aloqili.com
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

aloqili.com

سيرة نبوية - تاريخ القبائل - انساب العقلييين - انساب الهاشمين - انساب المزورين
 
السياسة الدوليةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 خطر الصوفية علي الاسلام

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
الشيخ عودة
الشيخ عودة
الشيخ عودة



عدد المساهمات : 1748
تاريخ التسجيل : 28/09/2008
العمر : 74

خطر الصوفية علي الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: خطر الصوفية علي الاسلام   خطر الصوفية علي الاسلام Emptyالسبت ديسمبر 05, 2015 3:43 pm

أشار كثير ممن تكلم عن الصوفية قديماً وحديثاً إلى بعض آثار الطرق الصوفية في حياة المسلمين، كما يقول الإمام الذهبي: ( إن الفناء والبقاء من ترهات الصوفية أطلقه بعضهم فدخل من بابه كل زنديق ) ([1]).

ويقول الدكتور محمد ضياء الرحمن الأعظمي: ( لاشك أن كتب الصوفية أحدثت في الأمة أنواعاً من البدع والخرافات، وما ابتلي المسلمون أشد من ابتلائهم بطرق الصوفية وكتبها)([2]).

وقال أحمد الخريصي: ( لا بلية أصابت المسلمين في عبادتهم وعقائدهم أخطر من بلية المتصوفة إذ من بابهم دخلت الوثنية، وبدعة إقامة الموالد ومواسم الأضرحة والمهرجانات علي عقائد المسلمين )([3])، وأقوال أهل العلم في الصوفية كثيرة جداً، جديرة بأن تفرد في مصنف خاص.



الآثار العقدية للطرق الصوفية:

ما يوجد في الطرق الصوفية من أثر صالح فهو من آثار الكتاب والسنة، وفيهما الكفاية، ولما كانت آثار النبوة عند قدماء الصوفية واضحة معلومة كانوا للحق أقرب، ولاعتقاد أهل السنة والجماعة ألزم، لكن لطول العهد، وضعف آثار الرسالة عند متأخريهم، برزت آثار سيئة علي الإسلام والمسلمين، أذكر أبرزها وأظهرها، وأخطر آثارهم ما كان متعلقا بالاعتقاد، لذلك أقدم بيانه.

1- الشرك الأكبر بالله تعالى:

وقد وقعت طوائف من هذه الأمة في الشرك الأكبر، تولت نشره الطرق الصوفية، التي أخذت هذا الشرك عن الرافضة والباطنية، كما قال الذهبي عن نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن سبط النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنهما صاحبة المشهد المعمول في مصر: (لم يبلغنا كبير شيء من أخبارها، ولجهلة المصريين فيها اعتقاد يتجاوز الوصف ولا يجوز مما فيه من الشرك، ويسجدون لها ويلتمسون منها المغفرة، وكان ذلك من دسائس دعاة العبيدية) ([4]).

وقد ثبت أن أول من بنا على القبور هم الرافضة، في زمن الدولة البويهية ([5])، ثم تبع ذلك عبادتها بقرون، ثم انتقل هذا البلاء للطرق الصوفية، وتولت نشره بين الأمة، فأشرك بعض الطرقية في توحيد الربوبية، وتوحيد الإلوهية، وتوحيد الأسماء والصفات.

وهذه أمثلة لشركهم:

أ- الشرك في الربوبية:

فالطرقية يعتقدون أن شيوخهم قادرون علي التصرف في هذا الكون، ولذا كل منهم يصف شيخه بأنه الفرد الواحد الكبير -سبحانه وتعالي- عما يقولون، فادعي هذا الوصف القادرية لشيخهم عبد القادر الجيلاني([6])، والبدوية، والدسوقية.

يقول الدسوقي في تائيته:

أنا الواحد الفرد الكبير بذاته     أنا الواصف الموصوف بذاته([7])

وكل هذه القصيدة في دعوي الربوبية، نعوذ بالله من الضلال العظيم.

وزعم الصوفية أن شيوخهم يعلمون الغيب، ويقضون الحاجات، حتى سموا بعض مقبوريهم بأبي فراج أي يفرج كرباتهم مثل البدوي فهذا أحد ألقابه([8]).

وآخر منهم ألف كتاباً سماه: "الكمالات الإلهية في الصفات المحمدية" ([9]( أطلق صفات الرب كلها علي النبي ?.

كما نسب القادرية للشيخ عبد القادر الجيلاني الإحياء والإماتة والرزق والنصر([10])، ونسب النقشبندية لشيخهم على لسانه أنه يحيي ويميت([11]).

ولا شك أن هذا الشرك أعظم من شرك العرب في الجاهلية وأغلظ منه.

ب- الشرك في الإلوهية:

لمتقدمي الصوفية كلام كثير عن الإخلاص لله تعالي، حتى روي عن سفيان الثوري أنه قال: لولا أبو هاشم الصوفي ما عرفت دقائق الرياء، لكنهم انحرفوا بعد ذلك انحرافاً عظيماً، حتى كانوا من دعاة الشرك وأهله، ولم يتكلم السلف-رحمهم الله تعالي- عن الشرك في توحيد الإلوهية لاعتقادهم أن آيات الكتاب ونصوص السنة كافية لبيانه.

أذكر هذا حتى لا يحتج مخالف بعدم ذكر السلف لهذا الشرك، كما أن الشرك بالقبور لم يعرف عند من ينتسب إلى السنة عموماً إلا في الأزمنة المتأخرة، ولم يعرف عند الرافضة إلا في آخر القرن الثالث الهجري، فمثلاً الاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم لم تعرف إلا في آخر القرن السابع الهجري([12]).

لكن الطرق الصوفية في القرون المتأخرة – خصوصاً- انحرفت في الشرك في الإلوهية انحرافا عظيماً ونشروه في الأمة، فمن ذلك دعاء الجن الذين يدعونهم في أورادهم التي يرددونها في الصباح والمساء، وقد قال: ( الدعاء هو العبادة )[13]).

وقد أشار الغزالي إلى التوجه للقبور في كتابه "المضنون به علي غير أهله"([14])، ثم انفرد عقد هذا الضلال في العصور المتأخرة جداً فمثلاً: كتاب " بوارق الحقائق " من أئمة الرفاعية كله استعانة واستغاثة وتوجه للقبور([15])، وألف آخر منهم " تحفة الأحباب وبغية الطلاب في الخطط والمزارات والتراجم والبقاع المباركات "([16])، ونقل عن النقشبندي دعوته للتوجه لأرواح أئمة الضلال([17])،

بل إن ابن عربي الزنديق صاحب الفصوص الذي قال الذهبي عن كتابه الفصوص: (( فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر )) ([18])، وكفره أئمة المذاهب الأربعة في زمنه، أصبح قبره وثناً يعبد من دون الله عز وجل، وتمارس عند قبره شتي ألوان الشرك الأكبر([19]).

ونقل البحيري عمن ينسب إلى الأزهر قوله في شكواه التي قدمها لأحمد البدوي: (( فهذا التجاء واستنجاد برجل النبوة النجاد، والغوث الأوحد، سيدي وولي نعمتي السيد البدوي أحمد:

أيرضيك يا غوث الورى وإمامهم           غبينة أهل الحق والحق ظاهر

فجئنا حماكم نرفع الأمر سيدي              ونطلب دين الله والله ناصر.

قال البحيري: ( فأي شرك أصرح من هذا؟ يطلب من الشيخ دخوله في البقاء وهدايته، وصحة جسم الذي يحبهم، إلي آخر ما قال من أحد لا ينفع نفسه، ولا يدفع عنها مضرة) ([20]).

