ن الهامش.
(1) قال ابن الاثير في النهاية: يروى بكسر الباء: جمع بدة وهي الحصة والنصيب.
أي اقتلهم حصصا مقسمة لكل واحدة حصته ونصيبه.
ويروى بالفتح: أي متفرقين في القتل واحدا بعد واحد، من التبديد (ج 1 / 65).
(2) الخبر نقله البيهقي عن موسى بن عقبة وعروة في الدلائل ج 3 / 326 واختصر ابن عبد البر في الدرر 159 - 161.
(3) في الواقدي: على حمص.
قليلا، ثم التفت فلم أر شيئا فكأنما بلعته الارض فلم تذكر لخبيب رمة حتى الساعة (1).
ثم روى ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن سعيد أو عكرمة عن ابن عباس قال: لما قتل أصحاب الرجيع قال ناس من المنافقين: يا ويح هؤلاء المفتونين الذين هلكوا هكذا لا هم أقاموا في أهلهم ولا هم أدوا رسالة صاحبهم، فأنزل الله فيهم (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا
ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام) [ البقرة: 204 ] وما بعدها.
وأنزل الله في أصحاب السرية (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد) [ البقرة: 207 ].
قال ابن إسحاق وكان مما قيل من الشعر في هذه الغزوة خبيب حين اجمعوا على قتله (قال ابن هشام: ومن الناس من ينكرها له): لقد جمع الاحزاب حولي وألبوا * قبائلهم واستجمعوا كل مجمع (2) وكلهم مبدي العداوة جاهد * علي لاني في وثاق بمضبع (3) وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم * وقربت من جذع طويل ممنع إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي * وما أرصد الاعداء لي عند مصرعي (4) فذا العرش صبرني على ما يراد بي * فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي وذلك في ذات الاله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع وقد خيروني الكفر والموت دونه * وقد هملت عيناي من غير مجزع وما بي حذار الموت إني لميت * ولكن حذاري جحم نار ملفع (5) فوالله ما أرجو إذا مت مسلما * على أي جنب كان في الله مضجعي (6) فلست بمبد للعدو تخشعا * ولا جزعا أني إلى الله مرجعي وقد تقدم في صحيح البخاري بيتان من هذه القصيدة وهما قوله: فلست أبالي حين أقتل مسلما * على أي شق كان في الله مصرعي وذلك في ذات الاله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع وقال حسان بن ثابت يرثي خبيبا فيما ذكره ابن إسحاق:
__________
(1) دلائل النبوة 3 / 331 - 332.
(2) ألبوا: جمعوا.
تقول ألبت القوم على فلان إذا جمعتهم عليه وحضضتهم وحرشتهم به، فتألبوا، أي اجتمعوا.
مجمع: مكان الاجتماع.
(3) في ابن هشام: بمصيع.
(4) في ابن هشام: الاحزاب بدل الاعداء.
(5) الجحم: الملتهب المتقد، ومنه سميت النار الجحيم.
ملفع: مشتمل.
تلفع بالثوب: إذا اشتمل به.
(6) في ابن هشام: مصرعي بدل مضجعي.
أرجو: أي أخاف وهي لغة وقد حمل بعض المفسرين في قوله تعالى (ما لكم لا ترجون لله وقارا) أي لا تخافون.
ما بال عينك لا ترقا مدامعها * سحا على الصدر مثل اللؤلؤ الفلق (1) على خبيب فتى الفتيان قد علموا * لا فشل حين تلقاه ولا نزق (2) فاذهب خبيب جزاك الله طيبة * وجنة الخلد عند الحور في الرفق ماذا تقولون إن قال النبي لكم * حين الملائكة الابرار في الافق فيم قتلتم شهيد الله في رجل * طاغ قد أوعث في البلدان والرفق وقال ابن هشام: تركنا بعضها لانه أقذع فيها، وقال حسان يهجو الذين غدروا بأصحاب الرجيع من بني لحيان فيما ذكره ابن إسحاق، والله أعلم ولله الحمد والمنة والتوفيق والعصمة.
