قـدَّمَ له
الشيخ : علوي بن عبـد القـادر السقاف
الشيخ : أبو بكــر بن هـدار الهــدار
الشيخ : صالح بن بـخيـت مولى الدويلة
مقدمة الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد بن عبد الله القائل : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " والقائل : " قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً ، فعليكم بما عرفتم من سنتي ، وسنة الخلفاء الراشدين المهديين ، عَـضُّّـوا عليها بالنواجذ " وعلى آله الطاهرين وأصحابه أجمعين. وبعـد
فقد أطلعني الأخ الشيخ علي بابكـر – وفقه الله على رسالة مختصرة عن صوفية حضرموت وهالني ما نقله عن كتبهم بالجزء والصفحة من قصص وروايات يأباها الله ورسوله والمؤمنون الموحدون ، وما فيها من نسبة خصائص الربوبية للمخلوق ، ومن ذلك :
1- نفخ الروح في الجمادات ! والله عز وجل يقول : { قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا } سورة الإسراء آية 85 .
2- إحياء الموتى ! والله عز وجل يقول : { ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحي ويميت الموتى وأنه على كل شيء قدير } سورة الحج آية 6 .
3- القول للشيء كن فيكون ! والله عز وجل يقول عن نفسه : { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } سورة يس آية 82 .
4- ادعاء علم الغيب ! والله عز وجل يقول : { عالم الغيب فلا يُـظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول } سورة الجن آية 26 – 27 . قال : { من رسول } ولم يقل من ولي أو صالح.
5- شفاء المرضى ! والله عز وجل يقول عن لسان إبراهيم الخليل عليه السلام : { وإذا مرضت فهو يشفين } سورة الشعراء آية 80 .
6- ضمان الجنة للمريد ! ومحو سيئاته من اللوح المحفوظ ! ونحو ذلك.
كل هذا وغيره من قصص وروايات أخرى – لا يسندها نقل ولا يقبلها عقل – نقلها الشيخ في رسالته هذه ، وهي كفر بواح لا يشك في ذلك مسلم موحد ، لا يجوز اعتقادها ولا روايتها إلا على سبيل التهكم أو الرد عليها . وما هذا الأمر الذي وصل إليه الناس هناك إلا بسبب الهوى والجهل والبعد عن الكتاب والسنة . وإن كنت أختلف مع المؤلف فيما كرر مراراً من أن كل هذا دافعه المادة البحتة أو أنها دعايات للتسويق ولتنشيط السياحة الدينية لجذب أكبر عدد ممكن من الزوار – على حد تعبيره – ولعل أصحابها بريئون من نسبتها إليهم ، فقد كُـذب على الرسل والأنبياء من قبل. وعلى أحفادهم وأتباعهم التبرؤ منها ونفي نسبتها إليهم وعدم روايتها على سبيل التصديق ، وأقل حقوق الآباء على الأبناء أن ينفوا عنهم الكفر ويبرئوهم منه وهذا من برِّهم ، فليس من الفخر بشيء أن يكون جد المرء يدَّعي إحياء الموتى أو علم الغيب أو أنه يقول للشيء كن فيكون ، والعياذ بالله.
وإني أدعو أبناء السادة في حضرموت وغير حضرموت إلى الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه جدهم محمد بن عبد الله ، على نهج سلفهم الصالح أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
علوي بن عبد القادر السقاف
غرة صفر من عام 1424 هـ
البريد الإلكتروني : [وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]
مقدمة الشيخ أبي بكر بن هـدار الهـدار
الحمد لله رب العالمين ونصلي ونسلم على المبعوث رحمةً للعالمين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين ، أما بعد
فقد اطلعت على رسالة الشيخ علي بابكر الموسومة ( هذه هي الصوفية في حضرموت ) فـألـفـيـتها جيدةً في بابها ، نافعة في محتواها ، فقد عَـرَّت هؤلاء المتصوفة مما يدَّعون به من كرامة ، وكشفت عوارهم وبينت ضلالاتهم ، ونبـرأ إلى الله من ذلك.
وإن كنت أتفق مع الشيخ علي بابكر فيما حكاه عن أحوال هؤلاء الضُّـلال فإني أختلف معه في السبب الذي أدى بهم إلى هذه الحال.