بل دعا الطرقية الناس لدعاء شيوخهم والاستغاثة بهم من دون الله تعالي، وكتبهم مليئة بهذا الشرك، كما قال أحد التيجانية في شيخهم:

فعليك بالجد الهمام المنتقى                    غوث الورى أعني أبا العباس

واهتف به مستعطفاً ومنادياً                  إني ببابك يا أبا العباس([21]).

وزعم الخليفة الحالي للبدوي في مولد سنة (1991م) أن البدوي موجود معك أينما كنت، ولو استعنت به في شدتك وقلت: يا بدوي مدد، لأعانك وأغاثك، قال هذا أمام جموع المولد وتناقلته بعض وسائل الإعلام([22]).

ومن طريف أخبارهم "أن الأكراد عظموا شريفاً صالحاً مر عليهم في سفره، ولحبهم فيه أرادوا قتله ليبنوا عليه قبة يتوسلون بها"([23]).

وعلى كل فقد صرف أصحاب الطرق الصوفية كل أنواع العبادة لغير الله تعالى خاصة لشيوخهم، بعد أن وصفوهم بصفات الله تعالى، وهذا الشرك هو الذي وقع فيه القبورية الأوائل قوم نوح -عليه السلام- كما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه في صحيح الإمام البخاري قال ابن عباس: ( صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع كانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف، ثم سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحي الشيطان علي قومهم أن انصبوا إلي مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً، وسموها بأسمائهم، ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسخ العلم عبدت)([24]).

2- تعبيد الناس لهم من دون الله تعالى:

ومما أحله شيوخ الطرق وأمروا به، إيجابهم علي أتباعهم الطاعة المطلقة للشيوخ، وعدم الاعتراض عليهم حتى في الباطن، وعدم نصحهم، حتى زعم بعضهم أن المعترض علي الشيخ متعرض لعطبه وهلاكه([25])، ثم تطور هذا القول حتى قالوا: تكون مثل الميت بين يدي الغاسل، وقالوا: عقوق الأساتذة لا توبة له، وقالوا: من قال لأستاذه: لماذا؟ لا يفلح أبداً. وحال هؤلاء: (( عبادة غير الله بغير أمر الله ))([26]).

ولاشك بأن هذا فيه شبه ممن قال الله فيهم: (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا))[التوبة:31] أي: جعلوا أحبارهم ورهبانهم كالأرباب حيث أطاعوهم في كل شيء([27]).

قال ابن كثير -رحمه الله-: ( فالجهلة من الأحبار والرهبان ومشايخ الضلال يدخلون في هذا الذم )([28]).

والطرقية ذكروا حكايات فيها ضمان الجنة لبعض مريديهم، كما هو منقول عن الرفاعي، والتيجاني وغيرهم، فما أشبهها بصكوك الغفران عند النصارى ([29]).

3- التعلق بالجن:

ويظهر هذا التعلق على كثير من الصوفية من وجوه عديدة منها:

أ- دعاء الجن في أوراد الصوفية، فقد وردت أسماء الجن في أوراد الصوفية بصراحة، وهذه أمثلة ذلك:

جاء في أوراد القادرية: ( يا طهلفوش انقطع الرجاء إلا منك، وسدت الطرق إلا إليك ) وطهلفوش اسم شيطان، وفيها: ( ايتنوخ يا ملوخ،....يا مهباش )([30])، فهذه أسماء شياطين، وفيها ( يا من هو أحون) ([31]).

يقول الدكتور عامر النجار – حفظه الله-: (( يقول الصوفية إن هذه الأسماء من لغة الأرواح، وبها يتخاطب أهل الفتح الكبير ))([32])، والأرواح عندهم هي الشياطين.

وفي أوراد الشاذلية قال المرسي في حزبه: (( أحون، قاف، أدم، حم، ها، آمين، كهيعص ))([33])،وقالSad( قاف جيم سران مع سرك، وكلاهما دالان علي غيرك ))([34]).

وفي أوراد الدسوقي: (( اللهم اخضع لي من يراني من الجن والإنس، طهور بدعق محببة، صورة محببة، سقاطيم أحون ))([35])، وأحون اسم شيطان وقد ورد في أوراد القادرية والشاذلية والدسوقية وغيرهم.

وفي أوراد البدوي (( أحمي حميثاً طميثاً )) وهي أسماء سيريانية، وعبارات سحرية كما ذكر ابن خلدون ذلك([36])، فهذا صريح في دعاء الشياطين؟ وفي أوراده: (( بدعق محببة، صورة محببة، سقفاطيس أحون)) ([37]).

بل بعض الطرق الحديثة النشأة يصرحون بدعاء الجن كالطريقة الختمية، وكذلك الطريقة السمانية، بل يهب الشيخ تلميذه عدداً كبيراً من الجن، كما يقول عبدالمحمود نور الدائم- من الطريقة السمانية-: (( إن الشيخ أحمد الطيب وهب الشيخ حسيب وهو من تلاميذه ألفين وخمسمائة من الجن ليخدمونه فيما يريد([38])، وأدعية السمانية مليئة بأسماء الجن، وكذلك غالب الطرق الصوفية إن لم تكن جميعها، فهؤلاء الطرقية صرفوا الناس عن الأذكار النبوية، والتي كلها توحيد وإخلاص وعبودية لله رب العالمين، إلي أورادهم التي هأهون أحوالها دعاء أسماء أعجمية أهون أحوالها دعاء أسماء أعجمية لا تعرف.

ب- من تعلقهم بالجن أن الأحراز التي يكتبونها للسذج والجهال من المسلمين يذكرون فيها آيات ويقطعون حروفها طاعة للشيطان.

يقول الدكتور عبدالله السهلي: (نقل لي أحد الثقات عن أحد السحرة التائبين قوله: - لما سئل عن تقطيعهم كلمات القرآن الكريم أو تكرار بعض حروفه- قال: (( هذا مما تأمرنا به الشياطين ))... ويجعلون في هذه التمائم حروفاً أو أرقاما ترمز إلي اسم طالب التميمة واسم أمه، ويذكرون اسم الشيطان أو أول حرفين من اسمه أو رمزاً لاسمه، وهذا كثير في تمائمهم)([39]).

جـ- ومن تعلقهم بالشياطين ما يحصل لبعضهم من إحضار بعض المأكولات، ويعتقد أنه كرامة، وهو من الشياطين فما يحضرونه من المأكولات إنما هو مايسرقون من طعام الناس، فيظن الجاهل أنه كرامة وهو مسروق، وقد تمثلت الشياطين لبعض أئمة الصوفية فكفاهم الله شرهم، وبصرهم بهم كما هو مشهور عن عبد الواحد بن زيد، وسهل بن عبد الله التستري، والجنيد بن محمد، وعبد القادر الجيلاني ([40])، ومعلوم أن الشياطين لا تخدم أحداً إلا لغرض([41]).

4- التعلق بالخرافات:

من الأسماء الصوفية الخرافيون، لتعلقهم بالخرافات، وتصديقهم لها، وأغلب ما يرد في كتبهم مما يسمونه كرامات من هذا الباب، فمن ذلك:

أ- خرافة القبور التي يعظمونها حتى درجة العبودية من دون الله، ففي كثير من الأحيان يعبد الوثنيون من الطرقية وغيرهم عدماً، أو كفاراً، فعلى سبيل المثال: قبر رأس الحسين الذي بمصر، إنما نقل من قبر أحد النصارى من عسقلان، كما أثبت ذلك كثير من الأئمة منهم الزبير بن بكار نسابة قريش، الذي قال: إن الرأس لم يغرب أي يذهب إلى الغرب) [42]).