ان سرك الغدر صرفا لا مزاج له * فأت الرجيع فسل عن دار لحيان قوم تواصوا بأكل الجار بينهم * فالكلب والقرد والانسان مثلان لو ينطق التيس يوما قام يخطبهم * وكان ذا شرف فيهم وذا شأن وقال حسان بن ثابت أيضا يهجو هذيلا وبني لحيان على غدرهم بأصحاب الرجيع رضي الله تعالى عنهم أجمعين: لعمري لقد شانت هذيل بن مدرك * أحاديث كانت في خبيب وعاصم أحاديث لحيان صلوا بقبيحها * ولحيان جرامون شر الجرائم (3) أناس هم من قومهم في صميمهم * بمنزلة الزمعان دبر القوادم (4) هم غدروا يوم الرجيع وأسلمت * أمانتهم ذا عفة ومكارم رسول رسول الله غدرا ولم تكن * هذيل توقى منكرات المحارم
فسوف يرون النصر يوما عليهم * بقتل الذي تحميه دون الحرائم (5) أبابيل دبر شمس دون لحمه * حمت لحم شهاد عظيم الملاحم لعل هذيلا أن يروا بمصابه * مصارع قتلى أو مقاما لماتم ونوقع فيها وقعة ذات صولة * بوافي بها الركبان أهل المواسم بأمر رسول الله إن رسوله * رأى رأي ذي حزم بلحيان عالم قبيلة ليس الوفاء يهمهم * وإن ظلموا لم يدفعوا كف ظالم إذا الناس حلوا بالفضاء رأيتهم * بمجرى مسيل الماء بين المخارم محلهم دار البوار ورأيهم * إذا نابهم أمر كرأي البهائم
__________
(1) في الديوان وابن هشام: القلق أي المتحرك الساقط.
(2) الفشل: الجبان الضعيف.
ورواية الصدر في الديوان: على خبيب وفي الرحمن مصرعه.
(3) جرامون: كاسبون.
(4) الزمعان: جمع زمع، وهو الشعر الذي يكون فوق الرسغ من الدابة وغيرها.
(5) تحميه: يعنى عاصم وقد حمته الدبر.
وقال حسان رضي الله عنه أيضا يمدح أصحاب الرجيع ويسميهم بشعره كما ذكره ابن إسحاق رحمه الله تعالى: صلى الاله على الذين تتابعوا * يوم الرجيع فأكرموا وأثيبوا رأس السرية مرثد وأميرهم * وابن البكير إمامهم وخبيب وابن لطارق وابن ذثنة منهم * وافاه ثم حمامه المكتوب (1) والعاصم المقتول عند رجيعهم * كسب المعالي إنه لكسوب منع المقادة أن ينالوا ظهره * حتى يجالد إنه لنجيب قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان.
سرية عمرو بن أمية الضمري قال الواقدي: حدثني إبراهيم بن جعفر عن أبيه وعبد الله بن أبي عبيدة عن جعفر بن [ الفضل بن الحسن بن ] (2) عمرو بن أمية الضمري وعبد الله بن جعفر عن عبد الواحد بن أبي عوف (3) (وزاد بعضهم على بعض) قالوا: كان أبو سفيان بن حرب قد قال لنفر من قريش بمكة: اما أحد يغتال محمدا فإنه يمشي في الاسواق فندرك ثأرنا ؟ فأتاه رجل من العرب فدخل عليه منزله، وقال له: إن أنت وفيتني (4) خرجت إليه حتى أغتاله، فإني هاد بالطريق خريت، معي خنجر مثل خافية النسر.
قال: أنت صاحبنا.
وأعطاه بعيرا ونفقة وقال: اطو أمرك فإني لا آمن أن يسمع هذا أحد فينميه إلى محمد.
قال قال العربي: لا يعلمه أحد.
فخرج ليلا على راحلته فسار خمسا وصبح ظهر الحي (5) يوم سادسه، ثم أقبل يسأل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المصلى فقال له قائل: قد توجه إلى بني عبد الاشهل، فخرج الاعرابي يقود راحلته حتى انتهى إلى بني عبد الاشهل، فعقل راحلته، ثم أقبل يؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده في جماعة من أصحابه يحدث في مسجده.
فلما دخل ورآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لاصحابه إن هذا الرجل يريد غدرا والله حائل بينه وبين ما يريده.
فوقف وقال: أيكم ابن عبد المطلب ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا ابن عبد المطلب فذهب ينحني على رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه يساره، فجبذه أسيد بن حضير وقال: تنح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجذب بداخل ازاره فإذا الخنجر فقال: يا رسول الله: هذا غادر.
فأسقط في يد الاعرابي وقال: دمي دمي يا محمد.
وأخذه أسيد بن حضير يلببه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أصدقني ما
__________
(1) لم ينون طارق لضرورة الشعر، على مذهب الكوفيين، والبصريون لا يرونه ضروريا.
(2) سقطت من الاصل واستدركت من الطبري: 3 / 32.
(3) في رواية البيهقي: عون.
(4) في رواية البيهقي: قويتني.
(5) في البيهقي: الحرة.
صبح سادسه
أنت وما أقدمك ؟ فان صدقتني نفعك الصدق وإن كذبتني فقد اطلعت على ما هممت به.
قال العربي فأنا آمن ؟ قال وأنت آمن.
فأخبره بخبر أبي سفيان وما جعل له فأمر به فحبس عند أسيد بن حضير ثم دعا به من الغد فقال قد أمنتك فاذهب حيث شئت، أو خير لك من ذلك قال وما هو فقال أن تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك أنت رسول الله، والله يا محمد ما كنت أفرق من الرجال فما هو إلا أن رأيتك فذهب عقلي.
