي عن آبائي عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : إن الله أوحى إلى نبي من أنبيائه أن أخبر فلاناً الملك أني متوفيه إلى كذا وكذا ، فأتاه ذلك النبي فأخبره ، فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير ، وقال : يا رب ، أجلني حتى يشب طفلي ويقضى أمري ، فأوحى الله عز وجل إلى ذلك النبي أن ائت الملك فأعلمه أني قد أنسأت في أجله وزدت في عمره إلى خمس عشرة سنة ، فقال ذلك النبي : يارب ، إنك لتعلم أني لم أكذب قط ، فأوحى الله عز وجل لإليه : إنك عبد مأمور فأبلغه ذلك ، والله لا يسأل عما يفعل . – عيون أخبار الرضا ج1 ص181،182 تحت عنوان البداء وما يتعلق به ورووا مثل ذلك عن نبي الله عيسى الناطق بالوحي أنه مر بقوم مجلبين كما نقله القمي عن جعفر بن محمد فقال عيسى عليه السلام: ما لهؤلاء؟ قيل: يا روح الله إن فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه قال: يجلبون اليوم ويبكون غداً، فقال قائل منهم: ولم يا رسول الله؟ قال: لأن صاحبتهم ميتة في ليلتها هذه، فقال القائلون بمقالته: صدق الله وصدق رسوله، وقال أهل النفاق: ما أقرب غداً، فلما أصبحوا جاءوا فوجدوها على حالها لم يحدث بها شيء، فقالوا: يا روح الله إن التي أخبرتنا أمس أنها ميتة لم تمت، فقال عيسى عليه السلام: يفعل الله ما يشاء، فاذهبوا بنا إليها، فذهبوا يتسابقون حتى قرعوا الباب فخرج زوجها، فقال له عيسى عليه السلام: استأذن لي إلى صاحبتك، قال: فدخل عليها فأخبرها أن روح الله وكلمته بالباب مع عدة، قال: فتخدرت، فدخل عليها فقال لها: ما صنعت ليلتك هذه؟ قال: لم أصنع شيئاً إلا وقد كنت أصنعه فيما مضى إنه كان يعترينا سائل في كل ليلة جمعة فننيله ما يقوته إلى مثله، وأنه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغيل، فهتف فلم يجبه أحد، ثم هتف فلم يجبه أحد حتى هتف مراراً، فلما سمعت مقالته قمت متنكرة حتى أنلته كما كنا ننيله، فقال لها: تنحي عن مجلسك: فإذا تحت ثيابها أفعى مثل جذعة عاض على ذنبه، فقال عليه السلام: بما صنعت صرف الله عنك هذا [أمالي الصدوق المجلسي الخامس والسبعون ص404، 405]. وكذبوا على نبي الله محمد صلوات الله وسلامه عليه نقلاً عن جعفر أيضاً أنه قال: مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وآله فقال: السلام عليك، فقال رسول الله : عليك، فقال أصحابه: إنما سلم عليك بالموت. قال: الموت عليك. قال النبي صلى الله عليه وآله : كذلك رددت، ثم قال النبي صلى الله عليه وآله : إن هذا اليهودي يعضه أسود في قفاه فيقتله. قال: فذهب اليهودي فاحتطب حطباً كثيراً فاحتمله، ثم لم يلبث أن انصرف فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله : ضعه فوضع الحطب فإذا أسود في جوف الحطب عاض على عود، فقال: يا يهودي ما عملت اليوم؟ قال: ما عملت عملاً إلا حطبي هذا احتملته فجئت به وكان معي كعكتان فأكلت واحدة وتصدقت بواحدة على مسكين، فقال رسول الله صلى الله عليه وأله : بها دفع الله عنه، وقال: إن الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان" [الكافي للكليني ج4 ص5 – كتاب الزكاة]. ومعنى الروايتين واضح جلي أن نبي الله عيسى عليه السلام أخبر بموت العروسة بإخبار من الله عز وجل وبوحي منه وخفي على الله – عياذاً بالله – بأن العروسة واليهودي لا يموتان في وقتهما الذي حدد لموتهما العارضة تعرض، وسبب يحدث، كما لم يظهر له – تعالى الله عما يقولونه علواً كبيراً – أن رسوليه يكذبان من قبل المعاندين، ويهزأ بهما من قبل المنافقين، ويتكلم الناس في أمرهما ما يتكلمون، ويكون في أيديهم حجة لتكذيبهم إياهم وللرد على مقولاتهم وأنبائهم فلا يبقى إذاً معنى النبوة والنبوءة. وعلى ذلك اضطرب القوم في أمر هذه العقيدة الخبيثة، المتفق عليها عند جميع الرافضة كما قال شيخهم المفيد: واتفقت الإمامية على إطلاق لفظ البداء في وصف الله تعالى وإن كان ذلك من جهة السمع دون القياس [أوائل المقالات ص52]. وقد نقلوا عن أئمتهم أنهم قالوا: "ما عبد الله بشيء مثل البداء" قاله محمد الباقر [الكافي في الأصول ج1 ص146، كتاب التوحيد باب البدء]. وعن جعفر أنه قال: "ما عظم الله بمثل البداء" [الكافي في الأصول]. وعنه أيضاً ما نقله مالك الجهني أنه قال: "لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما افتروا من الكلام فيه [الأصول من الكافي 1/148]. وعن مرازم بن حكيم أنه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما تنبأ نبي قط حتى يقر لله بخمس خصال: بالبداء، والمشيئة، والسجود والعبودية، والطاعة [الأصول من الكافي]. وأخيراً ما رواه الريان بن الصلت أنه قال: "سمعت الرضا عليه السلام يقول: ما بعث الله نبياً قط إلا بتحريم الخمر، وأن يقر لله بالبداء" [الكافي في الأصول 1/148]. ومثل هذه الفقرات كثيرة في التوراة واضحة تشير إلى أن الله فعل شيئاً ولم يكن ليفعل لو فعل في حينه أن نتيجته خلاف ما أراده، وخفي عليه ما ظهر فيما بعد – سبحانه عما يصفون. وأما ما يقوله الرب جل وعلا في كتابه المحكم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو مخالف تمام المخالفة لما يعتقده اليهود والشيعة يقول الله عز وجل عن نفسه: (. . عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ )[سورة سبأ الآية3]. وقال: (ِ.. وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ..) [سورة يونس الآية61]. وقال: (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [سورة الأنعام الآية 59]. وأمر ملائكته أن يقولوا: (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً ) [سورة مريم الآية 65]. وقال على لسان موسى عليه السلام: (. . لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى ) [سورة طه الآية 52]. وقال: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ... ) [سورة الطلاق الآية 12]. وقال: (وَللّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطاً )[سورة النساء الآية 126]. وقال: (أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ )[سورة فصلت الآية 54]. والآيات في هذا المعنى كثيرة . أما الشيعة فيعتقدون في الله عكس ما يقوله الرب عنه جل جلاله، وعم نواله، مصرحين بأن الله تعالى ظهر له من الأمر ما لم يكن ظاهراً [رسالة أعلام الهدى في تحقيق البداء لنظام الدين الجيلاني الشيعي نقلاً عن تحفة اثنى عشرية ص226]. أن البداء عند الشيعة الإمامية جزء لا يتجزأ من توحيد الله، وهذا مالم نره في كتاب ربنا ، ولم نرى له ذكراً على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه، وخفاء عقيدة كهذه فيه إتهام للنبي صلى الله عليه وسلم بعدم تبليغ رسالة ربه ! وهذا محال . وكون الشيعة الإمامية اختصت من دون الناس بمعرفة هذه العقيدة فيه إجحاف بأمم عظيمة لا يعلم قدرها إلا الله، وشريعة الله ليست خاصة بأمة ولا بنحلة، فليتنبه لهذا . (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ..) الأعراف : 158 . فقال يا أيها الناس الدالة على أن دعوته تعم كل الناس . وأعظم مما سبق أن البداء فيه نسبة الجهل إلى الله وأنه لا يعلم حقيقة الأمور ومآلها –تعالى الخلاق العليم عن ذلك-، والله يعلم ما كان وما يكون وما سيكون أن لو كان كيف يكون . فكيف يستجيز عاقل لنفسه أن يؤمن بهذه العقيدة التي تنسب الجهل إلى ربه ! ؟ ( تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ) أما أسباب وغرض الشيعة الإمامية من إحداث هذه العقيدة، ونشرها بين الناس ؟ أن من عقيدة الشيعة الإمامية أن أئمتهم يعلمون الغيب، ويعلمون ما كان وما سيكون ، وأنهم لا يخفى عليهم شيء ! . فإذا أخبر أئمتهم بأمر مستقبل وجاء الأمر على خلاف ما قالوا ، فإما أن يكذبوا بالأمر وهذا محال لوقوعه بين الناس، وإما أن يكذبوا أئمتهم وينسبوا الخطأ إليهم ، وهذا ينسف عقيدتهم التي أصلوها فيهم من علمهم للغيب . فكان أن أحدثوا عقيدة البداء . فإذا وقع الأمر على خلاف ما قاله الإمام قالوا: بد لله كذا ، أي أن الله قد غير أمره . ولكن الشيعة الإمامية وقعت في شر أعمالها، فهي أرادت أن تنزه إمامها عن الخلف في الوعد وعن الكذب في الحديث، فاتهمت ربها من حيث تشعر أو لا تشعر بالجهل ! . فقد جاء في البحار عن أبي حمزة الثمالي قال : قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام : ( يا أبا حمزة إن حدثناك عن بأمر أنه يجيء من هاهنا فجاء من هاهنا، فإن الله يصنع ما يشاء، وإن حدثناك اليوم بحديث وحدثناك غداً بخلافه فإن الله يمحو ما يشاء ويثبت ) [بحار الأنوار: 4/119، وتفسير العياشي : 2/217] . بالطبع هذه رويات نسجوها على لسان أبي جعفر وأبي عبد الله وهما منها براء . والمقصد بيناه آنفاً . ولقد كان بعض شيوخ الشيعة الإمامية في إحدى الفترات يمنون شيعتهم بأن الأمر سيعود إليهم والغلبة ستكون لهم ولدولتهم بعد سبعين سنة، ولما انقضت تلك المدة ولما يتحقق من ذلك شيء ، لجاءوا إلى البداء وقالوا قد بدا لله سبحانه ! . [انظر: تفسير العياشي : 2/218، والغيبة للطوسي : ص263] . ثم لما رأت الشيعة الإمامية ممثلة في مشايخها أن هذه العقيدة قد تجلب الشناعة على مذهبهم، نسجوا رويات أخرى تحدث أن البداء قد منع الأئمة من التحديث بما سيكون من الأمور المستقبلة . فهاهم يزعمون أن علي بن الحسين يقول : (لولا البداء لحدثتكم بما يكون إلى يوم القيامة ) [تفسير العياشي : 2/215، وبحار الأنوار : 4/118] . إذا المانع للأئمة من التحديث بأخبار الغيب هو خوفهم من أن يبدوا لله أمراً آخر بخلاف ما حدثوا به ! . وهذا كله مهرب من التحديث بأمر لا يعلمه إلا الله، وهو علم الغيب الذي أخبر الله في مواضع كثيرة من كتابه أن الغيب لا يعلمه إلا هو . فما للشيعة لا يفقهون حديثاً. ثمة أمر لابد من الإشارة إليه وهو يقطع الطريق على الشيعة الإمامية وهو أن بعض مشايخة الشيعة الإمامية قد يوهم الناس بأن البداء كالنسخ الذي أخبر الله عنه في كتابه أو أنه هو . وليس كذلك، فالنسخ ليس هو ظهور أمر جديد لله ، بل الله عالم بالأمر المنسوخ والأمر الناسخ ، ولكن الله يأمر بأمر في وقت من الأوقات يناسب الحال وقت ذاك ، ثم ينسخه بأمر معلوم عنده في الأزل . أما البداء فهو أن الله يظهر له أمر جديد لم يكن يعلمه في السابق، وبين النسخ والبداء كما بين السماء والأرض، وأين هذا من هذا ؟ . ويجيب على مقالتهم هذه أيضا أقدم من كتب في فرق الشيعة من الشيعة ومن يليه أبو محمد الحسن بن موسى النوبختي، وسعد بن عبد الله القمي في كتابيهما (فرق الشيعة)، وكتاب (المقالات والفرق) نقلاً عن سليمان بن جرير: "إن أئمة الرافضة وضعوا لشيعتهم مقالتين لا يظهرون معهما من أئمتهم على كذبهم أبداً، وهما القول بالبداء، وإجازة التقية. فأما البداء فإن أئمتهم لما أحلوا أنفسهم من شيعتهم محل الأنبياء من رعيتها في العلم فيما كان ويكون، والإخبار بما يكون في الغد، وقالوا لشيعتهم: إنه سيكون في غد وفي غابر الأيام كذا وكذا، فإن جاء ذلك الشيء على ما قالوه قالوا لهم: ألم نعلمكم أن هذا يكون، فنحن نعلم من قبل الله عز وجل ما علمته الأنبياء عن الله ما علمت، وإن لم يكن ذلك الشيء الذي أخبروا به على ما قالوا، اعتذروا لشيعتهم بقولهم: بدا لله في ذلك بكونه. فما أصدقه وأحسن به. هذا ولم يقولوا بهذه المقالة ولم يعتقدوا بهذا الاعتقاد إلا لمخالفتهم المسلمين أهل السنة حيث أنهم أسسوا قواعد مذهبهم على مخالفة العقائد الإسلامية الخالصة المستقاة من كتاب الله جل وعلا وسنة نبيه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه كما بيناه فيما مضى. قال اليهود : جاء في التوراة : ( فرأى الرب أنه كثر سوء الناس على الأرض .... فندم الرب خلقه الإنسان على الأرض وتنكد بقلبه ، وقال الرب: لأمحون الإنسان الذي خلقته على وجه الأرض ) [سفر التكوين ، الفصل السادس، فقرة : 5] وتكرر هذا المعنى في التوراة . وهذا هو البداء بعينه . والسؤال : هل مؤسس الطائفة الشيعية ابن سبأ قد أخذ هذه العقيدة من اليهود وأشاعها في الشيعة ؟ ويكفي في الإجابة أن تعلم ، أن فرق السبأية ( كلهم يقولون بالبداء وأن الله تبدوا له البداوات ) [انظر: الملطي/ التنبيه والرد ص 19] . نعم طعنوا في الله تعالى ( بالجهل ) وزكوا أئمتهم بعلم الغيب كله علم الغيب عند الأئمة - عن أبي عبد الله قال « والله لقد أعطينا علم الأولين والآخرين. فقيل له: أعندك علم الغيب؟ فقال له: ويحك! إني لأعلم ما في أصلاب الرجال وأرحام النساء» (بحار الأنوار26/27). - وقال المفيد » إن الأئمة من آل محمد (ص) يعرفون ضمائر بعض العباد، ويعرفون ما يكون قبل كونه« (شرح عقائد الصدوق 239). - عن أبي جعفر قال » إنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق« (الكافي 1/363 كتاب الحجة. باب في معرفتهم وأوليائهم والتفويض إليهم). - وبوب الصفار بابا بعنوان: باب أن الأئمة يعرفون الإضمار وحديث النفس قبل أن يُخبَروا كما هو مبوب هكذا عند الصفار» (بصائر الدرجات 255). ووضع تحت الباب أحاديث منها: - عن عمران بن يزيد وخالد بن نجيح أنهما أضمرا في أنفسهما شيئا ليسألا به أبا عبد الله فعرف أبو عبد الله ما في أنفسهم من غير أن يخبره عمران به. (161 - 255). وأظن ما جمعته هنا من الكلام في البداء يوضح طعنهم في الله تعالى وجزى الله خيرا الأخوة الذين قاموا بكتابة هذه النقاط في البداء والتي أقتبستها منهم وأضيف أيضا من أسباب هذا الإتهام لله تعالى مدخلا للرافضة على الطعن بالصحابة رضي الله عنهم جميعا لأن الله تعالى قد ذكر الكثير من فضائلهم في القرآن الكريم : قوله تعالى : (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحاً قريباً )- سورة الفتح: 18. قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: كنا ألفا وأربعمائة - صحيح البخاري: كتاب المغازي -باب عزوة الحديبية- حديث [4154] فتح الباري: 7/507. طبعة الريان. وفي صحيح مسلم من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد؛ الذين بايعوا تحتها) - صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة. . حديث [2496]. صحيح مسلم 4/1943. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: والرضا من الله صفة قديمة، فلا يرضى إلا عن عبد علم أن يوافيه على موجبات الرضا -ومن رضي الله عنه لم يسخط عليه أبداً- فكل من أخبر الله عنه أنه رضي عنه فإنه من أهل الجنة، وإن كان رضاه عنه بعد إيمانه وعمله الصالح؛ فإنه يذكر ذلك في معرض الثناء عليه والمدح له. فلو علم أنه يتعقب ذلك بما سخط الرب لم يكن من أهل ذلك - الصارم المسلول: 572، 573. طبعة دار الكتب العلمية. تعليق: محمد محيي الدين عبد الحميد. وقال ابن حزم: فمن أخبرنا الله عز وجل أنه علم ما في قلوبهم، ورضي عنهم، وأنزلا السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم أو الشك فيهم البتة - الفصل في الملل والنحل: 4/148. وقوله تعالى : (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ترااهم رُكعاً سُجدا يبتغون فضلاً من الله ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مَثَلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سُوقه يُعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجراً عظيماً) - سورة الفتح: 29. قال الإمام مالك رحمه الله تعالى: بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة -رضي الله عنهم- الذين فتحوا الشام، يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا. وصدقوا في ذلك؛ فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة، وأعظهما وأفضلها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد نوه الله تبارك وتعالى بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة؛ ولهذا قال سبحانه وتعالى هنا: (ذلك مثلهم في التوراة). ثم قال: (ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه) أي فراخه. (فآزره) أي: شده (فاستغلظ) أي: شب وطال. (فاستوى على سوقه يعجب الزراع) أي فكذلك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آزروه وأيدوه ونصروه، فهو معهم كالشطء مع الزراع ليغيظ بهم الكفار- الاستيعاب لابن عبد البر 1/6 ط. دار الكتاب العربي بحاشية الإصابة، عن ابن القاسم. وتفسير ابن كثير: 4/204 ط. دار المعرفة -بيروت، دون إسناد. وقال ابن الجوزي: وهذا الوصف لجميع الصحابة عند الجمهور - زاد المسير: 4/204. والآيات الدالة على فضائل الصحابة كثيرة في القرآن ومن إتهام الله تعالى بالبداء عند الرافضة قولهم أن الصحابة جميعا ارتدوا بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وأن هذه الآيات التي ذكرها الله كانت قبل أن يبدو له فيهم وليت شعري لو يشرح لنا الرافضة ما الذي غصب المهاجرين والأنصار بداية على الإسلام كي يرتدوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فالمسلمين بداية الأمر كانوا يعذبون على إسلامهم وهذا بلال بن رباح رضي الله عنه وكان عبدا ويعذب في مكة وهو يقول أحد أحد ، فلم لم يذكره الرافضة فيمن ثبت وبقي على إسلامه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، حين عددوا ثلاثة ورواية أخرى لهم أربعة ورواية أخرى سبعة ؟ والمسائل في هذا الوجه كثيرة . ثالثا : طعنهم بالله تعالى بأنه غير قادر على كل شيء !! قال تعالى : (.. وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة : 20 وقال تعالى : (.. حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة : 109 وقال تعالى : (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) آل عمران : 26 وقال تعالى : (وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللّهُ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) آل عمران : 189 والآيات عديدة الدالة على قدرة الله تعالى قال تعالى : ( وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير29 وقال تعالى : ( وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) الإنسان30 أولا لنعرف ما هو القدر وصلته بقدرة الله سبحانه وسأذكر لكم من أقوال أهل العلم من السلف الصالح : تعريف القدر : القدر : هو تقدير الله للكائنات حسبما سبق به علمه واقتضت حكمته . وهو يرجع إلى قدرة الله ، وأنه على كل شيء قدير فعال لما يريد . والإيمان به من الإيمان بربوبية الله سبحانه وتعالى ، وهو أحد أركان الإيمان التي لا يتم الإيمان إلا بها . قال تعالى : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) .[سورة القمر:الآية 49] . وقال صلى الله عليه وسلم : (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس ، أو الكيس والعجز) [ رواه مسلم ] . مراتب القدر : ومراتب القدر أربعة وهي : العلم ، والكتابة ، والخلق ، والمشيئة . وقد بينها العلماء بالأدلة الثابتة بكتاب الله تعالى وقالوا : لا يتم الإيمان بالقدر إلا بتحقيق أربع مراتب هي : أولاً : الإيمان بعلم الله الأزلي المحيط بكل شيء . قال تعالى : ( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ) الحج70 ثانياً : الإيمان بالكتابة في اللوح المحفوظ لما علم الله من المقادير . قال تعالى : (.. مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ..) الأنعام38 وقال صلى الله عليه وسلم: (كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة) [ رواه مسلم ] . ثالثاً : الإيمان بمشيئة الله النافذة وقدرته الشاملة . قال تعالى )وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) التكوير29. قال صلى الله عليه وسلم لمن قال له ما شاء الله وشئت : (أجعلتني لله نداً بل ما شاء الله وحده) [ رواه أحمد] . رابعاً : الإيمان بأن الله خالق كل شيء . قال تعالى: ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ) الزمر62 وقال تعالى: ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) الصافات96 وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يصنع كل صانع وصنعته) [ رواه البخاري ] . أقسام التقدير : أ ـ التقدير العام لجميع الكائنات ، وهو الذي كتب في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة. ب ـ التقدير العمري ، وهو تقدير كل ما يجرى على العبد من نفخ الروح فيه إلى نهاية أجله . ج ـ التقدير السنوي ، وهو تقدير ما يجري كل سنة ، وذلك ليلة القدر من كل سنة . قال تعالى : ( فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ) الدخان4. د ـ التقدير اليومي ، وهو تقدير ما يجري كل يوم من عز وذل وعطاء ومنع وإحياء وإماتة وغير ذلك . قال تعالى: ( يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) الرحمن29 عقيدة السلف في القدر : أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه ، قد قَدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم ، قدر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وكتب ما يصيرون إليه من سعادة أو شقاوة، فكل شيء أحصاه في إمام مبين. فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، ويعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، وهو قادر على كل شيء يهدي من يشاء ويضل من يشاء ، وأن للعباد مشيئة وقدرة يفعلون بها ما أقدرهم الله عليه مع اعتقادهم أن العباد لا يشاءون إلا أن يشاء الله . قال تعالى: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت69 وأن الله تعالى خالق للعباد وأفعالهم وهم فاعلون لها حقيقة ، فلا حجة لأحد على الله في واجب تركه ولا محرم فعله ، بل له الحجة البالغة على العباد ، ويجوز الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب والذنوب . كما قال صلى الله عليه وسلم في محاجة موسى لآدم : ( تحاج آدم وموسى ، فقال موسى : أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة، فقال له آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ثم تلومني على أمر قد قُدّر عليّ قبل أن أخلق فحج آدمُ موسى) [ رواه مسلم ] . أفعال العباد : الأفعال التي يخلقها الله تعالى في الكون تنقسم إلى قسمين : الأول : ما يجريه الله تبارك وتعالى من أفعاله في مخلوقاته ، فليس لأحد فيها مشيئة واختيار ، وإنما المشيئة لله ، مثل الإحياء والإماتة والمرض والصحة . قال تعالى : ( وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ) الصافات96. وقال تعالى )الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك2. الثاني : ما تفعله الخلائق كلها من ذوات الإرادة ، فهذه تكون باختيار فاعليها وإرادتهم ؛ لأن الله جعل ذلك إليهم ، قال تعالى : ( لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ ) التكوير28. وقال تعالى: ( وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً ) الكهف29. فهم يُحمدون على المحمود منها ويذمون على المذموم ، والله لا يعاقب إلا على أمر فيه اختيار للعبد، كما قال تعالى : (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ) ق29. والإنسان يعرف الفرق بين الاختيار والاضطرار ، فينـزل من السطح بالسلم نزولاً اختيارياً، وقد يسقطه غيره من السطح ، فالأول اختيار والثاني إجبار. هذا بإختصار وإيجاز . نأتي الآن للإرادة المذكورة في كتاب الله وهي محور حجتنا على الرافضة في دعواهم الباطلة والتي سوف نذكرها ونبين طعنهم وإتهاماتهم : قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إن الإرادة في كتاب الله نوعان : إرادة شرعية دينية تتضمن محبته ورضاه ، وإرادة كونية قدرية تتضمن خلقه وتقديره ) . ( المنهاج 7 /72) . وقال ابن أبي العز : المحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة قدرية كونية خَلقية، وإرادة دينية أمرية شرعية. فالإرادة الشرعية: هي المتضمنة للمحبة والرضى. والكونية: هي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث). شرح الطحاوية (ص 79) [/b]
| |
|
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | موضوع: رد: بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي الأربعاء يوليو 13, 2016 1:39 pm | |
| | |
|
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | |
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | موضوع: رد: بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي الأربعاء يوليو 13, 2016 1:44 pm | |
| فتضمنت هذه الأحاديث تحريم هذه الأفعال ولعن فاعليها وأنهم شرار الخلق عند الله، وفي هذه الأحاديث دلالة على شدة خوف النبي صلى الله عليه وسلم على أمته من أن ترتكب ما ارتكبته الأمم قبلها من اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، فقد نهى عن ذلك أولا، ثم نهى عنه قبل أن يموت بقبل خمس ليال، ثم لعن وهو في السياق من فعل ذلك. فبناء المساجد والقباب على قبور الأنبياء والصالحين من الصحابة والتابعين وأهل البيت المكرمين لقرابتهم من سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم بناؤها من المحدثات في الدين، وقد حدثت في هذه الأمة بعد القرون المفضلة في القرن الرابع في دولة بني بويه الرافضية، وورث ذلك عنهم فرق الرافضة، فبنيت المشاهد على قبور الأئمة الحقيقية والوهمية، فمن ذلك ما يظنونه قبرا لعلي رضي الله عنه في النجف، وقبر الحسين في كربلاء، وقبر موسى الكاظم في الكاظمية في العراق، وما يعرف بقبر السيدة زينب في سوريا إلى غير ذلك.أهـ نأتي لكتب الرافضة وأقوالهم عن جعفر بن محمد بن إبراهيم ، عن عبيدالله بن نهيك ، عن ابن أبي عمير ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال لرجل : يا فلان ما يمنعك إذا عرضت لك حاجة أن تأتي قبر الحسين عليه السلام فتصلي عنده أربع ركعات ، ثم تسأل حاجتك فإن الصلاة المفروضة عنده تعدل حجة ، والصلاة النافلة عنده تعدل عمرة. التهذيب 6 : 73|141 وكامل الزيارات : 251. كتاب وسائل الشيعة ج14 -503 – 519 عن سعد ، عن موسى بن عمر وأيوب بن نوح ، عن ابن المغيرة عن أبي اليسع قال : سأل رجل أبا عبد الله وأنا أسمع قال : إذا أتيت قبر الحسين عليه السلام أجعله قبلة إذا صليت ؟ قال : تنح هكذا ناحية. كامل الزيارات : 245. كتاب وسائل الشيعة ج14 -503 - (من أتى قبر الحسين عارفا بحقه في غير يوم عيد كتب الله له عشرين حجة ، وعشرين عمرة ، مبرورات مقبولات ، ومن أتاه في يوم عيد كتب الله له مائة حجة ومائة عمرة ومن أتاه يوم عرفة عارفا بحقه كتب الله له ألف حجة وألف عمرة مبرورات متقبلات وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل ) [الكافي ج1/324] قال جعفر : (لو أني حدثتكم بفضل زيارته وبفضل قبره لتركتم الحج رأسا وما حج منكم أحد ، ويحك أما علمت أن الله اتخذ كربلاء حرما آمنا مباركا قبل أن يتخذ مكة حرما ) [ بحار الأنوار ج101/33] عن أبي عبد الله قال : (إن الله أوحى إلى الكعبة لولا تربة كربلاء ما فضلتك ، ولولا من تضمنته أرض كربلاء ما خلقتك ولا خلقت البيت الذي افتخرت ، فقري واستقري وكوني ذنبا متواضعا ذليلا مهينا غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء و الا سخت بك وهويت بك في نار جهنم) [ بحار الانوار للمجلسى 101/107] يروون عن أبي عبدالله (ع) وهو ينكر على رجل جاءه ولم يزر قبر أمير المؤمنين (ع) فقال : بئس ما صنعت !! لولا أنك من شيعتنا ما نظرت إليك ألا تزور من يزوره الله مع الملائكة ويزوره الأنبياء ويزوره المؤمنون [ فروع الكافي 4/ 580] أن أبي عبدالله (ع) قال : من كان معسراً فلم تتهيأ له حجة الاسلام فليأت قبر أبي عبدالله وليعرف عنده ( أي ان يكون حاضراً عند قبره عليه السلام يوم عرفة ) فذلك يجزيه عن حجة الإسلام .. [ المزار للمفيد ص 55. ] وروى بشير الدهان قال : قلت لأبي عبد الله : لم أحج عاماً قبل ولكن عرفت عند قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة , فقال : يا بشير من زار قبر الحسين عليه السلام يوم عرفة كانت له ألف حجة مبرورة وألف عمرة مبرورة وألف غزوة مع نبي مرسل أو إمام عادل لا عند عدو لله تعالى . قال : قلت : جعلت فداك ما كنت ارى ههنا ثواباً مثل ثواب الموقف . قال : فنظر إلى مغضباً وقال : يا بشير من اغتسل في الفرات ثم مشي إلى قبر الحسين عليه السلام كانت له بكل خطوة حجة مبرورة مع مناسكها ... [ المزار للمفيد ص 56-57] وهنا السيستاني عالمهم ومرجعهم يقول أن الصلاة في مشاهد الأئمة أفضل من المساجد في المسألة 562 من كتابه كتاب الصلاة باب مكان المصلى صفحة 187 في المسائل والمسألة رقم 562 يقول : تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة عليهم السلام ، بل قيل أنها أفضل من المساجد ، وقد روي أن الصلاة عند علي عليه السلام بمائتي ألف . و يقولون ان الله يبدأ النظر الى زوار الحسين بن علي عشية عرفة فبل نظره إلى أهل الموقف لأن في اولئك ( يعنى حجاج بيت الله الحرام ) أولاد زناة وليس في هؤلاء اولاد زنا .. [الوافي ج2 ص 222] بحار الأنوار ج 98 باب زيارته عليه السلام يوم عرفة أوالعيدين يقول زعيم الحوزة العلمية السابق آية الله الخوئي – قبحه الله – مسألة (561) الصلاة في مسجد النبي (ص) تعادل عشرة آلاف صلاة مسألة (562) تستحب الصلاة في مشاهد الأئمة (ع) بل قيل : أنها أفضل من المساجد وقد ورد أن الصلاة عند علي (ع) بمائتي ألف صلاة أي فضل من الصلاة عند النبي (ص)بعشرين مرة!!. [منهاج الصالحين للخوئى 1/147] عن جعفر الصادق أنه قال : ( أفضل البقاع بعد حرم الله وحرم رسوله الكوفة، لأنها الزكية الطاهرة، فيها قبور النبيين والمرسلين والأوصياء الصادقين، وفيها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمة والقوّام من بعده، وهي تكون منازل النبيين والأوصياء والصالحين ) كتاب المزار، لمحمد النعمان الملقب بالشيخ المفيد، فضل الكوفة وهذه مجرد أمثلة على أقوالهم العديدة بهذه المسائل معتقد هؤلاء القوم بالقبور ومن مناسك زيارتهم للقبور في كتاب بحار الأنوار - كتاب المزار - الجزء 100 - صفحة 134 ، 135 يقول : في ثالثها : وقد نص على الإتكاء على الضريح وتقبيله ورابعها : إستقبال وجه المزور وإستدبار القبلة حال الزيارة ، ثم يضع عليه خده الأيمن عند الفراغ من الزيارة ويدعو متضرعا ، ثم يضع خده الأيسر ويدعو سائلا من الله تعالى بحقه وحق صاحب القبر أن يجعله من أهل شفاعته ويبالغ في الدعاء والإلحاح ، ثم ينصرف إلى ما يلي الرأس ، ثم يستقبل القبلة ويدعو . وقال في سادسها : صلاة ركعتين للزيارة عند الفراغ فإن كان زائرا للنبي صلى الله عليه وآله ففي الروضة ، وإن كان لأحد الأئمة صلى الله عليهم فعند رأسه ، ولو صلاهما بمسجد المكان جاز ، ورويت رخصة في صلاتهما للقبر ولو إستدبر القبلة وصلى جاز ... قال الله سبحانه وتعالى: ( واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون ولا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ) الفرقان:3 وقال سبحانه وتعالى: (والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون ، أموات غير أحياء وما يشعرون أيّان يُبعثون ) النحل: 20-21 وقال تعالى: ( قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلاً ، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه) الإسراء : 56-57. وقال تعالى: ( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) الزمر: 3 وقال سبحانه وتعالى: ( ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) يونس:18. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه في ذكر الموتى: { فهم جيرة لا يجيبون داعياً ولا يمنعون ضيماً ولا يبالون مندبة } نهج البلاغة: 1/220. وقال رضي الله عنه واصفاً الموتى أيضاً : { لا في حسنة يزيدون ولا من سيئة يستعتبون} نهج البلاغة: 2/15 ولمن أراد المزيد من هذه الأبحاث في شأن شركهم بالله فقد قمت بجمعها في هذا الرابط سابقا http://www.du3at.com/alrafedhah/r14.htm وأخيرا أسأل الله أن يحيينا ويميتنا على الإسلام والسنة وأن يهدينا ويهدي بنا ويغفر لنا ذنوبنا وأسأله وحده سبحانه أن لا يحرمني أجر هذا المبحث الموجز وأن ينفع به عباده وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين | |
|
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | |
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | موضوع: رد: بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي الأربعاء يوليو 13, 2016 1:57 pm | |
