(ومن قبائل) هوارة هؤلاء بالمغرب أمم كثيرة في مواطن من أعمال تعرف بهم وظواعن شاوية تنتجع لمسرحها في نواحيها وقد صاروا عبيدا للمغارم في كل ناحية وذهب ما كان لهم من الاعتزاز والمنعة أيام الفتوحات بسبب الكثرة وصاروا إلى الافتراق في الأودية بسبب القلة والله مالك الأمور ومن أشهرهم بالمغرب الأوسط أهل الجبل المطل على البطحاء وهو مشهور باسم هوارة وفيه من مسراتة وغيرهم من بطونهم ويعرف رؤساؤهم من بنى اسحق وكان الجبل من قبلهم فيما زعموا لبنى يلومين فلما انقرضوا صار إليه هوارة وأوطنوه وكانت رياستهم في بني عبد العزيز منهم ثم ظهر من بنى عمهم رجل اسمه اسحق واستعمله ملوك القلعة وصارت رياستهم في عقبه بنى اسحق وحفظ كبيرهم محمد بن إسحاق القلعة المنسوبة إليهم وورث رياسته فيهم أخوه حيول وصارت في عقبه واتصلوا بالسلطان أيام ملك بنى عبد الواد على المغرب الأوسط وانتظموا في شرائعهم واستعمل أبو تاشفين من ملوكهم يعقوب بن يوسف بن حيون قائدا على بنى توجين عندما غلبهم على أمرهم وفرض المغارم عليهم فقام بها أحسن قيام ودوخ بلادهم وأذل من عزهم وبعد أن غلب بنو مرين بنى عبد الواد على المغرب الأوسط استعمل السلطان أبو الحسن عبد الرحمن بن يعقوب على قبيلة هؤلاء ثم استعمل بعده عمه عبد الرحمن ثم ابنه محمد ابن عبد الرحمن بن يوسف ثم تلاشى حال هذا القبيل وخف ساكن الجبل بما اضطرم بهم دولة بنى عبد الواد وأصبحت لهم في الظلامات وانقرض نبت بنى اسحق والامر على ذلك لهذا العهد والله وارث الأرض ومن عليها * (الخبر عن أزداجة ومسطاسه وعجيسة من بطون البرانس ووصف أحوالهم) * اما أزداجة ويعرفون أيضا وزداجة فمن بطون البرانس وكثير من نسابة البربر يعدونهم في بطون زناتة وقد يقال ان أزداجة من زناتة ووزداجة من هوارة وانهما بطنان مفترقان وكان لهم وفور وكثرة وكانت مواطنهم بالمغرب الأوسط بناحية وهران وكان لهم اعتزاز وآثار في الفتن والحروب ومسطاسة مندرجون معهم فيقال انهم من عداد بطونهم ويقال انهم اخوة مسطاس اخى وزداج والله أعلم وكان من رجالتهم المذكورين شجرة بن عبد الكريم المسطاسي وأبو دليم بن خطاب وأجاز أبو دليم إلى الأندلس من ساحل تلمسان وكان لبنيه بها ذكروا في معها قرطبة وكان من بطون أزداجة بنو مشقق وكانا يجاوران مهران ونزل مرس وهران من رجال الدولة الأموية محمد بن أبي عون ومحمد بن عبدون فداخلوا بنى مسكن وملكوا وهران سبع سنين مقيمين فيها للدعوة الأموية فلما ظهرت دعوة الشيعة وملك عبيد الله المهدى تاهرت وولى عليها دواس بن مولاة للقيط من كتامة وأخذت البرابرة بدعوتهم أوعزدواس بحصار
وهران فرجعوا إليها سنة سبع وتسعين وأدخلوا بنى مسكن في ذلك فأجابوهم وفر محمد بن أبي عون فلحق بدواس وصولات والسحب ومعراق وأضرمت نارا ثم حدد بناءها دواس وأعاد محمد بن أبي عون إلى ولايتها فعادت أحسن ما كانت وأمراء تلمسان لذلك العهد ثم ولى على تاهرت أيام أبى القاسم بن عبد الله أيا ملك يغمراسن بن أبي سحمة وانتقض عليه البربر فحاصروه عند زحف ابن أبي العافية إلى المغرب الأوسط بدعوة المروانية وكان ممن أخذ بها محمد بن أبي عون صاحب وهران وأبو القاسم ميسور فولاه إلى المغرب وراجع طاعته إلى المروانية ثم كان شأن أبى يزيد وانتقاض سائر البرابرة على العبيديين واستفحل أمر زناتة وأخذ بدعوة المروانيين وكان الناصر عقد ليعلى بن أبي محمد النفزي على المغرب فخاطبه بمراوغة محمد بن ابن عون وقبائل أزداجة في الطاعة للعداوة بين القبيلتين بالمجاورة وزحف إلى أزداجة فحصرهم بجبل كيدرة ثم تغلب عليهم واستأصلهم وفرق جماعتهم وذلك لسنة ثلاث وأربعين وثلثمائة ثم زحف إلى وهران ونازلها ثم افتتحها عنوة وأضرمها نارا واستلحم أزداجة ولحق رياستهم بالأندلس فكانوا بها وكان منهم حزرون بن محمد من كبار أصحاب المنصور بن أبي عامر وابنه المظفر وأجاز إلى المغرب وبقي أزداجة بعد ذلك على حال من الهضيمة والمذلة