وضعفت (1) ثم اطلعت على ما هممت به فما سبقت به الركبان، ولم يطلع عليه أحد، فعرفت أنك ممنوع، وأنك على حق وأن حزب أبي سفيان حزب الشيطان.
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم وأقام أياما ثم استأذن النبي صلى الله عليه وسلم فخرج من عنده ولم يسمع له بذكر.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن أمية الضمري ولسلمة بن أسلم بن حريس (2) أخرجا حتى تأتيا أبا سفيان بن حرب فإن أصبتما منه غرة فاقتلاه.
قال عمرو فخرجت أنا وصاحبي حتى أتينا بطن يأجج فقيدنا بعيرنا، وقال لي صاحبي: يا عمرو هل لك في أن نأتي مكة فنطوف بالبيت سبعا، ونصلي ركعتين فقلت [ أنا أعلم باهل مكة منك إنهم إذا أظلموا رشوا أفنيتهم ثم جلسوا بها و ] (3) اني أعرف بمكة من الفرس الابلق.
فأبى علي فانطلقنا فأتينا مكة فطفنا أسبوعا (4) وصلينا ركعتين فلما خرجت لقيني معاوية بن أبي سفيان فعرفني وقال: عمرو بن أمية واحزناه.
فنذر (5) بنا أهل مكة فقالوا ما جاء عمرو في خير.
وكان عمرو فاتكا في الجاهلية.
فحشد أهل مكة وتجمعوا، وهرب عمرو وسلمة وخرجوا في طلبهما واشتدوا في الجبل.
قال عمرو: فدخلت في غار، فتغيبت عنهم حتى أصبحت وباتوا يطلبوننا في الجبل، وعمى الله عليهم طريق المدينة أن يهتدوا له فلما كان ضحوة الغد أقبل عثمان بن مالك بن عبيد الله التميمي يختلي لفرسه حشيشا فقلت لسلمة بن أسلم: إذا أبصرنا أشعر بنا أهل مكة، وقد انفضوا عنا فلم يزل يدنو من باب الغار حتى أشرف علينا، قال فخرجت إليه فطعنته طعنة تحت الثدي بخنجري فسقط وصاح، فاجتمع أهل مكة فأقبلوا بعد تفرقهم [ ورجعت إلى مكاني فدخلت فيه ] (6) وقلت لصاحبي لا تتحرك، فأقبلوا حتى أتوه وقالوا من قتلك ؟ قال: عمرو بن أمية الضمري.
فقال أبو سفيان: قد علمنا أنه لم يأت لخير.
ولم يستطع أن يخبرهم بمكاننا فإنه
كان بآخر رمق فمات، وشغلوا عن طلبنا بصاحبهم فحملوه، فمكثنا ليلتين في مكاننا حتى [ سكن
__________
(1) في البيهقي: وضعفت نفسي.
(2) في الاصل حريش، وهو تحريف، وما أثبتناه من شرح المواهب 2 / 178.
(3) سقط من الاصل واستدركت من تاريخ الطبري 3 / 32 وفي البيهقي: وأنا أعرف أهل مكة إنهم أمسوا انفجعوا بأفنيتهم.
(4) كذا في الاصول والطبري، وفي البيهقي: سبعا وهو مناسب أكثر.
(5) في الطبري: فتبادرنا، وفي البيهقي: فنيد بنا.
(6) من الطبري، وفي البيهقى: ودخلت الغار.
عنا الطلب ثم ] خرجنا [ إلى التنعيم ] (1) فقال صاحبي: يا عمرو بن أمية هل لك في خبيب بن عدي ننزله ؟ فقلت له: أين هو ؟ قال هو ذاك مصلوب حوله الحرس.
فقلت: أمهلني وتنح عني فإن خشيت شيئا فانج إلى بعيرك فاقعد عليه، فأت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، ودعني فإني عالم بالمدينة.
ثم استدرت (2) عليه حتى وجدته فحملته على ظهري فما مشيت به إلا عشرين ذراعا حتى استيقظوا فخرجوا في أثري، فطرحت الخشبة فما أنسى وجيبها - يعني صوتها ثم أهلت عليه التراب برجلي، فأخذت طريق الصفراء فأعيوا ورجعوا وكنت لا أدري مع بقاء نفسي فانطلق صاحبي إلى البعير فركبه، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، وأقبلت حتى أشرفت على الغليل: غليل ضجنان (3) فدخلت في غار معي قوسي وأسهمي وخنجري، فبينما أنا فيه إذ أقبل رجل من بني الدبل بن بكر أعور طويل يسوق غنما ومعزى، فدخل الغار وقال: من الرجل ؟ فقلت رجل من بني بكر فقال: وأنا من بني بكر ثم اتكأ ورفع عقيرته يتغنى ويقول: فلست بمسلم ما دمت حيا * ولست أدين دين المسلمينا فقلت في نفسي: والله أني لارجو أن أقتلك.