| الباب الثاني أهل السنة والجماعة يثبتون إمامة الخلفاء الراشدين على حسب ترتيبهم في الفضل، وفيه تمهيد تضمن تعريف الإمامة في اللغة والاصطلاح، وحكم الإمامة، وفصول أربعة: الفصل الأول: خلافة الصديق رضي الله عنه وفيه مباحث: المبحث الأول: الإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر رضي الله عنه. المبحث الثاني: كيفية مبايعته رضي الله عنه بالخلافة. المبحث الثالث: ذكر النصوص التي فيها الإشارة إلى خلافته من الآيات والأحاديث النبوية. المبحث الرابع: بيان انعقاد الإجماع على خلافته رضي الله عنه. المبحث الخامس: ذكر بعض شبه الشيعة الإمامية في أن الخليفة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبيان بطلانها. الفصل الثاني: خلافة الفاروق رضي الله عنه، وفيه مباحث: المبحث الأول: استخلاف الفاروق بعهد من أبي بكر رضي الله عنهما. المبحث الثاني: حقية خلافته رضي الله عنه. المبحث الثالث: انعقاد الإجماع على خلافته. الفصل الثالث: خلافة ذي النورين عثمان رضي الله عنه، وفيه مباحث: المبحث الأول: كيفية توليه الخلافة رضي الله عنه. المبحث الثاني: حقية خلافته رضي الله عنه. المبحث الثالث: انعقاد الإجماع على خلافته رضي الله عنه. الفصل الرابع: خلافة علي رضي الله عنه، وفيه مباحث: المبحث الأول: كيف تمت له البيعة بالخلافة رضي الله عنه. المبحث الثاني: حقية خلافته رضي الله عنه. المبحث الثالث: بيان انعقاد الإجماع على خلافته رضي الله عنه. المبحث الرابع: ذكر الحرب التي دارت بينه وبين بعض الصحابة، وموقف أهل السنة من تلك الحرب. المبحث الخامس: خلافة الحسن رضي الله عنه. الباب الثالث سلامة قلوب وألسنة أهل السنة والجماعة للصحابة الكرام رضي الله عنهم، وفيه فصول: الفصل الأول: وجوب محبتهم والدعاء والاستغفار لهم، والشهادة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم، وفيه مباحث: المبحث الأول: وجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. المبحث الثاني: الدعاء والاستغفار لهم. المبحث الثالث: الشهادة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة منهم. الفصل الثاني: إثبات عدالتهم رضي الله عنهم، وفيه مباحث: المبحث الأول: معنى العدالة في اللغة والاصطلاح. المبحث الثاني: تعديل الله ورسوله للصحابة. المبحث الثالث: الإجماع على عدالتهم رضي الله عنهم. الفصل الثالث: تحريم سبهم رضي الله عنهم، وفيه مباحث: المبحث الأول: تحريم سبهم بنص الكتاب. المبحث الثاني: دلالة السنة على تحريم سب الصحابة. المبحث الثالث: من كلام السلف في تحريم سب الصحابة. المبحث الرابع: حكم ساب الصحابة وعقوبته. الباب الرابع ردود أهل السنة على الفرق المنحرفة في اعتقادها نحو الصحابة، وفيه فصلان: الفصل الأول: ردهم على مطاعن الشيعة في الصحابة وفيه مباحث: المبحث الأول: تعريف التشيع والرفض لغة واصطلاحاً. المبحث الثاني: بداية نشأة التشيع. المبحث الثالث: التعريف بأهم فرق الشيعة. المبحث الرابع: الرد على مطاعنهم في الصحابة على سبيل العموم. المبحث الخامس: الرد على مطاعنهم في أبي بكر الصديق رضي الله عنه. المبحث السادس: الرد على مطاعنهم في حق الفاروق رضي الله عنه. المبحث السابع: الرد على مطاعنهم في حق ذي النورين عثمان رضي الله عنه. المبحث الثامن: من مطاعنهم في حق أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، والرد على ذلك. المبحث التاسع: آثار عن السلف في ذم الرافضة. الفصل الثاني: ردود أهل السنة على مطاعن الخوارج والنواصب في الصحابة، وفيه مباحث: المبحث الأول: نشأة الخوارج. المبحث الثاني: التعريف بأهم فرق الخوارج. المبحث الثالث: الرد على مطاعنهم في الصحابة. المبحث الرابع: ذكر أحاديث وآثار تتضمن ذمهم. المبحث الخامس: الرد على معتقد النواصب في الصحابة. وأما الخاتمة: فقد ضمنتها أهم النتائج التي توصلت إليها في الرسالة. منهجي في البحث: إن المنهج الذي اتبعته في هذا البحث وسلكته فيه هو كما يلي: 1- عمدت إلى جمع الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، التي فيها الدلالة على منقبة أو فضيلة للصحابة على سبيل العموم، أو لأصناف بأعيانهم، وعند وضعها في المباحث المناسبة لها، سقت الآيات القرآنية مرتبة على حسب ترتيب سور القرآن. 2- أحياناً أكرر الآية القرآنية والحديث النبوي الشريف في أكثر من مبحث، وذلك لاشتمال الآية أو الحديث على أكثر من منقبة أو فضيلة، فأضطر إلى إعادة ذلك في مباحث كثيرة من مباحث الرسالة. 3- أتبع الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ببيان وجه الدلالة على المدح والثناء على الصحابة، بنقول عن أهل العلم من أهل السنة والجماعة؛ لأثبت بذلك أنهم يقبلون كل ما جاء به الكتاب والسنة من فضائلهم، ولا ينقصونهم من ذلك شيئاً، وإن لم أجد لهم كلاماً لبيان وجه دلالة أي نص، أبين وجه الدلالة من ذلك النص على فضل الصحابة الكرام، على حسب ما أفهم من النص. 4- عندما أذكر فضائل شخص معين من الصحابة، أبدأ بذكر اسمه ونسبه أولاً، ثم أتبع ذلك بذكر النصوص المشتملة على بيان ما له من المناقب الجليلة والمآثر الحميدة. 5- وضعت فصلاً خصصته بذكر فضائل أهل البيت من الصحابة ذكوراً وإناثاً؛ لبيان أن أهل السنة والجماعة هم أولى الناس بأهل البيت حباً واحتراماً وموالاةً، وأنهم ينزلونهم منازلهم التي استحقوها بدون إفراط أو تفريط، ولبيان أن الشيعة الزاعمين محبة أهل البيت ليس لهم من حبهم إياهم إلا الغلو بغير الحق. 6- بينت أن أهل السنة والجماعة يثبتون إمامة الخلفاء الراشدين على حسب ترتيبهم في الفضل، وأوردت كثيراً من نصوص الكتاب والسنة التي استنبطوا منها أن ترتيبهم في الخلافة كذلك، ثم ذكرت عقب ذلك إجماعهم على اعتقاد ذلك. 7- أوضحت أن أهل السنة والجماعة هم الفرقة الوحيدة التي سلمت قلوبهم وألسنهم مما وقع فيه غيرهم، من الانحراف نحو الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ودللت على ذلك بالنقول الكثيرة من كتبهم، التي تنص على أن معتقدهم هو الاعتراف بفضلهم، وذكرهم بالجميل، وعدم الخوض فيما شجر بينهم. 8- حرصت كل الحرص على حفظ الرسالة من ذكر ما لا يليق بمقام الصحابة الكرام رضي الله عنهم، مما دس عليهم، وامتلأت به الكثير من كتب التواريخ في موضوع التشاجر بينهم. وما ذكرته مما جرى بينهم في موقعتي الجمل وصفين، فإنما كان بطريقة مختصرة لأبين موقف أهل السنة والجماعة من ذلك، ولولا هذا الغرض ما ذكرت ذلك، إذ الواجب على المسلم الإمساك عن كل ما شجر بينهم وعدم الخوض فيه. 9- كل ما عرضته في الرسالة من شبه ومطاعن الفرق المنحرفة، المتضمنة الطعن على الصحابة عموماً وخصوصاً، فإني قرنت ذلك بالرد الحاسم الذي يبين بطلان وزيف تلك الشبه والمطاعن، معتمداً في ذلك على نقول من كتب أهل السنة والجماعة. 10- بينت مواضع الآيات التي وردت في الرسالة، بذكر اسم السورة ورقم الآية في الهامش، مع وضع الآية بين قوسين. 11- عزوت الأحاديث التي أوردتها في الرسالة إلى مصادرها الأصلية من كتب السنة المعتمدة، بذكر الجزء والصفحة في الهامش، مع البيان غالباً لدرجة الحديث، من خلال أقوال أهل العلم بالحديث، إن كان الحديث من غير الصحيحين. 12- التزمت عند النقل من أي مرجع، أو الاستفادة منه، الإشارة إلى رقم جزئه وصفحته، بالإضافة إلى ذكر طبعات المراجع في الفهرست. 13- ترجمت لكثير من أعلام الصحابة، وبعض الأعلام الذين جرى نقل شيء من كلامهم. 14- شرحت المفردات الغريبة التي وردت في بعض الأحاديث، مستعيناً في ذلك بكتب غريب الحديث، ومعاجم اللغة، وشروح الحديث، ثم ختمت الرسالة بفهارس خمسة هي: - فهرس الأحاديث النبوية الشريفة. - فهرس الآثار. - فهرس الأعلام. - فهرس المصادر والمراجع. - فهرس الموضوعات التي اشتملت عليها الرسالة. كلمة شكر: وفي الختام أحمد الله سبحانه وتعالى على عونه وتوفيقه لإتمام هذا البحث، حيث سهل لي صعبه وذلل أمامي عقباته، وإني لأرى لزاماً علي أن أسجل هنا وافر شكري، وعظيم تقديري، وصادق دعواتي لفضيلة شيخنا عبد المحسن بن حمد العباد الذي تولى الإشراف على هذه الرسالة، فكان لحسن إشرافه ودقة متابعته أكبر الأثر في إنجاز هذه الرسالة، وإخراجها إلى حيز الوجود، فله مني خالص الشكر والثناء، ومن الله المثوبة والجزاء، فجزاه الله عني أحسن الجزاء، وجعل سعيه مشكوراً، وكرمه في الآخرة والأولى. ولا يفوتني في هذا المقام أن أقدم شكري أيضاً: لكل من أفادني من مشائخي وزملائي بكتاب، أو إرشاد، أو أي نوع من المساعدة. كما أتقدم بالشكر الجزيل للجامعة الإسلامية، ممثلة في القائمين عليها، الذين قاموا بما يجب عليهم نحو طلابهم خير قيام، وحرصوا على تقديم كل ما يعينهم على أداء مهمتهم. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وجعل عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم، ومنَّ علينا بالتوفيق والسداد، إنه جواد كريم، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام، والتابعين لهم بإحسان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. المؤلف: في 12/6/1411هـ. التمهيد: يشتمل على: - المراد بـأهل السنة. - تعريف الصحابة. - بم يعرف الصحابي. - طبقات الصحابة. - عددهم رضي الله عنهم. المراد بأهل السنة: المراد بـأهل السنة الذين نريد بيان عقيدتهم في الصحابة رضي الله عنهم في هذه الرسالة، هم: المتمسكون بما جاء في الكتاب والسنة والتزموا بما فيهما قولاً وعملاً، وكان معتقدهم موافقاً لما جاء فيهما، وموافقاً لما كان عليه السلف الصالح من الصحابة الكرام رضي الله عنهم، والتابعين لهم بإحسان، وأتباعهم من أئمة الدين ممن شهد لهم بالإمامة وعرف عظم شأنهم في الدين، وتلقى الناس كلامهم خلف عن سلف دون من رمي ببدعة، أو شهر بلقب غير مرضي: كـالخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجبرية والمعتزلة والكرامية ونحو هؤلاء، وقد بين جماعة من أهل العلم المراد من أهل السنة: فقد قال أبو محمد بن حزم معرفاً أهل السنة: وأهل السنة الذين نذكرهم أهل الحق، ومن عداهم فأهل البدعة، فإنهم -أي أهل السنة - الصحابة رضي الله عنهم، وكل من سلك نهجهم من خيار التابعين رحمة الله عليهم، ثم أصحاب الحديث، ومن اتبعهم من الفقهاء جيلاً فجيلاً إلى يومنا هذا، ومن اقتدى بهم من العوام في شرق الأرض وغربها، رحمة الله عليهم([13]). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى -مبيناً المراد من لفظة كلمة (أهل السنة)-: فلفظ أهل السنة يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة، وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة، فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات للّه تعالى ويقول: إن القرآن غير مخلوق، وأن الله يُرى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأمور المعروفة عند أهل الحديث والسنة([14]). وعرفهم محمد صديق حسن خان بقوله: أهل السنة والجماعة هم المحدثون المتبعون الموحدون المقتدون بكتاب الله العزيز، وسنة رسوله المطهرة([15]). وقال محمود شكري الألوسي في صدد رده على الشيعة الرافضة في دعواهم أنهم الفرقة الناجية، المتبعون لأهل بيت النبوة قال: بل الحق الحقيق بالقبول أن أهل السنة هم أتباع بيت الرسول، وهم السالكون طريقتهم، والمجيبون دعوتهم والأئمة الأطهار كانوا على ما عليه أهل السنة الأخيار، كيف لا وأبو حنيفة ومالك وغيرهما من العلماء الأعلام، قد أخذوا العلم عن أولئك الأئمة العظام، والحمد لله على ذلك الإنعام([16]). وقال صاحب([17]) كتاب غاية الأماني في الرد على النبهاني: اعلم أن أهل السنة والجماعة هم أهل الإسلام والتوحيد، المتمسكون بالسنن الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقائد والنحل والعبادات الباطنة والظاهرة، الذين لم يشوبوها ببدع أهل الأهواء وأهل الكلام في أبواب العلم والاعتقادات، ولم يخرجوا عنها في باب العمل والإرادات، كما عليه جهال أهل الطريق والعبادات، فإن السنة في الأصل تقع على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما سنه أو أمر به من أصول الدين وفروعه، حتى الهدى والسمت([18]) ثم خصت في بعض الإطلاقات بما كان عليه أهل السنة من إثبات الأسماء والصفات، خلافاً للجهمية المعطلة النفاة، وخصت بإثبات القدر ونفي الجبر خلافاً للقدرية النفاة وللقدرية الجبرية العصاة، وتطلق أيضاً: على ما كان عليه السلف الصالح في مسائل الإمامة والتفضيل، وللكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من إطلاق الاسم على بعض مسمياته؛ لأنهم يريدون بمثل هذا الإطلاق التنبيه على أن المسمى ركن أعظم وشرط أكبر، كقوله: «الحج عرفة»([19])، أو لأنه الوصف الفارق بينهم وبين غيرهم، ولذلك سمى العلماء كتبهم في هذه الأصول كتب السنة: مثل كتاب السنة للالكائي، والسنة لـأبي بكر الأثرم، والسنة للخلال، والسنة لـابن خزيمة، والسنة لـعبد الله بن أحمد، ومنهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية([20]). وقد اشتهر ناس بالإمامة في مذهب أهل السنة والجماعة، ومن هؤلاء: الإمام أحمد والإمام مالك والإمام الشافعي وأبو حنيفة والليث بن سعد والأوزاعي وحماد بن زيد وحماد بن سلمة ونعيم بن حماد وإسحاق بن راهويه، وغير هؤلاء من أئمة الإسلام، الذين لهم لسان صدق في الأمة([21]). وقد وصف الإمام أحمد بأنه إمام أهل السنة([22])؛ وذلك لأنه انتهى إليه من السنة ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر مما انتهى إلى غيره، وابتلي بالمحنة والرد على أهل البدع أكثر من غيره، فصار إماماً في السنة أظهر من غيره([23]). وممن اشتهر بالذب عن مذهب أهل السنة والجماعة، وحارب أهل البدع من فلاسفة ومتكلمين ومتصوفة ومتزندقين، وغيرهم من أهل الأهواء الضالين: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وبدفاعهما وذبهما عن مذهب أهل السنة؛ انكشف زيف الكثير من المذاهب المنحرفة عن طريق أهل السنة والجماعة، والتي كادت أن تطبق المعمورة، ولكن بفضل الله تعالى ثم بمجاهدة هذين الإمامين نصرة لدين الله تعالى ظهر مذهب أهل السنة، وعلا على جميع المذاهب الباطلة، حتى عرف الكثير من أولي الألباب أن الخير كل الخير في التمسك بالكتاب والسنة والاقتداء بالسلف الصالح الذين كانوا في صدر هذه الأمة، فإذن المراد بـأهل السنة: هم الذين يلتزمون في أقوالهم وأعمالهم بما دل عليه الكتاب والسنة، ويردون ما تنازع فيه الناس إليهما، إذعاناً وامتثالاً لقول الباري سبحانه وتعالى: ((فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)) [النساء:59]، وهذه الميزة من أبرز صفاتهم؛ لأن غيرهم من الطوائف لم يلتزموا ذلك التزاماً كاملاً، والناظر في أحوال الفرق من غير أهل السنة، يجد أنهم يردون بعض الأحاديث الصحيحة، ويتأولون الآيات الواضحة الصريحة، بدعوى أنها تتعارض مع العقل وتصادمه، كما في آيات الصفات وأحاديثها، حيث لم يثبتها جميعها إلا السلف الصالح وأتباعهم أهل السنة والجماعة.
| |
|
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | موضوع: رد: بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي الأربعاء يوليو 13, 2016 2:00 pm | |
| تعريف الصحابة: جاء في القاموس: (استصحبه: أي دعاه إلى الصحبة ولازمه)([24]). وفي الصحاح للجوهري: (كل شيء لاءم شيئاً فقد استصحبه)([25]). وقال أبو بكر محمد بن الطيب: (لا خلاف بين أهل اللغة في أن القول (صحابي) مشتق من الصحبة، وأنه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص، بل هو جار على كل من صحب غيره قليلاً كان أو كثيراً... يقال: صحبت فلاناً حولاً ودهراً وسنة وشهراً ويوماً وساعة، فيوقع اسم المصاحبة بقليل ما يقع منها وكثيرة، وذلك يوجب في حكم اللغة إجراء هذا على من صحب النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار([26]). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: (والأصحاب جمع صاحب، والصاحب اسم فاعل من صحبه يصحبه، وذلك يقع على قليل الصحبة وكثيرها)([27]). وأما تعريف الصحابي في عرف علماء الحديث، فقد اختلفت أقوالهم في ذلك اختلافاً كثيراً: فقد قال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين، فهو من أصحابه([28]). وروى الخطيب البغدادي بإسناده إلى عبدوس بن مالك العطار قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل، وذكر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر فقال: ثم أفضل الناس بعد هؤلاء -أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- القرن الذي بعث فيهم، كل من صحبه سنة أو شهراً أو يوماً أو ساعة، أو رآه فهو من أصحابه، له الصحبة على قدر ما صحبه، وكانت سابقته معه، وسمع منه ونظر إليه([29]). وقال علي بن المديني: من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه ولو ساعة من نهار، فهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم([30]). وروى أيضاً بإسناده إلى سعيد بن المسيب أنه كان يقول: (الصحابة لا نعدهم إلا من أقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة أو سنتين، وغزا معه غزوة أو غزوتين)([31])، وتعريف سعيد بن المسيب هذا تعقبه الحافظ ابن حجر بقوله: (والعمل على خلاف هذا القول؛ لأنهم اتفقوا على عد جمع جم في الصحابة لم يجتمعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم إلا في حجة الوداع)([32]). وذكر ابن الأثير في كتابه أسد الغابة عن الواقدي أنه قال: ورأينا أهل العلم يقولون: كل من رأى رسول الله وقد أدرك الحلم فأسلم، وعقل أمر الدين، ورضيه؛ فهو عندنا ممن صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو ساعة من نهار، ولكن أصحابه على طبقاتهم وتقدمهم في الإسلام([33]). وقال أبو نعيم الأصبهاني معرفاً الصحابي: من عرف بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم، أو روى عنه، أو رآه من الذكور والإناث([34]). وقال أيضاً في تعريف آخر: هو: من ثبتت له عن الرسول صلى الله عليه وسلم رواية، أو صحت له صحبة وولاية([35]). وقال أبو محمد بن حزم: أما الصحابة رضي الله عنهم، فهو كل من جالس النبي صلى الله عليه وسلم ولو ساعة، وسمع منه ولو كلمة فما فوقها، أو شاهد منه عليه السلام أمراً يعيه، ولم يكن من المنافقين الذين اتصل نفاقهم واشتهر حتى ماتوا على ذلك، ولا مثل من نفاه عليه السلام... فمن كان كمن وصفنا أولاً فهو صاحب([36]). وجاء في أسد الغابة أن أبا حامد الغزالي قال: لا يطلق اسم الصحبة إلا على من صحبه، ثم يكفي في الاسم من حيث الواضح الصحبة ولو ساعة، ولكن العرف يخصصه بمن كثرت صحبته. اهـ([37]). والتعريفات التي وضعها العلماء للصحابة كثيرة، ولكن التعريف الصحيح المعتمد: هو ما قرره الحافظ ابن حجر بقوله: وأصح ما وقفت عليه من ذلك، أن الصحابي من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً به ومات على الإسلام!. ثم شرح التعريف فقال: فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغز، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى، ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أخرى، وقولنا: به يخرج من لقيه مؤمناً بغيره، كمن لقيه من مؤمني أهل الكتاب قبل البعثة. ويدخل في قولنا: مؤمناً به، كل مكلف من الجن والإنس... وخرج بقولنا: ومات على الإسلام، من لقيه مؤمناً به ثم ارتد ومات على ردته والعياذ بالله.. ويدخل فيه من ارتد وعاد إلى الإسلام قبل أن يموت، سواء اجتمع به صلى الله عليه وسلم مرة أخرى أم لا، وهذا هو الصحيح المعتمد. اهـ([38]). بم يعرف الصحابي: لقد وضع العلماء رحمهم الله طرقاً وضوابط لمعرفة كون الشخص صحابياً، وتلك الطرق أو الضوابط هي: 1- أن تثبت صحبته بطريق التواتر المقطوع به لكثرة ناقليه، أن فلاناً من الصحابة، وذلك كـأبي بكر وعمر وبقية العشرة، وناس آخرون من الصحابة رضي الله عنهم. 2- أن تثبت الصحبة للشخص عن طريق الاستفاضة والشهرة. 3- أن يروى عن أحد من الصحابة أن فلاناً له صحبة، وكذا عن آحاد التابعين بناء على قبول التزكية من واحد، وهو الراجح. 4- أن تثبت الصحبة بإخباره عن نفسه إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة، بقوله: أنا صحابي([39]). وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى ضابطاً، يستفاد منه معرفة جمع كثير يكتفى فيهم بوصف يدل على أنهم صحابة، وهذا الضابط مأخوذ من أمور ثلاثة: أحدها: أنهم كانوا لا يؤمرون في المغازي إلا الصحابة، فمن تتبع الأخبار الواردة في حروب الردة والفتوح وجد من ذلك الشيء الكثير. الثاني: قال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (كان لا يولد لأحد مولود إلا أتي به النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له)([40])، وهذا أيضاً يؤخذ منه شيء كثير. الثالث: لم يبق بـمكة والطائف أحد في سنة عشر إلا أسلم وشهد حجة الوداع، فمن كان في ذلك الوقت موجوداً اندرج فيهم؛ لحصول رؤيتهم النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يرهم هو([41]). طبقات الصحابة: إن الصحابة رضي الله عنهم يتفاوتون في مراتبهم، من حيث السبق إلى الإسلام أو الهجرة أو شهود المشاهد الفاضلة، وقد ذكر العلماء أنهم على اثنتي عشرة طبقة: الطبقة الأولى: قوم أسلموا بـمكة: مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وغيرهم رضي الله عنهم. الطبقة الثانية: أصحاب دار الندوة، حيث بايعه جماعة فيها على الإسلام. الطبقة الثالثة: المهاجرة إلى الحبشة. الطبقة الرابعة: الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم عند العقبة الأولى، يقال: فلان عقبي، وفلان عقبي. الطبقة الخامسة: أصحاب العقبة الثانية وأكثرهم من الأنصار. الطبقة السادسة: أول المهاجرين الذين وصلوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بـقباء، وهو يبني المسجد. الطبقة السابعة: أهل بدر الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: «لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»([42]). الطبقة الثامنة: المهاجرة الذين هاجروا بين بدر والحديبية. الطبقة التاسعة: أهل بيعة الرضوان الذين أنزل الله تعالى فيهم: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)) [الفتح:18]. الطبقة العاشرة: المهاجرون بين الحديبية والفتح، ومن هؤلاء خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وأبو هريرة، وغيرهم، وفيهم كثرة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر؛ قصده خلق كثير من كل ناحية من أجل الهجرة. الطبقة الحادية عشرة: هم الذين أسلموا يوم الفتح، وهم جماعة من قريش. الطبقة الثانية عشرة: صبيان وأطفال رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وفي حجة الوداع وغيرها، وعدادهم في الصحابة، ومن هؤلاء: السائب بن يزيد وعبد الله بن ثعلبة بن أبي صغير، فإنهما قدما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا لهما، ومن هؤلاء أيضاً: أبو الطفيل عامر بن واثلة وأبو جحيفة وهب بن عبد الله، فإنهما رأيا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطواف وعند زمزم([43]). هذه طبقات الصحابة كما ذكرها أهل العلم من المحدثين وغيرهم. قال العلامة ابن الصلاح: (وإذا نظرنا إلى تفاوت الصحابة في سوابقهم ومراتبهم، كانوا بضع عشرة طبقة([44])، ومن العلماء من زاد على ذلك([45]). وأما العلامة محمد بن سعد، فقد جعلهم خمس طبقات: الأولى: البدريون. الثانية: من أسلم قديماً ممن هاجر عامتهم إلى الحبشة وشهدوا أحداً فما بعدها. الثالثة: من شهد الخندق فما بعدها. الرابعة: مسلمة الفتح فما بعدها. الخامسة: الصبيان والأطفال ممن لم يغزُ، سواء حفظ عنه -وهم الأكثر- أم لا([46]). وقد ذهب أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي إلى أن طبقات الصحابة سبع عشرة طبقة([47]). ويلاحظ على من ذهب إلى أن طبقاتهم أقل من اثنتي عشرة طبقة، أنه ترك كثيراً من مواقف الفضل لم يذكرها مثل: العقبة الأولى، والثانية، فإن لأصحابها فضلاً زائداً على غيرهم لم ينله سواهم، وأما من ذكر أنهم أكثر من اثنتي عشرة طبقة، يلاحظ في ذلك أن بعض تلك الطبقات يدخل بعضها في بعض. فطبقاتهم رضي الله عنهم اثنتا عشرة طبقة، وهذه الطبقات لأولئك الأخيار نالوها حسب منازلهم في الدين والإيمان، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. قال العلامة ابن عبد البر في خطبة الاستيعاب، قال الله تعالى: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ...)) [الفتح:29] الآية، إلى أن قال: وليس كذلك جميع من رآه وآمن به، وسترى منازلهم من الدين والإيمان، والله تعالى قد فضل بعض النبيين على بعض، وكذلك سائر المسلمين، والحمد لله رب العالمين([48]). عددهم رضي الله عنهم: انتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وقد دخل الناس في دين الله أفواجاً، وجاءوا إليه من كل حدب وصوب، من جميع أنحاء الجزيرة العربية، ولهذا فليس من الممكن حصرهم رضي الله عنهم، ولا عدهم إجمالاً، فضلاً عن تفصيلهم، إذ أنهم تفرقوا في نواحٍ شتى وفي كثير من البلدان. فقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث كعب بن مالك في غزوة تبوك أنه قال: (والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير، ولا يجمعهم كتاب حافظ)([49]). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وللحاكم في الإكليل من حديث معاذ: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك زيادة على ثلاثين ألفاً)، وبهذه العدة جزم ابن إسحاق، وأورده الواقدي بسند آخر موصول، وزاد: أنه كان معهم عشرة آلاف فرس([50])... وقد نقل عن أبي زرعة الرازي أنهم كانوا في غزوة تبوك أربعين ألفاً، ولا تخالف الرواية التي في الإكليل (أكثر من ثلاثين ألفاً) لاحتمال أن يكون من قال: أربعين ألفاً جبر الكسر([51]). وتعقب السخاوي هذا الجمع بقوله: فيمكن أن يكون ذلك في ابتداء خروجهم، كما يشعر به قوله خرجنا وتكاملت العدة بعد ذلك، ووقع لشيخنا في الفتح هذا السهو، حيث عين قول أبي زرعة في تبوك بأربعين ألفاً، وجمع بينه وبين قول معاذ أكثر من ثلاثين ألفاً باحتمال جبر الكسر، وجاء ضبط من كان بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح بـمكة بأنهم خمسة عشر ألف عنان([52])، قاله الحاكم، ومن طريقه أبو موسى([53]) في الذيل، بل عنده عن ابن عمر أنه قال: (وافى النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بعشرة آلاف من الناس، ووافى حنيناً باثني عشر ألفاً، وقالوا: لن تغلب اثنا عشر من قلة)([54])، وقد شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع عدد كثير جداً، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه واصفاً هذه الكثرة: (نظرت إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك). وفي نفس هذا الحديث يقول جابر: (فقدم المدينة بشر كثير)([55]). وقال العلامة ابن الصلاح رحمه الله تعالى: روينا عن أبي زرعة الرازي أنه سئل عن عدة من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ومن يضبط هذا؟ شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع أربعون ألفاً، وشهد معه تبوك سبعون ألفاً. وروينا عن أبي زرعة أيضاً أنه قيل له: أليس يقال: حديث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف حديث؟ قال: ومن قال ذا قلقل الله أنيابه؟ هذا قول الزنادقة، ومن يحصي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مائة ألف وأربعة عشر ألفاً من الصحابة ممن روى عنه وسمع منه، وفي رواية: فقيل له: يا أبا زرعة هؤلاء أين كانوا وأين سمعوا منه؟ قال: أهل المدينة وأهل مكة، ومن بينهما والأعراب، ومن شهد حجة الوداع: كل رآه وسمع منه بعرفة([56]). قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وأما جملة الصحابة، فقد اختلف الناس في عدتهم، فنقل عن أبي زرعة أنه قال: يبلغون مائة ألف وعشرين ألفاً([57]). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ومما يؤيد قول أبي زرعة ما ثبت في الصحيحين عن كعب بن مالك في قصة تبوك (والناس كثير لا يحصيهم ديوان)([58]). وقال ابن الأثير: وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرون، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم شهد حنيناً ومعه اثنا عشر ألفاً سوى الأتباع والنساء، وجاء إليه هوازن مسلمين فاستنقذوه حريمهم وأولادهم، وترك مكة مملوءة ناساً، وكذلك المدينة أيضاً: وكل من اجتاز به من قبائل العرب كانوا مسلمين، فهؤلاء كلهم لهم صحبة، وقد شهد معه تبوك من الخلق الكثير ما لا يحصيهم ديوان، وكذلك حجة الوداع، وكلهم له صحبة([59]). وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في عدد الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم على أقوال: 1- فعن الإمام الشافعي -كما في مناقبه للآبري والساجي من طريق ابن عبد الحكم عنه- قال: (قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ستون ألفاً، ثلاثون ألفاً بـالمدينة، وثلاثون –يعني: ألفاً- في قبائل العرب)([60]). 2- وعن الإمام أحمد رحمه الله تعالى -فيما رواه البيهقي من طريق إبراهيم بن علي الطبري - قال: (قبض النبي صلى الله عليه وسلم وقد صلى خلفه ثلاثون ألف رجل) قال السخاوي -جامعاً بين قول أحمد وقول الشافعي -: (وكأنه عنى بـالمدينة ليلتئم مع ما قبلها)([61]). 3- ثبت عن الثوري فيما أخرجه الخطيب بسنده الصحيح إليه قال: من قدَّم علياً على عثمان فقد أزرى على اثني عشر ألفاً مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، قال النووي: وذلك بعد النبي صلى الله عليه وسلم باثني عشر عاماً، بعد أن مات في خلافة أبي بكر في الردة والفتوح الكثير ممن لم يضبط أسماؤهم، ثم مات في خلافة عمر في الفتوح وفي الطاعون العام، وعمواس وغير ذلك من لا يحصى كثرة، وسبب خفاء أسمائهم أن أكثرهم أعراب، وأكثرهم حضروا حجة الوداع، والله أعلم([62]). 4- وقال أبو زرعة الرازي رحمه الله تعالى كما في ترتيب المدارك للقاضي عياض: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عشرين ألف عين تطرف([63]). وبمثل قول أبي زرعة قال الغزالي في كتابه الإحياء([64]). خلاف العلماء في عدد الرواة منهم: وكما اختلف العلماء في جملة الصحابة وفي عددهم حين توفي عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كذلك اختلفوا في عدد من خرج منهم من المدينة واستقر في غيرها من الأمصار، كما اختلفوا كذلك في عدد الرواة عنه صلى الله عليه وسلم منهم وكان اختلافهم في ذلك كما يلي: 1- نقل القاضي عياض عن الإمام مالك رحمه الله أنه قال: (مات بـالمدينة من الصحابة نحو عشرة آلاف، وباقيهم تفرق في البلدان)([65]). 2- وقال أبو بكر بن أبي داود فيما رواه عن الوليد بن مسلم بـالشام: عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم. 3- وقال قتادة بن دعامة السدوسي رحمه الله تعالى: (نزل بـالكوفة من الصحابة ألف وخمسون، منهم أربعة وعشرون بدريون، قال: وأخبرت أنه قدم حمص من الصحابة خمسمائة رجل). 4- وعن بقية: نزلها من بني سليم أربعمائة([66]). وأما اختلافهم في عدد الرواة منهم رضي الله عنهم، فقد نقل الحافظ ابن كثير عن أبي عبد الله الحاكم أنه قال: روى الحديث عن قريب من خمسة آلاف صحابي([67]). ونقل الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى عن الحاكم أيضاً أنه قال: الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة آلاف، وتعقبه بقوله بأنهم لا يصلون إلى ألفين، بل هم ألف وخمسمائة، وذكر أن كتابه التجريد، لعل جميع من فيه ثمانية آلاف نفس، إن لم يزيدوا لم ينقصوا، مع أن الكثير فيهم لا يعرفون([68]). وقال الحافظ ابن كثير: والذي روى عنهم الإمام أحمد مع كثرة روايته واطلاعه واتساع رحلته وإمامته، فمن الصحابة تسعمائة وسبعة وثمانون نفساً، ووضع في الكتب الستة من الزيادات على ذلك - قريب من ثلاثمائة صحابي أيضاً([69]). ومن هذا يتبين أنه لم يروِ الحديث إلا عدد قليل من الصحابة، أو لم يصل إلينا إلا حديث هؤلاء بعد أن انتشروا في الأرض للفتوح، وتفرقوا في الأمصار، والذي أخلص إليه من هذا أنه من الصعب ومن العسير جداً حصر الصحابة جميعاً في عدد معين؛ لكثرتهم وتفرقهم في الأمصار. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: وقد وقع لي بالتتبع كثير من الأسماء، فجمعت كتاباً كبيراً في ذلك، ميزت فيه الصحابة من غيرهم، ومع ذلك فلم يحصل لنا من ذلك جميعاً الوقوف على العشر من أسامي الصحابة بالنسبة إلى ما جاء عن أبي زرعة الرازي. اهـ([70]). والأقوال التي قدمنا ذكرها عن أهل العلم عندما يسمعها الإنسان يفهم أن ظاهرها التعارض، والأمر ليس كذلك، فكل حكى على قدر تتبعه ومبلغ علمه، وأشار بذلك إلى وقت خاص وحال، فإذاً لا تضاد بين كلامهم والله المستعان([71]).