(أي إلى مصر)، وقد كذب هذا المشهد كثير من أهل العلم كالإمام القرطبي صاحب التفسير، وابن كثير والذهبي والسخاوي، والقاري، والزرقاني وغيرهم، وكذلك قبر زينب بنت علي رضي الله عنه في مصر، التي توفيت بالمدينة ودفنت بالبقيع، وكذلك قبر سكينة بنت الحسين، ورقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم هذه القبور ليست لمن نسبت إليه بإجماع أهل العلم ([43])، ورقية وأم كلثوم بالشام)[44]).

ب- ومن الخرافات روايات الكرامات العجيبة المسطورة في كتب التصوف، مثل ترك الماء شهراً أوسنة، وما شابهها، والمنكر لهذه الكرامات لايكون منكراً لكرامات الأولياء، لا سيما إذا كان مقراً بمنهج أهل السنة والجماعة في الكرامة، وإنما يكون منكراً للخرافة التي لا سند لها([45]).

وقد أفرد ابن الجوزي –رحمه الله- باباً في: (تلبيس إبليس على المتدينين بما يشبه الكرامات)قال فيه: (( ولقد استغوى الشيطان بعض ضعفاء الزهاد، بأن أراه ما يشبه الكرامة ))([46])، وقال: (( وقد لبس على قوم من المتأخرين، فوضعوا حكايات في كرامات الأولياء ليشيدوا بزعمهم أمر القوم، والحق لا يحتاج إلى تشييد بباطل، فكشف الله تعالى أمرهم بعلماء النقل )) ([47]).

جـ- ومن خرافاتهم: الحقيقة المحمدية والنور المحمدي ومضمون هذه البدعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أول مخلوق على الإطلاق، وأن الدنيا والآخرة خلقت من أجله، وأن كل شيء خلق منه.

وآيات الكتاب العزيز توضح أن النبي صلى الله عليه وسلم بشر مخلوق كما خلق البشر، وأن الدنيا خلقت لغرض توحيد الرب -تعالى- وعبادته وليست من أجل أحد.

وهذه الدعاوي غرضها الظاهر رفعة النبي صلى الله عليه وسلم ومضاهاة اليهود والنصارى في مغالاتهم بأنبيائهم وعظمائهم، وهي في حقيقتها زعزعة للثقة في الدين، لأن العقلاء لا يقبلون أن يوجد الولد قبل أبيه بآلاف السنين، ولا يعقل أن يكون امرؤ أول البشر خلقاً، وآخر النبيين موتاً، مع تصريحه هو بأنه بشر، وأنه ولد بتاريخ كذا، وأن أباه فلان وأمه فلانة، فإن هذا لا يصدقه عاقل أبداً ([48]).

ومن خرافات الصوفية اعتقادهم وجود الخضر وكلامهم معه،كل ذلك من تلاعب الشياطين بهم، وقد ذكر الشيخ محمد رشيد رضا: أن هذه الخرافات جرأت أهل الإلحاد على الدعوة إلى إلحادهم جهاراً، وإلى ترك العقيدة احتقاراً، زاعمين أن الإسلام دين خرافات وأوهام، وأنه لا يمكن أن يرتقي بالأمة، ويستدلون بالضلالات والخرافات الفاشية في الأمة) [49]).

ولهذا يتسلط أعداء الدين في بعض البلاد، ويظنون أن الإسلام دين خرافة، يخالف العقل الصحيح، وحقيقة أقوال الصوفية وأفعالهم أنها صد عن دين الله ودعوة للجاهلية، ويعظم خطرهم في البلاد التي تخفي فيها السنة، ويظهر فيها ضلالهم بلا إنكار، وقد رضي الطرقية مثل النصارى بما ترك لهم العلمانيون من أمر الدين، خاصة بعد أن تركوا لهم خرافاتهم، وأعوانهم في موالدهم واحتفالاتهم، على أن لا يتدخل هؤلاء الطرقية في كفر أعداء الدين ولا زندقتهم، ولا ينكروا لهم سنداً وعوناً على الشعوب المستضعفة، ولذلك لا توجد دول تعادي هؤلاء الطرقية إلا من رحم الله، مع شدة عداء كثير منها للإسلام ([50]).

وللحديث بقية...

*******************************

[1]- انظر:سير أعلام النبلاء جـ15/392-393.

[2]- انظر: دراسات في الجرح والتعديل د/محمد ضياء الرحمن الأعظمي ص 113.

[3]- انظر: المتصوفة وبدعة الاحتفال بموالد النبي صلى الله عليه وسلم ص 7.

[4]- السير جـ10/106.

[5]- الرد على الأخنائي لشيخ الإسلام ابن تيمية ص 48 بهامش تلخيص الاستغاثة.

[6]- القصيدة العينية الملحقة بفتوح الغيب المنسوبة للشيخ عبد القادر جمع محمد سالم أيوب ص 166-171، والقصيدة الغوثية (الخمرية) ص 195-198، ودمعة على التوحيد (مجموعة مقالات ) دمعة على الإسلام للمنفلوطي ص211.

[7]- تائية الدوسوقي ملحقة بالطرق الصوفية.د/عامر النجار ص161، 1990.

[8]- السيد البدوي د/عبد الله صابر ص 46.

[9]- الكمالات من تأليف الجيلي ت832هـ، ت/سعيد عبد الفتاح.

[10]- دمعة التوحيد (مجموعة مقالات ) دمعة على الإسلام للمنفلوطي ص 211.

[11]- الكواكب الدرية على الحدائق الوردية في أجلاء السادة النقشبندية تأليف عبد المجيد الخاني ص 423، 402.

[12]- الطرق الصوفية، السهلي، ص107.

[13]- أخرجه أبو داود في ( كتاب الصلاة، باب: الدعاء) جـ1/277 حديث رقم 1479، والترمذي في ( كتاب تفسير القرآن، باب: ومن سورة المؤمن ) جـ5/374-375، حديث رقم 3247 وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة في ( أبواب الدعاء، باب: فضل الدعاء ) جـ2/341 حديث رقم 3873، وقد صححه النووي في الأذكار ص 411.

[14]- انظر: المضنون به على غير أهله للغزالي، ضبط /رياض عبد الله ص 94-97.

[15]- للصيادي الرفاعي ت/عبد الحكيم عبد الباسط، والكتاب كله وثنية.

[16] - من تأليف أبي الحسن علي، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية، وكله دعوة للشرك.

[17]- انظر: الكواكب الدرية على الحدائق الوردية / عبد المجيد الخاني ص 404، 438.

[18]- انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي جـ 23/48.

[19]- انظر: دمعة على التوحيد ( مجموعة مقالات ) من لهذه الوثنية ص 56، وأفيون الشعوب الإسلامية ص 70.

[20]- انظر: الحماسة الدينية في الرد علي بعض الصوفية للبحيري ت/د.محمد الخميس ص52-54.

[21]- الهدية الهادية إلي الطائفة التيجانية د.محمد الهلالي، ص140.

[22]- دمعة علي التوحيد ( مجموعة مقالات ) عاصفة الأوهام، خالد محمد خالد ص162.

[23]- الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة د.زكريا سليمان بيومي، ص23،هامش1.

[24]- أخرجه البخاري في ( كتاب التفسير، باب ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق )جـ4/1873 رقم الحديث 4636.

[25]- الغنية للجيلاني ج 2/188، ومع صحة اعتقاده وقع في هذه المزالق، وكل يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم ? وانظر: آداب المريدين لأبي النجاء السهروري /فحيم شلتوت ص 52.

[26]- الاستغاثة في الرد على البكري جـ1/426.

[27]- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ8/120.