فلما نام قمت إليه فقتله شر قتلة قتلها أحد قط، ثم خرجت حتى هبطت، فلما أسهلت في الطريق إذا رجلان بعثهما قريش يتجسسان
الاخبار، فقلت: استأسرا فأبى أحدهما فرميته فقتلته، فلما رأى ذلك الآخر استأسر فشددته وثاقا ثم أقبلت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدمت المدينة أتى صبيان الانصار وهم يلعبون وسمعوا أشياخهم يقولون: هذا عمرو، فاشتد الصبيان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه، وأتيته بالرجل قد ربطت إبهامه بوتر قوسي فلقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ثم دعا لي بخير.
وكان قدوم سلمة قبل قدوم عمرو بثلاثة أيام.
رواه البيهقي (4).
وقد تقدم أن عمرا لما أهبط خبيبا لم ير له رمة ولا جسدا فلعله دفن مكان سقوطه.
والله أعلم.
وهذه السرية إنما استدركها ابن هشام على ابن إسحاق وساقها بنحو من سياق الواقدي لها لكن عنده أن رفيق عمرو بن أمية في هذه السرية جبار بن صخر.
فالله أعلم ولله الحمد.
سرية بئر معونة (5) وقد كانت في صفر منها وأغرب مكحول رحمه الله حيث قال: إنها كانت بعد الخندق.
قال البخاري: حدثنا أبو معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز، عن أنس بن مالك قال: بعث رسول
__________
(1) ما بين معكوفين من الطبري.
(2) في الطبري والبيهقي: اشتددت.
(3) الغليل: منابت الطلح، وضجنان: موضع بعينه.
(4) رواه الطبري في تاريخه ج 3 / 31 - 32.
والبيهقي عنه في دلائله ج 3 / 333 - 337.
(5) انظر في غزوة بئر معونة: طبقات ابن سعد 2 / 51 سيرة ابن هشام 3 / 193 مغازي الواقدي 1 / 337 تاريخ الطبري 3 / 33 ابن حزم ص 178، عيون الاثر 2 / 61، النويري 17 / 130 دلائل النبوة للبيهقي 3 / 338.
الله صلى الله عليه وسلم سبعين رجلا لحاجة يقال لهم القراء فعرض لهم حيان من بني سليم رعل وذكوان عند بئر يقال لها بئر معونة فقال القوم: والله ما إياكم أردنا وإنما نحن مجتازون في حاجة للنبي صلى الله عليه وسلم فقتلوهم فدعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم شهرا في صلاة الغداة وذاك بدء القنوت وما كنا نقنت.
ورواه مسلم من حديث حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بنحوه.
ثم قال البخاري: حدثنا عبد الا علي بن حماد، حدثنا يزيد بن
زريع، حدثنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك: أن رعلا وذكوان وعصية وبني لحيان استمدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على عدو، فأمدهم بسبعين من الانصار كنا نسميهم القراء في زمانهم، كانوا يحتطبون بالنهار ويصلون بالليل حتى إذا كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا بهم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقنت شهرا يدعو في الصبح على أحياء من العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان.
قال أنس: فقرأنا فيهم قرآنا ثم إن ذلك رفع " بلغوا عنا قومنا إنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا " (1) ثم قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا همام، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، حدثني أنس بن مالك: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث حراما (أخا لام سليم) (2) في سبعين راكبا وكان رئيس المشركين عامر بن الطفيل خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ثلاث خصال، فقال: يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر (3) أو أكون خليفتك أو أغزوك بأهل غطفان بألف وألف (4) فطعن (5) عامر في بيت أم فلان فقال: غدة كغدة البكر (6) في بيت امرأة من آل فلان (7)، ائتوني بفرسي فمات على ظهر فرسه فانطلق حرام أخو أم سليم وهو (
رجل أعرج ورجل من بني فلان فقال: كونا قريبا حتى آتيهم فإن آمنوني كنتم قريبا وإن قتلوني أتيتم أصحابكم فقال: أتؤمنوني حتى أبلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يحدثهم وأومأوا إلى رجل فأتاه من خلفه فطعنه قال همام *
__________
) (1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 28 باب غزوة الرجيع ح 4090 فتح الباري 7 / 385.
(2) حرام خال أنس بن مالك، وأم سليم قيل اسمها سهلة وقيل رملة وقيل مليكة (قاله ابن عبد البر) بنت ملحان كانت تحت مالك بن النضر أبو أنس بن مالك في الجاهلية فولدت له أنسا أسلمت مع قومها وعرضت الاسلام على زوجها فغضب ورفض وخرج إلى الشام وهناك هلك، فخلف عليها أبو طلحة الانصاري.
(3) السهل: البوادي، وأهل المدر: أي أهل البلاد.
(4) في البيهقي: بألف أشقر وألف شقراء.
(5) طعن: أصابه الطاعون.