| |
|
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | موضوع: رد: بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي الأربعاء يوليو 13, 2016 2:02 pm | |
| الباب الأول: الثناء في القرآن والسنة على الصحابة: الباب الأول: الثناء في القرآن والسنة على الصحابة: وفيه أربعة فصول: الفصل الأول: الثناء عليهم عموماً في القرآن والسنة وأقوال السلف. الفصل الثاني: الثناء على أصناف معينة منهم رضي الله عنهم. الفصل الثالث: فضل العشرة المبشرين بالجنة. الفصل الرابع: ما جاء في فضل الصحابة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم. الفصل الأول: الثناء عليهم عموماً في الكتاب والسنة وأقوال السلف.: الفصل الأول: الثناء عليهم عموماً في الكتاب والسنة وأقوال السلف: وفيه مباحث: المبحث الأول: الثناء عليهم في القرآن. المبحث الثاني: الثناء عليهم في السنة. المبحث الثالث: الثناء عليهم في أقوال السلف. المبحث الأول: الثناء عليهم في القرآن: إن أهل السنة والجماعة يثبتون فضل الصحابة رضي الله عنهم، الذي نطق به القرآن الكريم المنزل من لدن حكيم حميد، على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كما يثبتون جميع ما صح في فضلهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سواء كان هذا الفضل على وجه العموم، أو على وجه الخصوص، الكل يثبتونه ويعتقدونه اعتقاداً جازماً، ويسلمون به لأولئك الأطهار الذين اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وصاغهم أعظم صياغة ليكونوا وزراء لنبيه عليه الصلاة والسلام، وليحملوا رسالته من بعده، ويبلغوها إلى جميع الناس في هذه المعمورة ولقد أثنى الله عليهم في كتابه الكريم على سبيل الجملة في آيات كثيرة ومواضع شتى منها: 1- قوله تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)) [البقرة:143] هذه الآية الكريمة وجه الله تعالى فيها الخطاب إلى جميع الأمة المحمدية من أولها إلى أن تقوم الساعة، وهذا الخطاب يتضمن أنه سبحانه جعلهم خيار الأمم ليكونوا يوم القيامة شهداء على الناس، والوسط في الآية بمعنى الخيار والأجود، ولكن أولوية الدخول في هذا الخطاب إنما هو لأصحاب رسول الله قبل بقية الأمة الإسلامية، إذ هم أول من وجه إليهم هذا الخطاب في هذه الآية، وهم الموجودون حين نزوله. قال العلامة ابن جرير الطبري مبيناً معنى هذه الآية: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) [البقرة:143] كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد عليه الصلاة والسلام، وبما جاءكم به من عند الله، فخصصناكم ففضلناكم بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته، وفضلناكم بذلك على من سواكم من أهل الملل، كذلك خصصناكم ففضلناكم على غيركم من أهل الأديان بأن جعلناكم أمة وسطاً... والوسط في كلام العرب الخيار يقال: فلان وسط الحسب في قومه أي: متوسط الحسب إذا أرادوا بذلك الرفع في حسبه، وهو وسط في قومه وواسط... وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه غلو النصارى الذين غلوا بالترهب وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم أهل تقصير فيه تقصير اليهود الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياءهم، وكذبوا على ربهم، وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها... إلى أن قال: القول في تأويل قوله تعالى: ((لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)) [البقرة:143]، والشهداء جمع شهيد، فمعنى ذلك: وكذلك جعلناكم أمة وسطاً عدولاً شهداء لأنبيائي ورسلي على أممها بالبلاغ، أنها قد بلغت ما أمرت ببلاغه من رسالات إلى أممها، ويكون رسولي محمد صلى الله عليه وسلم شهيداً عليكم بإيمانكم به، وبما جاء به من عندي) اهـ([b][72]). وقال أبو عبد الله القرطبي رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) [البقرة:143] المعنى: وكما أن الكعبة وسط الأرض كذلك جعلناكم أمة وسطاً، أي: جعلناكم دون الأنبياء، وفوق الأمم، والوسط العدل، وأصل هذا أن أحمد الأشياء أوسطها. وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم «في قوله تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) [البقرة:143] قال: عدلاً» قال: هذا حديث حسن صحيح([73]) وفي التنزيل: ((قَالَ أَوْسَطُهُمْ)) [القلم:28] أي: أعدلهم وخيرهم...، ولما كان الوسط مجانباً للغلو والتقصير كان محموداً أي: هذه الأمة لم تغل غلو النصارى في أنبيائهم، ولا قصروا تقصير اليهود في أنبيائهم، وقوله تعالى: ((لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)) [البقرة:143] أي: في المحشر للأنبياء على أممهم([74]). وقد روى الإمام البخاري في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجاء نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت؟ فيقول: نعم يا رب، فتسأل أمته: هل بلغكم؟ فيقولون: ما جاءنا من نذير، فيقول: من شهودك؟ فيقول: محمد وأمته، فيجاء بكم فتشهدون. ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) [البقرة:143] قال: عدلاً، ((لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)) [البقرة:143]»([75]). وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً)) [البقرة:143] يقول تعالى: إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام واخترناها لكم، لنجعلكم خيار الأمم لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم؛ لأن الجميع معترفون لكم بالفضل، والوسط ههنا الخيار والأجود، كما يقال: قريش أوسط العرب نسباً وداراً: أي أخيرها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطاً في قومه أي: أشرفهم نسباً. ولما جعل الله هذه الأمة وسطاً خصها بأكمل الشرائع، وأقوم المناهج، وأوضح المذاهب، كما قال تعالى: ((هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)) [الحج:78]([76]). وقال السفاريني([77]) رحمه الله تعالى مبيناً معنى الآية: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) [البقرة:143] الآية، أي: أمة خياراً عدولاً، فإن هذا حقيقة الوسط، فهم خير الأمم وأعدلها في أقوالهم وأعمالهم وإراداتهم ونياتهم، وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرسل على أممهم يوم القيامة، والله تعالى يقبل شهادتهم عليهم، فهم شهداؤه، ولهذا نوه بهم ورفع ذكرهم وأثنى عليهم... اهـ([78]). فإذن معنى الآية الكريمة: أن الله تعالى كما جعل قبلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير القبل، وجعلها متوسطة بين المشرق والمغرب، كذلك جعلهم خير الأمم وسطاً بين الغلو والتقصير، فلم يغلوا غلو النصارى حيث وصفوا عيسى عليه الصلاة والسلام بالألوهية، ولم يقصروا تقصير اليهود حيث وصفوه بأنه ولد زنا، فأخبر سبحانه بما أنعم به على أمة محمد صلى الله عليه وسلم من تفضيله لها بالعدالة والشهادة على سائر الأمم يوم القيامة، وعلى هذا فلا ريب ولا شك في أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أحق من كل أحد من أمته عليه الصلاة والسلام بهاتين الصفتين، ألا وهما: العدالة والشهادة على سائر الأمم يوم القيامة، بأن الرسل قد بلغوا أممهم ما أنزل الله إليهم من الرسالات السماوية. 2- قال تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) [آل عمران:110]. وفي هذه الآية الكريمة بين الله تعالى أنه جعل أمة محمد خير أمة أخرجت للناس؛ وذلك بسبب ما اتصفت به من القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولما استقر في قلوبهم من الإيمان بالله، والصحابة رضي الله عنهم هم أول وأفضل من دخل في هذا الخطاب، وحاز قصب السبق في هذه الخيرية بلا نزاع؛ لأنهم أول من خوطب بهذه الآية الكريمة، قال الزجاج([79]): وأصل الخطاب لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يعم سائر أمته([80]). وقال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى بعد ذكره لهذه الآية: وهذا اللفظ وإن كان عاماً فالمراد به الخاص، وقيل: هو وارد في الصحابة. اهـ([81]). وقال السفاريني رحمه الله تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) [آل عمران:110] قيل: اتفق المفسرون أن ذلك في الصحابة، لكن الخلاف في التفاسير مشهور ورجح كثير عمومها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك قوله تعالى: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)) [البقرة:143]. وهذا خطاب للموجودين حينئذ. اهـ([82]). وأخرج الإمام البخاري بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه (((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) [آل عمران:110] قال: خير الناس للناس، تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام)([83]). وقال العلامة ابن جرير الطبري: اختلف أهل التأويل في قوله تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) [آل عمران:110] فقال بعضهم: هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وخاصة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) [آل عمران:110] قال: هم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة). وعن السدي: أنه قال: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ)) [آل عمران:110] قال عمر بن الخطاب: (لو شاء الله لقال: أنتم فكنا كلنا، ولكن قال: (كنتم) في خاصة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن صنع مثل صنيعهم كانوا خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر). وعنه رضي الله عنه أنه قال: (((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) [آل عمران:110] قال: تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا). وعن قتادة قال: (ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قال في حجة حجها ورأى من الناس رعة([84]) سيئة فقرأ هذه ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) [آل عمران:110] الآية، ثم قال: يا أيها الناس من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله منها). وقال الضحاك في قوله تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) [آل عمران:110] قال: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة يعني، وكانوا هم الرواة الدعاة الذين أمر الله المسلمين بطاعتهم. وقال آخرون: معنى ذلك: كنتم خير أمة أخرجت للناس إذ كنتم بهذه الشروط التي وصفهم جل ثناؤه بها، فكان تأويل ذلك عندهم: كنتم خير أمة تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله... وعن قتادة قال: كان الحسن يقول: نحن آخرها وأكرمها على الله. وبعد ذكره لأقوال المفسرين في هذه الآية قال: (وأولى الأقوال بتأويل الآية ما قال الحسن، ثم ساق بإسناده إلى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا إنكم وفيتم سبعين أمة، أنتم آخرها وأكرمها على الله»([85]). فـابن جرير رحمه الله تعالى رجح حمل الآية على عموم الأمة، وأيد العموم بحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده، وهذا الحديث عند الترمذي([86])، وابن ماجة([87]) والحاكم([88]) بلفظ: «أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله». قال الحافظ في الفتح: وله شاهد مرسل عن قتادة عند الطبري([89]) رجاله ثقات، وفي حديث علي عند أحمد([90]) بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «... وجعلت أمتي خير الأمم»([91]). وممن حمل الآية على العموم في جميع الأمة الحافظ ابن كثير، فإنه قال بعد ذكره لأقوال المفسرين: والصحيح أن هذه الآية عامة في جميع الأمة، كل قرن بحسبه، وخير قرونهم الذين بعث فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم كما قال في الآية الأخرى ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)) [البقرة:143] أي: أخياراً ((لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)) [البقرة:143]([92]). وعلى هذا فمن أراد أن يوسم بسمة الخيرية التي وسم بها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما شهد لهم رب العالمين بها في الآية السابقة التي نحن بصدد الحديث عنها- فليتحل بصفاتهم وأخلاقهم، ويتبع المنهج الذي التزموه وساروا عليه. قال الحافظ ابن كثير بعد أن ساق الأحاديث الثابتة في فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم: فهذه الأحاديث في معنى قوله تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)) [آل عمران:110]، فمن اتصف من هذه الأمة بهذه الصفات دخل معهم في المدح، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله: ((كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)) [المائدة:79] اهـ([93]). 3- قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) [المائدة:54]. هذه الآية الكريمة، الخطاب فيها موجه لعباده المؤمنين إلى أن تقوم الساعة، وهي تتضمن وعداً من الله عز وجل لهذه الأمة، وهذا الوعد هو أن من ارتد عن دين الإسلام، فإنه يأتي سبحانه بقوم ينصرون هذا الدين. وبين سبحانه أنه يحبهم ويحبونه، وأن فيهم رقة وليناً لإخوانهم المؤمنين، كما أنهم متصفون بالغلظة والشدة على الكافرين، وأنهم يجاهدون في سبيل الله من كفر بهذا الدين، ولا يخافون في الحق من لوم اللائم، وهذه الصفات الطيبة وإن كانت عامة في جميع المؤمنين، إلا أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي مقدمتهم الصديق أبو بكر هم أقعد وأحق وأولى بهذه الصفات من كل مؤمن يأتي بعدهم، فهم أول من يتناوله الخطاب ويدخل فيه دخولاً أولياً. قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: يقول تعالى ذكره للمؤمنين بالله وبرسوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)) [المائدة:54] أي: صدقوا الله ورسوله، وأقروا بما جاءهم به نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، ((مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ)) [المائدة:54] يقول: من يرجع منكم عن دينه الحق الذي هو عليه اليوم، فيبدله ويغيره بدخوله في الكفر -إما في اليهودية أو النصرانية، أو غير ذلك من صنوف الكفر- فلن يضر الله شيئاً، وسيأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه، يقول: فسوف يجيء الله بدلاً منهم بالمؤمنين الذين لم يبدلوا ولم يغيروا ولم يرتدوا، بقوم خير من الذين ارتدوا وبدلوا دينهم، يحبهم الله، ويحبون الله وكان هذا الوعيد من الله لمن سبق في علمه أنه سيرتد بعد وفاة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وكذلك وعده من وعد من المؤمنين -ما وعده في هذه الآية- لمن سبق له في علمه أنه لا يبدل ولا يغير دينه، ولا يرتد، فلما قبض الله نبيه صلى الله عليه وسلم ارتد أقوام من أهل الوبر وبعض أهل المدر، فأبدل الله المؤمنين بخير منهم كما قال تعالى ذكره، ووفى للمؤمنين بوعده، وأنفذ فيمن ارتد منهم وعيده... -إلى أن قال: ثم اختلف أهل التأويل في أعيان القوم الذين أتى الله بهم المؤمنين، وأبدل المؤمنين مكان من ارتد منهم. فقال بعضهم: هو أبو بكر الصديق وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة حتى أدخلوهم من الباب الذي خرجوا منه، وروى بإسناده إلى الحسن البصري في قوله: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)) [المائدة:54] قال: هذا والله أبو بكر وأصحابه. وقال آخرون: يعني بذلك قوماً من أهل اليمن، وقال بعض من قال ذلك منهم: هم رهط أبي موسى الأشعري عبد الله بن قيس ثم روى بإسناده إلى عياض بن غنم الأشعري قال: «لما نزلت هذه الآية: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)) [المائدة:54] قال: أومأ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي موسى بشيء كان معه، فقال: هم قوم هذا». وقال آخرون: بل هم أهل اليمن جميعاً. وذكر بإسناده إلى مجاهد في قوله تعالى: ((يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)) [المائدة:54] قال: أناس من أهل اليمن، وقال آخرون: هم الأنصار. وروى بإسناده إلى السدي في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)) [المائدة:54] قال: إنهم الأنصار([94]). وقال العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ)) [المائدة:54] الآية. قال: (يقول تعالى مخبراً عن قدرته العظيمة أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته، فإن الله سيستبدل به من هو خير لها وأشد منعة وأقوم سبيلاً، كما قال تعالى: ((وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)) [محمد:38].... وذكر عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: إنها نزلت في الولاة من قريش. وعن الحسن البصري: (أنها نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر). وعن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى: ((فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ)) [المائدة:54] قال: (هؤلاء قوم من أهل اليمن، ثم من كندة ثم من السكون... إلى أن قال: وقوله تعالى: ((أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ)) [المائدة:54] هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعاً لأخيه ووليه، متعززاً على خصمه وعدوه، وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الضحوك القتال: فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه)([95]). وكل ما تقدم من تنوع سبب نزول الآية: في أنها نزلت في الأشعريين، أو في أحياء من أهل اليمن، أو في الولاة من قريش، أو في الأنصار، فإن ذلك لا ينافي عموم الآية، فالآية عامة في كل مؤمن يحب الله ويحبه، ويوالي فيه، ويعادي فيه، ولا يخاف في الله لومة لائم، وكان أبو بكر وأصحابه أسعد الناس بذلك وأقدمهم وأسبقهم إليه، وهو أول من تناولته الآية رضي الله عنه وأرضاه، وعن أنصار الإسلام وحزبه أجمعين، ومما يؤيد هذا ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر بعده، وكفر من كفر من العرب، قال عمر بن الخطاب لـأبي بكر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله عز وجل، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه، فقال عمر بن الخطاب: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال؛ فعرفت أنه الحق»([96]). هذا وفي الآية السابقة دلالة واضحة على صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، إذ أنهم جاهدوا في الله عز وجل في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاهدوا المرتدين وسائر الكفرة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، ومن المقطوع به أن الصفات المذكورة في الآية المتقدمة متوفرة فيهم ومنطبقة عليهم رضي الله عنهم أجمعين. 4- قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ * وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) [الأنفال:72-74].[/b] | |
|
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | |
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | |
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | موضوع: رد: بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي الأربعاء يوليو 13, 2016 2:08 pm | |
| فقول عائذ بن عمرو رضي الله عنه: (وهل كانت لهم نخالة، إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم) هذا من جزل الكلام وفصيحه، وصدقه الذي ينقاد له كل مسلم، فإن الصحابة رضي الله عنهم كلهم هم صفوة الناس، وسادات الأمة، وأفضل ممن بعدهم، وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم، وإنما جاء التخليط ممن بعدهم، وفيمن بعدهم كانت النخالة([178]). فالصحابة رضي الله عنهم كانوا في غاية التحلي بالصفات الطيبة، التي زكت بها نفوسهم، وطهرت بها قلوبهم، وعلت بها مكانتهم، فكانوا صفوة الأمة وأعلاها، وأكملها فطرة وأصفاها أذهاناً، وبذلك كان مجتمعهم، مجتمع الطهر والنقاء والصفاء رضوان الله عليهم أجمعين. وقد أثنى عليهم التابعون بذكر محاسنهم، وما قدموه من الأعمال الصالحة التي ينبغي لمن جاء بعدهم الاقتداء بهم فيها، ومن ذلك ما يلي: 6- قال السيوطي: وأخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن أبي صخر حميد بن زياد قال: قلت لـمحمد بن كعب القرظي: (أخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما أريد الفتن، فقال: إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب لهم الجنة في كتابه: محسنهم ومسيئهم، قلت له: وفي أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه؟ قال: ألا تقرأ: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100]، أوجب لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطاً لم يشترطه فيهم، قلت: وما اشترط عليهم؟ قال: اشترط عليهم أن يتبعوهم بإحسان، يقول: يقتدون بهم في أعمالهم الحسنة، ولا يقتدون بهم في غير ذلك، قال أبو صخر: لكأني لم أقرأها قبل ذلك، وما عرفت تفسيرها حتى قرأها علي محمد بن كعب)([179]). 7- ما رواه أبو نعيم بإسناده إلى الحسن البصري... أن بعض القوم قال له: (أخبرنا صفة أصحاب رسول الله قال: فبكى وقال: ظهرت منهم علامات الخير في السيماء والسمت والهدي والصدق، وخونة ملابسهم بالاقتصاد، وممشاهم بالتواضع، ومنطقهم بالعمل، ومطعمهم ومشربهم بالطيب من الرزق، وخضوعهم بالطاعة لربهم تعافى، واستفادتهم للحق فيما أحبوا وكرهوا، وإعطاؤهم الحق من أنفسهم، ظمئت هواجرهم، ونحلت أجسامهم، واستخفوا بسخط المخلوقين في رضا الخالق، لم يفرطوا في غضب، ولم يحيفوا ولم يجاوزوا حكم الله تعالى في القرآن، شغلوا الألسن بالذكر، بذلوا دماءهم حين استنصرهم، وبذلوا أموالهم حين استقرضهم، ولم يمنعهم خوفهم من المخلوقين، حسنت أخلاقهم، وهانت مؤنتهم، وكفاهم اليسير من دنياهم إلى آخرتهم)([180]). 8- روى الإمام أحمد بإسناده إلى قتادة بن دعامة السدوسي أنه قال: (أحق من صدقتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه)([181]). 9- وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: قال حماد بن سلمة عن أيوب السختياني([182]) أنه قال: (من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علياً فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد برئ من النفاق)([183]). 15- وروى أبو عمر بن عبد البر بإسناده إلى بقية بن الوليد قال: قال لي الأوزاعي([184]): يا بقية (العلم ما جاء عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وما لم يجئ عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فليس بعلم، يا بقية لا تذكر أحداً من أصحاب محمد نبيك صلى الله عليه وسلم إلا بخير، ولا أحداً من أمتك، وإذا سمعت أحداً يقع في غيره، فاعلم أنه إنما يقول أنا خير منه)([185]). 11- وروى بإسناده إلى قتادة رحمه الله تعالى (أنه قال في قوله تعالى: ((وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ)) [سبأ:6] قال: أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم)([186]). 12- وروى أيضاً بإسناده إلى سعيد بن المسيب أنه سئل عن شيء فقال: (اختلف فيه أصحاب رسول الله، ولا أرى لي معهم قولاً). قال ابن وضاح([187]): هذا هو الحق، قال أبو عمر: معناه: ليس له أن يأتي بقول يخالفهم.([188]). تلك هي أقوال بعض التابعين في الصحابة عموماً، وكما هي واضحة فإنها تضمنت الثناء عليهم رضي الله عنهم بما قدموه من الأعمال الصالحة، وبما لهم من شرف الصحبة، وبما بذلوه للإسلام من النصرة والجهاد في سبيل الله، من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه الحق، فقد بذلوا أنفسهم حين استنصرهم، وضحوا بأموالهم حين استقرضهم، ولم يخافوا في الله لومة لائم، وآثروا آخرتهم على دنياهم، فالتابعون رحمهم الله أثنوا على صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يستحقون، فلم يذكروهم إلا بخير، وشهدوا لهم بالعلم، وبينوا أن ما لم يأت عن طريقهم فليس بعلم، ولم يعدلوا بهم أحداً، وآمنوا بما لهم من الفضائل، وسلموا بها لهم، واعتقدوا ذلك اعتقاداً جازماً، فرحمة الله عليهم، ورضي عن صحابة رسول الله أجمعين. وكما جاء الثناء على الصحابة عموماً من التابعين، كذلك أثنى عليهم غيرهم من أئمة المذاهب الأربعة وغيره ممن جاء بعدهم من أئمة العلم، ومن ذلك ما يلي: 13- نقل الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الأزدي الطحاوي مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، وصاحبيه أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الحميرى الأنصاري، ومحمد بن الحسن الشيباني ما كانوا يعتقدونه من أصول الدين، ويدينون به لرب العالمين، ومن ضمن ذلك ما كانوا يعتقدونه في الصحابة عموماً، فقال في عقيدته المشهورة،: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان([189]). قال شارح الطحاوية: فمن أضل ممن يكون في قلبه غل على خيار المؤمنين، وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين؟ بل قد فضلهم اليهود والنصارى بخصلة، قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى. وقيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وقيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب محمد. لم يستثنوا منهم إلا القليل، وفيمن سبوهم من هو خير ممن استثنوهم بأضعاف مضاعفة([190]). 14- وقال الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه: (من يبغض أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وكان في قلبه عليهم غل، فليس له حق في فيء المسلمين، ثم قرأ قول الله سبحانه وتعالى: ((مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى..)) [الحشر:7] إلى قوله: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ)) [الحشر:10)]. (وذكر بين يديه رجل ينتقص أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ مالك هذه الآية: ((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ)) [الفتح:29] إلى قوله: ((لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ)) [الفتح:29]، ثم قال: من أصبح من الناس في قلبه غل على أحد من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فقد أصابته الآية. اهـ)([191]). 15- وقال الإمام محمد بن إدريس الشافعي رحمة الله عليه: (وقد أثنى الله -تبارك وتعالى- على أصحاب رسول الله في القرآن والتوراة والإنجيل، وسبق لهم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفضل ما ليس لأحد بعدهم، فرحمهم الله وهنأهم بما آتاهم من ذلك، ببلوغ أعلى منازل الصديقين والشهداء والصالحين، أدوا إلينا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً وعزماً وإرشاداً، وعرفوا من سننه ما عرفنا، وجهلنا وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل، وأمر استدرك به علم واستنبط به، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ومن أدركنا ممن يرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا، صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة إلى قولهم: إن اجتمعوا، أو قول بعضهم: إن تفرقوا، وهكذا نقول ولم نخرج من أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله. اهـ)([192]) 16- وقال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل نضر الله وجهه، ورفع درجته، وأجزل مثوبته: (ومن السنة الواضحة الثابتة البينة المعروفة: ذكر محاسن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، والكف عن ذكر ما شجر بينهم، فمن سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أحداً منهم، أو تنقصه، أو طعن عليهم، أو عرض بعيبهم، أو عاب أحداً منهم؛ فهو مبتدع رافض خبيث مخالف، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، بل حبهم سنة والدعاء لهم قربة، والاقتداء بهم وسيلة والأخذ بآثارهم فضيلة، وخير هذه الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان بعد عمر، وعلي بعد عثمان، ووقف قوم على عثمان، وهم خلفاء راشدون مهديون، ثم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هؤلاء الأربعة خير الناس، لا يجوز لأحد أن يذكر شيئاً من مساويهم، ولا يطعن على أحد منهم بعيب ولا بنقص، فمن فعل ذلك فقد وجب على السلطان تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه، فإن تاب قبل منه، وإن ثبت أعاد عليه العقوبة وخلده في الحبس حتى يموت أو يراجع). اهـ([193]). 17- وروى أبو عمر بن عبد البر بإسناده إلى إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: سألت أبا أسامة([194]) أيما كان أفضل: معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: لا نعدل بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحداً.([195]). 18- وقال ابن أبي حاتم([196]) رحمه الله تعالى: فأمَّا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصرته، وإقامة دينه وإظهار حقه، فرضيهم له صحابة، وجعلهم لنا أعلاماً وقدوة، فحفظوا عنه صلى الله عليه وسلم ما بلغهم عن الله عز وجل، وما سن وشرع وحكم وقضى وندب وأمر ونهى وحظر وأدب، ووعوه وأتقنوه، ففقهوا في الدين، وعلموا أمر الله ونهيه ومراده، بمعاينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله، وتلقفهم منه واستنباطهم عنه، فشرفهم الله عز وجل بما منَّ عليهم وكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة، فنفى عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والغمز، وسماهم عدول الأمة، فقال عز وجل في محكم كتابه: ((وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ)) [البقرة:143] ففسر النبي صلى الله عليه وسلم عن الله -عز ذكره- قوله: ((وَسَطاً)) [البقرة:143]، قال: عدلاً، فكانوا عدول الأمة، وأئمة الهدى، وحجج الدين، ونقلة الكتاب والسنة، وندب الله عز وجل إلى التمسك بهديهم، والجري على منهاجهم، والسلوك لسبيلهم، والاقتداء بهم، فقال: ((وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى)) [النساء:115]، ووجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد حض على التبليغ في أخبار كثيرة، ووجدناه يخاطب أصحابه فيها، منها: أن دعا لهم فقال: «نضر الله امرءاً سمع مقالتي فحفظها ووعاها حتى يبلغها غيره»([197]). وقال صلى الله عليه وسلم في خطبته: «فليبلغ الشاهد منكم الغائب»([198]). وقال صلى الله عليه وسلم: «بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عني ولا حرج»([199])، ثم تفرقت الصحابة رضي الله عنهم في النواحي والأمصار والثغور، وفي فتوح البلدان والمغازي والإمارة والقضاء والأحكام، فبث كل واحد منهم في ناحيته وبالبلد الذي هو به ما وعاه وحفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكموا بحكم الله عز وجل، وأمضوا الأمور على ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأفتوا فيما سئلوا عنه مما حضرهم من جواب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظائرها من المسائل، وجردوا أنفسهم -مع تقدمة حسن النية والقربة إلى الله تقدس اسمه- لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن والحلال والحرام حتى قبضهم الله عز وجل، رضوان الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين. اهـ([200]). 19- وقال ابن أبي زيد القيرواني المالكي([201]) في مقدمة رسالته المشهورة: وأن خير القرون الذين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا به، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، وأفضل الصحابة الخلفاء الراشدون المهديون: أبو بكر ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي رضي الله عنهم أجمعين، وأن لا يذكر أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأحسن ذكر، والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم حسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب. اهـ([202]). 20- وقال أبو عثمان الصابوني([203]): ويرون -أي أهل السنة - الكف عما شجر بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتطهير الألسنة عن ذكر ما يتضمن عيباً لهم ونقصاً فيهم، ويرون الترحم على جميعهم، والموالاة لكافتهم. اهـ([204]). 21- ونقل الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عن أبي المظفر السمعاني([205]) أنه قال في كتابه الاصطلام: التعرض إلى جانب الصحابة علامة على خذلان فاعله، بل هو بدعة وضلالة. اهـ([206]). 22- وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: ومن أصول أهل السنة والجماعة سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) [الحشر:10]، وطاعة للنبي صلى الله عليه وسلم في قوله: «لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً، ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه»... ويتبرءون من طريقة الروافض الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، وطريقة النواصب الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل، ويمسكون عما شجر بين الصحابة ويقولون: إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كاذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه، والصحيح منه هم فيه معذورون: إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون، وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل يجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنهم يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما لا يكون لمن بعدهم. وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون، وأن المُدَّ من أحدهم إذا تصدق به كان أفضل من جبل أحد ذهباً ممن بعدهم، ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب: فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف الأمور التي كانوا فيها مجتهدين: إن أصابوا فلهم أجران وإن أخطأوا فلهم أجر واحد والخطأ مغفور؟ ثم إن القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر مغفور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم: من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة والنصرة والعلم النافع والعمل الصالح، ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما منَّ الله عليهم به من الفضائل؛ علم يقيناً أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم الصفوة من قرون هذه الأمة التي هي خير الأمم وأكرمها على الله. اهـ([207]). 23- قال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى مبيناً فضل الصحابة عموماً على غيرهم ممن جاء بعدهم، وذاكراً الصفات التي أهَّلتهم لذلك عند كلامه على ذكر أنواع الرأي المحمود: النوع الأول: رأي أفقه الأمة، وأبر الأمة قلوباً، وأعمقهم وأقلهم تكلفاً، وأصحهم قصوداً، وأكملهم فطرة، وأتمهم إدراكاً، وأصفاهم أذهاناً، الذين شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل، وفهموا مقاصد الرسول، فنسبة آرائهم وعلومهم وقصودهم إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم كنسبتهم إلى صحبته، والفرق بينهم وبين من بعدهم في ذلك كالفرق بينهم وبينهم في الفضل، فنسبة رأي من بعدهم إلى رأيهم كنسبة قدرهم إلى قدرهم. والمقصود أن أحداً ممن بعدهم لا يساويهم في رأيهم، وكيف يساويهم؟ وقد كان أحدهم يرى الرأي فينزل القرآن بموافقته... وحقيق بمن كانت آراؤهم بهذه المنزلة أن يكون رأيهم لنا خيراً من رأينا لأنفسنا، وكيف لا وهو الرأي الصادر من قلوب ممتلئة نوراً وإيماناً وحكمة وعلماً ومعرفة وفهماً عن الله ورسوله، ونصيحة للأمة، وقلوبهم على قلب نبيهم، ولا وساطة يينهم وبينه، وهم ينقلون العلم والإيمان من مشكاة النبوة غضاً طرياً لم يَشِبْه إشكال، ولم يَشِبْه خلاف، ولم تدنسه معارضة، فقياس رأى غيرهم بآرائهم من أفسد القياس([208]). 24- قال يحيى بن أبي بكر العامري([209]) رحمه الله تعالى: وينبغي لكل صين متدين مسامحة الصحابة فيما صدر بينهم من التشاجر، والاعتذار عن مخطئهم، وطلب المخارج الحسنة لهم، وتسليم صحة إجماع ما أجمعوا عليه على ما علموه، فهم أعلم بالحال والحاضر يرى ما لا يرى الغائب، وطريقة العارفين الاعتذار عن المعائب، وطريقة المنافقين تتبع المثالب، وإذا كان اللازم من طريقة الدين ستر عورات عامة المسلمين، فكيف الظن بصحابة خاتم النبيين؟ مع اعتبار قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أحداً من أصحابي»([210])، وقوله: «من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»([211]) هذه طريقة صلحاء السلف، وما سواها مهاوٍ وتلف. اهـ([212]). 25- وقال السفاريني رحمه الله تعالى: ولا يرتاب أحد من ذوي الألباب أن الصحابة الكرام هم الذين حازوا قصبات السبق، واستولوا على معالي الأمور من الفضل والمعروف والصدق، فالسعيد من اتبع صراطهم المستقيم، واقتفى منهجهم القويم، والتعيس من عدل عن طريقهم، ولم يتحقق بتحقيقهم، فأي خطة رشد لم يستولوا عليها، وأي خطة خير لم يسبقوا إليها تالله لقد وردوا ينبوع الحياة عذباً صافياً زلالاً، ووطدوا قواعد الدين والمعروف، فلم يدعوا لأحد بعدهم مقالاً، فتحوا القلوب بالقرآن والذكر والإيمان، والقرى بالسيف والسنان، وبذل النفوس النفيسة في مرضاة الرحيم الرحمن، فلا معروف إلا ما عنهم عرف، ولا برهان إلا ما بعلومهم كشف، ولا سبيل نجاة إلا ما سلكوا، ولا خير سعادة إلا ما حققوه وحكوه، فرضوان الله تعالى عليهم أجمعين. اهـ([213]). فهذه خمسة وعشرون نقلاً عمن قدمنا ذكرهم من أهل العلم، بينوا فيها ما يجب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلامهم هذا الذي قدمنا ذكره هو محمدة لهم، ولمن تكلم به من بعدهم، فأولئك الأسلاف دائماً كلامهم يذكر ويثنى عليهم به، ويترحم عليهم بسببه؛ لكونهم قاموا بما يجب لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلامهم الذي تقدم ذكره هو اللائق بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمَّا من تكلم فيهم بكلام لا ينبغي؛ فإنه في الحقيقة لم يضرهم، وإنما يضر نفسه، وذلك بأنهم رضي الله عنهم وأرضاهم قدموا على ما قدموا، وقد قدموا الخير الكثير من الأعمال الجليلة التي قاموا بها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، والكلام فيهم بما لا يليق بهم، فإنه لا ينقصهم بل يزيدهم رفعة في درجاتهم، وزيادة في حسناتهم، فإن المتكلم فيهم يكون كلامه فيهم بغير حق، والمتكلم فيهم إذا كانت له حسنات فإنهم يأخذون من حسناته، ويكون ذلك رفعة في درجاتهم، وإن لم يكن له حسنات فإنه كما قيل لا يضر السحاب نبح الكلاب. والذي أخلص إليه من تلكم الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وكلام السلف الذي تقدم في بيان فضل الصحابة على وجه العموم: أنه يجب على كل مسلم أن ينقاد لما دل على إثبات فضلهم رضي الله عنهم، ويسلم لهم بذلك، ويعتقد اعتقاداً جازماً أنهم خير القرون، وأفضل الأمة بعد النبيين([214])، ومن لم يسلم لهم بذلك أو يشك فيه، فليتدارك نفسه ويتب إلى الله؛ لأن مقتضى ذلك تكذيب خبر الله وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن كذب الله ورسوله لا حظ له في الإسلام.