[28]- تفسير ابن كثير جـ1/378.

[29]- الرفاعية تأليف عبد الرحمن دمشقية ص 21-22.

[30]- ورد للقادرية ص 179، ملحق بالطرق الصوفية في مصر د/ عامر النجار.

[31]- دعاء سورة الواقعة للقادرية ص 180، ملحق بالطرق الصوفية في مصر د/عامر النجار.

[32]- هامش الطرق الصوفية له ص 180.

[33]- لطائف المنن ص 257.

[34]- لطائف المنن ص 261.

[35]- الحزب الكبير للدسوقي ص 196، ملحق بالطرق الصوفية في مصر د/ عامر النجار.

[36]- هامش الطرق الصوفية للنجار ص 168.

[37]- حزب البدوي ص 169، ملحق بالطرق الصوفية في مصر د/ عامر النجار.

[38]- الإطاحة بعرش أكبر الدجالين في الساحة تأليف هاشم الحسين رجب ص 116، 117.

[39]- الطرق الصوفية، ص120-121.

[40] - اللمع للسراج الطوسي 544-546، وذيل على طبقات الحنابلة جـ3/294.

[41]- النبوات لابن تيمية ص397-398، والفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان لابن تيمية ص364-365.

[42]- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي ت. السيد الجميلي ج2/37-740، ورأس الحسين ضمن مجموعة فتاوي ابن تيمية ج27/459، 451، 483-486.

[43]- فسطاط الخرافة ضمن دمعة علي التوحيد ص30.

[44]- فسطاط الخرافة ضمن دمعة علي التوحيد ص32.

[45]- أولياء الله/ دمشقية ص 161، والتصوف المنشأ والمصادر/ إحسان إلهي ظهير ص 51-53،.

[46]- تلبيس إبليس ص 390.

[47]- تلبيس إبليس ص 394.

[48]- النور المحمدي بين هدي الكتاب المبين وغلو الغاليين تأليف عذاب الحمش ص17-18.

[49]- المنار مجلة شهرية للشيخ محمد رشيد رضا جـ24/507، والرفاعية تأليف عبد الرحمن دمشقية ص 231.

[50]- انظر: الطرق الصوفية للسهلي، ص125-126.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://arabelalekat.yoo7.com
الشيخ عودة
الشيخ عودة
الشيخ عودة



عدد المساهمات : 1748
تاريخ التسجيل : 28/09/2008
العمر : 74

خطر الصوفية علي الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: خطر الصوفية علي الاسلام   خطر الصوفية علي الاسلام Emptyالسبت ديسمبر 05, 2015 3:49 pm