(6) البكر: بفتح الباء الموحدة، وسكون الكاف: الفتى من الابل بمنزلة الغلام من الناس، ولانثى: بكرة وقيل في الطاعون أنواع: الطاعون من حيث اللغة: نوع من الوباء قاله في الصحاح.
وعند أهل الطب: ورم ردئ
قتال.
يخرج معه تلهب شديد مؤلم جدا.
(7) قيل من آل سلول، وقيل هي سلول بنت شيبان امرأة أخيه.
والرجل الذي من بني فلان: المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح الخزرجي.
(
في الاصل: وهو رجل أعرج، ورواية البيهقي: ورجلان معه: رجل أعرج، هذا الرجل هو كعب بن زيد من بني دينار بن النجار، قال الذهبي: شهد بدرا وقل مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق.
أحسبه حتى أنفذه بالرمح فقال الله أكبر فزت ورب الكعبة فلحق الرجل فقتلوا كلهم غير الاعرج وكان في رأس جبل، فأنزل الله علينا.
ثم كان من المنسوخ " انا لقد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا " فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين صباحا على رعل وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصوا الله ورسوله (1).
وقال البخاري: حدثنا حبان، حدثنا عبد الله، أخبرني معمر حدثني ثمامة بن عبد الله بن أنس أنه سمع أنس بن مالك يقول لما طعن حرام بن ملحان - وكان خاله - يوم بئر معونة قال بالدم هكذا فنضحه على وجهه ورأسه وقال فزت ورب الكعبة.
وروى البخاري عن عبيد بن إسماعيل، عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة أخبرني أبي قال لما قتل الذين ببئر معونة وأسر عمرو بن أمية الضمري قال له عامر بن الطفيل: من هذا وأشار إلى قتيل، فقال له عمرو بن أمية: هذا عامر بن فهيرة قال لقد رأيته بعد ما قتل رفع إلى السماء حتى أني لانظر إلى السماء بينه وبين الارض ثم وضع فأتى النبي صلى الله عليه وسلم خبرهم فنعاهم فقال: إن أصحابكم قد أصيبوا وإنهم قد سألوا ربهم فقالوا ربنا أخبر عنا إخواننا بما رضينا عنك ورضيت عنا.
، فأخبرهم عنهم وأصيب يومئذ فيهم عروة بن أسماء بن الصلت فسمى عروة به، ومنذر بن عمرو وسمى به منذر.
هكذا وقع في رواية البخاري مرسلا عن عروة وقد رواه البيهقي من حديث يحيى بن سعيد عن أبي أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة فساق من حديث الهجرة وأدرج في آخره ما ذكره البخاري ههنا فالله أعلم (2).
وروى الواقدي: عن مصعب بن ثابت، عن أبي الاسود وعن عروة: فذكر القصة وشأن عامر بن فهيرة وأخبار عامر بن الطفيل انه رفع إلى السماء وذكر أن الذي قتله جبار بن
سلمى الكلابي قال: ولما طعنه بالرمح قال فزت ورب الكعبة ثم سأل جبار بعد ذلك: ما معنى قوله فزت قالوا: يعني بالجنة، فقال: صدق والله ثم أسلم جبار بعد ذلك لذلك (3).
وفي مغازي موسى بن عقبة عن عروة أنه قال: لم يوجد جسد عامر بن فهيرة يرون أن الملائكة وارته.
وقال يونس عن ابن إسحاق فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني بعد أحد بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة والمحرم ثم بعث أصحاب بئر معونة في صفر على رأس أربعة أشهر من أحد فحدثني أبي إسحاق بن يسار عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وعبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيرهما من أهل العلم قالوا: قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الاسنة (4) على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فعرض عليه الاسلام، ودعاه إليه، فلم يسلم ولم يبعد وقال: يا محمد لو
__________
(1) أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 28 باب غزوة الرجيع ح 4091.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 3 / 352 وقال رواه البخاري في الصحيح كما تقدم.
في الحاشية السابقة.
(3) مغازي الواقدي 1 / 349.
(4) سمي عامر بملاعب الاسنة في يوم سوبان، يوم حرب كانت بين قيس وتميم، وذلك أن كان يخاطب أخاه طفيل فارس قرزل الذي كان قد أسلمه في هذا اليوم وفر.
فقال: فررت وأسلمت ابن أمك عامرا * يلاعب أطراف الوشيج المزعزع
بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوهم إلى أمرك، رجوت أن يستجيبوا لك.
فقال صلى الله عليه وسلم إني أخشى عليهم أهل نجد.
فقال أبو براء أنا لهم جار.
فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمر وأخا بني ساعدة المعنق ليموت في أربعين رجلا من أصحابه من خيار المسلمين فيهم: الحارث بن الصمة وحرام بن ملحان أخو بني عدي بن النجار، وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي، ونافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي، وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر في رجال من خيار المسلمين: فساروا حتى نزلوا بئر معونة وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم.