| |
|
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | موضوع: رد: بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي الأربعاء يوليو 13, 2016 2:09 pm | |
| الفصل الثاني: الثناء على أصناف معينة منهم رضي الله عنهم: الفصل الثاني: الثناء على أصناف معينة منهم رضي الله عنهم وفيه مباحث: المبحث الأول: الثناء على السابقين الأولين. المبحث الثاني: الثناء على أهل بدر. المبحث الثالث: الثناء على أهل أحد. المبحث الرابع: الثناء على أهل بيعة الرضوان. المبحث الأول: الثناء على السابقين الأولين: السبق: هو التقدم: إمَّا في الصفة، أو في الزمان، أو في المكان. فالتقدم في الصفة: يكون لمن سبق إلى الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، واتخذ ما ينفق قربات عند الله عز وجل. والتقدم في الزمن: يكون لمن تقدم في أوان قبل أوان. والتقدم في المكان: يكون لمن تبوأ دار النصرة، واتخذها بدلاً عن موضع الهجرة، وأفضل هذه الوجوه هو السبق في الصفات([b][215]). قال الراغب الأصبهاني([216]): أصل السبق: التقدم في السير نحو ((فَالسَّابِقَاتِ سَبْقاً)) [النازعات:4].... ويستعار السبق: لإحراز الفضل والتبريز، وعلى ذلك ((وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)) [الواقعة:10] أي: المتقدمون إلى ثواب الله وجنته بالأعمال الصالحة، نحو قوله: ((يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ)) [المؤمنون:61]. اهـ.([217]). ومما يدل على أن السبق بالصفات هو الأفضل: قوله صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع: اليهود غداً، والنصارى بعد غد»([218])، والمراد باليوم المذكور في الحديث هو يوم الجمعة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الأمم التي كانت قبلنا، وإن سبقونا في الزمن إلا أننا سبقناهم بتحصيل الفضل العظيم من الله عز وجل، والصحابة رضوان الله عليهم حسب تقدمهم في السبق إلى الإيمان والهجرة والنصرة، كانوا على درجات متفاوتة في الفضل والحصول على كثرة الثواب وعظمه، وذلك بحسب مبادرتهم إلى الدخول في دين الله تعالى، ولقد جاء الثناء على السابقين الأولين منهم في كثير من الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية، وقبل أن نذكر ما جاء من ذلك الثناء، نبين المراد بالسابقين الأولين، كما بين ذلك أهل العلم. فقد اختلف العلماء في المراد بالسابقين الأولين على أقوال ستة، وهذا الاختلاف مبني على بيان المراد من قوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100]، وتلك الأقوال كما يلي: القول الأول: إنهم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عيه وسلم، قاله أبو موسى الأشعري وسعيد بن المسيب وابن سيرين وقتادة. قال قتادة: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100] قال: (هم الذين صلوا القبلتين جميعاً، وأما الذين اتبعوا المهاجرين الأولين والأنصار بإحسان، فهم الذين أسلموا لله إسلامهم، وسلكوا منهاجهم في الهجرة والنصرة وأعمال الخير)([219]). القول الثاني: إنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وهي الحديبية، قاله الشعبي. القول الثالث: إنهم أهل بدر، قاله عطاء بن أبي رباح. القول الرابع: إنهم جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حصل لهم السبق بصحبته. القول الخامس: إنهم السابقون بالموت والشهادة، سبقوا إلى ثواب الله تعالى، قاله الماوردي([220]). القول السادس: إنهم الذين أسلموا قبل الهجرة([221]). قال الإمام البغوي رحمه الله تعالى: واختلفوا في أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم بعد امرأته، مع اتفاقهم على أنها أول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال بعضهم: أول من آمن وصلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو قول جابر، وبه قال مجاهد وابن إسحاق، أسلم وهو ابن عشر سنين. وقال بعضهم: أول من آمن بعد خديجة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وهو قول ابن عباس وإبراهيم النّخعي والشعبي. وقال بعضهم: أول من أسلم زيد بن حارثة، وهو قول الزهري وعروة بن الزبير، وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يجمع بين هذه الأقوال فيقول: أول من أسلم من الرجال أبو بكر الصديق رضي الله عنه، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن العبيد زيد بن حارثة. قال ابن إسحاق: فلما أسلم أبو بكر رضي الله عنه أظهر إسلامه ودعا إلى الله وإلى رسوله، وكان رجلاً محبباً سهلاً، وكان أنسب قريش وأعلمها بما كان فيها، وكان تاجراً ذا خلق ومعروف، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر؛ لعلمه وحسن مجالسته، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه، فأسلم على يديه عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسلموا وصلوا، فكان هؤلاء الثمانية نفر الذين سبقوا إلى الإسلام، ثم تتابع الناس في الدخول في الإسلام([222]). وأمَّا السابقون الأولون من الأنصار: فهم أهل بيعة العقبة الأولى، وكان عددهم ستة نفر، وفي بعض الروايات أنهم ثمانية، حتى إذا كان العام المقبل وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً([223])، وأهل بيعة العقبة الثانية كانوا سبعين رجلاً وامرأتين والذين أسلموا حين جاءهم من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو زرارة مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف، وكان قد أرسله عليه الصلاة والسلام مع الاثني عشر الذين قدموا عليه من العام المقبل بعد النفر الستة، أو الثمانية -كما في بعض الروايات- ليقرئهم القرآن ويفقههم في الدين([224]). تلك هي أقوال العلماء في المراد بالسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار. بقي أن نعرف هنا القول الراجح من تلك الأقوال الستة المتقدمة، فالقول الراجح هو ما قرره شيخ الإسلام حيث قال بعد ذكره لقوله تعالى: ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ)) [الحديد:10]، قال رحمه الله تعالى: وهذه الآية نص في تفضيل المنفقين المقاتلين قبل الفتح على المنفقين بعده، ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن السابقين في قوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100] هم هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين هم من صلى إلى القبلتين، وهذا ضعيف، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة، ولأن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون به، ولأن التفضيل بالصلاة إلى القبلتين لم يدل عليه دليل شرعي، كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة، ولكن فيه سبق الذين أدركوا ذلك على من لم يدركه، كما أن الذين أسلموا قبل أن تفرض الصلوات الخمس هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم، والذين أسلموا قبل أن تجعل صلاة الحضر أربع ركعات هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم، والذين أسلموا قبل أن يؤذن في الجهاد أو قبل أن يفرض هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل أن يفرض صيام شهر رمضان هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل أن يفرض الحج هم سابقون على من تأخر عنهم، والذين أسلموا قبل تحريم الخمر هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل تحريم الربا كذلك. فشرائع الإسلام من الإيجاب والتحريم كانت تنزل شيئاً فشيئاً، وكل من أسلم قبل أن تشرع شريعة فهو سابق على من تأخر عنه، وله بذلك فضيلة، ففضيلة من أسلم قبل نسخ القبلة على من أسلم بعده هي من هذا الباب، وليس مثل هذا ما يتميز به السابقون الأولون عن التابعين، إذ ليس بعض هذه الشرائع أولى بمن يجعله خيراً من بعض؛ ولأن القرآن والسنة قد دلا على تقديم أهل الحديبية، فوجب أن تفسر هذه الآية بما يوافق سائر النصوص، وقد علم بالاضطرار أنه كان في هؤلاء السابقين الأولين: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير، وبايع النبي بيده عن عثمان لأنه قد كان غائباً قد أرسله إلى أهل مكة ليبلغهم رسالته. اهـ([225]). فالقول الراجح في المراد بالسابقين الأولين، هو هذا الذي قرره شيخ الإسلام ابن تيمية، ويؤيده ما يلي: 1- ما رواه مسلم بإسناده إلى أبي سعيد قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء فسبه خالد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أحداً من أصحابي، فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهباً، ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه»([226]). فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لـخالد ونحوه: (لا تسبوا أصحابي) يعني: عبد الرحمن بن عوف وأمثاله؛ لأن عبد الرحمن ونحوه هم السابقون الأولون، وهم الذين أسلموا من قبل الفتح وقاتلوا، وهم أهل بيعة الرضوان. فهم أفضل وأخص بصحبته ممن أسلم بعد بيعة الرضوان، وهم الذين أسلموا بعد الحديبية، وبعد مصالحة النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة، ومنهم خالد بن الوليد، وهؤلاء أسبق ممن تأخر إسلامهم إلى فتح مكة، وسموا الطلقاء... والمقصود أنه نهى من له صحبة آخراً أن يسب من له صحبة أولاً؛ لامتيازهم عنهم من الصحبة بما لا يمكن أن يشركوهم فيه، حتى لو أنفق أحدهم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، فإذا كان هذا حال الذين أسلموا بعد الحديبية -وإن كانوا قبل فتح مكة - فكيف حال من ليس من الصحابة بحال مع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؟([227]). 2- ما رواه مسلم أيضاً: بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنه (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشام حتى إذا كان بـسرغ([228])، لقيه أهل الأجناد([229]) أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه، فأخبروه أن الوباء([230]) قد وقع بـالشام. قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين، فدعوتهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بـالشام، فاختلفوا فقال بعضهم: قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه، وقال بعضهم: معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء، فقال: ارتفعوا عني، ثم قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم له فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين، واختلفوا كاختلافهم، فقال: ارتفعوا عني. ثم قال: ادع لي من كان ههنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم، فلم يختلف عليه رجلان، فقالوا: نرى أن ترجع بالناس، ولا تقدمهم على هذا الوباء، فنادى عمر في الناس أني مصبح([231]) على ظهر فأصبحوا عليه، فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفراراً من قدر الله؟ فقال عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة. نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله...) الحديث([232]). فـعمر رضي الله عنه رتبهم في هذا الحديث حسب فضائلهم، فبدأ أولاً بالسابقين الأولين من مهاجرين وأنصار: وهم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وإلى مهاجرة (الفتح): وهم الذين أسلموا عام الفتح وهاجروا بعده، فحصل لهم اسم الهجرة دون فضيلتها([233]). وبهذين الحديثين السابقين تبين أن القول الراجح من المراد بالسابقين الأولين هم: الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، ويدخل فيهم أهل بيعة الرضوان جميعاً، الذين بلغ عددهم أكثر من ألف وأربعمائة -كما تقدم- ومعنى كونهم سابقين: أنهم أولون بالنسبة إلى سائر المسلمين، وأولئك السابقون الأولون كانوا فريقين: فريق المهاجرين، وفريق الأنصار، وسأذكر الآن طرفاً من فضائل كل فريق من الكتاب والسنة، وأبدأ بفريق المهاجرين؛ لأن أهل السنة والجماعة يقدمون المهاجرين على الأنصار، ويفضلونهم من وجوه: أولها: أنهم هم السابقون في الإيمان الذي هو رئيس الفضائل وعنوان المناقب. وثانيها: أنهم تحملوا العناء والمشقة دهراً دهيراً، وزماناً مديداً من كفار قريش، وصبروا عليه، وهذه الحال ما حصلت للأنصار. وثالثها: أنهم تحملوا المضار الناشئة من مفارقة الأوطان والأهل والجيران، ولم يحصل ذلك للأنصار. ورابعها: أن فتح الباب في قبول الدين والشريعة من الرسول عليه الصلاة والسلام، إنما حصل من المهاجرين، والأنصار اقتدوا بهم وتشبهوا بهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»([234])، فوجب أن يكون المقتدي أقل مرتبة من المقتدى به، فجملة هذه الأحوال توجب تقديم المهاجرين الأولين على الأنصار في الفضل والدرجة والمنقبة، ولهذا نجد القرآن الكريم كلما تعرض لذكر المهاجرين والأنصار قدم المهاجرين على الأنصار([235]). وإلى ما جاء في فضل المهاجرين الأولين رضي الله عنهم، وقبل أن نذكر طائفة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي وردت في بيان فضل المهاجرين، نسبق ذلك ببيان المراد (بالهجرة) فنقول: أصل الهجرة: الترك، والمراد ترك الوطن([236]) والهجرة إلى الشيء: الانتقال إليه عن غيره، وفي الشرع: ترك ما نهى الله عنه، وقد وقعت في الإسلام على وجهين: الأول: الانتقال من دار الخوف إلى دار الأمن: كما في هجرتي الحبشة، وابتداء الهجرة من مكة إلى المدينة. الثاني: الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان: وذلك بعد أن استقر النبي صلى الله عليه وسلم بـالمدينة، وهاجر إليه من أمكنه من المسلمين، وكانت الهجرة إذ ذاك تختص بالانتقال إلى المدينة، إلى أن فتحت مكة فانقطع الاختصاص، وبقي عموم الانتقال من دار الكفر لمن قدر عليه باقياً([237]). ولقد ورد الثناء في كثير من الآيات القرآنية على المهاجرين الذين تركوا دورهم ومنازلهم كراهة البقاء بين المشركين وفي سلطانهم، حيث لا يأمنون فتنتهم على أنفسهم في ديارهم، فهاجروا إلى بلد الإيمان الذي يأمنون فيه على أنفسهم من فتنة المشركين، وليستعدوا لجهاد المشركين لنصرة دين الله ورسوله، وليدخلوا المشركين في دين الله حتى يلتزموا بما يرضيه سبحانه وتعالى. فمن الثناء الذي جاء في حق السابقين من المهاجرين من الآيات القرآنية ما يلي: 1- قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [البقرة:218]، فهذه الآية الكريمة تضمنت مدح المهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، بأنهم صدقوا بالله وبرسوله وبما جاء به، وأنهم هجروا مساكنة المشركين في أمصارهم، ومجاورتهم في ديارهم، فتحولوا عنهم وعن جوارهم وبلادهم إلى غيرها هجرة لما انتقل عنه إلى ما انتقل إليه... وحاربوا في دين الله ليدخلوا أهل الكفر فيه، وفيما يرضي الرب جل وعلا، ثم وصفهم في ختام الآية أنهم يطمعون في رحمة الله إياهم؛ لكي يدخلوا الجنة بفضله سبحانه، ثم بين تعالى أنه ساتر ذنوب عباده بعفوه عنها، متفضل عليهم برحمته التي وسعت كل شيء([238]). قال قتادة رحمه الله تعالى: (أثنى الله على أصحاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أحق الثناء فقال: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [البقرة:218]، هؤلاء خيار هذه الأمة، ثم جعلهم الله أهل رجاء كما تسمعون، وأنه من رجا طلب، ومن خاف هرب([239]). وقد أخبر تعالى أنه جعل جزاء الذين هاجروا، وأخرجوا من ديارهم، وأوذوا في سبيله، وقاتلوا وقتلوا؛ تكفير سيئاتهم وإدخالهم جنات تجرى تحتها الأنهار. 2- قال تعالى: ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)) [آل عمران:195]. وهذه الآية الكريمة فيها بيان لفضل أولئك المهاجرين من الصحابة ذكوراً وإناثاً، الذين تركوا دار الشرك وأتوا إلى دار الإيمان، وفارقوا الأحباب والإخوان، والخلان والجيران، بعد أن ضايقهم المشركون بالأذى، حتى ألجئوهم إلى الخروج من بين أظهرهم، ولهذا قال: ((وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي)) [آل عمران:195] أي: إنما كان ذنبهم إلى الناس أنهم آمنوا بالله وحده كما قال تعالى: ((يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ)) [الممتحنة:1]. وهذا من أعلى المقامات أن يقاتل العبد في سبيل الله؛ فيعقر جواده ويعفر وجهه بدمه وترابه، وقد ثبت في صحيح مسلم أن رجلاً قال: «يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله يكفر عني خطاياي؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب([240])، مقبل غير مدبر، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك»([241])، ولهذا قال تعالى: (لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) أي: تجري في خلالها الأنهار من أنواع المشارب من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن، وغير ذلك مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وقوله: (ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أضافه إليه ونسبه إليه ليدل على أنه عظيم؛ لأن العظيم الكريم لا يعطي إلا جزيلاً كثيراً([242])، وهذا النعيم المذكور يتنعم به المؤمنون في الجنة، وفي صدارتهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم. 3- قال تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100]. هذه الآية الكريمة اشتملت على ثناء رفيع، وفضل عظيم للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، وهذا الفضل الذي تضمنته هذه الآية: هو أن الله تعالى رضي عنهم ورضوا عنه، وهيأ لهم جنات تجرى تحتها الأنهار، وقضى لهم بالخلود الأبدي الذي لا يعتريه فناء أو زوال، إنه لفوز أيما فوز، إنه المقام الرفيع الذي لا يصل إلى درجتهم فيه إنسان أتى بعدهم. قال ابن جرير رحمه الله تعالى: عند هذه الآية الآنفة الذكر يقول تعالى ذكره: والذين سبقوا الناس أولاً إلى الإيمان بالله ورسوله، من المهاجرين الذين هاجروا قومهم وعشيرتهم، وفارقوا منازلهم وأوطانهم، والأنصار الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل الكفر بالله ورسوله، والهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام؛ طلب رضا الله... ((رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)) [المائدة:119] أي: رضي الله عن جميعهم لما أطاعوه وأجابوا نبيه إلى ما دعاهم إليه من أمره ونهيه، ورضي عنه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان؛ لما أجزل لهم من الثواب على طاعتهم إياه وإيمانهم به وبنبيه عليه الصلاة والسلام، وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار، يدخلونها خالدين فيها لابثين فيها أبداً لا يموتون فيها ولا يخرجون منها، ذلك الفوز العظيم. اهـ([243]). وقال الإمام البغوي رحمه الله تعالى: قوله عز وجل: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ)) [التوبة:100] الذين هاجروا قومهم وعشيرتهم، وفارقوا أوطانهم، ((وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100] أي: ومن الأنصار، وهم الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه من أهل المدينة، وآووا أصحابه، ((وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)) [التوبة:100] قيل: بقية المهاجرين والأنصار سوى السابقين الأولين، وقيل: هم الذين سلكوا سبيلهم بالإيمان والهجرة، أو النصرة إلى يوم القيامة. وقال عطاء([244]): هم الذين يذكرون المهاجرين والأنصار بالترحم والدعاء. وقال أبو صخر حميد بن زياد:([245])أتيت محمد بن كعب القرظي فقلت له: (ما قولك في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم -وأردت الفتن-؟ فقال: جميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة: محسنهم ومسيئهم، فقلت: من أين تقول هذا؟ فقال اقرأ قول الله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100] إلى أن قال: ((رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ)) [التوبة:100] وقال: ((وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)) [التوبة:100]، شرط في التابعين شريطة وهي أن يتبعوهم في أفعالهم الحسنة دون السيئة، قال أبو صخر: فكأني لم أقرأ هذه الآية قط). اهـ([246]). وقال العلامة ابن كثير: عند قوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100] الآية: يخبر تعالى عن رضاه عن السابقين من المهاجرين والأنصار، والتابعين لهم بإحسان، ورضاهم عنه بما أعد لهم من جنات النعيم، والنعيم المقيم... فيا ويل من أبغضهم، أو سبهم، أو أبغض أو سب بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم، أعني: الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة، ويبغضونهم ويسبونهم عياذاً بالله من ذلك، وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن، إذ يسبون من رضي الله عنهم؟ وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه، ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدئون، وهؤلاء هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون. اهـ([247]). 4- قال تعالى: ((أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ)) [التوبة:20-22]. في هذه الآيات شهادة من الله تعالى لأصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم -الذين آمنوا بالله وهاجروا وجاهدوا في سبيله بأموالهم وأنفسهم- بالفوز وعظيم الدرجات، وبشرهم سبحانه برحمة منه ورضوان، وبالنعيم المقيم الأبدي الذي لا يبيد ولا يفنى، وهذا من أعظم البشارات، ومن أسمى الغايات التي يرجوها المؤمنون من ربهم جل وعلا. وقد جاء في سبب النزول ما رواه مسلم بإسناده إلى النعمان بن بشير قال: «كنت عند منبر رسول الله فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أسقي الحاج. وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام إلا أن أعمر المسجد الحرام وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم، فزجرهم عمر وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوم الجمعة، ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيته فيما اختلفتم فيه فأنزل الله عز وجل: ((أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) [التوبة:19] الآية إلى آخرها»([248]). وهذا السبب وإن كان خاصاً، فالعبرة فيه بعموم اللفظ، فهي في جميع الصحابة الذين اتصفوا بالصفات المذكورة التي هي: الإيمان والهجرة والجهاد، وقد تميزوا رضي الله عهم بسعادة الدارين، وقد أكد سبحانه فوزهم بقوله جل وعلا: ((يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ)) [التوبة:21]، والبشارة: الخبر السار الذي يفرح الإنسان عند سماعه، وتستنير بشرة وجهه، والخبر الذي بشرهم به هو قوله: ((بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ)) [التوبة:21]، وهذا من أعظم البشارات وأعلاها. 5- قال تعالى: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) [النحل:41]. وهذه الآية فيها الثناء على المهاجرين الذين فارقوا قومهم وديارهم، وأوطانهم عداوة لهم في الله على كفرهم، إلى آخرين غيرهم، وكانت هجرتهم بعد ما نيل منهم في أنفسهم بالمكارة في ذات الله ظلماً وعدواناً، ثم وعدهم الله بأن يمكنهم في الدنيا مسكناً صالحاً يرضونه، مع ما ينتظرهم من الأجر العظيم والثواب الجزيل في دار النعيم. روى ابن جرير بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ((وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) [النحل:41] قال: هم قوم هاجروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل مكة بعد ظلمهم، وظلمهم المشركون. وقال قتادة رحمه الله تعالى: هؤلاء أصحاب محمد، ظلمهم أهل مكة فأخرجوهم من ديارهم، حتى لحق بهم طوائف منهم بـالحبشة، ثم بوأهم الله المدينة بعد ذلك، فجعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصاراً من المؤمنين. وقال عامر بن شراحيل الشعبي: ((لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً)) [النحل:41] قال: المدينة([249]). وقال الحافظ ابن كثير: عند هذه الآية المتقدمة: يخبر تعالى عن جزائه للمهاجرين في سبيله ابتغاء مرضاته الذين فارقوا الدار والإخوان والخلان، رجاء ثواب الله وجزائه، ويحتمل أن يكون سبب نزولها في مهاجرة الحبشة؛ ليتمكنوا من عبادة ربهم، ومن أشرافهم عثمان بن عفان ومعه زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعفر بن أبي طالب ابن عم الرسول، وأبو سلمة بن عبد الأسد في جماعة قريب من ثمانين، ما بين رجل وامرأة، صديق وصديقة رضي الله عنهم وأرضاهم، وقد فعل، فوعدهم تعالى بالمجازاة الحسنة في الدنيا والآخرة فقال: ((لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً)) [النحل:41] قال ابن عباس والشعبي وقتادة: المدينة. وقيل: الرزق الطيب، قاله مجاهد، ولا منافاة بين القولين، فإنهم تركوا مساكنهم وأموالهم فعوضهم الله خيراً منها في الدنيا، فإن من ترك شيئاً لله عوضه الله بما هو خير له منه، وكذلك وقع فإنهم مكن الله لهم في البلاد، وحكمهم على رقاب العباد، وصاروا أمراء حكاماً، وكل منهم للمتقين إماماً، وأخبر أن ثوابه للمهاجرين في الدار الآخرة أعظم مما أعطاهم في الدنيا، فقال: ((وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ)) [النحل:41] أي: مما أعطيناهم في الدنيا ((لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) [النحل:41] أي: لو كان المتخلفون عن الهجرة معهم يعلمون ما ادخر الله لمن أطاعه واتبع رسوله، ولهذا قال هشيم عن العوام عمن حدثه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا أعطى الرجل من المهاجرين عطاءه يقول: (خذ بارك الله لك فيه، هذا ما وعدك الله في الدنيا، وما ادخر لك في الآخرة أفضل، ثم قرأ هذه الآية: ((لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)) [النحل:41)] اهـ([250]). 6- قال تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ)) [الواقعة:10-11]. قال ابن جرير رحمه الله تعالى: وقوله: ((وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)) [الواقعة:10] وهم الزوج الثالث، وهم الذين سبقوا إلى الإيمان بالله ورسوله، وهم المهاجرون الأولون. اهـ([251]). وقال البغوي رحمه الله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ)) [الواقعة:10] قال ابن عباس رضي الله عنه: (السابقون إلى الهجرة هم السابقون في الآخرة). وقال عكرمة([252]): (السابقون إلى الإسلام). وقال محمد بن سيرين: (هم الذين صلوا إلى القبلتين، دليله قوله: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ)) [التوبة:100)]. وقال الربيع بن أنس: (السابقون إلى إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا هم السابقون إلى الجنة في العقبى)([253])وكل هذه الأوصاف منطبقة على السابقين الأولين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم المسارعون لفعل كل خير لا يمكن أن يسبقهم فيه أحد جاء بعدهم: فهم السابقون إلى الهجرة، والسابقون إلى الإسلام، وإلى الصلاة إلى القبلتين، وإلى إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلى كل عمل يقرب إلى الجنة ويباعد عن النار. 7- وقال تعالى منوهاً بفضل المنفقين والمقاتلين لأعداء الله من قبل الفتح من السابقين الأولين: ((وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)) [الحديد:10] فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية أن من أنفق من قبل الفتح وقاتل، أعظم درجة وأعلى منزلة ممن أنفق بعد ذلك. ثم وعد سبحانه الجميع بعد ذلك بالحسنى: أي المنفقين قبل الفتح وبعده، وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء والحسنى هي الجنة.[/b] | |
|
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | موضوع: رد: بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي الأربعاء يوليو 13, 2016 2:12 pm | |
| وقد اختلف المفسرون في المقصود (بالفتح) في هذه الآية: فقال بعضهم: معناه لا يستوي منكم أيها الناس من آمن قبل فتح مكة وهاجر. وقال مجاهد([b][254]): في قوله: ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ)) [الحديد:10] قال: (آمن فأنفق، يقول: من هاجر ليس كمن لم يهاجر). وقال آخرون: عنى بالفتح: فتح مكة، وبالنفقة: النفقة في جهاد المشركين. قال قتادة: (كان قتالان أحدهما أفضل من الآخر، وكانت نفقتان إحداهما أفضل من الأخرى، كانت النفقة والقتال من قبل الفتح (فتح مكة) أفضل من النفقة والقتال بعد ذلك). وقال آخرون: عنى بالفتح في هذا الموضع صلح الحديبية. والقائلون بهذا استدلوا عليه بما أخرجه ابن جرير الطبري بإسناده إلى أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية: «يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم، قلنا: من هم يا رسول الله أقريش هم؟ قال: لا، ولكن أهل اليمن أرق أفئدة وألين قلوباً. فقلنا: هم خير منا يا رسول الله فقال: لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه، ألا إن هذا فصل ما بيننا وبين الناس، ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ)) [الحديد:10] الآية». وهذا القول رجحه ابن جرير مستدلاً بهذا الحديث. وقال رحمه الله تعالى عند قوله عز وجل في الآية: ((أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا)) [الحديد:10]: يقول تعالى ذكره: هؤلاء الذين أنفقوا في سبيل الله من قبل فتح الحديبية وقاتلوا المشركين، أعظم درجة في الجنة عند الله من الذين أنفقوا من بعد ذلك وقاتلوا، وقوله: ((وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)) [الحديد:10] يقول تعالى ذكره: وكل هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، والذين أنفقوا من بعد وقاتلوا، وعد الله الجنة بإنفاقهم في سبيله وقتالهم أعداءه. اهـ([255]). وقال أبو محمد بن حزم: الصحابة كلهم أهل الجنة قطعاً، قال الله تعالى: ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)) [الحديد:10]. وقال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ)) [الأنبياء:101]، فثبت أن الجميع من أهل الجنة، وأنه لا يدخل أحد منهم النار؛ لأنهم المخاطبون بالآية السابقة. فإن قيل: التقييد بالإنفاق والقتال يخرج من لم يتصف بذلك، وكذلك التقييد بالإحسان في الآية التي تقدمت قريباً، وهي قوله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)) [التوبة:100] الآية، يخرج من لم يتصف بذلك، وهي من أصرح ما ورد في المقصود، ولهذا قال المازري([256]) في شرح البرهان: لسنا نعني بقولنا: الصحابة عدول كل من رآه صلى الله عليه وسم يوماً، أو زاره لماماً، أو اجتمع به لغرض وانصرف عن كثب، وإنما نعني به الذين لازموه وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه، أولئك هم المفلحون. انتهى. وعقب الحافظ ابن حجر على هذا القول، فقوله: والجواب عن ذلك أن التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب، وإلا فالمراد من اتصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوة، وأمَّا كلام المازري فلم يوافق عليه، بل اعترضه جماعة من الفضلاء. اهـ([257]). وقال عماد الدين بن محمد الطبري المعروف (بـألكيا الهراسي) عند قوله تعالى: ((لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ)) [الحديد:10]: عنى به فتح الحديبية، ودل به على أن فضيلة العمل على قدر رجوع منفعته إلى الإسلام والمسلمين، أو لكثرة المحنة به لقلة المسلمين وكثرة الكفار، وهو مثل قوله تعالى: ((الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ)) [التوبة:117]([258]). 8- قال تعالى: ((لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)) [الحشر:8]. وهذه الآية تضمنت الثناء على المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم، وتركوا أموالهم؛ ابتغاء فضل الله ورضوانه، ورغبة في نصرة الله ورسوله، وشهد الله لهم بالصدق في ختام هذه الآية، وأكرم بها من شهادة؛ فإن فيها تزكية لهم من رب العالمين. قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: يقول تعالى مبيناً حال الفقراء المستحقين لمال الفيء أنهم: ((الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً)) [الحشر:8] أي: خرجوا من ديارهم وخالفوا قومهم؛ ابتغاء مرضاة الله ورضوانه، ((وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)) [الحشر:8] أي: هؤلاء الذين صدقوا قولهم بفعلهم، وهؤلاء هم سادات المهاجرين. اهـ([259]). وفي كل ما تقدم من الآيات القرآنية دلالات واضحات على فضل السابقين الأولين من المهاجرين رضوان الله عليهم أجمعين، وكما دل القرآن على فضلهم، كذلك دلت السنة على أن السابقين الأولين من المهاجرين لهم قدم صدق عند ربهم، وفضل عظيم ينالونه جزاء نصرتهم دين الإسلام، وقد وردت مناقبهم في أحاديث كثيرة، ومنها ما يلي: 1- من مناقبهم الواردة في السنة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم بيّن أن الهجرة سبب من أسباب المغفرة، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه «أن الطفيل بن عمرو الدوسي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله هل لك في حصن ومنعة (قال: حصن كان لدوس في الجاهلية) فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذي ذخر الله للأنصار، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة فمرض فجزع، فأخذ مشاقص([260]) له، فقطع بها براجمه([261]) فشخبت([262]) يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطياً يديه، فقال له: ما صنع بك ربك فقال: غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم، فقال: ما لي أراك مغطياً يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح ما أفسدت، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم وليديه فاغفر»([263]). 