فلعل الجهل المتراكم أعواماً مديدة وسنين متطاولة أدى بهم إلى هذه الحال ، أضِفْ إلى ذلك قِلّـة العلماء الربانيين أصحاب العقيدة الصحيحة.
ونسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العُـلى أن يردنا وإياهم إلى الحق وأن يلهمنا رشدنا ، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه
أبو بكر بن هـدار الهـدار بن أحمد الهـدار
حضرموت – عينات
جمادى الأولى 1424 هـ
مقدمة الشيخ صالح بن بخيت بن سالم مولى الدويلة
الحمد لله الذي هدانا للإسلام { وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } وعلمنا الحكمة والقرآن ، وجعلنا من خير أمة أخرجت للناس ، وألبسنا لباس التقوى خير لباس. أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من مخلوقاته ، خير الناس للناس ، سراج وهاج ونور ونبراس ، ورحمة وإيناس. صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على دربهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين ، وبـعـــد :
فإن بلاء التصوف قد عـمَّ وطـمَ ، وشرّق وغرّب في الأمم حتى لا يكاد يخلو منه سهل ولا أكم ، وهذا وإن كان نذير شؤم ومؤشر انحراف ، فإنه عند أهل الجهل والغفلة معيار تصحيح واعتراف ، وليس المقامُ مقام بيان فساد هذا الميزان. وحسبي ما جـاء في القرآن : { وأن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله } النساء : 116 ، وقوله سبحانه : { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } يوسف 103.
كما أنني لا أعني بهذا البلاء تصوف الموالد والحضرات ، فهو أحقر وأظهر من التصدي لكشف زيفه وبيان بطلانه وانقطاعه عن دين الله وهَـدْي رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا تصوف السلوك والرياضة والأخلاق [ قال أبو بكر الكتاني : " التصوف خُـلـق فمن زاد عليك في الخُلق زاد عليك في التصوف ". مدارج السالكين 1/ 499 ] ، فهو مشترك بين أمم الأرض ، مطلوب عند عقلاء العالم ، والناس فيه بين مقصر ومشمَّـر ، سار فيه الموفقون المهتدون على درب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ، الذي أدَّبه ربُّـه فأحسن تأديبه ، وزكّـاه وحلاه : { وإنك لعلى خلقٌ عظيم } القلم :4 ، وامتطى غيرهم سبلاً ومذاهب فأساءوا وأحسنوا ، وأصابوا وأخطئوا { قل كلٌ يعمل على شاكلته } الإسراء : 84 .
ولا أعني صوفية الزهد ، فأهل الزهد أكرم وأتقى وأنقى ، جاعوا واحتفوا ، وتخلوا واختفوا " إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في الساقة كان في الساقة ، إن استأذن لم يُـؤذن له ، وإن شفع لم يُـشَفَّـع " [ رواه البخاري في صحيحه في عدة مواضع رقم 6453 ، 2886 ، 2887 ] ، يعدون الكرامة إنذارً وتخويفاً ، والحفاوة استدراجاً ، والثناء بلاءً وفتنة ، فإن أُوتوا فمن سوء الفهم تارة ، ومن غلبة الطبع أو الحال الأخرى ، فكل من أحبهم فإن الحق أحب إليه منهم ، يؤخذ من قولهم ويُـترك ، ولا يدّعون لأنفسهم العصمة ولا تُدعى لهم إلا من مُخرِّف أو مُحرِّف.
إنما أعني صوفية البــلاء والعــنـاء ، الذين يتـسـتـرون بـما سـبـق من مظاهـر ، ويضمـرون خـلاف الظاهــر { ولتعرفنهم في لحن القول } محمد : 30 ، { لِمَ تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون } آل عمران : 71.
صوفية الوثنية وركام الديانات الشـركية ..
صوفية الحلول والاتحـاد ، والجـرأة والإلحـاد ..
صوفية الدجـل والخـرافة والخلل ..
عمدوا إلى أديان الناس وعقولهم فطلبوا إلغائها واجتهدوا في طمس معالمها ، ثم تنافسوا بعد ذلك إدارة الكون ، وإعادة التشريع وبناء المشاهد وصرف الناس إليها. منافسة تبلغ حد الجنون أو تجاوزه ، لدرجة ادعاء بعضهم القدرة على تغيير ما في اللوح المحفوظ ، وآخر القدرة على إطفاء النار وإغلاق الجحيم ، والثالث منادمة رب العالمين ومزاحمته على عرشه العظيم ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا ، في أقوال وأفعال لا يمكن صدورها عن رجل عاقل فضلاً عن مسلم عالم أو فاضل.