وانتظموا في عداد الغارم من القبائل (وأما العجيسة) وهم من بطون البرانس من ولد عجيسة من برنس ومدلول هذا الاسم البطن فان البربر يسمون البطن بلغتهم عدس بالدال المشددة فلما عربتها العرب قلبت دالها جيما مخففة وكان لهم بين البربر كثرة وظهور وكانوا مجاورين في بطونهم لصنهاجة وبقاياهم لهذا العهد في ضواحي تونس والجبال المطلة على المسيلة وكانت منهم يسكنون جبل القلعة وكان لهم في فتنة أبى يزيد ولما هزمهم المنصور لجأ إليهم واعتصم بقلعة كتامة من حصونهم حتى اقتحم عليه ثم بادر حماد بن بلكين من بعد ذلك مكانا لبناء مدينة فاختطها بينهم ونزلها ووسع خطتها واستبحر عمرانها وكانت حاضرة لملك آل حماد فأخلفت هذه المدينة من مدة عجيسة لما تمرست بهم وخضدت من شوكتهم وراموا كيد القلعة مرارا وأجلبوا على ملوكها بالأعياص منهم فاستلحمهم السيف ثم هلكوا وهلكت القلعة من بعدهم وورثت مواطنهم بذلك الجبل عياض من أفاريق العرب الهلاليين وسعى الحمل منهم وفى القبائل بالمغرب كثير من عجيسة هؤلاء مفترقون فيهم والله أعلم {الخبر عن أوربا من بطون البرانس وما كان لهم من الردة والثورة وما صار لهم من الدعاء لإدريس الأكبر}
كانت البطون التي فيها الكثرة والغلب من هؤلاء البربر البتر كلهم لعهد الفتح أوربا وهوارة وصنهاجة من البرانس ونفوسة وزناتة ومطغرة ونفزاوة من البتر وكان التقدم لعهد الفتح لاورية هؤلاء بما كانوا أكثر عددا وأشد بأسا وقوة وهم من ولد أورب بن برنس وهم بطون كثيرة فمنهم بجاية ونفاسة ونجد وزهكوجة ومزياتة ورغيوتة وديقوسه وكان أميرهم بين يدي الفتح ستردير بن رومى بن بارزت بن بزريات ولى عليهم مدة ثلاث وسبعين سنة وأدرك الفتح الاسلامي ومات سنة أحد وسبعين وولى عليهم من بعده كسيلة بن لزم الأوربي فكان أميرا على البرانس كلهم ولما نزل ابن المهاجر تلمسان سنة خمس وخمسين كان كسيلة بن لزم مرتادا بالمغرب الأقصى في جموعه من أوربا وغيرهم فظفر به أبو المهاجر وعرض عليه الاسلام فأسلم واستنقذه وأحسن إليه وصحبه وقدم عقبة في الولاية الثانية أيام يريد سنة ثنتين وستين فاضطغن عليه صحابته لابي المهاجر وتقدم أبو المهاجر في اصطناعه فلم يقبل وزحف إلى المغرب وعلى مقدمته زهير بن قيس البلوى فدوخه ولقيه ملوك البربر ومن انضم إليه من الفرنجة بالزاب وتاهرت فهزمهم واستباحهم وأذعن له بليان أمير غمارة ولاطفه وهاداه ودله على عوارات البرابرة وردأه بوليلة والسوس وما والاهما من مجالات الملثمين فغنم وسبى وانتهى إلى ساحل البحر وقفل ظافرا وكان في غزاتة تلك يستهين كسيلة ويستخف به وهو في اعتقاله وأمره يوما بسلخ شاة بين يديه فدفعها إلى غلمانه وأراده عقبة على أن يتولاها بنفسه وانتهره فقام إليها كسيلة مغضبا وجعل كل ما دس يده في الشاة مسح بلحيته والعرب يقولون ما هذا يا بربري فيقول هو أجير فيقول لهم شيخ منهم ان البربري يتوعدكم وبلغ ذلك أبا المهاجر فنهى عقبة عنه وقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستألف جبابرة العرب وأنت تعمد إلى رجل جبار في قومه بدار عزه قريب عهد بالشرك متفسد وأشار عليه بأن يوثق منه وخوفه فتكه فتهاون عقبة بقوله فلما قفل عن غزاته وانتهى إلى طبنة صرف العساكر إلى القيروان أفواجا ثقة بما دوخ من البلاد وأذل من البربر حتى بقي في القليل وسار إلى تهودة لينزل بها الحامية فلما نظر إليه الفرنجة طمعوا فيه وراسلوا كسيلة بن لزم ودلوه على الفرصة فيه فانتهزها وراسل بنى عمه ومن تبعهم من البربر واتبعوا عقبة وأصحابه رضي الله عنه حتى إذا غشوه بتهودة ترجل القوم وكسروا أجفان سيوفهم ونزل الصبر واستلحم عقبة وأصحابه رضي الله عنهم ولم يفلت منهم أحد وكانوا زهاء ثلاثمائة من كبار الصحابة والتابعين استشهدوا في مصرع واحد وفيهم أبو المهاجر كان أصحابه في اعتقاله فأبلى رضي الله عنه في ذلك اليوم البلاء الحسن وأجداث الصحابة رضي الله عنهم أولئك الشهداء عقبة وأصحابه