فلما نزلوا بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في الكتاب حتى عدا على
الرجل فقتله، ثم استصرخ عليهم بني عامر، فأبوا أن يجيبوا إلى ما دعاهم وقالوا: لن نحفر أبا براء وقد عقد لهم عقدا وجوارا فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم - عصية ورعلا وذكوان والقارة - فأجابوا إلى ذلك فخرجوا حتى غشوا القوم، فأحاطوا بهم في رحالهم فلما رأوهم أخذوا أسيافهم، ثم قاتلوا القوم حتى قتلوا عن آخرهم، إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار، فإنهم تركوه به رمق فارتث من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق.
وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ورجل من الانصار، من بني عمرو بن عوف، فلم ينبئهما بمصاب القوم، إلا الطير تحوم حول العسكر فقالا: والله إن لهذه الطير لشأنا، فأقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة.
فقال الانصاري لعمرو بن أمية: ماذا ترى ؟ فقال أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر فقال الانصاري لكني لم أكن لارغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، وما كنت لاخبر عنه الرجال.
فقاتل القوم حتى قتل، وأخذ عمرو أسيرا فلما أخبرهم أنه من مضر أطلقه عامر بن الطفيل وجز ناصيته، وأعتقه عن رقبة كانت على أمه فيما زعم.
قال وخرج عمرو بن أمية حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة أقبل رجلان من بني عامر، حتى نزلا في ظل هو فيه وكان مع العامريين عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار لم يعلمه عمرو بن أمية، وقد سألهما حين نزلا: ممن أنتما قالا: من بني عامر فأمهلهما، حتى إذا ناما عدا عليهما وقتلهما وهو يرى أن قد أصاب بهما ثأرا من بني عامر فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره بالخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لقد قتلت قتيلين لادينهما " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارها متخوفا " = فبلغ ذلك أبا براء فشق عليه إخفار عامر إياه وما أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسببه وجواره، فقال حسان بن ثابت في إخفاء عامر أبا براء ويحرض بني أبي براء على عامر: بني أم البنين ألم يرعكم * وأنتم من ذوائب أهل نجد (1)
__________
(1) قال أبو ذر: يريد قول لبيد: نحن بني أم البنين الاربعة * المطعمون الجفنة المدعدعة
قال السهيلي: وإنما قال الاربعة وهم خمسة: طفيل وعامر وربيعة وعبيدة الوضاح ومعاوية معوذ الحكماء.
لانه أباه =
تهكم عامر بأبي براء * ليخفره وما خطأ كعمد ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي * فما أحدثت في الحدثان بعدي أبو ك أبو الحروب أبو براء * وخالك ماجد حكم بن سعد قال ابن هشام: أم البنين أم أبي براء (1) وهي بنت عمرو بن عامر بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
قال فحمل ربيعة بن عامر بن مالك على عامر بن الطفيل فطعنه في فخذه فأشواه (2) ووقع عن فرسه وقال: هذا عمل أبي براء، إن أمت فدمي لعمي فلا يتبعن به، وإن أعش فسأرى رأيي (3).
وذكر موسى بن عقبة عن الزهري نحو سياق محمد بن إسحاق: قال موسى وكان أمير القوم المنذر بن عمرو وقيل مرثد بن أبي مرثد.
وقام ؟ حسان بن ثابت يبكي قتلى بئر معونة - فيما ذكره ابن إسحاق رحمه الله والله أعلم: على قتلي معونة فاستهلي * بدمع العين سحا غير نزر على خيل الرسول غداة لاقوا * ولاقتهم مناياهم بقدر (4) أصابهم الفناء بعقد قوم * تخون عقد حبلهم بغدر فيا لهفي لمنذر إذ تولى * وأعنق في منيته بصبر وكائن قد أصيب غداة ذاكم * من أبيض ماجد من سر عمرو غزوة بني النضير وفيها سورة الحشر في صحيح البخاري عن ابن عباس: أنه كان يسميها سورة بني النضير.
وحكى البخاري عن الزهري عن عروة أنه قال: كانت بنو النضير بعد بدر بستة أشهر قبل أحد.
وقد أسنده ابن أبي حاتم في تفسيره: عن أبيه، عن عبد الله بن صالح، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري
به، وهكذا روى حنبل بن إسحاق عن هلال بن العلاء عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن مطرف بن مازن اليماني، عن معمر، عن الزهري فذكر غزوة بدر في سابع عشر رمضان سنة
__________
= ربيعة قد كان مات قبل ذلك لا كما قال بعضهم من أجل القافية.
(1) قال السهيلي: واسمها ليلى بنت عامر.
(2) أشواه: أخطأ مقتله.