وعن داود بن صبيح قال : قلت لعبد الرحمن بن مهدي : يا أبا سعيد إن ببلدنا قوماً من هؤلاء الصوفية ؟ فقال : لا تقرب من هؤلاء ، فإنا قد رأينا من هؤلاء قوماً أخرجهم الأمر إلى الجنون ، وبعضهم إلى الزندقة. [ المنتقى من تلبيس إبليس للإمام ابن الجوزي – علي حسن بن عبد الحميد ص 280 ]
وما يزيد الطين بله والمرض علة ، نسبة أقوالهم الباطلة وأفعالهم العاطلة إلى من لهم سَـبْـق إلى الدين أو فضيلة اختصهم بها الله رب العالمين ، كنسبة هذا العبث والتخليط للأئمة من أهل البيت. وكل ذلك لترويج الباطل وزخرفته ، وأهل الحق من أهل البيت كغيرهم من طالبيه وقاصديه على منهج خير القرون متبعين مقتدين لا مبتدعين ولا مخترعين ، أحرص الناس على السنة ، وأكثرهم عناية بها ، وهم أولى بها وأهلها ، فمن دارهم خرجت ، وعلى أيديهم برزت ، ثم هم بعد ذلك كغيرهم في غير ما اختصهم الله به ، فيهم العالم والجاهل ، والراشد والضال ، والمهتدي والمنحرف ، بل المسلم والكافر ( ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ) ونسبهم أدنى للتكليف من التشريف ، وتقصيرهم ي نشر السنة والذبِّ عنها يجلب لهم الذم والتأفيف.
أما الكرامات وهي مدار هذه الرسالة اللطيفة فهي كغيرها من أبواب العقائد التي انقسم فيها الخلق إلى غالً ومُجحف ، ومُشَّـرَّق ومُغَرَّب ، ومُُـثْبت ومُـنكَر( وكلا طرفي قصدِ الأمور ذميمُ ) والحق دائماً بين الغالي فيه والجافي عنه ، إلا أن النقص دخل على أهل التصوف في هذا الباب من جهات منها :
أولها : مباهاتهم بها وادعاءاتهم فيها ، والأصل في أهل العلم والدين الخوف واحتقار النفس ، كما هو غالب على حال السلف الصالح رحمهم الله كما قال عمر رضي الله عنه : " والله لو أن لي طلاع الأرض ذهباً لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه " [ رواه البخاري في صحيحه رقم 3692 ]
أما هؤلاء فلا تكاد تصدق أن المتكلم بها من أهل الإسلام والاستسلام ، والإجلال والاحترام لله رب العالمين ، وتأمل : عن أبي يزيد البسطامي قال : وددت أن قد قامت القيامة حتى أنصب خيمتي على جهنم . فسأله رجل ولم ذاك يا أبا يزيد ؟ قال : إني أعلم أن جهنم إذا رأتني تخمد فأكون رحمة للخلق. [ ذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس ، انظر المنتقى النفيس ص 457 ]
ثانيها : لعبهم وعبثهم فيها ، حتى عادت في كثير من الأحيان خاضعة للتشهي والتذوق ، وكأن أحدهم في مطعم أو نُـزُل يطلب ما يشاء مستخدماً لا مستجدياً ، قال النوري : كنت بالرقة فجاءني المريدون الذين كانوا بها وقالوا : نخرج نصطاد السمك ، فقالوا : يا أبا الحسين هات من عبادتك واجتهادك وما أنت عليه من الاجتهاد سمكة يكون فيها ثلاثة أرطال لا تزيد ولا تنقص. فقلت لمولاي : إن لم تخرج إليَّ الساعة سمكة فيها ما قد ذكروا لأرمِـيَـنَّ بنـفـسي في الفرات ، فخـرجت سمكة فوزنتها فإذا فيها ثلاثـة أرطال لا زيادة ولا نقصان. [ المصدر السابق ص 466 ]
وإنما دخل عليهم هذا من جهة جهلهم بالحكمة من الكرامات [ أو نفيهم لها كما هي عقيدة الأشاعرة ] ، وأن المقصود بها إنما هو نصرة الدين وإقامة السنة وتأييد ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، لا العبث والتشهي وفرد العضلات وتخويف العامة وكسب الجاه وترويج السياحة الدينية ....