د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام عـلـى الـمبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فـلا يخفـى أن الغلو في القبور بشتى صوره وأنواعه قد عمّ وطم في غالب البلاد، وتلبس بهذه المظاهر الشركية وطرائقها الكثير من الناس، وصارت هذه القبور مزارات و (مشاعر) يقصدها الناس، ويشــدون إليها الرحال من سائر الأمصار؛ وسدنة هذه الأضرحة وعلماء الضلالة يزيّنون الشرك للعامة بشتى أنواع الدعاوى والشبهـات، ويأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله ـ تعالى ـ.
إن على المنتسبين للعلم والدعوة واجباً كبيراً تجاه هذا التيار الوثني، وفي هذا المقالة نورد بعض المسالك الرئيسة التي تسهم في حل وعلاج انحرافات القبوريين وشبهاتهم.
أ- المسلك الدعوي: ويتمثل هذا المسلك من خلال عدة أمور:
1- أن يُعنى العلماء والدعاة بتقرير التوحيد في تلك المجتمعات المولعة بتعظيم القبور والغلو فيها، وأن يجتهدوا في تجلية مفهوم التوحيد ـ من خلال القصص القرآني وضرب الأمثال ـ وضرورة تعلق القلب بالله ـ سبحانه وتعالى ـ، وأن الله ـ عز وجل ـ هو المتفرد بالنفع والضر والخلق والتدبير، ومن ثَمّ فهو المألوه المعبود الذي تألهه القلوب محبة وإجلالاً وخشية ورجاءاً.
وأن يضمّن هذا التقرير بيان عجز المخلوقين وضعفهم، وأنهم لا يملكون لأنفسهم ـ فضلاً عن غيرهم ـ نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
وأن يسعى إلـى تحبيب هذا التوحيد إلى الناس من خلال الحديث عن فضائل التوحيد وبيان ثمراته وآثاره، وأخـبـار الأنبياء ـ عليهم السلام ـ والصالحين الذين حققوا التوحيد، كما ينبغي الاهتمام بإظهار أثر التوحيد على الحياة العامة.
2- أن تربى الأمة عموماً ـ وهذه المجتمعات المعظمة للقبور خصوصاً ـ على أهمية التسليم لنصوص الكتاب والسنة والتحاكم إليها وانشراح الصدر لها.
يقول سبحانه: ((فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)) [النساء: 65].
وإذا كان طواغيت هذا العصر يفرضون على الناس احترام الشرعية الدولية والإذعان والتسليم لقرارات الأمم المتحدة؛ فإن علينا ـ معشرَ الدعاة إلى الله ـ أن ندعو المسلمين إلى ما أوجبه الله عليهم من التسليم والانقياد لنصوص الوحيين وعدم معارضتها بأي نوع من المعارضات سواءً أكان تقليداً، أو معقولاً، أو ذوقاً، أو سياسة أو غيره؛ فالإيمان مبني على التسليم لله ـ تعالى ـ والإذعان لشرعه(1).
يقول أبو الزناد ـ رحمه الله ـ: (إن السنن لا تخاصم ولا ينبغي لها أن تتبع بالرأي، ولو فـعـــل الناس ذلك لم يمضِ يوم إلا انتقلوا من دين إلى دين، ولكنه ينبغي للسنن أن تُلزَم ويُتمسك بها على ما وافق الرأي أو خالفه)(2).
3- أن يدعى الناس إلى الالتزام بالشرع والعمل بالسنة؛ فإن إظهار السنن والتمسك بها يستلزم زوال البدع واندثارها، وكذا العكس فإنه ما ظهرت بدعة إلا رفع مثها من السنة، والنفوس إن لم تـشتغل بسنة وتوحيد؛ فإنها ستشتغل ببدعة وشرك؛ فالنفوس خلقت لتعمل لا لتترك(3).
وقد تتثاقل النفوس تجاه الالتزام بالأحكام الشرعية، وتنشط تجاه ما أحدثته من بدع ومحدثات، ومن ثم يتعين على دعاة الإصلاح أن يأخذوا على أيدي هؤلاء ويذكّروهم بفضل التمسك بالشرائع، وأن هذه الشرائع غذاء وروح، وقرة عين وسرور قلب(4). يقول أبو الوفاء ابن عقيل ـ متحدثاً عن تلك النفوس المتثاقلة تجاه الشرائع:
 (لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم كفار عندي بهذه الأوضاع، مـثـل: تعظـيـم القبور وإكرامها بما نهى الشرع عنه، ومن: إيقاد النيران، وتقبيلها، وخطاب الموتى بالألــواح، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا...)(5).
4- دعوة المخاطبين إلى تدبر آيات القرآن الحكيم، وحثهم على التأمل والتفكـر في معاني القرآن، كما قال ـ سبحانه ـ: ((كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ)) [ص: 29].
وقال ـ عز وجل ـ: ((أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)). [النساء: 82].
وإن من أعظم أسباب الضلال واستفحال الشرك: الإعراض عن تدبر آيات القرآن، والاقتصار على مجرد قراءته دون فهم أو فقه.
فإذا نظرنا ـ مثلاً ـ إلى مسألة إفراد الله ـ عز وجل ـ بالدعاء والاستغاثة، فإنها من أوضح الواضحات في كتاب الله، فقد تحدث عنها القرآن في ثلاثمائة موضع(6)، ومع ذلك فما أكثر الذين يتلون هذه الآيات بألسنتهم وينقضونها بأفعالهم وأحوالهم.
يقول العلاّمة حسين بن مهدي النعمي ـ رحمه الله ـ (ت/1187هـ) متحدثاً عن ضلال القبوريين:
(لا جرم لما كان ملاك أمر الجميع وحاصل مبلغهم وغايتهم هو التلاوة دون الفقه والتدبر والاتباع، خفي عليهم ذلك، وعموا وصموا عنه، وأنّى لهم ذلك؟ وقد منعهم سادتهم وكبراؤهم من أهليهم، وممن يقوم عليهم ويسوسهم، وقالوا: كتاب الله حجر محجور، لا يستفاد منه، ولا يقتبس من أنواره، ولا ينال ما فيه من العلم والدين..
فلعمر الله للخير أضاعوا، وللشر أذاعوا، وإلا فلولا ذلك لكانت هذه المسألة [ إفـراد الله بالدعاء] من أظهر الظواهر، لما أن العناية في كتاب الله بشأنها أتم وأكمل، والقصد إلـيها بالتكرير والتقرير والبيان في كتاب الله أكثر وأشمل)(7).
ويقول الشيخ العلاّمة عبد الرحمن بن حسن ـ رحمه الله في هذا المقام ـ:
(فمن تدبر عرف أحوال الخلق وما وقعوا فيه من الشرك العظيم الذي بعث الله أنبياءه ورسله بالنهي عنه، والوعيد على فعله، والثواب على تركه، وقد هلك من هلك بإعراضه عن القرآن وجهله بما أمر الله به ونهى عنه)(Cool.
وعلينا أن نتواصى بتطهير القلوب وتزكيتها لكي يحصل الانتفاع بمواعظ القرآن وأحكامه.
يقول ابن القيم عند قوله: ((لا يَمَسُّهُ إلاَّ المُطَهَّرُونَ)) [الواقعة: 79]. (دلّت الآية بإشارتها وإيمائها على أنه لا يدرك معانيه ولا يفهمه إلا القلوب الطاهرة، وحرام على القلب المتلوّث بنجاسة البدع والمخالفات أن ينال معانيه وأن يفهمه كما ينبغي)(9).
5- مخاطبة عقولهم، ودعوتهم إلى التفكير والتأمـل؛ فإن الولوع في تقديس الأضرحة والغلو فيها لا يظهر إلا عند أقوام ألغوا عقولهم، وعطلوا تفكيرهم، وأشربوا حبّ التقليد ومحاكاة الآباء دون حجة أو برهان.
وقد عني القرآن بمخاطبة ذوي الألباب وأثنى عليهم، وحضّ على التفكر والنظر في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، كما تضمن القرآن أدلة عقلية وحججاً برهانية في تقرير التوحيد والنبوة والمعاد.
ومــن ذلك قوله ـ تعالى ـ: ((قُلِ ادْعُوا الَذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ (22) وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ))[سبأ:22،23]
يقول ابن القيم عند هذه الآية الكريمة: (فتأمل كيف أخذتْ هذه الآية على المشركين بمجامع الطرق التي دخلوا منها إلى الشرك وسدتها عليهم أحكم سد وأبلغه؛ فإن العابد إنما يتعلق بالمعبود ـ لما يرجو من نفعه ـ وإلا فلو لم يرجُ منه منفعة لم يتعلق قلبه به، وحينئذ فلا بد أن يكون المعبود مالكاً للأسباب التي ينفع بها عابده أو شريكاً لمالكها، أو ظهيراً أو وزيراً ومعاوناً له، أو وجيهاً ذا حرمة، وقد يشفع عنده؛ فإذا انتفت هذه الأمور الأربعة من كل وجه وبطلت، انتفت أسباب الشرك وانقطعت مواده، فنفى ـ سبحانه ـ عن آلهتهم أن تملك مثقال ذرة في السموات والأرض، فقد يقول المشرك: هي شريكة لمالك الحق فنفى شركتها له، فيقول المشرك: قد تكون ظهيراً ووزيراً ومعاوناً، فقال: (وما له منهم من ظهير)، فلم يبق إلا الشفاعة فنفاها عن آلهتهم، وأخبر أنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه)(10).