2- ومن مناقبهم التي وردت في السنة عن المصطفى عليه الصلاة والسلام: أن فقراء المهاجرين هم أول من يعبر الصراط إلى الجنة، وأنهم يدخلونها قبل الأغنياء بأربعين سنة، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى أبي أسماء الرحبي، أن ثوبان مولى رسول الله حدثه قال: قال: «كنت قائماً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حبر([264]) من أحبار اليهود فقال: السلام عليك يا محمد، فدفعته دفعة كاد يصرع منها، فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول: يا رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي، فقال اليهودي: جئت أسألك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينفعك شيء إن حدثتك؟ قال: أسمع بأذني، فنكت([265]) رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معه فقال: سل، فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم في الظلمة دون الجسر([266]) قال: فمن أول الناس إجازة؟([267]) قال: فقراء المهاجرين، قال: فما تحفتهم([268]) حين يدخلون الجنة؟ قال: زيادة كبد النون([269]) قال: فما غذاؤهم على أثرها؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها، قال: فما شرابهم عليه؟ قال: من عين فيها تسمى سلسبيلاً([270]) قال: صدقت» الحديث([271]). وروى أيضاً بإسناده إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفاً»([272]). 3- ومن مناقبهم الدالة على عظيم شأنهم وعلو قدرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن المهاجرين الأولين فازوا بفضل الهجرة، وظفروا بالأجر العظيم، والثواب الجزيل. روى الإمام البخاري بإسناده إلى مجاشع بن مسعود رضي الله عنه قال: «أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بأخي بعد الفتح، فقلت: يا رسول الله جئتك بأخي لتبايعه على الهجرة، قال: ذهب أهل الهجرة بما فيها»([273]). 4- ومن الأحاديث الواردة في بيان عظيم شأن المهاجرين الأولين: أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن أن الهجرة فيها عبء شديد، ولا يصبر على ذلك إلا من وفقه الله، وقد وفق الله لتحمل ذلك والصبر عليه أولئك الأتقياء الأخيار من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذين خرجوا من مكة، ومن جاء من بلد آخر مهاجراً إلى الله ورسوله وظفر بشرف الصحبة، فقد روى الشيخان من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن أعرابياً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الهجرة فقال: «ويحك، إن شأن الهجرة لشديد، فهل لك من إبل؟ قال: نعم، قال: فهل تؤدي صدقتها؟ قال: نعم، قال: فاعمل من وراء البحار([274])، فإن الله لن يترك من عملك شيئاً»([275]). والمراد بالهجرة التي سأل عنها هذا الأعرابي، ملازمة المدينة مع النبي صلى الله عليه وسلم وترك أهله ووطنه، فخاف عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يقوى لها، ولا يقوم بحقوقها وأن ينكص على عقبيه، فقال له: إن شأن الهجرة التي سألت عنها لشديد، ولكن اعمل بالخير في وطنك وحيث ما كنت، فهو ينفعك ولا ينقصك الله منه شيئاً. اهـ([276]). 5- ومن مناقب المهاجرين الأولين أنه صلى الله عليه وسلم وصى بهم وبأبنائهم من بعدهم خيراً: فقد روى الطبراني في الأوسط والبزار من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: «لما حضرت النبي صلى الله عليه وسلم الوفاة قالوا: يا رسول الله أوصنا، قال: أوصيكم بالسابقين الأولين من المهاجرين وبأبنائهم من بعدهم، إلا تفعلوه لا يقبل منكم صرف ولا عدل» قال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط والبزار، إلا أنه قال: «أوصيكم بالسابقين الأولين وبأبنائهم من بعدهم» ورجاله ثقات([277]). وقد بين أهل العلم أن المراد بالصرف: التوبة، وقيل: النافلة. والمراد بالعدل: الفدية، وقيل: الفريضة([278]) فالذي لم يحفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه المهاجرين، باعتقاد ما يجب لهم من المحبة والاحترام والاعتراف بفضلهم وسابقتهم؛ فإنه على حالة خطيرة، ويكون مآله إلى شر والعياذ بالله، ومن الذي يرضى لنفسه بعدم قبول فريضته ونافلته؟ اللهم إلا من رضي لها في الدنيا بالخذلان، وفي الآخرة بنهاية الخسران أعاذنا الله من ذلك. وقد بين عليه الصلاة والسلام أن الهجرة لا يعدلها شيء في الثواب. فقد روى الإمام النسائي بإسناده إلى كثير بن مرة أن أبا فاطمة حدثه أنه قال: «يا رسول الله حدثني بعمل أستقيم عليه وأعمله، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: عليك بالهجرة فإنه لا مثل لها»([279]). ولما في الهجرة من الفضل العظيم، والثواب الجزيل، حرص عليه الصلاة والسلام على عدم انقطاع الهجرة للمهاجرين من الصحابة، ولذلك دعا الله عز وجل أن يتم هجرتهم كما في حديث سعد بن أبي وقاص عندما مرض في حجة الوداع، وفيه: «... أنه قال: قلت: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي؟ قال: إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون. اللهم أمضِ لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم...» الحديث([280]). فهذا الحديث اشتمل على منقبة للمهاجرين من مكة إلى المدينة وغيرها، حيث دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم دعاءً عاماً، ومعنى أمضِ لأصحابي هجرتهم أي: أتممها ولا تبطلها، ولا تردهم على أعقابهم بترك هجرتهم، ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية([281]). وقال العيني: اللهم أمضِ، بقطع الهمزة يقال: أمضيت الأمر أي: أنفذته، أي: تممها لهم، ولا تنقصها عليهم فيرجعون عن المدينة. قوله: (ولا تردهم على أعقابهم) أي: بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية، فيخيب قصدهم ويسوء حالهم، ويقال لكل من رجع إلى حال دون ما كان عليه: رجع على عقبيه وحار، ومنه الحديث «أعوذ بك من الحور بعد الكور»([282]). والحاصل مما تقدم من الآيات والأحاديث الواردة في فضل السابقين من المهاجرين، أنها اشتملت على مناقب عالية، وعلى مدح عظيم لأولئك المهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم، وخرجوا مهاجرين إلى الله ورسوله لنصرة دين الإسلام الحنيف، فرضي الله عنهم أجمعين، ولنأت الآن إلى ما ورد من الثناء في القرآن الكريم والسنة المطهرة على الفريق الثاني من السابقين، وهم أنصار الإسلام، وكتيبة الإيمان من الأوس والخزرج، وقبل أن أذكر ما جاء من الثناء عليهم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أبين معنى كلمة (الأنصار): فالأنصار: جمع ناصر، كأصحاب وصاحب، أو جمع نصير كأشراف وشريف، واللام فيه للعهد أي: أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمراد الأوس والخزرج، وكانوا قبل ذلك يعرفون بابني قيلة بقاف مضمومة وياء تحتانية ساكنة، وهي الأم التي تجمع القبيلتين، فسماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار، فصار ذلك علماً عليهم وأطلق أيضاً: على أولادهم وحلفائهم ومواليهم، وخصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، والقيام بأمرهم ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم، وإيثارهم إياهم في كثير من الأمور على أنفسهم([283]). وقد كثر الثناء على الأنصار في الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة، فمن الثناء عليهم في الكتاب العزيز ما يلي: 1- قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)) [الأنفال:72]. 2- قال تعالى: ((وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) [الأنفال:74]. ففي هاتين الآيتين وصف الله تعالى الأنصار بأنهم آووا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المهاجرين، وأنهم نصروه عليه الصلاة والسلام بقتالهم معه أهل الكفر والضلال. وبيَّن تعالى أن الأنصار والمهاجرين بعضهم أولياء بعض في النصرة والمساعدة، ثم ختم الله الآيتين بحكم يشمل المهاجرين والأنصار، وهو قوله: ((أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) [الأنفال:74] فقد حكم الله لهم بأنهم أهل الإيمان بالله ورسوله حقاً، وأن لهم ستراً من الله على ذنوبهم بعفوه لهم عنها وأن لهم في الجنة مطعماً ومشرباً هنياً كريماً، لا يتغير في أجوافهم فيصير نجواً، ولكنه يصير رشحاً كرشح المسك([284]). قال البغوي رحمه الله تعالى في تفسيره: ((وَالَّذِينَ آوَوا)) [الأنفال:74] نبي الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرين معه أي: أسكنوهم منازلهم، ((وَنَصَرُوا)) [الأنفال:74] أي: نصروهم على أعدائهم وهم الأنصار رضي الله عنهم، ((أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)) [الأنفال:72] دون أقربائهم، قيل: في العون والنصرة، وقال ابن عباس: في الميراث، وكانوا يتوارثون بالهجرة، فكان المهاجرون والأنصار يتوارثون دون ذوي الأرحام، وكان من آمن ولم يهاجر لا يرث من قريبه المهاجر، حتى كان فتح مكة انقطعت الهجرة وتوارثوا بالأرحام حيث ما كانوا، وصار ذلك منسوخاً بقوله عز وجل: ((وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ)) [الأنفال:75]. اهـ([285]). وقال الشوكاني رحمه الله تعالى مبيناً معنى الآيتين السابقتين: ختم الله سبحانه هذه السورة بذكر الموالاة؛ ليعلم كل فريق وليه الذي يستعين به، وسمى سبحانه المهاجرين إلى المدينة بهذا الاسم؛ لأنهم هجروا أوطانهم وفارقوها طلباً لما عند الله وإجابة لداعيه، ((وَالَّذِينَ آوَوا)) [الأنفال:74] هم الأنصار، والإشارة بقوله: ((أُوْلَئِكَ)) [الأنفال:74] إشارة إلى الموصول الأول والآخر... إلى أن قال: ثم بين -سبحانه- حكماً آخر يتعلق بالمؤمنين المهاجرين المجاهدين في سبيل الله، والمؤمنين الذين آووا من هاجر إليهم ونصروهم وهم الأنصار، فقال: ((أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً)) [الأنفال:74] أي: الكاملون في الإيمان، وليس في هذا تكرير لما قبله، فإنه وارد في الثناء على هؤلاء، والأول وارد في إيجاب الموالاة والنصرة. ثم أخبر سبحانه أن لهم منه مغفرة لذنوبهم في الآخرة، ولهم رزق كريم خالص عن الكدر طيب مستلذ. اهـ([286]). فالآيتان المتقدمتان اشتملتا على إثبات منقبتين عظيمتين للأنصار رضي الله عنهم، وهاتان المنقبتان: الإيواء والنصرة، فلقد آووا النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من أصحابه من المهاجرين، ونصروا دين الله ورسوله بمقاتلة جيوش الكفر والشرك والضلال؛ ليدخلوهم في دين الإسلام الحق الذي ارتضاه الله لعباده ديناً. 3- أثنى الله عليهم بسبقهم إلى الإسلام مع إخوانهم المهاجرين رضي الله عنهم، حيث قال: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100]. فالمراد بالأنصار في هذه الآية: هم الذين تبوءوا الدار والإيمان، وانضوى إليهم النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرون([287]). فقد بين تعالى في هذه الآية أنه رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين اتبعوهم بإحسان رضاءً مطلقاً، ورضاه سبحانه أكبر من نعيم الجنة، ثم بين تعالى أن مصيرهم هو دخول الجنة التي تجري تحتها الأنهارُ الجارية، التي تساق إلى سقي الجنان والحدائق الزاهرة، وأنهم خالدون فى الجنة لا يبغون عنها حولاً، ولا يطلبون منها بدلاً وأنهم مهما تمنوا من نعيم أدركوه، ومتى ما أرادوه وجدوه، ((ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)) [التوبة:100] الذي حصل لهم فيه كل محبوب للنفوس، ولذة للأرواح، ونعيم للقلوب، وشهوة للأبدان، واندفع عنهم كل محذور([288]) فهذا النعيم في مقدمة من يظفر به السابقون الأولون من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم من مهاجرين وأنصار، فهذه الآية اشتملت على منقبة عظيمة للسابقين من الأنصار رضي الله عنهم، وتلك المنقبة هي سبقهم إلى الإسلام، فوزهم برضا الملك العلام، ودخولهم ما أعده الله لهم من الجنان. 4- قال تعالى في ثنائه عليهم بالأخلاق الفاضلة النبيلة التي اتسموا بها: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [الحشر:9]. فهذه الآية اشتملت على الثناء على أنصار الإسلام وكتيبة الإيمان بحبهم لإخوانهم المهاجرين، وطهارة أنفسهم من الحسد لهم على ما منَّ الله به عليهم من شرف الهجرة، وإيثارهم لهم على أنفسهم بمواساتهم لهم بأموالهم. ثم بين تعالى في ختام الآية أن فلاحهم واقع ومتحقق لا محالة. قال العلامة ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى: يقول تعالى ذكره: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ)) [الحشر:9] يقول: اتخذوا المدينة مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم فابتنوها منازل، (والإيمان) بالله ورسوله، (من قبلهم) يعني: من قبل المهاجرين، (يحبون من هاجر إليهم): يحبون من ترك منزله وانتقل إليهم من غيرهم، وعني بذلك الأنصار يحبون المهاجرين... ثم روى بإسناده إلى قتادة أنه قال: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)) [الحشر:9] يقول: مما أعطوا إخوانهم، هذا الحي من الأنصار أسلموا في ديارهم فابتنوا المساجد قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، فأحسن الله عليهم الثناء في ذلك، وهاتان الطائفتان الأوليان من هذه الآية أخذتا بفضلهما، ومضتا على مهلهما، وأثبت الله حظهما في الفيء. وروى أيضاً بإسناده إلى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أنه قال في قوله تعالى: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)) [الحشر:9] قال: هؤلاء الأنصار يحبون من هاجر إليهم من المهاجرين -إلى أن قال: وقوله- ((وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)) [الحشر:9] يقول جل ثناؤه: ولا يجد الذين تبوءوا الدار من قبلهم -وهم الأنصار- في صدورهم حاجة –يعني: حسداً- مما أوتوا –يعني: مما أوتي المهاجرون من الفيء- وذلك لما ذكر لنا من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير ببن المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا رجلين([289]) من الأنصار أعطاهما لفقرهما، وإنما ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة... وقوله: ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ)) [الحشر:9] يقول: ويعطون المهاجرين أموالهم إيثاراً لهم بها على أنفسهم، ((وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) [الحشر:9] يقول: ولو كان بهم حاجة وفاقة إلى ما آثروا به من أموالهم على أنفسهم([290]). وقد روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه سبب نزول قوله تعالى في الآية: ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) [الحشر:9]، فقد روى بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه: «أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه فقلن: ما معنا إلا الماء. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يضم -أو يضيف- هذا؟ فقال رجل([291]) من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني، فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاءً، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونومت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ضحك الله الليلة -أو عجب- من فعالكما. فأنزل الله: ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [الحشر:9]»([292]). قال العلامة ابن جرير مبيناً معنى قوله تعالى في ختام الآية السابقة ((وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ)) [الحشر:9]: يقول تعالى ذكره: من وقاه الله شح نفسه؛ ((فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [الحشر:9] المخلدون في الجنة، والشح في كلام العرب: البخل ومنع الفضل من المال. اهـ([293]). وقال الإمام البغوي رحمه الله تعالى: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ)) [الحشر:9]: وهم الأنصار، تبوءوا الدار: توطنوا الدار أي: المدينة، اتخذوها دار الهجرة والإيمان، ((مِنْ قَبْلِهِمْ)) [الحشر:9] أي: أسلموا في ديارهم وآثروا الإيمان، وابتنوا المساجد قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين، ونظم الآية ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ)) [الحشر:9] أي: من قبل قدوم المهاجرين عليهم، وقد آمنوا، لأن الإيمان ليس بمكان تبوء ((يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً)) [الحشر:9]: حزازة وغيظاً وحسداً ((مِمَّا أُوتُوا)) [الحشر:9] أي: أعطي المهاجرون دونهم من الفيء، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين، ولم يعط منها الأنصار، فطابت أنفس الأنصار بذلك، ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ)) [الحشر:9] أي: يؤثرون على إخوانهم من المهاجرين بأموالهم ومنازلهم على أنفسهم، ((وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) [الحشر:9]: فاقة وحاجة إلى ما يؤثرون، وذلك أنهم قاسموهم ديارهم وأموالهم. اهـ([294]). وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى مبيناً معنى الآية السابقة، وما تضمنته من فضل للأنصار: قال تعالى مادحاً للأنصار، ومبيناً فضلهم وشرفهم وكرمهم وعدم حسدهم، وإيثارهم مع الحاجة فقال تعالى: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ)) [الحشر:9] أي: سكنوا دار الهجرة من قبل المهاجرين، وآمنوا قبل كثير منهم، وقوله تعالى: ((يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)) [الحشر:9] أي: من كرمهم وشرف أنفسهم يحبون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم... وقوله: ((وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا)) [الحشر:9] أي: ولا يجدون في أنفسهم حسداً للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف، والتقديم في الذكر والرتبة... وقوله تعالى: ((وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)) [الحشر:9] أي: من سلم من الشح فقد أفلح وأنجح. اهـ([295]). وقال الشوكاني رحمه الله تعالى عند تفسيره لقوله تعالى: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ)) [الحشر:9] الآية، قال: لما فرغ من مدح المهاجرين مدح الأنصار فقال: ((وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ)) [الحشر:9] المراد بالدار: المدينة، وهي دار الهجرة، ومعنى تبوئهم الدار والإيمان: أنهم اتخذوها مباءة أي: تمكنوا منهما تمكناً شديداً، والتبوء في الأصل إنما يكون للمكان، ولكنه جعل الإيمان مثله لتمكنهم فيه... ومعنى ((مِنْ قَبْلِهِمْ)) [الحشر:9] من قبل هجرة المهاجرين... لأن الأنصار إنما آمنوا بعد إيمان المهاجرين، والموصول مبتدأ وخبره ((يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ)) [الحشر:9] وذلك لأنهم أحسنوا إلى المهاجرين، وأشركوهم في أموالهم ومساكنهم، ((وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً)) [الحشر:9] أي: لا يجد الأنصار في صدورهم حسداً وغيظاً وحزازة ((مِمَّا أُوتُوا)) [الحشر:9] أي: مما أوتي المهاجرون دونهم من الفيء، بل طابت أنفسهم بذلك... ((وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)) [الحشر:9] أي: حاجة وفقر، والخصاصة مأخوذة من خصائص البيت: وهي الفرج التي تكون فيه، وقيل: إن الخصاصة مأخوذة من الاختصاص، وهو الانفراد بالأمر، فالخصاصة الانفراد بالحاجة([296]). فهذه الآية اشتملت على مناقب للأنصار رضي الله عنهم، وتلك المناقب هي ما تحلوا به من الأمور الطيبة: من كونهم صادقين في إيمانهم بالله ورسوله، ويحبون إخوانهم المهاجرين الذين تركوا ديارهم وهجروا قومهم، ولا يجدون في صدورهم حسداً مما أوتي المهاجرون من الفيء، (وذلك أنه صلى الله عليه وسلم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين الأولين دون الأنصار، إلا رجلين من الأنصار أعطاهما لفقرهما)([297]). وكذلك آثروا المهاجرين بإعطائهم من أموالهم، ولو كان بهم حاجة وفاقة، فوقوا شح أنفسهم، فكتب الله لهم الفلاح والفوز في الدنيا والآخرة. ذلك هو الثناء على الأنصار في الآيات القرآنية، وأمَّا الثناء عليهم في السنة المطهرة فقد ورد في كثير من الأحاديث النبوية، ومن ذلك ما يلي: 1- روى الإمام البخاري من حديث غيلان بن جرير قال: قلت لـأنس: (أرأيت اسم الأنصار كنتم تسمون به أم سماكم الله؟ قال: بل سمانا الله، كنا ندخل على أنس فيحدثنا مناقب الأنصار ومشاهدهم، ويقبل علي أو على رجل من الأزد فيقول: فعل قومك يوم كذا وكذا كذا وكذا)([298]). هذا الحديث تضمن منقبة عظيمة للأنصار رضي الله عنهم، إذ تسميتهم بهذا الاسم تسمية إسلامية سمى به النبي صلى الله عليه وسلم الأوس والخزرج([299]). 2- ومن مناقبهم رضي الله عنهم: ما رواه البخاري بإسناده إلى أنس رضي الله عنه قال: «قالت الأنصار يوم فتح مكة -وأعطى قريشاً-: والله إن هذا لهو العجب، إن سيوفنا تقطر من دماء قريش وغنائمنا ترد عليهم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فدعا الأنصار، قال فقال: ما الذي بلغني عنكم؟ -وكانوا لا يكذبون- فقالوا: هو الذي بلغك قال: أوَلا ترضون أن يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم، وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم؟ لو سلكت الأنصار وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم». ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شعباً لسلكت في وادي الأنصار، ولولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار». فقال أبو هريرة: ما ظلم بأبي وأمي، آووه ونصروه أو كلمة أخرى([300]). وروى أيضاً رحمه الله من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم قال: «لما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، قسم في الناس في المؤلفة قلوبهم ولم يعط الأنصار شيئاً، فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، فخطبهم فقال: يا معشر الأنصار، ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وعالة فأغناكم الله بي؟ كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمنّ، قال: ما يمنعكم أن تجيبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كلما قال شيئاً قالوا: الله ورسوله أمن، قال: لو شئتم قلتم: جئتنا كذا وكذا، ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير وتذهبون بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى رحالكم؟ لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار، ولو سلك الناس وادياً لسلكت وادي الأنصار وشعبها، الأنصار شعار([301])، والناس دثار([302])، إنكم ستلقون بعدي أثرة؛ فاصبروا حتى تلقوني على الحوض»([303]). هذا الحديث المروي عن أنس وأبي هريرة وعبد الله بن زيد بن عاصم؛ اشتمل على مناقب للأنصار رضي الله عنهم حظوا بها وتميزوا بها عن غيرهم، وتلك المناقب هي: 1) تشريفهم بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم وسكناه بينهم، وهذه منقبة عظيمة رفعت من قدرهم، وزادت من شرفهم دون سائر الناس، ولو لم يحصل ذلك لما كان بينهم وبين غيرهم من الناس فرق. 2) إخباره عليه الصلاة والسلام بأنه لا يفارق صحبتهم، ولا يتحول عنهم، فيه منقبة وفضيلة ظاهرة لهم رضي الله عنهم. 3) بين عليه الصلاة والسلام في الحديث الثالث أنهم بطانته وخاصته، وأنهم ألصق الناس به وأقرب إليه من غيرهم رضي الله عنهم. وقول أنس رضي الله عنه: إن الأنصار رضي الله عنهم قالوا: والله إن هذا لهو العجب، إن سيوفنا تقطر من دماء قريش، وغنائمنا ترد عليهم. وقوله في الحديث الآخر: فكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم ما أصاب الناس. فهذا القول حصل من أناس منهم حديثة أسنانهم؛ للحديث الآخر الذي رواه البخاري عن أنس رضي الله عنه: وفيه «أنهم قالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، قال أنس: فحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمقالتهم، وأرسل إلى الأنصار فجمعهم في قبة من أدم([304])، ولم يدع معهم غيرهم، فلما اجتمعوا قام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما حديث بلغني عنكم؟ فقال فقهاء الأنصار أما رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئاً وأما ناس منا حديثة أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يعطي قريشاً ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم» الحديث([305]). وفيما تقدم دلالة على أن من طلب حقه من الدنيا لا يعتب عليه، وفعل بعض الأنصار ذلك لا ينقص قدرهم، ولا ينزل من مكانتهم العالية، فلهم رضي الله عنهم مناقب رفيعة، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عند شرحه لقول أبي هريرة في الحديث المتقدم بعد قوله عليه الصلاة والسلام: «لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار» فقال أبو هريرة: ما ظلم بأبي وأمي -أي: ما تعدى في القول المذكور، ولا أعطاهم فوق حقهم، ثم بين ذلك بقوله: «آووه ونصروه»: قوله: أو كلمة أخرى، لعل المراد وواسوه وواسوا أصحابه بأموالهم، وقوله: لسلكت في وادي الأنصار: أراد بذلك حسن موافقتهم له لما شاهده من حسن الجوار والوفاء بالعهد، وليس المراد بأنه يصير تابعاً لهم، بل هو المتبوع المطاع، المفترض الطاعة على كل مؤمن. اهـ([306]). ونقل الحافظ رحمه الله تعالى عن الخطابي أنه قال بعد قوله عليه الصلاة والسلام في حديث عبد الله بن زيد بن عاصم المتقدم: (لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار): أراد بهذا الكلام تألف الأنصار، واستطابة نفوسهم، والثناء عليهم في دينهم، حتى رضي أن يكون واحداً منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها، ونسبة الإنسان تقع على وجوه، منها: الولادة، والبلادية، والاعتقادية، والصناعية، ولا شك أنه لم يرد الانتقال عن نسب آبائه؛ لأنه ممتنع قطعاً. وأمَّا الاعتقادي فلا معنى للانتقال فيه، فلم يبق إلا القسمان الآخران، وكانت المدينة دار الأنصار، والهجرة إليها أمراً واجباً، أي: لولا النسبة الهجرية لا يسعني تركها لانتسبت إلى داركم. وقال القرطبي: معناه لتسميت باسمكم وانتسبت إليكم، كما كانوا ينتسبون بالحلف، لكن خصوصية الهجرة وتربيتها؛ فمنعت من ذلك وهي أعلى وأشرف، فلا تتبدل بغيرها، وقيل: معناه لكنت من الأنصار في الأحكام والعداد، وقيل: التقدير: لولا أن ثواب الهجرة أعظم؛ لاخترت أن يكون ثوابي ثواب الأنصار، ولم يرد ظاهر النسب أصلاً. اهـ([307]). وقال صديق حسن خان عند شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا الهجرة لكنت امرءاً من الأنصار): فيه إشارة إلى ترجيح الأنصار بحسن الجوار والوفاء بالعهد، لا وجوب متابعته صلى الله عليه وسلم إياهم؛ إذ هو صلى الله عليه وسلم المتبوع المطاع لا التابع المطيع، فما أكثر تواضعه صلى الله عليه وسلم. اهـ([308]). وقال أبو بكر بن العربي في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: (لو سلك الناس وادياً أو شعباً لسلكت وادي الأنصار وشعبها): أخبر أنه لا يفارق صحبتهم ولا يزال دارتهم. اهـ([309]). وقال الإمام النووي عند قوله صلى الله عليه وسلم: (لسلكت شعب الأنصار): قال الخليل: هو ما انفرج بين جبلين، وقال ابن السكيت([310]): هو الطريق في الجبل، وفيه فضيلة الأنصار ورجحانهم. اهـ([311]). وقال أيضاً عند قوله صلى الله عليه وسلم: (الأنصار شعار والناس دثار) معنى الحديث: الأنصار هم البطانة والخاصة والأصفياء، وألصق بي من سائر الناس؛ وهذا من مناقبهم الظاهرة، وفضائلهم الباهرة. اهـ([312]). ومن خلال أقوال العلماء المتقدمة التي سقناها لبيان معنى الحديث المروي عن أنس وأبي هريرة وعبد الله بن زيد بن عاصم: تبين أنه اشتمل على مناقب عظيمة للأنصار، لما تضمنه من الثناء البالغ عليهم من النبي صلى الله عليه وسلم، وحسن أدبهم رضي الله عنهم في تركهم المماراة، والمبالغة في الحياء، وبيان أن الذي نقل عنهم إنما كان عن شبانهم لا عن شيوخهم وكهولهم، ولقد آثروا -رضي الله عنهم- الآخرة على الدنيا، فقد زهدت نفوسهم عن حطام الدنيا الفاني، ورضوا برسول الله صلى الله عليه وسلم قسماً ومغنماً، كما في صحيح مسلم أنه عليه الصلاة والسلام قال لهم: «أفلا ترضون أن يذهب الناس بالأموال، وترجعون إلى رحالكم برسول الله؟ فوالله لَمَا تنقلبون به خير مما ينقلبون به فقالوا: بلى يا رسول الله قد رضينا»([313]). 3- ومن مناقبهم رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنهم من أحب الناس إليه، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى أنس رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياناً ونساء مقبلين من عرس، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم ممثلاً([314]) فقال: اللهم أنتم من أحب الناس إلي، اللهم أنتم من أحب الناس إلي. يعني: الأنصار»([315]) وعند الإمام البخاري: فقال: «اللهم أنتم من أحب الناس إلي، قالها ثلاث مرار»([316]). وروى الإمام مسلم أيضاً بإسناده إلى أنس قال: «جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فخلا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: والذي نفسي بيده إنكم لأحب الناس إلي» ثلاث مرات([317]). وعند الإمام البخاري رحمه الله تعالى بلفظ: «جاءت امرأة من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها صبي لها، فكلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إلي.. مرتين»([318]). فكونه عليه الصلاة والسلام بيّن أن الأنصار رضي الله عنهم من أحب الناس إليه، وأقسم بمن نفسه بيده -وهو الله عز وجل- على ذلك، لهو من أعظم مناقبهم رضي الله عنهم وأرضاهم، وهكذا يجب على المسلم أن يكون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب الناس إليه بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.[/b] | |
|
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | موضوع: رد: بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي الأربعاء يوليو 13, 2016 2:14 pm | |
| قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: قوله –يعني: البخاري في صحيحه -: (باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار: «أنتم أحب الناس إلي» هو على طريق الإجمال، أي: مجموعكم أحب إلي من مجموع غيركم فلا يعارض قوله في الحديث: في جواب «من أحب الناس إليك؟ قال: أبو بكر» الحديث([b][319]). 4- ومن مناقبهم رضي الله عنهم: سرعة امتثالهم أمر الله ورسوله، وتعجيل مواساة إخوانهم المهاجرين، فقد روى الإمام البخاري بإسناده إلى أبي هريرة رضي عنه قال: «قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وسلم: أقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، قال: لا، فقالوا: تكفونا المؤنة ونشرككم في الثمرة قالوا: سمعنا وأطعنا»([320]). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: قوله: (المؤنة) أي: العمل في البساتين من سقيها والقيام عليها. قال المهلب: إنما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنه علم أن الفتوح ستفتح عليهم، فكره أن يخرج شيء من عقار الأنصار عنهم، فلما فهم الأنصار ذلك؛ جمعوا بين المصلحتين: امتثال ما أمرهم به وتعجيل مواساة إخوانهم المهاجرين، فسألوهم أن يساعدوهم في العمل ويشركوهم في الثمر، وفيه (فضيلة ظاهرة للأنصار). اهـ([321]). 5- ومن مناقبهم رضي الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعلهم من جملة من تولاهم الله ورسوله، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى أبي أيوب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الأنصار ومزينة وجهينة وغفار وأشجع ومن كان من بني عبد الله موالي دون الناس، والله ورسوله مولاهم». وروى أيضاً بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قريش والأنصار ومزينة وجهينة وأسلم وغفار وأشجع مواليّ ليس لهم مولى دون الله ورسوله»([322]). فكونهم رضي الله عنهم ممن تولاهم الله ورسوله؛ فهو من أعظم المناقب وأعلى المراتب، وهذا من علامة السعادة الأبدية التي ينالها عباد الله وأولياؤه الصالحون. ومعنى الحديث: أني وليهم، والمتكفل بهم وبمصالحهم، وهم مواليه أي: ناصروه والمختصون به. اهـ([323]). 6- ومن مناقبهم رضي الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم وثق بهم، واعتمدهم في أموره، وأوصى من بعده أن يقبلوا من محسنهم ويتجاوزوا عن مسيئهم، فقد روى الإمام البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك قال: «مر أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون، فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد عصب على رأسه حاشية برد، قال: فصعد المنبر -ولم يصعده بعد ذلك اليوم- فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم؛ فاقبلوا من محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم»([324]). وعند الإمام مسلم بلفظ: «إن الأنصار كرشي وعيبتي، وإن الناس سيكثرون ويقلون، فاقبلوا من محسنهم، واعفوا عن مسيئهم»([325]). فقد جعلهم عليه الصلاة والسلام جماعته وموضع سره وأمانته في قوله: (كرشي وعيبتي). قال النووي في شرحه لقوله صلى الله عليه وسلم: (الأنصار كرشي وعيبتي): قال العلماء: معناه: جماعتي وخاصتي الذي أثق بهم، وأعتمدهم في أموري. قال الخطابي: ضرب مثلاً بالكرش؛ لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون به بقاؤه، والعيبة: وعاء معروف أكبر من المخلاة، يحفظ الإنسان فيها ثيابه وفاخر متاعه ويصونها، ضربها مثلاً لأنهم أهل سره وخفي أحواله صلى الله عليه وسلم، (فاقبلوا من محسنهم واعفوا عن مسيئهم) وفي بعض الأصول: (عن سيئتهم) والمراد بذلك فيما سوى الحدود([326]). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: قوله: ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أي: الذي كانوا يجلسونه معه، وكان ذلك في مرض النبي صلى الله عليه وسلم، فخشوا أن يموت من مرضه فيفقدوا مجلسه، فبكوا حزناً على فوات ذلك... قوله: (أوصيكم بالأنصار) استنبط منه بعض الأئمة أن الخلافة لا تكون في الأنصار؛ لأن من فيهم الخلافة يوصون ولا يوصى بهم، ولا دلالة فيه، إذ لا مانع من ذلك. قوله: «كرشي وعيبتي» أي: بطانتي وخاصتي، قال القزاز: ضرب المثل بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون فيه نماؤه، يقال: لفلان كرش منثورة أي: عيال كثيرة، والعيبة: ما يحرز فيه الرجل نفيس ما عنده، يريد أنهم موضع سره وأمانته، قال ابن دريد: هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم الموجز الذي لم يسبق إليه، وقال غيره: الكرش بمنزلة المعدة للإنسان، والعيبة مستودع الثياب، والأول أمر باطن والثاني أمر ظاهر، فكأنه ضرب المثل بهما في إرادة اختصاصهم بأموره الباطنية والظاهرية، والأول أولى، وكل من الأمرين مستودع لما يخفى فيه، قوله: (وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم) ليلة العقبة من المبايعية، فإنهم بايعوا على أن يئووا النبي صلى الله عليه وسلم وينصروه، على أن لهم الجنة، فوفوا بذلك. اهـ([327]). 7- ومن مناقبهم رضي الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بخيرية دورهم رضي الله عنهم، ولكن هذه الخيرية ما ثبتت لهذه الدور إلا بعد ثبوتها لأهلها، الذين آووا رسول الله، ونصروا دين الإسلام، ورفعوا رايته، فرضوان الله عليهم أجمعين. روى الشيخان بإسنادهما إلى أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «خير دور الأنصار بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير، فقال سعد: ما أرى النبي صلى الله عليه وسلم إلا قد فضل علينا فقيل: قد فضلكم على كثير»([328]) وروى البخاري بإسناده إلى أبي حميد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن خير دور الأنصار دار بني النجار، ثم عبد الأشهل، ثم دار بني الحارث، ثم بني ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير، فلحقنا سعد بن عبادة فقال: أبا سعيد ألم تر أن نبي الله خيَّر الأنصار فجعلنا أخيراً؟ فأدرك سعد النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله خُيّر دور الأنصار فجُعلنا آخراً، فقال: أوَليس بحسبكم أن تكونوا من الخيار»([329]). وعند مسلم: (وبلغ ذلك سعد بن عبادة فوجد في نفسه، وقال: خلفنا فكنا آخر الأربع، أسرجوا لي حماري آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلمه ابن أخيه سهل فقال: أتذهب لترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم، أوَليس حسبك أن تكون رابع أربع، فرجع وقال: الله ورسوله أعلم وأمر بحماره فحل عنه)([330]). فلله ما أعظم هذه المنقبة، وما أعظم هذا الفضل لهؤلاء الأخيار الذين زكت نفوسهم وطابت أعمالهم، حتى شملت الخيرية دورهم، وهذه المفاضلة بين هذه الدور حصلت حسب سبق أهلها للدخول في الإسلام. قال النووي عند قوله صلى الله عليه وسلم: (خير دور الأنصار بنو النجار) الحديث: أي: خير قبائلهم، وكانت كل قبيلة منها تسكن محلة، فتسمى تلك المحلة دار بني فلان، ولهذا جاء في كثير من الروايات بنو فلان من غير ذكر الدار. قال العلماء: وتفضيلهم على قدر سبقهم إلى الإسلام ومآثرهم فيه، وفي هذا دليل لجواز تفضيل القبائل والأشخاص بغير مجازفة ولا هوى، ولا يكون هذا غيبة([331]). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: قوله: (خير دور الأنصار... وفي كل دور الأنصار خير). خير الأولى بمعنى أفضل، والثانية اسم أي: الفضل حاصل في جميع الأنصار وإن تفاوتت مراتبه([332]). وقد جاء رواية البخاري المتقدمة «أن سعداً أدرك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله خير دور الأنصار فجعلنا خيراً فقال: أوليس بحسبكم([333]) أن تكونوا من الخيار»، وفي رواية مسلم أيضاً المتقدمة أنه رجع وقال: الله ورسوله أعلم، وأمر بحماره فحل عنه فالحديثان متعارضان، على هذا، ولا بد من الجمع بينهما: وقد جمع الحافظ ابن حجر بين هاتين الروايتين فقال: يمكن الجمع بأنه رجع حينئذ عن قصد رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك خاصة، ثم إنه لما لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقت آخر ذكر له ذلك، أو الذي رجع عنه أنه أراد أن يورده مورد الإنكار، والذي صدر منه ورد مورد المعاتبة المتلطفة، ولهذا قال له ابن أخيه في الأول: (أترد على رسول الله أمره -إلى أن قال قوله: من الخيار) أي: الأفاضل؛ لأنهم بالنسبة إلى من دونهم أفضل، وكأن المفاضلة بينهم وقعت بحسب السبق إلى الإسلام، وبحسب مساعيهم في إعلاء كلمة الله، ونحو ذلك. اهـ([334]). 8- ومن مناقبهم رضي الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الله لهم بأن يصلحهم، ويكرمهم ويغفر لهم، وجمع في ذلك الدعاء بينهم وبين إخوانهم المهاجرين رضوان الله عليهم أجمعين، وتارة أفردهم بالدعاء بالمغفرة لهم ولأبنائهم، وأبناء أبنائهم، كما استغفر لهم ولذراريهم ومواليهم. فقد روى الإمام البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عيش إلا عيش الآخرة، فأصلح الأنصار والمهاجرة». وروى أيضاً بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «كانت الأنصار يوم الخندق تقول: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما حيينا أبدا فأجابهم: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فأكرم الأنصار والمهاجرة». وروى بإسناده إلى سهل بن سعد رضي الله عنه قال: «جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نحفر الخندق، وننقل التراب على أكتادنا([335]) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للمهاجرين والأنصار»([336]). ففي هذه الأحاديث جمع عليه الصلاة والسلام بينهم وبين إخوانهم المهاجرين في هذه الدعوات المباركات، التي هي الصلاح والإكرام والمغفرة، وأمَّا إفرادهم بالدعاء لهم بالمغفرة والاستغفار، فمن ذلك ما رواه الإمام مسلم بإسناده إلى زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار». وروى أيضاً بإسناده إلى عبد الله بن أبي طلحة أن أنساً حدثه: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر للأنصار، قال: وأحسبه قال: ولذراري الأنصار، ولموالي الأنصار، لا أشك فيه»([337]). 9- ومن مناقبهم رضي الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أنه ملازم لهم، وأن محياه محياهم، ومماته مماتهم. فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله عنه في فتح مكة، وفيه أن أبا سفيان قال: «يا رسول الله أبيحت خضراء قريش([338])، لا قريش بعد اليوم، ثم قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فقالت الأنصار بعضهم لبعض: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي، فلما انقضى الوحي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: قلتم: أما الرجل فأدركته رغبة في قريته؟ قالوا: قد كان ذاك، قال: كلا إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم والممات مماتكم، فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن باللَه وبرسوله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم».. الحديث([339]). فقوله صلى الله عليه وسلم: (هاجرت إلى الله وإليكم المحيا محياكم والممات مماتكم)، معناه: إني هاجرت إلى الله وإلى دياركم لا ستيطانها، فلا أتركها ولا أرجع عن هجرتي الواقعة لله تعالى، بل أنا ملازم لكم، المحيا محياكم والممات مماتكم، أي: لا أحيا إلا عندكم ولا أموت إلا عندكم.. فلما قال لهم هذا بكوا واعتذروا وقالوا: والله ما قلنا كلامنا السابق إلا حرصاً عليك وعلى مصاحبتك ودوامك عندنا لنستفيد منك، وتهدينا الصراط المستقيم، كما قال الله تعالى: ((وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)) [الشورى:52] وهذا معنى قولهم: ما قلنا الذي قلنا إلا الضن بك، أي: شحاً بك أن تفارقنا، ويختص بك غيرنا، وكان بكاؤهم فرحاً بما قال لهم، وحياء مما خافوا أن يكون بلغه عنهم مما يستحى منه([340]) فلله ما أعظمها من منقبة، وما أسماه من مدح وثناء لطائفة الأنصار رضي الله عنهم، الذين ظفروا وفازوا بإيواء ونصر خير البرية، ولذلك فازوا بتصديقهم ومعذرتهم من الله ورسوله فيما قالوه، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وهنأهم بما آتاهم. 10- ومن مناقبهم رضي الله عنهم: إيثارهم الدار الآخرة على الدار الفانية فقد روى الإمام أحمد في مسنده والحاكم في مستدركه بإسنادهما إلى أنس قال: «شق على الأنصار النواضح([341])، فاجتمعوا عند النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يكري([342]) لهم نهراً سيحاً، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرحباً بالأنصار، والله لا تسألوني اليوم شيئاً إلا أعطيتكموه، ولا أسأل الله لكم شيئاً إلا أعطانيه، فقال بعضهم لبعض: اغتنموها واطلبوا المغفرة فقالوا: يا رسول الله ادع الله لنا بالمغفرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار»([343]). فهذا الحديث فيه بيان أن الأنصار عزموا على أن يطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم نهراً جارياً، يحفرونه ويخرجون طينه، فلما قال لهم: «لا تسألوني اليوم شيئاً إلا أعطيتكموه» عدلوا عن طلب النهر، واغتنموا الفرصة وطلبوا المغفرة؛ لأن النهر من متاع الدنيا الفانية، والمغفرة فيها متاع الآخرة الباقية؛ فآثروا ما يبقى على ما يفنى، وهذا من قوة إيمانهم وزهدهم في الدنيا، رضي الله عنهم وأرضاهم([344])، وفي هذا منقبة عظيمة وفضيلة كريمة للأنصار رضي الله عنهم وأرضاهم. 11- ومن مناقبهم رضي الله عنهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم أن جزاءهم على إيوائهم إياه ونصرهم له، ووفائهم بما بايعوه عليه -من الأمور التي فيها عز الإسلام والمسلمين- الجنة التي عرضها السماوات والأرض. فقد روى أبو عبد الله الحاكم بإسناده إلى جابر بن عبد الله الأنصاري «أن النبي صلى الله عليه وسلم لبث عشر سنين يتبع الناس في منازلهم في الموسم ومجنة([345]) وعكاظ([346])، ومنازلهم من منى: من يؤويني، من ينصرني حتى أبلغ رسالات ربي فله الجنة، فلا يجد أحداً ينصره ولا يؤويه، حتى إن الرجل يرحل من مصر أو من اليمن إلى ذي رحمه، فيأتيه قومه فيقولون له: احذر غلام قريش لا يفتنك، ويمشي بين رحالهم يدعوهم إلى الله عز وجل، يشيرون إليه بالأصابع، حتى بعثنا الله من يثرب، فيأتيه الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله، فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام، فبعثنا الله إليه، فائتمرنا واجتمعنا وقلنا: حتى متى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف، فرحلنا حتى قدمنا عليه في الموسم، فواعدنا بيعة العقبة فقال له عمه العباس: يا ابن أخي، لا أدري ما هؤلاء القوم الذين جاءوك، إني ذو معرفة بأهل يثرب، فاجتمعنا عنده من رجل ورجلين، فلما نظر العباس في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا نعرفهم، هؤلاء أحداث، فقلنا: يا رسول الله على ما نبايعك؟ قال: بايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم وتمنعوني مما تمنعون عنه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة، فقمنا نبايعه، وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو أصغر السبعين، إلا أنه قال: رويداً يا أهل يثرب، إنا لم نضرب إليه أكباد المطي إلا ونحن نعلم أنه رسول الله، وأن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة، وقتل خياركم، وأن يعضكم السيف فإما أنتم قوم تصبرون عليها إذا مستكم وعلى قتل خياركم، ومفارقة العرب كافة فخذوه وأجركم على الله، وإما أنتم تخافون من أنفسكم خيفة، فذروه فهو عذر عند الله عز وجل. فقالوا: يا أسعد أمط عنا يدك، فوالله لا نذر هذه البيعة ولا نستقيلها، قال: فقمنا إليه رجلاً، رجلاً فأخذ علينا ليعطينا بذلك الجنة»([347]). فهذا الحديث اشتمل على فضيلة عظيمة للأنصار رضي الله تعالى عنهم، فلقد وفوا بما بايعوا عليه سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، حتى انتشر الإسلام ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وعلت راية التوحيد، واندحر الشرك وأهله، فكانت كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، فرضي الله عنهم وأرضاهم، وهنأهم بما آتاهم، والأحاديث الواردة في فضائلهم ومناقبهم كثيرة، وحسبنا هنا ما تقدم ذكره من مناقبهم العامة رضي الله عنهم، التي شملت السابقين منهم إلى الإسلام، ومن أسلم بعدهم منهم رضي الله عنهم، وهناك مناقب كثيرة تخص أفراداً منهم بأعيانهم محلها كتب السنة، والأحاديث التي أسلفناها هنا اشتملت على مناقب عالية يذكرون بها في الدنيا ذكراً حسناً، ويثنى عليهم بها في الاَخرين إلى يوم القيامة، وهذا حاصل من الفرقة الناجية أهل السنة والجماعة، أما أعداؤهم من الرافضة، فإنهم لا يؤمنون بفضائلهم: لا العامة منها ولا الخاصة، ولا يذكرونهم بالذكر الحسن، وإنما يذكرونهم بالذكر السيئ: من السباب والشتائم ورميهم بالكفر، وهذا ناشئ من عمى البصيرة والخذلان الذي حل بهم أعاذنا الله من ذلك. المبحث الثاني: الثناء على أهل بدر: ([348]) إن الصحابة الذين شهدوا موقعة بدر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم الذين اختارهم رب العالمين واصطفاهم، فجعل لهم ميزة تميزوا بها على غيرهم من عباد الله المؤمنين، إذ أن معركة بدر تعتبر من أعظم المعارك التي انتصر فيها الإسلام على الكفر وأهله، وبسببها انتشر ضوء الإسلام في أنحاء الجزيرة العربية، ثم إلى خارجها، وبسببها أضيئت الطريق أمام الدعاة إلى الله لتحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، ونبذ جميع المعبودات التي تعبد من دون الله؛ نتيجة اتباع الهوى والتقليد الأعمى، وكل من شارك من الصحابة في وقعة بدر، كانت له المكانة اللائقة بالثناء الحسن في الدنيا، والفوز بالجنة والنجاة من النار في الآخرة، فأهل بدر هم النجوم التي أضاءت تاريخ الإسلام، حتى أصبح يقال لأحدهم: فلان بدري، وشهد بدراً، وكفى بهذه المنقبة شرفاً وتعظيماً لهم في هذه الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وكفى بذلك أجراً وإحساناً عند رب العالمين في الحياة الآخرة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، فلقد أعطاهم ذلك ربهم تبارك وتعالى، وفضلهم على كثير من عباده تفضيلاً، وكانت هذه الغزوة المباركة في السنة الثانية من الهجرة([349])، وقد كان عدد المشركين الذين جاءوا من مكة لإطفاء نور الله ألفاً، وفي رواية أنهم خمسون وتسعمائة([350])، وأما عدد الفئة المؤمنة التي تصدت لمشركي قريش، فقد كان عددهم ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً. فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بإسناده إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: «لما كان يوم بدر، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف، وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، فاستقبل نبي الله القبلة، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه» الحديث([351]). وفي سنن أبي داود من حديث عبد الله بن عمرو (أن عددهم ثلاثمائة وخمسة عشر رجلاً)([352]). قال ابن جرير: وأما عامة السلف فإنهم قالوا: كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً([353]). والبضع هذا تفسيره ما جاء في رواية صحيح مسلم المتقدمة أنه (تسعة عشر رجلاً)، وهذه الفئة المؤمنة جاء الثناء عليهم في الكتاب العزيز، والسنة النبوية المطهرة. ففي الكتاب العزيز شهد الله لهم بإخلاص نياتهم في الجهاد في سبيل الله، ومن أجل ذلك أكرمهم الله تعالى بالنصر على أعداء الله من أهل الكفر والضلال، وما ذلك إلا لفضلهم عند الله جل وعلا، وأن لهم كرامة ومكانة ومنزلة رفيعة عنده تبارك وتعالى، كما شهد الله لهم بحقيقة الإيمان. فالآيات التي أثنى الله عليهم بما ذكر هي: 1- قوله تعالى: ((قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ)) [آل عمران:13]. هذه الآية تشير إلى اللقاء الذي وقع بين المسلمين وبين المشركين يوم بدر، وفيها ثناء من الله تعالى على أهل بدر بخلوص نياتهم في الجهاد يوم بدر، وأنهم ما قاتلوا يومذاك حمية ولا شجاعة، ولا لترى أماكنهم، وإنما قاتلوا لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى؛ فأيدهم الله بنصره، وأكرم بها من منقبة، وأكرم به من موقف عظيم يذكرون به في الدنيا والآخرة، وجدير بهذا الموقف العظيم أنه موضع للتفكر والاتعاظ والاعتبار لمن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة. قال العلامة ابن جرير الطبري رحمه الله عند قوله تعالى: ((قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا)) [آل عمران:13] الآية: يعني بذلك جل ثناؤه: قل يا محمد للذين كفروا من اليهود الذين بين ظهراني بلدك: قد كان لكم آية يعني: علامة ودلالة على صدق ما أقول: إنكم ستغلبون، والفئة الجماعة من الناس التقتا للحرب، وإحدى الفئتين رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان معه ممن شهدوا وقعة بدر، والأخرى مشركو قريش، ((فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) [آل عمران:13]: جماعة تقاتل في طاعة الله وعلى دينه، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ((وَأُخْرَى كَافِرَةٌ)) [آل عمران:13]: وهم مشركو قريش. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في قوله: ((قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) [آل عمران:13] قال: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بـبدر، ((وَأُخْرَى كَافِرَةٌ)) [آل عمران:13]: فئة قريش الكفار. وقال عكرمة في قوله: ((قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)) [آل عمران:13] قال: محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ((وَأُخْرَى كَافِرَةٌ)) [آل عمران:13]. قال: قريش يوم بدر. وقال مجاهد: ذلك يوم بدر التقى المسلمون والكفار([354]). ومن خلال أقوال أئمة التفسير، تبين أن الآية اشتملت على المدح والثناء على الفئة المؤمنة من البدريين، كما أنها أيضاً تضمنت التهديد لليهود الذين كانوا في المدينة حينذاك، فقد أخرج ابن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس قال: «لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم بدر فقدم المدينة، جمع يهود في سوق بني قينقاع فقال: يا معشر يهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً، فقالوا: يا محمد لا تغرنك نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً([355]) لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تأت مثلنا؛ فأنزل الله عز وجل في ذلك من قوله: ((قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)) [آل عمران:12] إلى قوله: ((لأُوْلِي الأَبْصَارِ)) [آل عمران:13]». اهـ([356]). فكأنه يقول لهم: يا معشر يهود، لا يغرنكم كثرة العدد، ولا المال والولد، فليس هذا سبيل النصر والغلب، فالحوادث التي تجري في هذا الكون أعظم دليل على فساد ما تدعون، انظروا إلى الفئتين اللتين التقتا، فئة قليلة من المؤمنين عددها ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً، ولم يكن معها من القوة إلا سبعون بعيراً يعتقبونها، وفرسان فقط([357])، ولما كانت تقاتل في سبيل الله؛ كتب لها الفوز والغلب على الفئة الكثيرة من المشركين، التي كان عددها ألف رجل، ومعها من القوة مائتا فرس يقودونها([358])، وفي هذا عبرة -أيما عبرة- لذوي البصائر السليمة، التي استعملت العقول فيما خلقت لأجله، من التأمل في الأمور والاستفادة منها، ووجه العبرة في هذا: أن هناك قوة فوق جميع القوى، وهي قوة الله التي يؤيد بها الفئة المؤمنة القليلة، فتغلب الفئة المشركة الكثيرة بإذنه تعالى. وقال ابن جرير مبيناً معنى قوله تعالى في الآية السابقة: ((يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ)) [آل عمران:13]. وتأويل الكلام: قد كان لكم آية يا معشر اليهود في فئتين التقتا: إحداهما: تقاتل في سبيل الله. وأخرى: كافرة يراهم المسلمون مثليهم رأي أعينهم، فأيدنا المسلمة وهم قليل عددهم، على الكافرة وهم كثير عددهم، حتى ظفروا بهم، معتبر ومتفكر، والله يقوي بنصره من يشاء. وقال جل ثناؤه: (إن في ذلك) يعني: فيما فعلنا بهؤلاء الذين وصفنا أمرهم، من تأييدنا الفئة المسلمة مع قلة عددها، على الفئة الكافرة مع كثرة عددها (لعبرة) يعني: لمتفكراً ومتعظاً لمن عقل وأدرك فأبصر الحق. اهـ([359]). 2- وأما الشهادة من الله تعالى للبدريين بحقيقة الإيمان، ففي قوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)) [الأنفال:62-63] فقوله تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)) [الأنفال:62] فيها إخبار من المولى جل وعلا بحقيقة إيمانهم، فلقد أخبر سبحانه نبيه عليه الصلاة والسلام أنه قواه وأعانه بنصره يوم بدر، كما أيده وأعانه بالمؤمنين، والمؤمنون الذين أيده بهم هم المهاجرون والأنصار الذين حضروا موقعة بدر المباركة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وإنما أيده في حياته بالصحابة. اهـ([360]). وقال مقاتل في بيان معنى الآية: ((هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)) [الأنفال:62] قال: قواك بنصره وبالمؤمنين من الأنصار يوم بدر([361]). وقال ابن جرير عند الآية ((هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)) [الأنفال:62] يقول: الله الذي قواك بنصره إياك على أعدائه، (وبالمؤمنين) يعني: بالأنصار([362]). وقال أبو عبد الله القرطبي: ((هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ)) [الأنفال:62] أي: قواك بنصره، يريد يوم بدر، ((وَبِالْمُؤْمِنِينَ)) [الأنفال:62] قال النعمان بن بشير: نزلت في الأنصار، ((وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ)) [الأنفال:63] أي: جمع بين قلوب الأوس والخزرج، وكان تألف القلوب مع العصبية الشديدة في العرب من آيات النبي صلى الله عليه وسلم ومعجزاته؛ لأن أحدهم كان يلطم اللطمة فيقاتل عنها حتى يستقيدها، وكان أشد خلق الله حمية، فألف الله بالإيمان بينهم حتى قاتل الرجل أباه وأخاه بسبب الدين، وقيل: أراد التأليف بين المهاجرين والأنصار، والمعنى متقارب. اهـ([363]). فالآية اشتملت على الثناء بالإيمان الحقيقي على أهل بدر من الفريقين، من مهاجرين وأنصار، الذين حضروا تلك الغزوة وأيد الله بهم رسوله صلى الله عليه وسلم. 3- قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)) [الأنفال:64]. وفي هذه الآية مدح الله تعالى المتبعين لنبيه صلى الله عليه وسلم بصفة الإيمان التي هي أعلى صفات الكمال، وفي مقدمة هؤلاء الفئة المؤمنة من أهل بدر رضي الله عنهم أجمعين، ومعنى الآية: كفاك وكفى أتباعك من المؤمنين الله ناصراً. قال ابن جرير عند هذه الآية: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي حسبك الله، وحسب من اتبعك من المؤمنين، الله يقول لهم جل ثناؤه: ناهضوا عدوكم فإن الله كافيكم أمركم، ولا يهولنكم كثرة عددهم وقلة عددكم، فإن الله مؤيدكم بنصره([364]). وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى عند الآية ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ)) [الأنفال:64] أي: الله كافيك ومن اتبعك من المؤمنين، والصحابة أفضل من اتبعه من المؤمنين وأولهم. اهـ([365]). وقد نقل القرطبي رحمه الله تعالى عن ابن الكلبي أن قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)) [الأنفال:64] أنها نزلت بالبيداء في غزوة بدر قبل القتال([366]). وعلى هذا يكون المراد بالذين اتبعوه في هذه الآية هم البدريون، الذين كان عددهم ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً كما تقدم. 4- قال تعالى: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [الأنفال:17]، فالمقصود بالمؤمنين في هذه الآية: هم الذين شهدوا بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتلوا معه أعداء دينه من كفار قريش، فلقد شهد الله لهم في هذه الآية بأنهم مؤمنون، وأكرم بها من شهادة صادرة عمن يعلم السر وأخفى، فهو سبحانه علم حقيقة أنفسهم، وما انطوت عليه من تحقيق الإيمان الصادق، فأخبر سبحانه بما استقر في نفوسهم الزكية من حقيقة الإيمان، والبلاء الحسن الذي أبلي به أولئك المؤمنون، هو ما أنعم الله به عليهم من الظفر بأعدائهم وغنيمتهم ما معهم، وإثبات ما لهم من الأجر على أعمالهم وجهادهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم، ذلك هو البلاء الحسن. وقد ذكر ابن جرير رحمه الله عن ابن إسحاق أنه قال في قوله تعالى: ((وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً)) [الأنفال:17] أي: ليعرِّف المؤمنين من نعمه عليهم في إظهارهم على عدوهم مع كثرة عددهم وقلة عددهم؛ ليعرفوا بذلك حقه، وليشكروا بذلك نعمته. اهـ([367]). وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)) [الأنفال:17]: فهذه الآية نزلت في شأن رميه صلى الله عليه وسلم المشركين يوم بدر بقبضة من الحصباء، فلم تدع وجه أحد منهم إلا أصابته. اهـ([368]). وروى ابن جرير الطبري بإسناده إلى محمد بن قيس ومحمد بن كعب القرظي أنهما قالا: «لما دنا القوم بعضهم من بعض، أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب فرمى بها في وجوه القوم، وقال: شاهت الوجوه، فدخلت في أعينهم كلهم، وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ويأسرونهم، وكانت هزيمتهم في رمية رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)) [الأنفال:17]»([369]). وقال العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ملء كفه من الحصباء، فرمى بها وجوه العدو، فلم تترك رجلاً منهم إلا ملأت عينيه، وشغلوا بالتراب في أعينهم، وشغل المسلمون بقتلهم؛ فأنزل الله في شأن هذه الرمية على رسوله: ((وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى)) [الأنفال:17]([370]). فالآية اشتملت على مدح أهل بدر والثناء عليهم بصفة الإيمان، التي هي من أعلى صفات الكمال التي يسعى لتحقيقها عباد الله المؤمنون بكل ما يمكنهم من العمل الصالح. 5- قال تعالى: ((إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ)) [آل عمران:124]. وقال تعالى: ((إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)) [الأنفال:11-12] فقوله تعالى ((إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ)) [آل عمران:124] وقوله: ((فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا)) [الأنفال:12] شهادة قاطعة يقينية على إثبات إيمان أهل بدر رضي الله عنهم، وكفى بهذه الشهادة شرفاً ورفعة لأولئك البدريين الأطهار، إذ هي شهادة صادرة من رب السموات والأرض وما بينهما، الذي يعلم الأمور على حقائقها وما هي عليه. قال ابن جرير رحمه الله تعالى عند الآية: ((إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ)) [آل عمران:124] بك من أصحابك، ((أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ)) [آل عمران:124] وذلك يوم بدر. اهـ([371]). وقد بين الله في الآية السابقة وهي قوله تعالى: ((إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ)) [الأنفال:11] الآية، أن المطر الذي أنزله على أرض بدر كان لهم فيه أربع فوائد هي: 1) تطهيرهم حسياً بالنظافة التي تنشط الأعضاء وتدخل السرور على النفس، وشرعياً بالغسل من الجنابة، والوضوء من الحدث الأصغر. 2) إذهاب رجس الشيطان عنهم ووسوسته. 3) الربط على قلوبهم، أي: توطين النفس على الصبر وتثبيتها، كما قال تعالى: ((وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)) [القصص:10]. 4) تثبيت أقدامهم؛ ذلك أن المطر لبّد الرمل وصيره بحيث لا تغوص فيه أرجلهم، فقدروا على مناجزة أعدائهم من المشركين([372]). وفي هذه الفوائد الأربع تكريم لأولئك البدريين رضوان الله عليهم أجمعين. وأما قوله تعالى: ((إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ)) [الأنفال:12]. وهذه الآية مع ما دلت عليه من إثبات إيمان أهل بدر، كذلك دلت صراحة على مشاركة الملائكة في قتال أعداء الدين من كفار قريش. وقد جاء في صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه، إذ ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم([373]) فنظر إلى المشرك أمامه فخر مستلقياً، فنظر إليه فإذا هو قد خطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط، فاخضر ذلك أجمع، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة...» الحديث([374]). وروى الإمام أحمد بإسناده إلى أبي داوُد المازني -وكان شهد بدراً - قال: (إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه، إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي، فعرفت أنه قتله غيري)([375]). وروى أيضاً رحمه الله بإسناده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه... قال: «جاء رجل من الأنصار قصير بـالعباس بن عبد المطلب أسيراً، فقال العباس: يا رسول الله إن هذا والله ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح([376]) من أحسن الناس وجهاً، على فرس أبلق([377]) ما أراه في القوم، فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله، فقال: اسكت فقد أيدك الله تعالى بملك كريم»([378]). فهذه الأحاديث صرحت بمشاركة الملائكة في قتال المشركين يوم بدر. قال العلامة ابن القيم: وكانت الملائكة يومئذ تبادر المسلمين إلى قتل أعدائهم. اهـ([379]). وإمداد الله تعالى لهم بالملائكة لم يكن دفعة واحدة، بل كان بالتدرج. قال الربيع بن أنس: (أمد الله المسلمين يوم بدر بألف، ثم زادهم فصاروا ثلاثة آلاف، ثم زادهم فصاروا خمسة آلاف)، قال الحافظ ابن حجر وكأنه جمع بذلك بين آيتي آل عمران والأنفال([380]). وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى الحكمة في قتال الملائكة مع الصحابة في بدر فقال: قال الشيخ تقي الدين السبكي: سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم، مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناحه؟ فقلت: وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتكون الملائكة مدداً على عادة مدد الجيوش؛ رعاية لصورة الأسباب وسنتها التي أجراها الله تعالى في عباده، والله تعالى هو فاعل الجميع، والله أعلم([381]). وفيما قدمنا من الآيات القرآنية إثبات لفضل تلك الفئة المؤمنة من البدريين، وكما ثبت فضلهم بنص القرآن الكريم، كذلك ورد في إثبات فضلهم الكثير من الأحاديث النبوية الصحيحة، ومنها ما يلي: 1- روى الإمام البخاري بإسناده إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد والزبير -وكلنا فارس- قال: انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ([382]) فإن بها امرأة من المشركين، معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين، فأدركناها تسير على بعير لها حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: الكتاب، فقالت: ما معي كتاب، وأنخناها، فالتمسنا فلم نر كتاباً فقلنا: ما كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتخرجن الكتاب، أو لنجردنك فلما رأت الجد أهوت إلى حجزتها -وهي محتجزة بكساء- فأخرجته، فانطلقنا بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما حملك، قال حاطب: والله ما بي أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم، أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق، ولا تقولوا له إلا خيراً، فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه، فقال: لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم. فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم»([383]).[/b] | |