ثالثها : سرقة الكرامات ، ولك أن تطالع التراث الصوفي في عصور وأماكن مختلفة لترى كيف تدور كراماتهم حول قضايا متشابهة تختلف فيها الأسماء والأماكن وتتفق فيها الأحداث والوقائع ، فالحادثتان المتقدمتان تراهما عند صوفية حضرموت أو السودان أو مصر أو المغرب ... أو عند الجميع . [ انظر أمثلة على ذلك في كتاب أولياء الله بين المفهوم الصوفي والمنهج السلفي – للشيخ عبد الرحمن دمشقية ص 157 ]
رابعها: انتحال الكرامات وتوهمها ، ( فمن العباد من يرى ضوءاً أو نوراً في السماء ، فإذا كان في رمضان قال : رأيت ليلة القدر ، وإن كان في غيره قال : قد فُتحت لي أبواب السماء.
وقد يتفق له الشيء الذي يطلبه فيظن ذلك كرامة وربما كان اختباراً ، وربما كان من خِدَع إبليس ، والعاقل لا يساكن شيئاً من هذا ولو كان كرامة ) [ المنتقى النفيس ص 517 ] ، وكل هذا نِتاج العناية الزائدة التي أولاها هؤلاء الصوفية بالكرامات فجعلوا غاية المريد منهم طلب الكرامة ، وكانت وما زالت عناية الصالحين بطلب الاستقامة لا بطلب الكرامة.
وقال ابن الجوزي رحمه الله : " وقد لـبّـس إبليس على قوم من المتأخرين فوضعوا حكايات في كرامات الأولياء ليشيدوا بزعمهم أمر القوم ، والحق لا يحتاج إلى تشييد بباطل فكشف الله تعالى أمرهم بعلماء النقل. اهـ [ المنتقى النفيس ص 517 ] ، بل تمادوا في ذلك فادّعوا ما لا يصلح إلا لله تعالى ، من معرفة الغيب والاطلاع على اللوح المحفوظ وقراءته سطراً سطراً ، وتسيير الكون والتصرف في أفلاكه ، أو ارتكبوا المحرمات وجعلوها كرامات .
وقال ابن الجوزي رحمه الله أيضاً : وعن عبد العزيز البغدادي قال : كنت انظر في حكايات الصوفية فصعدت يوماً إلى السطح فسمعت قائلاً يقول : { وهو يتولى الصالحين } فالتفت فلم أرى شيئاً ، فطرحت نفسي من السطح فوقفت في الهواء . قلت : هذا كذب محال ، لا يشك فيه عاقل ، فلو قدّرنا صحته فإن طرح نفسِـه من السطح حرام ، وظنه أن الله يتولى من فعَلَ المنهي عنه باطل ، فقد قال تعالى : { ولا تُـلقوا بأيديكم إلى التهلكة } فكيف يكون صالحاً وهو يخالف ربه ؟ وعلى تقدير ذلك من أخـبره أنه منهم ؟؟ وقد اندس في الصوفية أقـوام تـشبّـهوا بهم وشطحـوا في الكـرامات وادعائها واظهروا للعـوام مخـاريـق صادوا بها قـلوبـهم. [ المصدر السابق ص 527 ]
خامسها: جعلها شرطاً أو دليلاً على الولاية ، والتوصل بذلك إلى تعظيم أصحابها في القلوب وتمرير أو تبرير أو تقرير ما يقولونه ويفعلونه. قال ابن تيمية رحمه الله : وكثير من الناس من يخلط في هذا الموضع فيظن شخصاً أنه ولي لله ، ويظن أن ولي الله يقبل منه كل ما يقوله ويسلم إليه كل ما يفعله ، وإن خالف الكتاب والسنة ، فيوافق ذلك الشخص ويخالف ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم ، والذي فرض الله على جميع الخلق تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر وجعله الفاروق بين أوليائه وأعدائه ، وبين أهل الجنة وأهل النار ، وبين السعداء والأشقياء ، فمن تبعه كان من أولياء الله المتقين وجنده المفلحين وعباده الصالحين ، ومن لم يتبعه كان من أعداء الله الخاسرين المجرمين ، فتجره مخالفة الرسول وموافقة ذلك الشخص ، أولاً : إلى البدعة والضلال ، وآخراً : إلى الكفر والنفاق ، ويكون له نصيب من قول الله تعالى : { ويوم يعض الظالم على يديه ويقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً * يا ويلتي ليتني لم اتخذ فلاناً خليلا * لقد أضلني عن الذكر بعـد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا } .....