ومــــــن الأجوبة العقلية في الرد على دعوى القبوريين في أنهم ينتفعون بهذه الأضرحة ما ذكره شيخ الإسلام بقوله: (عامة المذكور من المنافع كذب؛ فإن هؤلاء الذين يتحرون الدعاء عند القبور وأمثالهم إنما يستجاب لهم في النادر، ويدعو الرجل منهم ما شاء الله من دعوات، فيستجاب له في واحدة، ويدعو خلق كثير فيستجاب للواحد بعد الواحد، وأين هذا من الذين يتحرون الدعاء أوقات الأسحار، ويدعون الله في سجودهم وأدبار صلاتهم وفي بيوت الله؟ فإن هؤلاء إذا ابتهلوا من جنس ابتهال المقابريين لم تكن تسقط لهم دعوة إلا لمانع، بل الواقــع أن الابتهال الذي يفعله المقابريون إذا فعله المخلصون، لم يُرَد المخلصون إلا نادراً، ولم يُستجب للمقابريين إلا نادراً، والمخلصون كما قال النبي: (ما من عبد يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ول قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى خصال ثلاث: إما أن يعجـل اللـه دعوته، أو يدخر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها. قالوا: يا رسول الله! إذن نكثـر. قال: الله أكثـر)(11) فهم في دعائهم لا يزالون بخير.
وأما المقبريون فإنهم إذا استجيب لهم نادراً، فإن أحدهم يضعف توحيده، ويقل نصيبه من ربه، ولا يجد في قلبه من ذوق الإيمان وحلاوته ما كان يجده السابقون الأولون)(12).
6- من الجوانب الدعوية المهمة أن نميّز بين مراتب الشر والانحراف؛ فالغلو في القبور والافتتان بها له مراتب متعددة ومتفاوتة، فمنها ما يكون شركاً بالله ـ تعالى ـ في توحيد العبادة كالاستغاثـة بأرباب القبور، ومنها ما يكون أشنع من ذلك كأن يستغيث بالأموات معتقداً فيهم الضر والنفع والتصرف في الكون، ومن الغلو في القبور ما يكون محرماً ووسيلة إلى الشرك كالصلاة عند القبور وتحري الدعاء عندها.
ويخطئ بعض الدعاة فلا يفرقون بين هذه المراتب من جهة الحكم عليها، كما قد يخطئون فلا يميّزون من جهة ترتيبها وأولويتها في الإنكار، والمتعيّن أن تميّز هذه الانحرافات وفق ما جاءت به الأدلة الشرعية، وكما نهتم بآكد الأمور تقريراً ونقدمها، فكذا علينا أن نُعنى بأشنعها تحذيراً... فيحذّر ابتداء من الشرك في الربوبية؛ فالشرك في الإلهية، ثم ينظر إلى وسائل الشرك وذرائعه فما كان أشدها حرمة وأعظمها وسيلة للشرك فيشتغل بمنعها، ثم ينتقل إلى ما دونها.
يقول شيخ الإسلام في هذه المسألة: (والمؤمن ينبغي له أن يعرف الشرور الواقعة ومراتبها في الكتاب والسنة، فيفرق بين أحكام الأمور الواقعة الكائنة، والتي يراد إيقاعها في الكتاب والسنة، ليقدم ما هو أكثر خيراً وأقل شراً على ما هو دونه، ويدفع أعظم الشرين باحتمال أدناهما، ويجتلب أعظم الخيرين بفوات أدناهما، فإن من لم يعرف الواقع في الخلق، والواجب في الدين، لم يعرف أحكام الله في عباده، وإذا لم يعرف ذلك كان قوله وعمله بجهل، ومن عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح)(13).
7- من الوسائل الوقائية النافعة تجاه هذا الانحراف: العمل بقاعدة سدّ الذرائع؛ فكل ما كـان وسيلة أو ذريعة تؤول إلى الشرك فينبغي التحذير منها ومنعها حماية لجناب التوحيد؛ فالتهاون في هذه الوسائل يفضي إلى الوقوع في الشرك بالله ـ عز وجل ـ والخروج عن الملة، فمثلاً الصلاة عند القبور والبناء عليها أمور حرمها الشارع؛ لأنها طريق ووسيلة تفضي إلى الشرك بالله ـ تعالـى ـ، وقد أشار العلامة الشوكاني ـ رحمه الله ـ إلى أن البناء على القبور سبب رئيس في عبادة القبور فقال: (فلا شك ولا ريب أن السبب الأعظم الذي نشأ منه هذا الاعتقاد في الأموات هو ما زينه الشيطان للناس من رفع القبور ووضع الستور عليها وتجصيصها وتزيينها بأبلغ زينة، وتحسينها بأكمل تحسن؛ فإن الجاهل إذا وقعت عينه على قبر من القبور قد بـنيت عـليه قبة فدخلها، ونظر على القبور الستور الرائعة، والسرج المتلألئة، وقد سطعتْ حوله مجامر الطيب، فلا شك ولا ريب أنه يمتلئ قلبه تعظيماً لذلك القبر، ويضيق ذهنه عن تصور ما لهذا الميت من المنزلة، ويدخله من الروعة والمهابة ما يزرع في قلبه من العقائد الشيطانية التي هي من أعظم مكائد الشيطان للمسلمين، وأشدّ وسائله إلى ضلال العباد ما يزلزله عن الإسلام قليلاً قليلاً، حتى يطلب من صاحب ذلك القبر ما لا يقدر عليه إلا الله ـ سبحانه ـ، فيصير في عداد المشركين)(14).
ب- المسلك العلمي:
وهذا المسلك يقوم به أهل العلم وطلابه تجاه دعاوى القبوريين وشبهاتهم، وسنعرض لجملة من الأجوبة العلمية على النحو الآتي:
1- إذا كان أهل السنة ينطلقون من منهج متين أصيل في التلقي والاستدلال، فإن القبوريين يعوّلون في تلقيهم واستدلالهم على المنامات والأحاديث المكذوبة والحكايات المزعومة.
فـيحتجون بأحلام شيطانية على تجويز شركهم وكفرهم بالله ـ تعالى ـ، ومن ذلك أن أبا المواهب الشاذلي يقول: (رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال لي: إذا كانت لك حاجة وأردت قضاءها فأنذر لنفيسة الطاهرة ولو فلساً؛ فإن حاجتك تقضى)(15).
فهذا حلم شيطاني، ودعوة صريحة للشرك بالله ـ عز وجل ـ، ونقض التوحيد، وتنقّص لمقام سيد المرسلين -صلى الله عليه وسلم- الذي مكث ثلاثاً وعشرين عاماً يدعو إلى إفراد الله ـ تعالى ـ بالعبادة، ويسد كل طريق يفضي إلى الشرك.
وعلى كلّ؛ فالمنامات لا يمكن ضبطها، وصاحبها ليس نبياً معصوماً، ومن ثم فلا يعتمد عليها؛ فكـيــف إذا كانت حلماً شيطانياً وخالف الأحكام الشرعية، بل وخالفت الأصل الأصيل وهو إفراد الله ـ تعالى ـ بجميع أنواع العبادة؟
يقول شيخ الإسـلام: (وكذلك مشاهد تضاف إلى بعض الأنبياء أو الصالحين بناء على أنه رُئِيَ في المنام هناك؛ ورؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- أو الرجل الصالح في المنام ببقعة لا يوجب لها فضيلة تقصد البقعة لأجلها، وتتخذ مصلى بإجماع المسلمين، وإنما يفعل هذا وأمثاله أهل الكتاب)(16).
ويحتجون بأحاديث مكذوبة مثل: (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأصحاب القبور).
(فهذا الحديث كذب مفترى على النبي -صلى الله عليه وسلم-، بإجماع العارفين بحديثه لم يروه أحد من العلماء بذلك، ولا يوجد في شيء من كتب الحديث المعتمدة)(17).
وأشار ابن القيم ـ رحمه الله ـ إلى أن هذا الحديث من الأحاديث المختلَقة التي وضعها أشباه عبّاد الأصنام من المقابرية على رسول الله (18).
كما يعتمدون على حكايات في تجويز الغلو في القبور والاستغاثة بها، وأن الدعاء عندها هو الترياق المجرّب..
وغالب هذه الحكايات من اختلاق الدجّالين الأفاكين الذين لا يهمهم إلا أكل أموال الناس بالباطل والصدّ عن دين الله ـ تعالى ـ (19).
وقد أشار ابن تيمية إلى أن هذه الحكايات (إما كذب، أو غلط، أو ليس حجة)(20)، كما ذكـر أن إجابة الدعاء، قد يكون سببه اضطرار الداعي وصدقه، وقد يكون سببه مجرد رحمة الله له، وقد يكون أمراً قضاه الله لا لأجل دعائه، وقد يكون له أسباب أخرى(21).