|
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | موضوع: رد: بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي الأربعاء يوليو 13, 2016 2:16 pm | |
| فلله ما أعظم هذا التكريم لتلك الفئة المؤمنة من البدريين، وما أعظم فضلها عند المولى سبحانه وتعالى. قال الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث: ووقع الخبر بألفاظ منها: (فقد غفرت لكم) ومنها: (فقد وجبت لكم الجنة)، ومنها: (لعل الله اطلع)، لكن قال العلماء: إن الترجي في كلام الله وكلام رسوله للوقوع، ثم قال: وقد استشكل قوله: (اعملوا ما شئتم)، فإن ظاهره أنه للإباحة، وهو خلاف عقد الشرع، وأجيب بأنه إخبار عن الماضي -أي: كل عمل كان لكم فهو مغفور، ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقل بلفظ الماضي، ولقال: فسأغفره لكم، وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب به عمر منكراً عليه ما قال في أمر حاطب، وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين، فدل على أن المراد ما سيأتي، وأورده في لفظ الماضي مبالغة في تحقيقه، وقيل: إن صيغة الأمر في قوله: (اعملوا) للتشريف والتكريم، والمراد: عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك، وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السابقة، وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت، أي: كل ما عملتموه بعد هذه الوقعة من أي عمل كان فهو مغفور.. وقيل: إن المراد: ذنوبهم تقل إذا وقعت مغفورة. وقيل: هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم. وفيه نظر ظاهر لقصة قدامة بن مظعون، حيث شرب الخمر في أيام عمر وحدّه... واتفقوا على أنْ البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة، لا بأحكام الدنيا: من إقامة الحدود وغيرها، والله أعلم([b][384]). وقال النووي: قال العلماء: معناه الغفران لهم في الآخرة، وإلا فإن توجه على أحد منهم حد أو غيره أقيم عليه في الدنيا، نقل القاضي عياض الإجماع على إقامة الحد، وأقامه عمر على بعضهم، قال: وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسطحاً الحد وكان بدرياً. اهـ([385]). وقال المناوي شارحاً لهذا الحديث: اعملوا ما شئتم أن تعملوا، فإني غفرت لكم ذنوبكم أي: سترتها فلا أؤاخذكم بها لبذلكم مهجكم في الله ونصر دينه، والمراد إظهار العناية بهم، وإعلاء رتبتهم، والتنويه بإكرامهم والإعلام بتشريفهم وإعظامهم، لا الترخيص لهم في كل فعل، كما يقال للمحب: افعل ما شئت، أو هو على ظاهره، والخطاب لقوم منهم على أنهم لا يقارفون بعد بدر ذنباً، وإن قارفوه لم يصروا، بل يوفقون لتوبة نصوح، فليس فيه تخييرهم فيما شاءوا، وإلا لما كان أكابرهم بعد ذلك أشد خوفاً وحذراً مما كانوا قبله. اهـ([386]). 2- روى الإمام مسلم رحمه الله تعالى بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه، أن عبداً لـحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً، ذفقال: «يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبت، لا يدخلها فإنه شهد بدراً والحديبية»([387]). هذا الحديث فيه شهادة لـحاطب بدخول الجنة، رغم أنه كان يريد أن يعلم قريشاً بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، كما أن فيه التصريح بعدم دخول النار لمن شهد بدراً والحديبية. 3- وروى الإمام البخاري رحمه الله بإسناده إلى رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه -وكان أبوه من أهل بدر - قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ما تعدون أهل بدر فيكم؟ قال: من أفضل المسلمين -أو كلمة نحوها- قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة»([388]). وهذا الحديث تضمن بيان درجة أهل بدر، ويبين أن لهم درجة كبيرة، ومنزلة عظيمة عند الله جل وعلا، فقد نالوا ذلك الفضل وتلك المنزلة بسبب ما قدموه في هذه الحياة الدنيا من جهد في نصرة الإسلام، وقمع عبدة الأصنام، وما وقر في قلوبهم الطيبة من حقيقة الإيمان، فكون الملائكة تقاس بهم؛ فإن ذلك من أعظم الأدلة على علو قدرهم، وارتفاع درجتهم عند الله تعالى، فرضوان الله عليهم أجمعين. 4- وروى البخاري رحمه الله بإسناده أيضاً إلى أن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «أصيب حارثة([389]) يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى تر ما أصنع، فقال: ويحك -أو هبلت- أوَجنة هي؟ إنها جنان كثيرة، وإنه في جنة الفردوس»([390]). ورواه بلفظ آخر بإسناده إلى أنس رضي الله عنه: «أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بن سراقة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا نبي الله ألا تحدثني عن حارثة - وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم غرب([391])- فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، قال: يا أم حارثة إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى»([392]). قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى بعد ذكره حديث حارثة هذا: وفي هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر، فإن هذا لم يكن في بحيحة القتال ولا في حومة الوغى، بل كان من النظارة من بعيد، وإنما أصابه سهم غرب وهو يشرب من الحوض، ومع هذا أصاب بهذا الموقف الفردوس التي هي أعلى الجنان، وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، التي أمر الشارع أمته إذا سألوا الله الجنة أن يسألوه إياها، فإذا كان هذا حال هذا، فما ظنك بمن كان واقفاً في نحر العدو، وعدوهم على ثلاثة أضعافهم عدداً وعُدداً. اهـ([393]). 5- وجاء في مجمع الزوائد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلاً من الأنصار عمي، فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اجتمع إليه قومه، فتغيب رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما فعل فلان؟ فذكره بعض القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد شهد بدراً؟ قالوا: نعم، ولكنه كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم»([394]). 6- وفيه أيضاً من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأرجو أن لا يدخل النار من شهد بدراً إن شاء الله»([395]). 7- وروى الحاكم بإسناده إلى عبد الرحمن بن عوف قال: كلم طلحة بن عبيد الله عامر بن فهيرة بشيء، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مهلاً يا طلحة فإنه قد شهد بدراً كما شهدت، وخيركم خيركم لمواليه»، ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه([396]). 8- ومن مناقب أهل بدر التي دلت على علو شأنهم، ورفعة مكانتهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين أنهم كتيبة الإيمان وعصابة الإسلام التي كان لها السبق في نصر دين الإسلام وإعلاء كلمته، وأن جهادهم في موقعة بدر كان من أعظم الأسباب في أن يعبد الله وحده لا شريك له على وجه الأرض. فقد روى الإمام مسلم بإسناده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيِ الدعاء الذي دعا به يوم بدر: «اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام، لا تعبد في الأرض»([397]). ذلك هو الثناء في الكتاب والسنة على تلك الفئة المؤمنة من البدريين الفضلاء، فقد أوضح الله ورسوله مكانتهم أتم وضوح، فقد كانوا في القمة من الكمال، وما حصل لهم ذلك إلا باستجابتهم لربهم تبارك وتعالى على الوجه المطلوب، في امتثال الأوامر واجتناب النواهي، ولذلك كان جزاؤهم أن وفقهم الله لصالح الأعمال في الدنيا، وفازوا بالجنة في الأخرى. والذي أخلص إليه مما تقدم: أن الله تعالى أثنى على أهل بدر ثناءً حسناً، وبين النبي صلى الله عليه وسلم مكانتهم وفضلهم في كثير من الأحاديث، وقد ذكرنا بعضها فيما تقدم، فقد بين عليه الصلاة والسلام أنهم مغفور لهم، وأن من شهد بدراً لا يدخل النار، وذلك نتيجة لما وقر في قلوبهم من الإيمان الذي ظهرت براهينه في أعمالهم، وبسبب ذلك نصرهم الله على عدوهم في موقعة بدر رغم قلة عددهم وعدتهم، ففتح الله عليهم، وأخزى أئمة الكفر، وشفى صدورهم رضي الله عنهم في أعداء الله وأعداء رسوله والمؤمنين. قال العلامة ابن القيم: ثم ارتحل -أي رسول الله صلى الله عليه وسلم- بعد انتهاء معركة بدر مؤيداً منصوراً، قرير العين بنصر الله له، ومعه الأسارى والمغانم([398]). فكان هذا اليوم يوم سعد وفوز للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكان يوم نحس وشؤم على الكافرين والمشركين، وذلك لاختلاف الأعمال. قال العلامة ابن القيم: فسعود الأيام ونحوسها: إنما هو لسعود الأعمال وموافقتها لمرضاة الرب، ونحوس الأعمال إنما هو بمخالفتها لما جاءت به الرسل، واليوم الواحد يكون يوم سعد لطائفة، ونحس لطائفة، كما كان يوم بدر يوم سعد للمؤمنين، ويوم نحس على الكافرين. اهـ([399]). المبحث الثالث: الثناء على أهل أحد: ([400]). لقد جاء الثناء في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام على تلك الفئة المؤمنة من الصحابة رضي الله عنهم، الذين حضروا موقعة أحد بغية نصرة دين الله تعالى، ونصرة سيد الخلق المبعوث بدين الإسلام الذي ارتضاه الله لعباده ديناً. وكانت موقعة أحد في نصف شوال في السنة الثالثة للهجرة أول نهار السبت([401]) وفي فتح الباري: لإحدى عشرة ليلة خلت منه، وقيل: لسبع، وقيل: لثمان، وقيل: لتسع([402]). وذلك لما قتل الله أشراف قريش بـبدر، وأصيبوا بمصيبة لم يصابوا بمثلها؛ ورأس فيهم أبو سفيان بن حرب لذهاب أكابرهم... أخذ يؤلب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المسلمين ويجمع الجموع، فجمع قريباً من ثلاثة آلاف من قريش والحلفاء والأحابيش، وجاءوا بنسائهم لئلا يفروا وليحاموا عنهن، ثم أقبل بهم نحو المدينة، فنزل قريباً من جبل أحد بمكان يقال له: عينين... واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه: أيخرج إليهم، أم يمكث في المدينة؟ وكان رأيه ألا يخرجوا من المدينة، وأن يتحصنوا بها، فإن دخلوها قاتلهم المسلمون على أفواه الأزقة، والنساء من فوق البيوت، ووافقه على هذا الرأي عبد الله بن أبي، وكان هو الرأي، فبادر جماعة من فضلاء الصحابة ممن فاته الخروج يوم بدر، وأشاروا عليه بالخروج، وألحوا عليه في ذلك، وأشار عبد الله بن أبي بالمقام في المدينة، وتابعه على ذلك بعض الصحابة، فألح أولئك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهض ودخل بيته ولبس لامته، وخرج عليهم، وقد انثنى عزم أولئك وقالوا: أكرهنا رسول الله صلى عليه وسلم على الخروج، فقالوا: يا رسول الله إن أحببت أن تمكث في المدينة فافعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه»([403]). فخرج عليه الصلاة والسلام في ألف من الصحابة بيوم الجمعة، فلما صار بالشوط بين المدينة وأحد، رجع عنه عبد الله بن أبي بثلث الناس([404]) وقال: أطاعهم وعصاني، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس؟ فرجع بمن اتبعه من قومه من أهل النفاق والريب، واتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام أخو بني سلمة يقول: يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم، فقالوا: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال، قال: فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم، قال: أبعدكم الله أعداء الله، فسيغني الله عنكم نبيه.([405]). وهكذا أخرج الله المنافقين مع رئيسهم من بين المؤمنين حقاً، الذين هم أهل لتخليد ذكراهم بالثناء الجميل في الكتاب العزيز والسنة النبوية المطهرة، ويذكرون بهذا الثناء الطيب على مر الأيام والليالي إلى يوم القيامة، وكان عددهم رضي الله عنهم سبعمائة فيهم خمسون فارساً([406])، ولقد جاء الثناء عليهم في القرآن في غير ما آية: 1- قال تعالى: ((وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [آل عمران:121] هذه الآية تضمنت الثناء البالغ على أهل أحد، بشهادة الله تعالى لهم بحقيقة الإيمان الذي حل واستقر في قلوبهم الطيبة، وفي هذه الشهادة فضيلة أيما فضيلة لمن حضر من الصحابة موقعة أحد. وقد اختلف السلف رحمهم الله تعالى في المراد بهذه الآية. فقال بعضهم: عنى بذلك يوم أحد. قال حبر الأمة عبد الله بن عباس في قوله: ((وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ)) [آل عمران:121] قال: هو يوم أحد. وقال قتادة: ذلك يوم أحد، غدا نبي الله صلى الله عليه وسلم من أهله إلى أحد يبوئ المؤمنين، وبهذا القول قال مجاهد والربيع بن أنس والسدي وابن إسحاق. وقال بعضهم: عنى بذلك يوم الأحزاب. وهذا القول ذهب إليه مجاهد في رواية عنه والحسن ومقاتل والكلبي، وفي رواية عن الحسن أيضاً أنه يوم بدر. وأرجحها هو ما ذهب إليه الجمهور، وهو أن المراد من ذلك يوم أحد؛ لأن الله تعالى قال في الآية التي بعدها: ((إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا)) [آل عمران:122]، ولا خلاف بين أهل التفسير أنه عنى بالطائفتين بنو سلمة وبنو حارثة، ولا خلاف بين أهل السير والمعرفة بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن الذي ذكر الله من أمرهما إنما كان يوم أحد دون يوم الأحزاب([407]). قال ابن كثير رحمه الله تعالى بعد قوله تعالى: ((وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ)) [آل عمران:121] الآية: المراد بهذه الوقعة يوم أحد عند الجمهور، قاله ابن عباس وقتادة والسدي وغير واحد([408]). فالآية اشتملت على منقبة عظيمة لجميع الصحابة الذين حضروا موقعة أحد -بغية نصرة دين الإسلام، وإذلال الشرك وخفض رايته بالجهاد في سبيل الله- وتلك المنقبة التي تضمنتها الآية: هي إخبار الله جل وعلا بثبوت حقيقة الإيمان ورسوخه في قلوبهم الطاهرة النقية رضي الله عنهم أجمعين. 2- وقال تعالى: ((إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ)) [آل عمران:122]. هذه الآية فيها ثناء ومدح عظيم على الطائفتين اللتين همتا بالفشل، وهاتان الطائفتان بنو سلمة وبنو حارثة، كانتا في يوم أحد جناحي معسكر الإيمان، والهم الذي همت به هاتان الطائفتان هو الانصراف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وذلك حين انصرف ابن أبي بثلث الناس، وهذا الهم الذي حصل لهما لم يكن عن شك في الإسلام، أو نفاق، حاشاهما من ذلك، وإنما كان نتيجة عارض الضعف وشيء من الجبن عن لقاء العدو، ولكن الله تعالى تدارك الطائفتين بالعصمة مما كانا قد هما به، فقويت عزائمهم وثبتوا على الرشد، ومضوا لقتال أهل الشرك تحت راية الإسلام مع سيد الأنام عليه الصلاة والسلام. والثناء الذي حظيت به هاتان الطائفتان هو أن الآية ناطقة مفصحة بأن الله وليهم، وأن تلك الهمة التي هموها ما أخرجتهم من ولاية الله تعالى، وفي هذا من الشرف العظيم لهاتين الطائفتين ما لا يعلمه إلا الله، فقد روى الشيخان من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: فينا نزلت: ((إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا)) [آل عمران:122] بنو سلمة وبنو حارثة، وما نحب أنها لم تنزل، لقول الله عز وجل: (وليهما)([409]). حق لـجابر رضي الله عنه أن يسر ويفرح بالتنويه بهذه المنقبة العظيمة؛ لأن ولاية الله لا يظفر بها إلا المؤمنون والصالحون من عباده. قال تعالى: ((اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)) [البقرة:257]. وقال: ((إِنَّ وَلِيِّي اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)) [الأعراف:196]. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى شارحاً لحديث جابر: قوله: نزلت هذه الآية فينا أي: في قومه بني سلمة وهم من الخزرج، وفي أقاربهم بني حارثة وهم من الأوس. وقوله: وما أحب أنها لم تنزل والله يقول: (وليهما) أي: وإن الآية وإن كان في ظاهرها غض منهم، لكن في آخرها غاية الشرف لهم، قال ابن إسحاق: قوله: (والله وليهما) أي: الدافع عنهما ما هموا به من الفشل؛ لأن ذلك كان من وسوسة الشيطان من غير وهن منهما([410]). فالآية تضمنت منقبة عظيمة للطائفتين اللتين هما بنو سلمة وبنو حارثة، حيث صرحت الآية بولاية الله لهما، وحفظهما مما كانا قد هما به، وهو الانصراف عن الرسول صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين يوم أحد، وأن ذلك الهم لم يخرجهما من ولاية الله لهما. 3- وقال تعالى: ((وَلَقَدْ صَدَقَكُمْ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) [آل عمران:152]. هذه الآية تحمل في طياتها الثناء على أهل أحد، وهذا الثناء هو صدق الله لهم ما وعدهم به من النصر على أعدائهم، وعفوه تعالى عنهم لما وقع من بعضهم من فشل وتنازع في أمر الحرب، وإرادة الحياة الدنيا: وبين تعالى أن ذلك من فضله على أولئك الصفوة رضي الله عنهم. كما تضمنت الثناء على بعضهم بإرادتهم الآخرة قبل الدنيا، والثناء عليهم جميعاً بتحقيقهم الإيمان الذي هو ينبوع كل خير، والدافع إلى كل بر، وإلى كل ما يحقق للإنسان السعادة في دنياه وآخرته، وقد يخطر على بال إنسان فيقول: إن الله -جل وعلا- قد أخبر أن في أهل أحد من يريد الدنيا، وذلك بقوله في الآية: ((مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا)) [آل عمران:152]، ويجاب عن هذا أن ذلك لا يقدح في حقيقة إيمانهم؛ دل على هذا تمام الآية، فقد أخبر تعالى أنه قد عفا عنهم، وبين أن ذلك العفو كان فضلاً منه تعالى تفضل به عليهم بسبب إيمانهم، قال تعالى في ختام الآية: ((وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) [آل عمران:152]. وهذا من تمام نعمه جل وعلا على عباده المؤمنين، حيث نصرهم أولاً في وقعة أحد، ثم عفا عن المخطئين بترك مقاعدهم التي أمرهم الرسول بلزومها وعدم تركها ثانياً؛ لأنه تعالى ذو الفضل والطول والإحسان([411]). روى ابن جرير بإسناده إلى ابن إسحاق أنه قال: ((وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)) [آل عمران:152] يقول: وكذلك منَّ الله على المؤمنين أن عاقبهم ببعض الذنوب في عاجل الدنيا أدباً وموعظة، فإنه غير مستأصل لكل ما فيهم من الحق له عليهم لما أصابوا من معصيته؛ رحمة لهم وعائدة عليهم لما فيهم من الإيمان. اهـ([412]). 4- قال تعالى مادحاً أهل أحد، عندما ندبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لتعقب جيش الشرك، الذي جاء إلى أحد بقيادة أبي سفيان بعد انتهاء معركة أحد: ((الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)) [آل عمران:172-174]. هذه الآيات اشتملت على مدح عظيم للصحابة رضي الله عنهم، الذين حضروا مع النبي صلى الله عليه وسلم وقعة أحد، فقد مدحهم الله تعالى بالاستجابة لله والرسول حينما ندبهم صلى الله عليه وسلم لتعقب أبي سفيان في اليوم الثاني من غزوة أحد، وقد أجابوا الدعوة ولبوا النداء، وأتوا بالمطلوب منهم على أكمل وجه، واتقوا عاقبة تقصيرهم على ما هم عليه من جراح وآلام أصابتهم. وقد وعد تعالى المحسنين المتقين منهم بالثواب العظيم، وقد فعلوا رضي الله عنهم ما وعدهم الثواب عليه. كما أثنى عليهم تبارك وتعالى بقوة الإيمان وزيادته والصبر على البلاء، وتفويضهم كل الأمور باللجأ إلى الله تعالى، كما أخبر تعالى أنه أكرمهم بأن انقلبوا إلى أهليهم وقد تظاهرت عليهم نعم الله، فسلموا من تدبير عدوهم، وأطاعوا رسولهم، وفازوا بالأجر الكريم، ولم يمسسهم قتل ولا أذى، كما أثنى عليهم تعالى بأنهم اتبعوا -في كل ما أتوا من قول أو فعل- رضا الله الذي هو وسيلة النجاة والسعادة في الدنيا والآخرة، فأطاعوا رسوله في كل ما به أمر، وعنه نهى، وقد بين تعالى أنه تفضل عليهم بزيادة الإيمان، والتوفيق إلى المبادرة إلى الجهاد، والجرأة على العدو وحفظهم من كل ما يسوؤهم. وقد اتفق العلماء أن المراد بالذين استجابوا لله والرسول في قوله: ((الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ)) [آل عمران:172] هم المهاجرون والأنصار، الذين حضروا معه صلى الله عليه وسلم وقعة أحد، قال العلامة ابن جرير رحمه الله تعالى بعد قوله عز وجل: ((الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ)) [آل عمران:172] الآية: يعني بذلك جل ثناؤه: وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين المستجيبين لله والرسول من بعد ما أصابهم الجراح والكلوم، وإنما عنى الله تعالى ذكره بذلك الذين اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد، في طلب العدو أبي سفيان ومن كان معه من مشركي قريش منصرفهم من أحد؛ وذلك أن أبا سفيان لما انصرف عن أحد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في إثره حتى بلغ حمراء الأسد -وهي على ثمانية أميال من المدينة - ليرى الناس أن به وأصحابه قوة على عدوهم([413]). وقال الإمام البخاري رحمه الله تعالى: ((الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ)) [آل عمران:172]، الآية ثم ساق بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت لـعروة: «يا ابن أختي كان أبواك منهم: الزبير وأبو بكر - لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد وانصرف عنه المشركون؛ خاف أن يرجعوا قال: من يذهب في أثرهم؟ فانتدب منهم سبعون رجلاً قال: كان فيهم أبو بكر والزبير»([414]). فالإمام البخاري بين لنا سبب نزول الآية، وأنها تتعلق بـأحد، وأن الذين خرجوا لطلب العدو بلغوا سبعين رجلاً منهم: أبو بكر والزبير بن العوام. وأخرج ابن جرير الطبري بإسناده إلى ابن عباس أن منهم: أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً والزبير وسعداً وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن مسعود وحذيفة بن اليمان وأبا عبيدة بن الجراح([415]). وذكر القرطبي أنه نهض مع النبي صلى الله عليه وسلم مائتا رجل من المؤمنين. اهـ([416]). فالآية اشتملت على المدح والثناء على الصحابة من أهل أحد بالاستجابة والطاعة لله جل وعلا في جميع أوامره، وطاعتهم الرسول عليه الصلاة والسلام طاعة يرجون من ورائها ثواب الله تعالى، ولم يمنعهم من ذلك ما بهم من جروح وكلوم أصابتهم في سبيل الله يوم أحد، بل خرجوا إلى حمراء الأسد ممتثلين لندب الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم، متلذذين بتلك الطاعة التي أنستهم كل ألم، وكل أذى أصابهم في ذات الله، وزادهم ذلك قوة وجراءة واستعداداً لمواجهة أهل الشرك وقتالهم؛ حتى يدخلوا في دين الله الحق، فلقد أحسنوا رضي الله عنهم في الإجابة إلى الغزو واتقوا معصية الرسول والتخلف عنه؛ فأكرمهم الله عز وجل بالثواب الجزيل العظيم وهو الجنة، رضي الله عنهم وأرضاهم، وأكرمنا بفضله معهم. وأما قوله تعالى: ((الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)) [آل عمران:173] هذه الآية أيضاً فيها إخبار بأن (هذه الصفة من صفة الذين استجابوا لله والرسول، والناس الأولى -في هذه الآية- هم قوم كان أبو سفيان سألهم أن يثبطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين خرجوا في طلبه بعد منصرفه عن أحد إلى حمراء الأسد، والناس الثانية: هم أبو سفيان وأصحابه من قريش الذين كانوا معه بـأحد، وقوله: ((قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ)) [آل عمران:173] أي: قد جمعوا الرجال للقائكم، والكرة إليكم لحربكم ((فَاخْشَوْهُمْ)) [آل عمران:173] فاحذروهم واتقوا لقاءهم، فإنه لا طاقة لكم بهم ((فَزَادَهُمْ إِيمَاناً)) [آل عمران:173] أي: فزادهم ذلك من تخويف من خوفهم أمر أبي سفيان وأصحابه من المشركين يقيناً إلى يقينهم، وتصديقاً لله ولوعده، ووعد رسوله إلى تصديقهم، ولم يثنهم ذلك عن وجههم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسير فيه، ولكن ساروا حتى بلغوا رضوان الله منه، وقالوا ثقة بالله، وتوكلاً عليه -إذ خوفهم من خوفهم أبا سفيان وأصحابه من المشركين-: ((حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)) [آل عمران:173] أي: كفانا الله وهو نعم المولى لمن وليه وكفله... فلما كان القوم الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآية، قد كانوا فوضوا أمرهم إلى الله ووثقوا به، وأسندوا ذلك إليه؛ وصف نفسه بقيامه لهم بذلك وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة، فقال: ونعم الوكيل الله تعالى لهم([417]). هذه صفة أهل الإيمان والتقوى من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث توعدهم الناس بالجموع، وخوفوهم بكثرة الأعداء، فما اكترثوا لذلك، بل توكلوا على الله واستعانوا به([418]). فالآية تضمنت ثناء الله عليهم بقيلهم: ((حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)) [آل عمران:173]، وأن تخويف الناس لهم بكثرة عددهم وقوة عدتهم زادهم تصديقاً ويقيناً في دينهم، وإقامة على نصرتهم لدين الإسلام، معتمدين على الله عز وجل في كل الأمور، وبهذه الصفات الطيبة كانوا أصفى خلق الله وخيرتهم بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. وأما قوله عز وجل: ((فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ)) [آل عمران:174] ففيها أيضاً ثناء جميل وإكرام عظيم للذين استجابوا لله وللرسول من بعد ما أصابهم القرح، فقد أكرمهم الله بأن رجعوا سالمين من حمراء الأسد، فلم يلقوا عدواً بحيث كفاهم الله ما أهمهم ورد عنهم بأس الذين كفروا بقذف الخوف والرعب في قلوبهم، ثم أثنى عليهم باتباعهم رضوان الله الذي هو مناط كل خير وسعادة في الدنيا والآخرة، فاتبعوا أمر الله وابتعدوا عن نهيه، واتبعوا رسوله حين ندبهم للخروج، ولذلك تفضل الله عليهم بالتوفيق والسداد فيما فعلوا، وظفروا بالأجر العظيم والثواب الجزيل لاتباعهم ما يرضي الله ورسوله([419]). قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: قال تعالى: ((فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)) [آل عمران:174] أي: لما توكلوا على الله كفاهم ما أهمهم، ورد عليهم بأس من أراد كيدهم، فرجعوا إلى بلدهم ((بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ)) [آل عمران:174] مما أضمر لهم عدوهم. اهـ([420]). 5- أثنى الله تبارك وتعالى ثناءً حسناً على الشهداء، والذين لحقوا بالرفيق الأعلى يوم أحد، وهم مقاتلون في سبيل الله تعالى؛ وفاء منهم بصدق ما عاهدوا الله تعالى عليه، وقد جاء الثناء عليهم بالذكر الحسن في أربع آيات من الكتاب العزيز: قال تعالى: ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)) [آل عمران:169-171] وقال تعالى: ((مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)) [الأحزاب:23]. هذه الآيات بين الله تعالى فيها مكانة الشهداء وعلو درجتهم، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وفرحون بما آتاهم الله من الكرامة والفضل، وأنهم يستبشرون بإخوانهم الذين لم يلحقوا بهم بما أنعم الله به عليهم من فضل، وأنه لا خوف عليهم ولا حزن؛ لأن الدار التي انتقلوا إليها هي دار الحياة والفرح، لا حزن فيها ولا نغص في عيشها، وقد كان عدد هؤلاء الشهداء الذين استشهدوا في أحد سبعين شهيداً كما في صحيح البخاري([421]) رحمه الله تعالى منهم. ستة من المهاجرين منهم: سيد الشهداء حمزة ومصعب وعبد الله بن جحش وشماس بن عثمان وثقف بن عمرو، وهذا يوافق ما رواه أبو عبد الله الحاكم عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون رجلاً ومن المهاجرين ستة فمثلوا بهم وفيهم حمزة....) الحديث([422]). فقوله تعالى: ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)) [آل عمران:169] هذه الآية تضمنت النهي عن ظن الموت بالشهداء، ودلت على أنهم أحياء عند ربهم يرزقون، والخطاب موجه للنبي صلى الله عليه وسلم، يقول: ولا تحسبنهم يا محمد أمواتاً لا يحسون شيئاً ولا يلتذون ولا يتنعمون، فإنهم أحياء عندي متنعمون في رزقي، فرحون مسرورون بما آتيتهم من كرامتي وفضلي، وحبوتهم به من جزيل ثوابي وعطائي([423]). قال الحافظ ابن كثير بعد الآية ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً)) [آل عمران:169] الآية: يخبر تعالى عن الشهداء بأنهم وإن قتلوا في هذه الدار، فإن أرواحهم حية مرزوقة في دار القرار. اهـ([424]). فالآية دلت على فضيلة عظيمة للشهداء، وهي أن من لم ينهزم فقتل، له الكرامة والحياة عند الله تعالى. وأمَّا قوله تعالى: ((فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [آل عمران:170]، هذه الآية اشتملت على تكريم عظيم لأولئك الشهداء، وهو أنهم فرحون بما أعطاهم الله من الثواب والكرامة والإحسان والإفضال في دار النعيم، ويفرحون ويسرون بإخوانهم الذين تركوهم أحياء في الحياة الدنيا على منهج الإيمان والجهاد؛ لعلمهم بأنهم إذا ماتوا في سبيل الله لحقوا بهم ونالوا من الكرامة مثل ما نالوا، فهم بذلك مستبشرون. وبيَّن تعالى أنه لا خوف عليهم؛ لأنهم قد أمنوا عقاب الله وأيقنوا برضاه عنهم، فقد أمنوا الخوف الذي كانوا يخافونه من ذلك في الدنيا، ولا هم يحزنون على ما خلفوا وراءهم من أسباب الدنيا ونكد عيشها؛ للحظ الذي صاروا إليه والدعة والزلفة([425]) وهذا من أعظم التكريم الذي يكرم الله به من يشاء من عباده، الذين بذلوا أنفسهم للجهاد في سبيل الله من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه الحنيف. وأما قوله تعالى: ((يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ)) [آل عمران:171] وهذه الآية بين الله تعالى فيها أن الشهداء يستبشرون بما رزقوا من النعيم والفضل، وهذا الاستبشار في هذه الآية كان لأنفسهم، وأما الاستبشار الأول الذي في الآية المتقدمة قبل هذه، فإنه كان لغيرهم من إخوانهم المؤمنين الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم، وختم الله هذه الآية بالإخبار بأنه تعالى كما لا يضيع أجر المجاهدين والشهداء، كذلك لا يضيع أجر المؤمنين. قال العلامة ابن جرير الطبري: يقول جل ثناؤه: (يستبشرون): يفرحون، (بنعمة من الله) يعني: بما حباهم به تعالى ذكره من عظيم كرامته عند ورودهم عليه، (وفضل) يقول: وبما أسبغ عليهم من الفضل وجزيل الثواب على ما سلف منهم من طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وجهاد أعدائه.... ومعنى قوله: (لا يضيع أجر المؤمنين): لا يبطل جزاء أعمال من صدق رسوله واتبعه، وعمل بما جاءه من عند الله.. ثم روى بإسناده إلى محمد بن إسحاق في قوله: ((يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ)) [آل عمران:171] الآية قال: سروا لما عاينوا من وفاء الموعود وعظيم الثواب([426]). فالآية اشتملت على التنويه باستبشار شهداء أحد بمغفرة الله تعالى لهم وفضله عليهم، حين قدموا على ربهم تبارك وتعالى. وأما قوله تعالى: ((مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)) [الأحزاب:23]؛ هذه هي الآية الرابعة التي سبقت في الثناء على شهداء أحد، فقد بين تعالى فيها أن من الصحابة الذين حضروا غزوة أحد رجالاً قاموا بما عاهدوا الله تعالى عليه، ووفوا بما نذروا به، فصبروا على الجهاد حتى استشهدوا في سبيل الله تعالى من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة دينه، ومنهم من بقي بعد أولئك الشهداء وهم ينتظرون أحد الأمرين: إما الشهادة أو النصرة، وكانوا على عهدهم فلم يغيروه أو يبدلوه -رضي الله عنهم- حتى لقوا ربهم تبارك وتعالى، ورضي الله عنهم أجمعين. قال العلامة ابن جرير الطبري: يقول تعالى ذكره: ((مِنْ الْمُؤْمِنِينَ)) [الأحزاب:23] بالله ورسوله ((رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)) [الأحزاب:23] يقول: أوفوا بما عاهدوه عليه من الصبر على البأساء والضراء وحين البأس، ((فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ)) [الأحزاب:23] يقول: فمنهم من فرغ من العمل الذي كان أنذره لله وأوجبه له على نفسه، فاستشهد بعض يوم بدر، وبعض يوم أحد، وبعض في غير ذلك من المواطن، ((وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ)) [الأحزاب:23] قضاءه والفراغ منه، كما قضى من مضى منهم على الوفاء لله بعهده، والنصر من الله والظفر على عدوه، والنحب: النذر في كلام العرب، وللنحب أيضاً في كلامهم وجوه غير ذلك، منها: الموت... وقوله: (وما بدلوا تبديلاً): وما غيّروا العهد الذي عاقدوا ربهم تغييراً، كما غيّره المعوقون القائلون لإخوانهم: (هلم إلينا) والقائلون: (إن بيوتنا عورة). اهـ([427]). فالآية تضمنت الثناء والمدح على شهداء أحد بتحقيقهم الإيمان الكامل، والثناء عليهم بالصدق والوفاء، فما عرف منهم مغيّر، وما وجد من جماعتهم مبدل رضي الله عنهم، وكل الآيات المتقدمة بيَّن الله تعالى فيها أن ما حصل يوم أحد كان ابتلاء؛ ليتميز أهل النفاق من أهل الإيمان الصادق، وبين سبحانه أن من لم ينهزم في موقعة أحد فقتل له الكرامة، وذلك أن الشهداء أحياء في الجنة يرزقون، ولا محالة أنهم ماتوا، وأن أجسادهم في التراب، وأرواحهم حية كأرواح سائر المؤمنين، ذلك هو الثناء في القرآن على أهل أحد. أمَّا الأحاديث التي وردت في السنة المطهرة فكثيرة، وفيها بيان فضلهم رضي الله عنهم، وبيان منزلتهم، منها ما هو عام، ومنها ما هو خاص ومن ذلك ما يلي: 1- روى الإمام أحمد بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أصيب إخوانكم بـأحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر، ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم، قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله عز وجل: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات على رسوله: ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ)) [آل عمران:169]»([428]). 2- وأخرج الحاكم بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (نزلت هذه الآية في حمزة وأصحابه ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ)) [آل عمران:169)]([429]). 3- وروى الإمام مسلم بإسناده إلى مسروق قال: (سألنا عبد الله -هو ابن مسعود - عن هذه الآية ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ)) [آل عمران:169] قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئاً؟ قالوا: أي شيء نشتهي؟ ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا)([430]).[/b] | |