وقال رحمه الله : وكل من خالف شيئاً مما جاء به الرسول مقلداً في ذلك لمن يظن أنه ولي لله ، بنى أمره على أنه ولي لله ، وأن ولي الله لا يخالف في شيء ، ولو كان هذا الرجل من أكبر أولياء الله ، كأكابر الصحابة والتابعين لهم بإحسان لم يقبل الله منه ما خالف الكتاب والسنة فكيف إذا لم يكن كذلك ؟
وتجد كثيراً من هؤلاء عمدتهم في اعتقاد كونه ولياً أن قد صدر عنه مكاشفة في بعض الأمور أو بعض التصرفات الخارقة للعادة مثل : أن يشير إلى شخص فيموت أو يطير في الهواء إلى مكة أو غيرها ، أو يمشي على الماء أحياناً ، أو يملأ إبريقاً من الهواء ، أو ينطق بعض الأوقات من الغيب ، أو يختفي أحياناً عن أعين الناس ، أو أن بعض الناس استغاث به وهو غائب أو ميت فرآه قد جاء فقضى حاجته ، أو يخبـر الناس بما سُـرِقَ لهم أو بحال غائب لهم أو مريض ، أو نحو ذلك من الأمور ، ما يدل على أن صاحبها وليٌ لله ، بل لقد اتفق أولياء الله على أن الرجل لو طار في الهواء أو مشى على الماء لم يُـغتر به حتى يُنظر متابعته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وموافقته لأمره ونَـهْـيهِ.
وكرامات أولياء الله تعالى أعظم من هذه الأمور ، وهذه الأمور الخارقة للعادة وإن كان صاحبها ولياً لله فـقـد يكون عدواً لله ، فإن هذه الخوارق تكون لكثير من الكفار والمشركين وأهل الكتاب والمنافقين وتكون لأهل البدع وتكون من الشياطين ، فلا يجوز أن يُـظَن أن كل من كان له شيء من هذه الأمور أنه ولي لله ، بل يُـعتبر أولياء الله بصفاتهم وأفعالهم وأحوالهم التي دل عليها الكتاب والسنة ، ويُـعرفون بنور الإيمان والقرآن وبحقائق الإيمان الباطنة وشرائع الإسلام الظاهرة ... اهـ [ الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان ( ويا له من كنز ) ص 163 – 169 باختصار ]
وقد نقلته بطوله لنفاسته وكفايته ، فإن المحظور في كثير من الأحيان ليس فيما يُحكى من الكرامات ، وإن كانت مليئة بالمنكرات ، لكن المحظور هو فيما يُبنى عليها من التشريعات والاستغاثات والزيارات والمقامات والتجمعات والمنامات والحكايات .. وهم يهولون بها ويشغلون الناس بعجائبها للتوصل إلى ترويج شركياتهم وبدعهم ( فاحذروهم )
وقد عمد الشيخ علي بابكر وفقه الله في هذه الرسالة إلى مجموعة من المخاريق والخرافات والدعاوى والمنكرات المنسوبة أو المسروقة – كما مر معنا – أو المذكورة بأسانيد مجهـولة ، فأبرزها ولسان حاله فيما اعتقد قول ابن الجوزي رحمه الله ( فإن كان ذلك صحيحاً عنهم توجب الرد عليهم ، إذ لا محاباة في الحق ، وإن لم يصح عنهم حذرنا من مثل هذا القول ، وذلك المذهب من أي شخص صدر ... والله يعلم أننا لم نقصد ببيان الغلط إلا تـنـزيه الشريعة والغيرة عليها من الدخل ، وما علينا من القائل والفاعل ، وإنما نؤدي بذلك أمانة العلم ، وما زال العلماء يبين كل واحد منهم غلط صاحبه قصداً لبيان الحق لا لإظهار عيب الغالط ، ولا اعتبار بقول جاهل يقول : كيف يرد على فلان الزاهد ... لأن الانقياد إنما يكون إلى ما جاءت به الشريعة لا إلى الأشخاص ، وقد يكون الرجل من الأولياء وأهل الجنة وله غلطات فلا تمنع منزلته بيان زللــه ... اهـ ) [ المنتقى النفيس ] .