وقد تكون تلك الحكايات صحيحة، ولكنها من الشيطان، فإنه قد يتراءى لبعضهم في صورة من يعتقد فيه، ويتسمى باسمه، وقد تقضي الشياطين بعض حوائج من استغاث بالأموات..
يقول ابن تيمية: (وهكذا كثير من أهل البدع والضلال والشرك المنتسبين إلى هذه الأمة؛ فإن أحدهم يدعو ويستغيث بشيخه الذي يعظمه وهو ميت.. ويرى ذلك الشخص قد أتاه في الهـواء ودفع عنه بعض ما يكره، أو كلّمه ببعض ما سأله عنه.. وهو لا يعرف أن تلك شياطين تصوّرت على صورته لتضله، وتضل أتباعه، فتحسّن لهم الإشراك بالله ودعاء غير الله)(22).
فيـتـعيـن على أهل العلم كشف عوار مسلك القبوريين وبيان تهافته، وفساد التعويل على المنامات والأحلام، والأحاديث الموضوعة، والحكايات المزعومة، مع تقرير المنهج الصحيح في التلقي والاستدلال كالاعتمـاد على الكتاب والسنة الصحيحة، واعتبار فهم السلف الصالح ونحو ذلك.
2- ومن الأجوبة المجملة المحكمة ما ذكره إمام الدعوة ـ رحمه الله ـ في الرد على شبهات القبوريين بقوله: (جواب أهل الباطل من طريقين: مجمل ومفصل.
أما المجمل: فهو الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها، وذلك قوله ـ تعالى ـ: ((هُوَ الَذِي أَنـزَلَ عَـلَـيْــكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَاًوِيلَهُ إلاَّ اللَّهُ)) [آل عمران:7]. وقــد صــح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه؛ فـأولئك الذين سمى الله فاحذروهم) أخرجه البخاري ومسلم.
مثال ذلك: إذا قال لك بعض المشركين: ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن الشـفـاعـة حق، وأن الأنبياء لهم جاه عند الله، أو ذكر كلاماً للنبي -صلى الله عليه وسلم- يُستدل به على شيء من باطله، وأنت لا تفهم معنى هذا الكلام الذي ذكره فجاوِبه بقولك: إن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أن الله ـ تعالى ـ ذكر أن المشركين يقرون بالربوبية وأن كفرهم بتعلقهم على الملائكة والأنبياء، مع قولهم: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وهذا أمر محكم بيّن لا يقدر أحد أن يغير معناه.
ومــا ذكرته لي أيها المشرك من القرآن، أو كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا أعرف معـنـاه، ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يخالــف كلام الله ـ عز وجل ـ، وهذا جواب سديد، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله فلا تستهن به)(23).
فـهـذا جواب سديد وحجة ظاهرة تجاه كل شبهة. وقد ساق المؤلف جواباً في توضيح هذا الجواب، فإقرار مشركي العرب بتوحيد الربوبية وأن كفرهم بسبب اتخاذهم وسائط بينهم وبين الله ـ تعالى ـ، يسألونهم ويدعونهم يُعَدّ أمراً محكماً ظاهراً لا اشتباه فيه ولا التباس، وأما احتجاج المبتدع لباطله ببعض النصوص الشرعية فهو أمر مشتبه ومشكل لا يُعلم معناه ـ بالنسبة لذلك الموحد ـ ولا يترك المحكم الواضح ويتبع المتشابه إلا أهل الزيغ؛ مع يقيننا أن أدلة الحق لا تتناقض سمعية كانت أو عقلية؛ فالنصوص الشرعية يصدّق بعضها بعضاً، فما كان متشابهاً فيردّ إلى ما كان محكماً، بل نجزم أن أهل البدع لا يكادون يحتجون بحجة سمعية ولا عقلية إلا وهي عند التأمل حجة عليهم لا لهم(24).
وهؤلاء القبوريون من أهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه ابتغاء الفتنة، ليس نظرهم في الدليل نـظــر المستبصر حتى يكون هواه تحت حكمه، بل نظر مَنْ حكم بالهوى، ثم أتى بالدليل كالشاهد له(25).
وشبهاتهم التي احتجوا بها ـ إن صحت ـ من المتشابهات التي يتعين ردّها إلى المحكمات من الآيــــات والأحاديث الدالة على وجوب إفراد الله ـ تعالى ـ بالدعاء والاستغاثة وسائر أنواع العبادة والنهي عن الشرك وذرائعه.
3- وإذا انتقـلـنـا إلى الجواب عن شبهاتهم، فنقول ابتداءً: لا يوجد لدى القبوريين دليل صحيح صريح في تجويز استغاثتهم بالقبور، وما قد يصح من شبهاتهم إنما قد يُستدل بها ـ عند البعض ـ على جواز التوسل إلى الله ـ تعالى ـ بالذوات، فلا تدل على جواز الاستغاثة بالقبور. والتوسل إلـى الله ـ تعالى ـ بالذوات بدعة محدثة، بينما الاستغاثة بالقبور كفر وردة، فالفرق بينهما ظاهر.
يقول الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب موضحاً الفرق بين التوسل والاستغاثة: (وبينهما فرق عظيم أبعد مما بين المشرق والمغرب.. فالعامة الذين يتوسلون في أدعيتهم بالأنبياء والصالحين كقول أحدهم: أتوسل إليك بنبيك، أو بملائكتك، أو بالصالحين، أو بحق فلان وغـيـر ذلك مما يقولونه في أدعيتهم يعلمون أنهم لا يستغيثون بهذه الأمور، ولا يسألونها وينادونها؛ فإن المستغيث بالشيء طالب منه وسائل له، والمتوسل به لا يدعو ولا يطلب منه، ولا يسأل وإنما يطلب به، وكل أحد يفرّق بين المدعو به وبين المدعو والمستغاث، ولا يعرف في لغة أحد من بني آدم أن من قال: أتوسل إليك برسولك أو أتوجه إليك برسولك؛ فقد استغاث به حقيقة، فإنهم يعلمون أن المستغاث به مسؤول مدعو، فيفرّقون بين المسؤول وبين المسؤول به)(26).
ومع ذلك فالتوسل إلى الله ـ تعالى ـ بالذوات أو الجاه قد صـار ذريعة إلى دعاء القبور والتعلق بها، وما قد يُستدل به على التوسل إلى الله بالذوات أو الجاه، فإما أن يكون صريحاً لكنه لا يصح ولا يثبت، وما قد يكون صحيحاً فلا يدل على مرادهم، وإنما يدل على التوسل المشروع كالتوسل بأسماء الله وصفاته والعمل الصالح كما بسط في موضعه (27).
وأمر آخر وهو أن القبوريين قد لبّسوا على العوام وأشباههم بهذه الألفاظ المجملة المشتركة، فصاروا يطلقون لفظ (التوسل) ـ مثلاً ـ على الاستغاثة بالقبور ودعائها، فـيظــن البعض أن مرادهم التوسل إلى الله بالذات أو الجاه.. فيقع اللبس والإشكال.
والتحقـيــق أن هذه الألفاظ المجملة يتعين تفصليها وبيانها، وقد بيّن أهل العلم ما يحمله لفظ (التوسـل) من الإجمال والاشتراك، ومن ذلك ما قاله الشيخ العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن: (إن لفظ التوسل صار مشتركاً، فعبّاد القبور يطلقون التوسل على الاستغاثة بغير الله ودعـائـه رغباً ورهباً، والذبح والنذر والتعظيم بما لم يشرع في حق مخلوق.
وأهل العلم يطلقونه على المتابعة والأخذ بالسنة، فيتوسلون إلى الله بما شرعه لهم من العبادات، وبما جاء به عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهذا هو التوسل في عرف القرآن والسنة.. ومنهم من يطلقه على سؤال الله ودعائه بجاه نبيه أو بحق عبده الصالح، وهذا هو الغالب عند الإطلاق في كلام المتأخرين كالسبكي والقسطلاني وابن حجر (الهيثمي))(28).
ومن شبهات القبوريين قولهم: إن مشركي العرب لم يكونوا يعترفون بالربوبية لله ـ تعالى ـ ونحن نعترف بأن الله ـ تعالى ـ هو الرب المدبّر الخالق.
فالجـواب عن هذه الشبهة: أن مشركي العرب مقرون بتوحيد الربوبية، فلم ينازعوا فيه، بل إن هــــذا الـتـوحيد لم ينازع في أصله أحد من بني آدم(29)، والدليل على أن هؤلاء المشركين الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واستحل دماءهم كانوا مقرين بأن الله هو الخالق الــرازق المدبّر لقوله ـ سبحانه ـ: ((قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)) [يونس: 31].