|
 | |
عمر
عدد المساهمات : 1369 تاريخ التسجيل : 28/09/2008
 | موضوع: رد: بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي الأربعاء يوليو 13, 2016 2:19 pm | |
| هذه الأحاديث المتقدمة فيها بيان إكرام الله تعالى للشهداء على وجه الخصوص، فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (فقال لهم الله: هل تشتهون شيئاً...) إلخ الحديث هذا فيه مبالغة في إكرامهم وتنعيمهم، إذ قد أعطاهم الله ما لا يخطر على قلب بشر، ثم رغبهم في سؤال الزيادة فلم يجدوا مزيداً على ما أعطاهم، فسألوه -حين رأوه أنه لا بد من سؤال- أن يرجع أرواحهم إلى أجسادهم؛ ليجاهدوا ويبذلوا أنفسهم في سبيل الله تعالى، ويستلذوا بالقتل في سبيله([431]). 4- وروى الإمام الترمذي بإسناده إلى طلحة بن خراش قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: «لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما لي أراك منكسراً؟ قلت: يا رسول الله استشهد أبي وترك عيالاً وديناً، قال: ألا أبشرك بما لقي الله به أباك، قال: بلى يا رسول الله قال: ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجابه، وأحيا أباك فكلمه كفاحاً([432]) فقال: تمن علي أعطيك قال: يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية، قال الرب تبارك وتعالى: إنه قد سبق مني أنهم لا يرجعون. قال: وأنزلت هذه الآية ((وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً)) [آل عمران:169] الآية» ثم قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، ولا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم، ورواه علي بن عبد الله بن المديني وغير واحد من كبار أهل الحديث، هكذا عن موسى بن إبراهيم، وقد روى عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر شيئاً من هذا([433]). قال الزرقاني شارحاً لقوله في الحديث: (ما كلم الله أحداً قط) يعني: لم يكلم أحداً غير من قام الدليل على تكليمهم بلا واسطة: كالمصطفى عليه الصلاة والسلام، وموسى عليه السلام، أو المراد من هؤلاء الشهداء كما يرشد إليه السياق) اهـ([434]). وأخرج ابن جرير بإسناده إلى أنس: أن سبب نزول الآية قتلى بئر معونة. وقال العلامة الشوكاني: وعلى كل حال فالآية باعتبار عموم لفظها يدخل تحتها كل شهيد. اهـ([435]). 5- ما رواه الشيخان بإسنادهما إلى جابر بن عبد الله يقول: «لما كان يوم أحد جيء بأبي([436]) مسجى وقد مثل به قال: فأردت أن أرفع الثوب فنهاني قومي، ثم أردت أن أرفع الثوب فنهاني قومي، فرفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر به فرفع، فسمع صوت باكية أو صائحة فقال: من هذه؟ فقالوا: بنت عمرو أو أخت عمرو، فقال: ولم تبكي فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع». وفي رواية أنه قال: «تبكيه أو لا تبكيه، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه»([437]). قال النووي رحمه الله تعالى مبيناً هذا التكريم والمنقبة التي نالها والد جابر بن عبد الله: قوله صلى الله عليه وسلم: (فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع) قال القاضي: ويحتمل أن ذلك لتزاحمهم عليه لبشارته بفضل الله ورضاه عنه، وما أعد له من الكرامة عليه، ازدحموا عليه إكراماً له وفرحاً به، أو أظلوه من حر الشمس لئلا يتغير ريحه أو جسمه... وقال عند قوله صلى الله عليه وسلم: (تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظله)، معناه سواء بكيت عليه أم لا، فما زالت الملائكة تظله أي: فقد حصل له من الكرامة هذا وغيره، فلا ينبغي البكاء على مثل هذا، وفي هذا تسلية لها. اهـ([438]). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: و(أو) في قوله: (تبكين أو لا تبكين) للتخيير، ومعناه أنه مكرم بصنيع الملائكة، وتزاحمهم عليه لصعودهم بروحه([439]). وقال أيضاً في موضع آخر: ومحصله أن هذا الجليل القدر الذي تظله الملائكة بأجنحتها، لا ينبغي أن يبكى عليه بل يفرح له بما صار إليه. اهـ([440]). 6- وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال: (غاب عمي أنس بن النضر عن قتال بدر فقال: يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين، ليرين الله ما أصنع، فلما كان يوم أحد وانكشف المسلمون قال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء –يعني: أصحابه- وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء –يعني: المشركين- ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ فقال: يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد، قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع قال أنس: فوجدنا به بضعاً وثمانين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم، ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون، فما عرفه أحد إلا أخته ببنانه، قال أنس: كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: ((مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)) [الأحزاب:23]... إلى آخر الآية)([441]). هذا الحديث فيه فضيلة ظاهرة لـأنس بن النضر رضي الله عنه، وما كان عليه من صحة الإيمان وكثرة التوقي والتورع وقوة اليقين، كما تضمن المدح والثناء لأهل أحد عموماً، بصدقهم فيما عاهدوا الله عليه، والمراد بالمعاهدة المذكورة هي المشار لها بقوله تعالى: ((وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً)) [الأحزاب:15] وكان ذلك أول ما خرجوا إلى أحد، وهذا قول ابن إسحاق. وقيل: ما وقع ليلة العقبة من الأنصار إذ بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يئووه وينصروه ويمنعوه، والأول أولى([442])، فلقد عاهدوا الله تبارك وتعالى ووفوا بالعهد، ولو كان في ذلك مشقة على أنفسهم، وبذلوا أنفسهم في الجهاد في سبيل الله طلباً للشهادة التي ثمنها الجنة التي عرضها السموات والأرض، فرضي الله عنهم أجمعين. ذلك هو الثناء في القرآن الكريم والسنة المطهرة على أولئك الأبرار من أهل أحد، وذلك هو مصير شهداء أحد الذي صاروا إليه، فقد تبوءوا الدرجات العالية بسبب ما قدموه من بذل أنفسهم وأموالهم ابتغاء رضوان الله تعالى ونصرة دينه، وتلك المناقب الرفيعة التي نوهت بها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، يجب على العبد الإيمان والتسليم بها لأولئك الأطهار رضي الله عنهم أجمعين. ونسأل الله الكريم المنان أن يميتنا على الإيمان. المبحث الرابع: الثناء على أهل بيعة الرضوان: لقد ورد الثناء في الكتاب والسنة على الصحابة الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك البيعة المباركة الميمونة المشهورة (ببيعة الرضوان)، وكانت هذه البيعة بمكان يسمى الحديبية([443]) في شهر ذي القعدة سنة ست من الهجرة بلا خلاف بين علماء المغازي والسير([444])، وقد اختلفت الروايات الصحيحة في عددهم رضي الله عنهم. فقد روى الشيخان من حديث عبد الله بن أبي أوفى، قال: كان أصحاب الشجرة([445]) ألفاً وثلاثمائة، وكانت أسلم ثمن المهاجرين([446]). ورويا من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: «أنتم خير أهل الأرض، وكنا ألفاً وأربعمائة، ولو كنت أبصر لأريتكم مكان الشجرة»([447]). ورويا أيضاً من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة([448]) فتوضأ فجهش([449]) الناس نحوه فقال: ما لكم؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يثور([450]) بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا قلت: كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة»([451]). فهذه الروايات الثلاث هي أصح ما ورد في بيان عدد أصحاب بيعة الرضوان، ولا إشكال فيها من حيث صحتها، وإنما الإشكال من حيث العدد المذكور فيها من ألف وثلاثمائة إلى ألف وأربعمائة، إلى خمس عشرة مائة، ولا يمكن ردها بحال من الأحوال، وقد حاول العلماء الجمع بينها وقد سلكوا تجاهها طريقين. الطريق الأول: طريق الترجيح، وقد مال إلى هذا الطريق الإمام البيهقي، والحافظ ابن القيم رحمهما الله تعالى. فأما البيهقي فإنه أورد رواية التحديد بألف وأربعمائة، المروية عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ثم قال: وهذه الرواية أصح، فلذلك قاله البراء بن عازب، ومعقل بن يسار، وسلمة بن الأكوع في أصح الروايتين عنه. اهـ([452]). وأما العلامة ابن القيم فإنه ذكر رواية ألف وأربعمائة، وقال عقبها: والقلب إِلى هذا أميل([453]). الطريق الثاني: طريق الجمع، وقد ذهب إلى هذا الإمام النووي والحافظ ابن حجر رحمهما الله. فأما الإمام النووي فقد قال عقب الروايات الثلاث المتقدم ذكرها: ويمكن أن يجمع بينها بأنهم كانوا أربعمائة وكسر، فمن قال: أربعمائة لم يعتبر الكسر، ومن قال: خمسمائة اعتبره، ومن قال ألف وثلاثمائة ترك بعضهم لكونه لم يتقن العد أو لغير ذلك. اهـ([454]). وأما الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، فإنه ذكر كلام النووي وزاد عليه حيث قال بعد ذكره للروايات الثلاث السابقة: والجمع بين هذا الاختلاف: أنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة، فمن قال: ألفاً وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال: ألفاً وأربعمائة ألغاه، ويؤيده قوله في الرواية الثالثة من حديث البراء: ألف وأربعمائة أو أكثر، أما قول عبد الله بن أبي أوفى: ألف وثلاثمائة، فيمكن حمله على ما اطلع عليه هو، واطلع غيره على زيادة ناس لم يطلع هو عليهم، والزيادة من الثقة مقبولة أو العدد الذي ذكره جملة من ابتدأ الخروج من المدينة، والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك، أو العدد الذي ذكره عدد المقاتلة، والزيادة عليه من الأتباع من الخدم والنساء والصبيان الذين لم يبلغوا الحلم. اهـ([455]). والذي يظهر -والله أعلم- أن طريقة الجمع بين النصوص أولى من ترجيح بعضها على بعض؛ لأن الروايات كلها صحيحة في العدد المذكور، وينبغي الأخذ بما قاله الحافظ ابن حجر؛ لأن توجيهه للنصوص ممكن وظاهر. وأصحاب الحديبية الذين هم أهل بيعة الرضوان، ورد في فضلهم نصوص محكمة كثيرة بين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومنها ما يلي: 1- قال تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)) [الفتح:4]([456]). في هذه الآية شهادة لهم بحقيقة الإيمان الكامل، وإكرامهم بإنزال السكون والطمأنينة في قلوبهم إلى الإيمان بالله ورسوله، وإلى الحق الذي بعث الله به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم؛ ليزدادوا بتصديقهم بما حدد الله من الفرائض التي ألزمهموها التي لم تكن لهم لازمة ((إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ)) [الفتح:4]، ثم أخبر تعالى أن له جنود السماوات والأرض، ينتقم بهم ممن يشاء من أعدائه، وختم الآية بأنه سبحانه لم يزل ذا علم بما هو كائن قبل كونه وما خلقه عاملون، حكيماً في تدبيره([457]). قال ابن كثير: يقول تعالى: ((هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ)) [الفتح:4] أي: الطمأنينة، قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وعنه: الرحمة، وقال قتادة: الوقار في قلوب المؤمنين، وهم الصحابة رضي الله عنهم يوم الحديبية، الذين استجابوا لله ولرسوله، وانقادوا لحكم الله ورسوله، فلما اطمأنت قلوبهم بذلك واستقرت؛ زادهم إيماناً مع إيمانهم، وقد استدل بها البخاري وغيره من الأئمة على تفاضل الإيمان في القلوب. اهـ([458]). فالآية تضمنت مدحاً عظيماً وثناءً بالغاً على أهل بيعة الرضوان، حيث أكرمهم الله بإنزال السكينة في قلوبهم، فكان ذلك من أسباب زيادة الإيمان فيها، كما تضمنت الشهادة لهم من الله بالإيمان الكامل وتحقيق شرائعه، وذلك أنهم رضي الله عنهم كلما ورد عليهم أمر أو نهي، آمنوا به وعملوا بمقتضاه طائعين خاضعين لحكم الله رب العالمين. 2- وقال تعالى: ((لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً)) [الفتح:5]. هذه الآية فيها وعد من الله تعالى لأهل بيعة الرضوان خصوصاً، ولجميع المؤمنين والمؤمنات عموماً بدخول جنات تجري من تحتها الأنهار، وأنهم يخلدون فيها لا يحولون ولا يزولون عنها، وأنه تعالى يكفر عنهم سيئاتهم، بمعنى أنه يغطيها ولا يظهرها، وختم تعالى الآية ببيان أن إدخالهم الجنة وتكفير سيئاتهم فوز عظيم، لا يقادر قدره؛ لأنه منتهى غاية ما يتطلع إليه المؤمنون الصادقون، الذين في مقدمتهم أولئك الصفوة أصحاب بيعة الرضوان. روى البخاري بإسناده إلى أنس بن مالك رضي الله عنه: ((إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)) [الفتح:1] قال: الحديبية، قال أصحابه: هنيئاً مريئاً فما لنا؟ فأنزل الله: ((لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)) [الفتح:5]([459]). وعند الترمذي وأحمد من حديث أنس رضي الله عنه قال: «نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: ((لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ)) [الفتح:2] مرجعه من الحديبية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد نزلت علي آية أحب إلي مما على الأرض، ثم قرأها النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، فقالوا: هنيئاً مريئاً يا نبي الله، قد بين الله لك ماذا يفعل بك، فماذا يفعل بنا؟ فنزلت عليه: ((لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)) [الفتح:5] حتى بلغ: ((فَوْزاً عَظِيماً)) [الفتح:5]» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وفيه عن مجمع بن جارية([460])([461]). فهذا الحديث بين الفضيلة التي تضمنتها الآية التي سيقت قبله لأصحاب بيعة الرضوان. قال ابن كثير رحمه الله تعالى بعد قوله تعالى: ((لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا)) [الفتح:5] أي: ماكثين فيها أبداً، ((وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ)) [الفتح:5] أي: خطاياهم وذنوبهم فلا يعاقبهم عليها، بل يعفو ويصفح ويغفر ويستر ويرحم ويشكر، ((وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً)) [الفتح:5] كقوله جل وعلا: ((فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ)) [آل عمران:185]([462])الآية. اهـ([463]). فأي فوز وأي فلاح أعظم من تكفير الذنوب والخطايا، ودخول الجنة، ورؤية الله عز وجل فيها، إنه لمن أعظم التكريم ومن أعلى النعيم الذي فاز به أهل بيعة الرضوان. 3- قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:10]. وهذه الآية فيها ثناء ومدح عظيم لأهل بيعة الرضوان، فقد جعل الله مبايعتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم مبايعة له، وفي هذا غاية التشريف والتكريم لهم رضي الله عنهم. وهذه الآية نظير قوله تعالى: ((مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)) [النساء:80]، فمبايعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم مبايعة لله جل وعلا. قال العلامة ابن القيم: وتأمل قوله: ((إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)) [الفتح:10] فلما كانوا يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأيديهم، ويضرب بيده على أيديهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو السفير بينه وبينهم؛ كانت مبايعتهم له مبايعة لله تعالى، ولما كان سبحانه فوق سماواته على عرشه وفوق الخلائق كلهم، كانت يده فوق أيديهم كما أنه سبحانه فوقهم. اهـ([464]). ومعنى قوله في الآية: ((وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:10] أي: ثواباً جزيلاً وهو الجنة، وما يكون فيها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر([465]). قال ابن جرير رحمه الله تعالى: وقوله: ((وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:10] يقول تعالى ذكره: ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدو، في سبيل الله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه؛ ((فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:10] يقول: فسيعطيه ثواباً عظيماً، وذلك أن يدخله الجنة جزاءً له على وفائه بما عاهد عليه الله، ووثق لرسوله على الصبر معه عند البأس بالمؤكدة من الإيمان... ثم روى بإسناده إلى قتادة رحمه الله تعالى ((فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)) [الفتح:10] قال: هي الجنة. اهـ([466]). 4- وقال تعالى مخبراً برضاه عنهم: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)) [الفتح:18-19]. فقد أخبر تعالى أنه رضي الله عن أولئك الصفوة الأخيار من أهل بيعة الرضوان، ومن رضي الله عنه لا يسخط عليه أبداً. فلله ما أعظم هذا التكريم الذي ناله أهل بيعة الرضوان، وما أعلاها من منقبة، ومعنى الآية ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ)) [الفتح:18] لقد رضي الله يا محمد عن المؤمنين، ((إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)) [الفتح:18] يعني: بيعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول الله بالحديبية، حين بايعوه على مناجزة قريش الحرب وعلى أن لا يفروا، ولا يولوهم الدبر، تحت الشجرة، وكانت بيعتهم إياه هنالك تحت شجرة سمرة، ((فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ)) [الفتح:18] أي: فعلم ربك يا محمد ما في قلوب المؤمنين من أصحابك، إذ يبايعونك تحت الشجرة من صدق النية، والوفاء بما يبايعونك عليه، والصبر معك؛ ((فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ)) [الفتح:18] أي: فأنزل الطمأنينة والثبات على ما هم عليه من دينهم وحسن بصيرتهم بالحق الذي هداهم الله له، ((وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً)) [الفتح:18] وهو فتح خيبر. وأما قوله تعالى: ((وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا)) [الفتح:19]. أي: وأثاب الله هؤلاء الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة -مع ما أكرمهم به من رضاه عنهم، وإنزاله السكينة عليهم، وإثابته إياهم- فتحاً قريباً: وهو ما أجرى الله عز وجل على أيديهم من الصلح بينهم وبين أعدائهم، وما حصل بذلك من الخير العام المستمر المتصل بفتح خيبر وفتح مكة، ثم فتح سائر البلاد والأقاليم عليهم، وما حصل لهم من العز والنصر والرفعة في الدنيا والآخرة، ولهذا قال الله تعالى: ((وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)) [الفتح:19]([467]). قال أحمد بن علي الجصاص بعد قوله: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ)) [الفتح:18]: فيه الدلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان بالحديبية وصدق بصائرهم، فهم قوم بأعيانهم... فدل على أنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة أولياء الله، إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة وصدق الإيمان. وقد أكد ذلك بقوله: ((فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ)) [الفتح:18] يعني: الصبر بصدق نياتهم، وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية، وهو مثل قوله: ((إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا)) [النساء:35]. اهـ([468]). والسبب الذي كانت من أجله بيعة الرضوان ما ذكره الحافظ ابن حجر حيث قال: (والسبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عثمان ليعلم قريشاً أنه إنما جاء معتمراً لا محارباً، ففي غيبة عثمان شاع عندهم أن المشركين تعرضوا لحرب المسلمين، فاستعد المسلمون للقتال، وبايعهم النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ تحت الشجرة على أن لا يفروا، وذلك في غيبة عثمان، وقيل: بل جاء الخبر بأن عثمان قتل، فكان ذلك سبب البيعة). اهـ([469]). وقد بايع النبي صلى الله عليه وسلم جميع الصحابة الذين كانوا معه بالحديبية، لما أشيع أن عثمان قد قتل، ولم يتخلف عن تلك البيعة إلا الجد بن قيس، فإنه اختبأ تحت بطن بعيره([470]). وقد سئل الصحابة رضي الله عنهم على أي شيء كانت بيعتهم؟ فكانت الإجابة بما يلي: 1) أجاب سلمة بن الأكوع رضي الله عنه بأنهم بايعوا على الموت. فقد روى الإمام البخاري بإسناده إلى يزيد بن أبي عبيد قال: (قلت لـسلمة بن الأكوع على أي شيء بايعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية؟ قال: على الموت)([471]). وروى أيضاً بإسناده إلى عبد الله بن زيد رضي الله عنه قال: (لما كان زمن الحرة أتاه آت، فقال له: إن ابن حنظلة يبايع الناس على الموت، فقال: لا أبايع على ذلك أحداً بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم)([472]). 2) وأجاب معقل بن يسار وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما بأنهم بايعوا على عدم الفرار. روى الإمام مسلم بإسناده إلى معقل بن يسار قال: (لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي صلى الله عليه وسلم يبايع الناس، وأنا رافع غصناً من أغصانها عن رأسه، ونحن أربع عشرة مائة قال: لم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على ألا نفر)([473]). وروى أيضاً بإسناده إلى جابر بن عبد الله قال: (كنا يوم الحديبية ألفاً وأربعمائة، فبايعناه وعمر آخذ بيده تحت الشجرة وهي سمرة، وقال: بايعناه على أن لا نفر، ولم نبايعه على الموت)([474]). فهذه الأحاديث أوضحت لنا الشيء الذي بايع عليه الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية، إلا أن بعضها تفيد أن البيعة كانت على الموت، وبعضها يفيد أنهم بايعوا على عدم الفرار، فقد يحس القارئ أن بين هذه الروايات اختلافاً في الشيء الذي كانت البيعة عليه، والواقع أنه لا خلاف بينها. فقد قال أبو عيسى الترمذي رحمه الله تعالى: قد بايعه قوم من أصحابه على الموت، وإنما قالوا: (لا نزال بين يديك حتى نقتل، وبايعه آخرون فقالوا: لا نفر)([475]). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: لا تنافي بين قولهم: بايعوه على الموت وعلى عدم الفرار؛ لأن المراد بالمبايعة على الموت أن لا يفروا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بد([476]). تلك هي البيعة التي استحق بها أصحاب الحديبية رضوان الله تعالى، والثناء عليهم بما وقر في قلوبهم من الإيمان والوفاء والصدق، وقد رتب تعالى على رضاه عنهم، وعلمه بما في قلوبهم، ما أنعم به عليهم من سكينة وفتح ومغانم، فقال تعالى: ((فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً * وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)) [الفتح:18-19]. 5- أخبر تعالى عن أهل بيعة الرضوان أنه ألزمهم كلمة التقوى التي هي كلمة التوحيد، وأنهم كانوا أحق بها وأهلها. قال تعالى: ((إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمْ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)) [الفتح:26]. فلقد بيَّن تعالى في هذه الآية أنه ألزم الصحابة رضي الله عنهم كلمة التقوى، وأكثر المفسرين على أن المراد بكلمة التقوى هي: (لا إله إلا الله)، وبين أنهم أحق بها من كفار قريش، وأنهم كانوا أهلها في علم الله؛ لأن الله تعالى اختار لدينه وصحبة نبيه أهل الخير([477])، ذلك هو الثناء في القرآن على الصحابة الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان بالحديبية، وقد ورد الثناء عليهم في السنة المطهرة في أحاديث كثيرة، ومن ذلك ما يلي: 1- روى الشيخان من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: «أنتم خير أهل الأرض، وكنا ألفاً وأربعمائة، ولو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة»([478]). هذا الحديث صريح في فضل أصحاب الشجرة، فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بـمكة وبـالمدينة وبغيرهما... وتمسك به بعض الشيعة في تفضيل علي على عثمان؛ لأن علياً كان من جملة من خوطب بذلك وممن بايع تحت الشجرة، وكان عثمان حينئذ غائباً، وهذا التمسك باطل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بايع عنه([479])، فاستوى معهم عثمان في الخيرية المذكورة، ولم يقصد في الحديث إلى تفضيل بعضهم على بعض([480]). 2- روى الإمام مسلم بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: «أخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها، قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها فقالت حفصة: ((وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا)) [مريم:71] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قال الله عز وجل: ((ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً)) [مريم:72]»([481]). قال النووي رحمه الله تعالى: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها» قال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعاً... وإنما قال: إن شاء الله للتبرك لا للشك، وأمَّا قول حفصة: بلى، وانتهار النبي صلى الله عليه وسلم لها فقالت: ((وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا)) [مريم:71] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وقد قال الله عز وجل: ((ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا)) [مريم:72] فيه دليل للمناظرة، والجواب على وجه الاسترشاد، وهو مقصود حفصة، لا أنها أرادت رد مقالته صلى الله عليه وسلم، والصحيح أن المراد بالورود في الآية المرور على الصراط، وهو جسر منصوب على جهنم، فيقع فيها أهلها وينجو الآخرون. اهـ([482]). 3- وروى الإمام مسلم بإسناده إلى جابر، أن عبداً لـحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذبت، لا يدخلها فإنه شهد بدراً والحديبية»([483]). هذا الحديث تضمن فضيلة أهل بدر والحديبية، فضيلة حاطب لكونه منهم رضي الله عنهم أجمعين. 4- وروى الإمام مسلم بإسناده إلى جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يصعد الثنية ثنية([484]) المرار؛ فإنه يحط عنه ما حط عن بني إسرائيل، قال: فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج، ثم تتام الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر. فأتيناه فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم، قال: وكان رجلاً ينشد ضالة له»([485]). وهذا الحديث تضمن فضيلة عظيمة لأصحاب الحديبية رضي الله عنهم، وتلك الفضيلة مغفرة الله لهم، وأكرم بها من فضيلة منحهم إياها الرب جل وعلا؛ لإخلاصهم في طاعتهم واستجابتهم لله والرسول بالسمع والطاعة. 5- روى الإمام أحمد بإسناده إلى يحيى بن سعيد بن فروخ أن أبا سعيد حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يوم الحديبية قال: «لا توقدوا ناراً بليل، فلما كان بعد ذلك قال: أوقدوا واصطنعوا، فإنه لا يدرك قوم بعدم صاعكم ولا مدكم»([486]). فقد بين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: أن من يأتي بعد أهل بيعة الرضوان لا يمكن أن يدركهم في فضلهم، ولا في فضل عملهم مهما بلغ من الإخلاص وصدق النية والتحري في عمل الصالحات، فلقد فازوا فوزاً عظيماً رضي الله عنهم وأرضاهم، ولقد شمل فضل أهل بيعة الرضوان الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان غائباً في المهمة التي بعثه بها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة. 6- فقد روى البخاري بإسناده إلى عثمان بن موهب قال: (جاء رجل من أهل مصر وحج البيت، فرأى قوماً جلوساً فقال: من هؤلاء القوم؟ فقالوا: هؤلاء قريش، قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر قال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني عنه، هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال: نعم فقال: تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم. قال الرجل: هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم: قال: الله أكبر، قال ابن عمر: تعال أبيِّن لك، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له، وأمَّا تغيبه عن بدر، فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لك أجر رجل ممن شهد بدراً وسهمه، وأما تغيبه عن بيعة الرضوان، فلو كان أحد أعز من عثمان ببطن مكة لبعثه مكانه، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: هذه يد عثمان، ضرب بها على يده فقال: هذه لـعثمان، فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك)([487]). قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: الذي يظهر من سياقه، أن السائل كان ممن يتعصب على عثمان، فأراد بالمسائل الثلاث أن يقرر معتقده فيه، ولذلك كبَّر مستحسناً لما أجابه ابن عمر. قوله: قال ابن عمر: (تعال أبين لك)، كأن ابن عمر فهم منه مراده لما كبَّر، وإلا لو فهم ذلك من أول سؤاله؛ لقرن العذر بالجواب، وحاصله أنه عابه بثلاثة أشياء، فأظهر له ابن عمر العذر عن جميعها: أما الفرار فبالعفو، وأما التخلف فبالأمر، وقد حصل له مقصود من شهد من ترتب الأمرين: الدنيوي وهو السهم، والأخروي وهو الأجر، وأما البيعة فكان مأذوناً له في ذلك أيضاً، ويد رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لـعثمان من يده، ثبت ذلك أيضاً عن عثمان نفسه، فيما رواه البزار بإسناد جيد: أنه عاتب عبد الرحمن بن عوف فقال له: لم ترفع صوتك علي؟ فذكر الأمور الثلاثة، فأجابه عثمان بمثل ما أجاب به ابن عمر، قال في هذه: (فشمال رسول الله صلى الله عليه وسلم خير لي من يميني) إلى أن قال: قوله: فقال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك، أي: أقرن هذا العذر بالجواب، حتى لا يبقى لك فيما أجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمان، وقال الطيبي: قال له ابن عمر تهكماً به أي: توجه بما تمسكت به، فإنه لا ينفعك بعدما بينت لك. اهـ([488]). تلك هي مناقب أصحاب بيعة الرضوان عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد كانوا رضي الله عنهم من أكمل البشرية إيماناً وعلماً وطاعة لله ورسوله، ولذلك شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم خير أهل الأرض، وأنهم مغفور لهم، كما شهد لهم عليه الصلاة والسلام هم وإخوانهم البدريون بالجنة، والنجاة من النار. نسأل الله الكريم المنان أن يميتنا على الإيمان.
| |
|
 | |
| بحث وتعليقات عن الرافضة عليهم من الله ما يستحقون وطعوناتهم في الله تعالى كتبه وجمعه أبو عبد الله / علي العلي الكعبي | |
|