وليس إقناع كثير ممن تشربت قلوبهم هذه الضلالة ضروري عند المؤلف – في ظني – وإنما قصد كشف زيفهم وتعرية باطلهم لأهل الفطر السليمة والعقول المستقيمة ممن غره كلام بعضهم وزخارف قولهم. أما هم فكما حكى ابن الجوزي أيضاً عن شيخهم القشيري قوله : " وحجج الصوفية أظهر من حجج كل أحد ، وقواعد مذهبهم أقوى من قواعد كل مذهب ، لأن الناس إما أصحاب نقل وأثر ، وإما أرباب عقل وفكر ، وشيوخ هذه الطائفة ارتقوا عن هذه الجملة .. " [ المصدر السابق ] فهم بلا عقل ولا نقل ، فكيف يُرجى رشاد من كشف عن حاله بسيئ مقاله ، كفى الله الشريعة شر هذه الطائفة.
" فمن أحب النجاة غداً ، والمصاحبة لأئمة الهدى ، والسلامة من طريق الردى ، فعليه بكتاب الله ، فليعمل بما فيه ، وليتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته ، فلينظر ما كانوا عليه ، فلا يعدوه بقول ولا فعل ، وليجعل عبادته واجتهاده على سننهم ، وسلوكه في طريقهم ، وهمته في اللحاق بهم ، فإن طريقهم هو الصراط المستقيم الذي علمنا الله سبحانه سؤاله ، وجعل صلاتنا موقوفة على الدعاء به فقال سبحانه : { اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم * ولا الضالين } آمين.
فمن شك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على الصراط المستقيم فقد مرق من الدين ، وخرج من جملة المسلمين ، ومن عَلِمَ ذلك وصدق به ورضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً ، وعلم أن الله تعالى قد أمرنا باتباع نبيه بقوله سبحانه : { واتبعوه لعلكم تهتدون } الأعراف : 158 وغير ذلك من الآيات ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ، عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة " وقوله صلى الله عليه وسلم : " خير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها " فما باله يلتفت عن طريقه يميناً وشمالاً ، وينصرف عنها حالاً فحالآ ، ويطلب الوصول إلى الله سبحانه من سواها ، ويبتغي رضاه فيما عداها ؟ أتراه يجد أهدى منها سبيلاً ويتبع خيراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلاً ؟ كلا لن يجد سوى سبيل الله سبحانه إلا سبيل الشيطان ، ولن يصل من غيرها إلا إلى سخط الرحمن ، قال الله تعالى : { وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون } الأنعام : 153، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خط خطاً مستقيماً فقال : " هذا سبيل الله " وخط خطوطاً فقال : " هذه سُبل الشيطان وعلى كل سبيل منها شيطان يدعو إليه من أجابهم إليها قذفوه في النار " [ رواه أحمد والنسائي ] ، أو كما جاء في الخبر ، فأخبر أن ما سوى سبيل الله هي سُـبُـل الشيطان ، ومن سلكها قُـذِفَ به في النار ، وسبيل الله التي مضى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأولياؤه والسابقون الأولون ، واتبعهم فيها التابعون بإحسان إلى يوم الدين ، رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم ، فمن سلكها سَعُـد ، ومن تركها بَِـعُـد.
وطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأخلاقه وسيرته وما كان عليه في عبادته ، وأحواله مشهور بين أهل العلم ، ظاهر لمن أحب الاقتداء به واتباعه وسلوك منهجه ، والحـق واضح لمن أراد الله هدايته وسلامته و{ من يهد الله فهو المهتد ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشدا } الأعراف : 178 [ رسالة في ذم ما عليه أهل التصوف للإمام عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ص 18 – 20 ] وقد استكتب المؤلف – وفقه الله – الفقير هذه المقدمة على قلة البضاعة حباً لأهل البيت ، وغيرة عليهم أن يروج الباطل والبدع والخرافة باسمهم ، وفصلاً بين الأديان والأقوال والأنساب والأحساب.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، ولا تجعله ملتبساً علينا فنَضِل ، وصلى الله وسلم وبارك وأنعم على الرحمة المهداة ، المنة المسجاة محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
صالح بن بخيت بن سالم مولى الدويـلة.