وقيل انه بعدما وقع وثب قوم عامر عليه فأخذوه وقالوا لعامر: اقتص فأخرجه من الحي، ثم حفر بئرا وقال: اشهدوا اني قد جعلت ديته في هذه البئر ثم رد فيها ترابها، قال الزرقاني: وعامر بن الطفيل ابن أخي أبي براء ملاعب الاسنة.
(3) الخبر في ابن هشام ج 3 / 195 ونقله صاحب الدرر ص 162.
وقال: سياق ابن اسحاق أحسن وأبين.
(4) عجزه في الديوان: مناياهم ولاقتهم بقدر.
ثنتين، قال ثم غزا بني النضير، ثم غزا أحدا في شوال سنة ثلاث ثم قاتل يوم الخندق في شوال سنة أربع.
وقال البيهقي: وقد كان الزهري يقول هي قبل أحد، قال وذهب آخرون إلى أنها بعدها وبعد بئر معونة أيضا (5).
قلت: هكذا ذكر ابن إسحاق كما تقدم فإنه بعد ذكره بئر معونة ورجوع عمرو بن أمية وقتله ذينك الرجلين من بني عامر ولم يشعر بعهدهما الذي معهما من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد قتلت رجلين لادينهما ".
قال ابن إسحاق: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر اللذين قتلهما عمرو بن أمية للعهد الذي كان صلى الله عليه وسلم أعطاهما، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عهد وحلف، فلما أتاهم صلى الله عليه وسلم قالوا: نعم يا أبا القاسم نعينك عى ما أحببت، ثم خلا بعضهم ببعض، فقالوا: إنكم لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فمن رجل يعلو على هذا البيت، فيلقي عليه صخرة ويريحنا منه ؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب، فقال: أنا لذلك، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فيهم أبو بكر وعمر وعلي.
فأتى رسول الله الخبر من السماء بما أراد القوم، فقام
وخرج راجعا إلى المدينة.
فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة، فسألوه عنه فقال رأيته داخلا المدينة.
فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا إليه فأخبرهم الخبر، بما كانت يهود أرادت من الغدر به (2)، قال الواقدي: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جواره وبلده فبعث إليهم أهل النفاق يثبتونهم ويحرضونهم على المقام ويعدونهم النصر، فقويت عند ذلك نفوسهم وحمى حيي بن أحطب وبعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم لا يخرجون ونابذوه بنقض العهود فعند ذلك أمر الناس بالخروج إليهم، قال الواقدي: فحاصروهم خمس عشرة ليلة (3).
وقال ابن إسحاق: وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتهيوء لحربهم والمسير إليهم.
قال ابن هشام: واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم وذلك في شهر ربيع الاول.
قال ابن إسحاق فسار حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال، ونزل تحريم الخمر حينئذ، وتحصنوا في الحصون فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها، فنادوه: أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد، وتعيب من صنعه، فما بال قطع النخيل وتحريقها، قال وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج منهم عبد الله بن أبي ووديعة ومالك [ بن أبي قوقل ] وسويد وداعس قد بعثوا إلى بني النضير أن اثبتوا وتمنعوا، فإنا لن نسلمكم، إن قوتلتم قاتلنا معكم، وان أخرجتم خرجنا معكم.
فتربصوا ذلك من نصرهم، فلم يفعلوا، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا
__________
(1) دلائل النبوة ج 3 / 354.
(2) سيرة ابن هشام ج 3 / 201.
(3) في الواقدي 1 / 374: يوما.
رسول الله أن يجليهم ويكف عن دمائهم، على أن لهم ما حملت الابل من أموالهم إلا الحلقة (1).
وقال العوفي عن ابن عباس أعطى كل ثلاثة بعيرا يعتقبونه وسقا (2) رواه البيهقي وروى: من طريق يعقوب بن محمد عن الزهري (3) عن إبراهيم بن جعفر بن محمود بن محمد بن مسلمة، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن مسلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إليه بني النضير، وأمره أن
يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال.
وروى البيهقي وغيره أنه كانت لهم ديون مؤجلة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعوا وتعجلوا.
وفي صحته نظر، والله أعلم.
قال ابن إسحاق: فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الابل فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف (4) بابه، فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به فخرجوا إلى خيبر، ومنهم من سار إلى الشام.
فكان من أشراف من ذهب منهم إلى خيبر: سلام بن أبي الحقيق، وكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وحيي بن أخطب فلما نزلوها دان لهم أهلها.
فحدثني عبد الله بن أبي بكر أنه حدث: انهم استقبلوا بالنساء والابناء والاموال، معهم الدفوف والمزامير، والقيان يعزفن خلفهم بزهاء وفخر ما رؤي مثله لحي من الناس في زمانهم.
قال: وخلوا الاموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني النخيل والمزارع - فكانت له خاصة، يضعها حيث شاء فقسمها على المهاجرين الاولين دون الانصار، إلا أن سهل بن حنيف وأبا دجانة ذكرا فقرا فأعطاهما (5) (وأضاف بعضهم إليهما الحارث بن الصمة حكاه السهيلي).