26 / / 1424 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل : { وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبل المجرمين } [ الأنعام : 55 ] والقائل : { يا أيها الذين آمنـوا إن كـثـيراً من الأحـبار والرهبــان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصـدون عن سبـيـل الله } [ التوبة : 34 ]
والصلاة والسلام على رسول الله القائل : " إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين " رواه أبو داود في سننه ، وهو حديث صحيح والقائل : " دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها " فقال حذيفة وهو رواي هذا الحديث : من هم يا رسول الله ، صفهم لنا ؟ قال : " قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا " رواه مسلم .
وبعد : فهذه رسالة مختصرة فيها بيان شيء من عقائد الصوفية في حضرموت أخذناها من كتبهم ومصادرهم.
وفي هذه المقدمة أذكر لك أخي القارئ بعض الأمثلة على ما عند الصوفية من عقائد وأفكار.
المثال الأول : جاء في كتاب تذكير الناس بكلام أحمد بن حسن العطاس الذي جمعه : أبو بكر العطاس بن عبد الله بن علوي الحبشي سنة 1393هـ ، ما نصه : وحكى سيدي رضي الله عنه ( ) عن الحبيب عبد الله بن عمر بن يحي أنه لما وصل إلى مليبار دخل على الحبيب علوي بن سهل ، فرأى في بيته تصاوير طيور وديكة وغيرها .
فقال : يا مولانا إن حدكم صلى الله عليه وسلم يقول : " يكلف الله صاحب التصاوير يوم القيامة أن ينفخ فيها الروح "
فقال له الحبيب علوي : عاد شيء غير هذا ؟ ( )
فقال : لا
قال : فنفخ الحبيب علوي تلك التصاوير ، فإذا الديكة تصرخ والطيور تغرد.
فسلم له الحبيب عبد الله بن عمر له حاله. اهـ. [ تذكير الناس بكلام أحمد العطاس ص 155 ]
سبحان الله العظيم !! ذكرتني هذه القصة بالنمرود الذي حاج نبي الله إبراهيم عليه السلام وادعى أنه يحي ويميت { ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القـوم الظالمين أو كالذي مـر على قـرية وهي خـاوية على عـروشها قال أنّى يحي هـذه الله بـعـد
موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله عزيز حكيم } [ البقرة 258 – 260 ]
تأمل معي أخي القارئ هذه القصة ، عندما دخل الرجل على الولي المزعوم ورأى عنده المنكر معلقاً في بيته ، فأنكر عليه وذكره بالحديث : " من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ " ولاحظ قوله : " وليس بنافخ " .
وقد ورد أحاديث كثيرة في ذم التصاوير مثل حديث " أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون " وحـديـث " لعن الله المصورين " وفي الحديث القدسي " ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ، فليخلقوا حبة ، فليخلقوا ذرة ، فليخلقوا شعيرة " أو كما قال.
وذات مرة دخل النبي صلى الله عليه وسلم على حجرة عائشة فرأى عندها تصاوير في نمرقة ، فوقف على الباب ولم يدخل ، قالت عائشة : فرأيت الغضب والكراهية في وجهه ، فقلت : أتوب إلى الله يا رسول الله ماذا أذنبت ؟ قال : " ما بال هذه النمرقة ؟ " قلت وسادة أتيت بها لك لتوسدها وترقد عليها ، فقال يا عائشة : " إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة ، يقال لهم أحيوا ما خلقتم " ثم قال : " إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلباً أو صورة " قالت عائشة : فمزقت التصاوير. [ رواه البخاري ]
فكان الواجب على هذا الحبيب لما نُصح وذُكر بالحديث أن يستجيب لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ويزيل هذه الصور إن كان من الصالحين { يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون } [ الأنفال : 24]
ولكنه رد بسوء أدب على حديث النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : عاد شيء غير هذا ؟
هل هذه من أخلاق الصحابة ؟
هل هذا من أخلاق المؤمنين ؟
إنهم لا يتأدبون مع أحاديث نبيهم.
ثم بعد ذلك نفخ في تلك التصاوير ، فإذا الديكة تصرخ الطيور تغرد.
فأقول أولاً : ألا لعنة الله على الكاذبين.
ولاشك عندي أن هذه القصة مكذوبة ، لأن القوم معروفون بالكذب ولا يتورعون ، وإن صحت هذه القصة فهذا الولي المزعوم ساحر ، وسحر عين الناصح وخيل له أن الديكة تصرخ والطيور تغرد.