قال ابن إسحاق: ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان: وهما يامين بن عمير، أبو (6) كعب ابن عم عمرو بن جحاش وأبو سعد بن وهب فأحرزا أمو الهما.
قال ابن إسحاق: وقد حدثني بعض آل يامين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليامين: ألم تر ما لقيت من ابن عمك وما هم به من شأني ؟ فجعل يامين لرجل جعلا على أن يقتل عمرو بن جحاش فقتله لعنه الله.
قال ابن إسحاق: فأنزل الله فيهم سورة الحشر بكمالها، يذكر فيها ما أصابهم به من نقمته، وما سلط عليهم به رسوله، وما عمل به فيهم.
ثم شرع ابن إسحاق يفسرها وقد تكلمنا عليها بطولها مبسوطة في كتابنا التفسير ولله الحمد قال الله تعالى: (سبح لله ما في السموات وما في الارض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لاول الحشر (
ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا انهم مانعتهم
__________
(1) الحلقة: السلاح كله، أو خاص بالدروع.
(2) في البيهقي: وسقاء قال والجلاء: إخراجهم من أراضيهم إلى أرض أخرى.
(3) في رواية البيهقي ج 3 / 360: يعقوب بن محمد الزهري.
(4) النجاف: العتبة التي بأعلى الباب.
والاسكفة: العتبة التي بأسفله.
(5) زاد الواقدي: انه أعطى سعد بن معاذ سيف ابن أبي الحقيق.
(6) في الاصول بن وهو تحريف، والتصويب عن شرح السيرة لابي ذر الخشني.
(7) كانت أخت يامين: الرواع بنت عمير تحت عمرو بن جحاش ابن عم يامين الذي جعل لرجل من قيس عشرة دنانير على أن يقتل عمرو فاغتاله فقتله فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك (الواقدي 1 / 374).
(
قوله أول الحشر: عن عروة عن عائشة: كان جلاؤهم ذلك أول حشر في الدنيا إلى الشام.
حصونهم من الله فأتاهم من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولى الابصار ولولا أن كتب عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار وذلك بأنهم شاقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فان الله شديد العقاب.
ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ولنجزى الفاسقين).
سبح سبحانه وتعالى نفسه الكريمة وأخبر أنه يسبح له جميع مخلوقاته العلوية والسفلية وأنه العزيز وهو منيع الجناب فلا ترام عظمته وكبرياؤه وانه الحكيم في جميع ما خلق وجميع ما قدر وشرع، فمن ذلك تقديره وتدبيره وتيسيره لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين في ظفرهم بأعدائهم اليهود الذين شاقوا الله ورسوله وجانبوا رسوله وشرعه وما كان من السبب المفضي لقتالهم كما تقدم حتى حاصرهم المؤيد بالمرعب والرهب مسيرة شهر ومع هذا فأسرهم بالمحاصرة بجنوده ونفسه الشريفة ست ليال فذهب بهم الرعب كل مذهب حتى صانعوا وصالحوا على حقن دمائهم وأن يأخذوا من أموالهم ما استقلت به ركابهم على أنهم لا يصحبون شيئا من السلاح إهانة لهم واحتقارا فجعلوا يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولى الابصار.
ثم ذكر تعالى أنه لو لم يصبهم الجلاء وهو التسيير والنفي من جوار الرسول من المدينة لاصابهم ما هو أشد منه من العذاب الدنيوي وهو القتل مع ما ادخر لهم في الآخرة من العذاب الاليم المقدر لهم.
ثم ذكر تعالى حكمة ما وقع من تحريق نخلهم وترك ما بقي لهم وأن ذلك كله سائغ فقال ما قطعتم من لينة - وهو جيد الثمر - أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله.
إن الجميع قد أذن فيه شرعا وقدرا فلا حرج عليكم فيه ولنعم ما رأيتم من ذلك
وليس هو بفساد كما قاله شرار العباد إنما هو إظهار للقوة واخزاء للكفرة الفجرة.
وقد روى البخاري ومسلم جميعا عن قتيبة عن الليث عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير وقطع، وهي البويرة، فأنزل الله (ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفاسقين) (1).
وعند البخاري: من طريق جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير [ وقطع وهي البويرة ] (2) ولها يقول حسان بن ثابت: وهان على سراة بني لؤي * حريق بالبويرة مستطير (3)
__________
(1) سورة الحشر آية 5.
والحديث رواه البخاري في تفسير سورة الحشر، ومسلم في 32 كتاب الجهاد والسير 10 باب ح 29.
(2) ما بين معكوفين سقطت من الصحيح، واثبتت في رواية الليث.
والحديث أخرجه البخاري في 64 كتاب المغازي 14 باب حديث بني النضير، فتح الباري (7 / 329).
(3) سراة القوم: سادتهم.