قال قتادة ـ رحمه الله ـ: (إنك لست تلقى أحداً منهم إلا أنبأك أن الله ربه وهو الذي خلقه ورزقه وهو مشرك في عبادته)(30).
وقال ابن جرير ـ رحمه الله ـ عند قوله ـ تعالى ـ: ((فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ)) [يونس: 31]: (أفلا تخافون عقاب الله عـلـى شرككم وعبادتكم معه من لا يرزقكم شيئاً ولا يملك لكم ضراً ولا نفعاً)(31).
فالإقـرار بربوبية الله ـ تعالى ـ لا يتحقق به التوحيد المطلوب، فمشركو العرب مقرون بتوحيد الربوبية، ومن ذلك قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واستحل دماءهم حتى يفردوا الله ـ عز وجل ـ بجميع أنواع العبادة.
ومن شبهاتـهــم: دعــواهم أن الآيات القرآنية نزلت فيمن يعبد الأصنام والأحجار.. فلا تشملهم.
وجوابها: أن الشرك بالله أن يجعل لله نداً في العبادة سواءً كان صنماً أو حجراً أو نبياً أو ولياً.
ومما قاله العلامة محمد بن علي الشوكاني ـ رحمه الله ـ جواباً عن هذه الشبهة: (الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئاً يختص به ـ سبحانه ـ سواءً أطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية ـ كالصنم والوثن ـ أو أطلق عليه اسماً آخر ـ كالولي والقبر والمشهد ـ)(32).
وإن أراد القبوريون بمقولتهم: هؤلاء الآيات نزلت فيمن يعبد الأصنام، بأنه لا يجوز تنزيل هذه الآيات على من عمل عملهم؛ فهذا من أعظم الضلال.
يقـول الشيخ محمد بن عبد الوهاب ـ رحمه الله ـ عن هذه المقولة: (فهذا ترس قد أعدّه الجـهـــال الضلاّل لردّ كلام، إذا قال لهم أحد: قال الله كذا، قالوا: نزلت في اليهود، نزلت في النصارى، نزلت في فلان...
وجواب هذه الشبهة (الفاسدة) أن يقال: معلوم أن القرآن نزل بأسباب، فإن كان لا يُستدل به إلا فـي تلك الأسباب بطل استدلاله، وهذا خروج من الدين، وما زال العلماء من عصر الصحابة فمن بعدهم يستدلون بالآيات التي نزلت في اليهود وغيرهم على من يعمل بها)(33).
ومن شبهاتهم: أن سؤالهم أرباب القبور من أجـل طلب الشفاعـة، فهـؤلاء الموتى شفعـاء بينهـم وبين الله ـ تعالى ـ.
والجواب: أن الله قد سمى اتخاذ الشفعاء شركاً، فقال ـ سبحانه ـ: ((وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)) [يونس: 18].
وأمر آخر أن الشفاعة كلها لله ـ تعالى ـ كما قال ـ سبحانه ـ: ((قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً)) [الزمر: 44]، وقال ـ عز وجل ـ: ((وَلا يَمْلِكُ الَذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ)) [الزخرف: 86].
يقول ابن تيمية: (فلا يملك مخلوق الشفاعة بحال، ولا يتصور أن يكون نبي فمن دونه مالكاً لها، بل هذا ممتنع، كما يمتنع أن يكون خالقاً ورباً.
قال ـ سبحانه ـ: ((وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ)) [سبأ: 23] فنفى نفع الشفاعة إلا لـمـن استثناه، لم يثبت أن مـخـلـوقــاً يملك الشفاعة، بل هو ـ سبحانه ـ له الملك وله الحمد، لا شريك له في الملك)(34).
وجواب ثالث: أن الله ـ تعالى ـ أعطى الأنبياء والأولياء الشفاعـة، لكن نهانـا عن سؤالهـم ودعائهـم، فقال ـ سبحانه ـ: ((وَلا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإن فَعَـلْــتَ فَـإنَّـكَ إذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ)) [يونس: 106]، والشفاعة نوع من الدعاء(35)، ولا يكون الدعاء إلا لله ـ تعالى ـ وحده.
كمـا أن إعطاء الله الأنبياء والأولياء الشفاعة ليس تمليكاً مطلقاً، بل هو تمليك معلّق على الإذن والـرضــا، وسيد الشفـعـاء -صـلـى الله عليه وسلم- لا يشفع حتى يقال له: ارفع رأسك، وقل يسمع، واشفع تشفّع)(36).
والحــديث عن شبهات القبوريين والرد عليها طويل جداً، وإنما ذكرنا بعضاً منها، وقد صُنفت مصنفات نافعة تتضمن الرد على شبهات القبوريين، مثل قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة، والرد على البكري والرد على الأخنائي كلها لشيخ الإسلام ابن تيمية، وإغاثة اللهفـان في مصايد الشيطان، لابن القيم، والصارم المنكي في الرد على السبكي، لابن عبد الهادي، وكشف الشبهات، للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد للصنعاني، والنبذة الشرعية النفيسة في الرد على القبوريين لحمد بن معمر، والدر النضيد في إخـــلاص كلمة التوحيد، لمحمد ابن علي الشوكاني، وصيانة الإنسان عن وسوسة دحلان لمحمد بشـير السهسـواني، وتطهير الجنان والأركان عن درن الشرك والكفران، لأحمد بن حجر آل بوطامي، وتحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد، لمحمد ناصر الدين الألباني، والدعاء ومنزلته في العقيدة الإسلامية لجيلاني بن خضر العروسي، وغيرها كثير.
الهوامش :
 (1) انظر: الصواعق المرسلة، لابن القيم، 4/1560. 
(2) الحجة لقوام السنة، الأصفهاني، 1/281.
(3) انظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 2/617.  
(4) انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية، 1/25، 26.
(5) تلبيس إبليس، لابن الجوزي، ص455، وانظر: اقتضاء الصراط المستقيم، 2/611، وإغاثة اللهفان، 1/133.
(6) انظر: الدرر السنية، 9/418، واقتضاء الصراط المستقيم، 2/705. 
(7) معارج الألباب، ص216، باختصار.
(Cool قرة عيون الموحدين، ص33.
(9) التبيان في أقسام القرآن، ص143.  
(10) الصواعق المرسلة، 2/461، 462.
(11) أخرجه أحمد، 3/18، والترمذي، وقال حديث حسن صحيح.
(12) اقتضاء الصراط المستقيم، 2/689.  
(13) جامع الرسائل، 2/305، وانظر الرد على البكري، ص55.
(14) انظر شرح الصدور بتحريم رفع القبور، ص 17. 
(15) طبقات الشعراني، 2/74.
(16) اقتضاء الصراط المستقيم، 2/650.
(17) مجموع الفتاوى، /356.     
(18) انظر: إغاثة اللهفان، 1/332.   
(19) اقتضاء الصراط المستقيم، 2/652، وإغاثة اللهفان، 1/333.
(20) اقتضاء الصراط المستقيم، 2/688.
(21) اقتضاء الصراط المستقيم، 2/653، وانظر: إغاثة اللهفان، 333، 334.
(22) مجموع الفتاوى، 71/456، باختصار، وانظر: الدعاء ومنزلته من العقيدة الإسلامية، لجيلاني خضر العروسي، 1/447، 2/812
(23) كشف الشبهات، ص43، 44.
(24) انظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية، 6/354، 514، وحادي الأرواح، لابن القيم، ص208.
(25) انظر: الاعتصام، للشاطبي، 1/221.
(26) مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، 1/70.
(27) انظر: قاعدة جليلة في التوسل الوسيلة، لابن تيميـة، والتوسـل، للألباني، والتوصل إلى حقيقـة التوسل، لمحمد نسيب الرفاعي ـ رحمه الله ـ.
(28) منهاج التأسيس، ص267، وانظر: مصباح الظلام ص178.
(29) انظر: التدمرية، لابن تيمية، ص181، ومجموع الفتاوى، 2/38.
(30) تفسير ابن جرير، 13/78.
(31) تفسير ابن جرير، 11/114.
(32) الدر النضيد، ص18، بتصرف يسير.
(33) تاريخ ابن غنام، 2/285، بتصرف يسير.
(34) مجموع الفتاوى، 51/604، باختصار.
(35) انظر: مجموع الفتاوى، 1/200.
(36) انظر: تأسيس التقديس، لأبي بطين، ص82.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://arabelalekat.yoo7.com
الشيخ عودة
الشيخ عودة
الشيخ عودة



عدد المساهمات : 1748
تاريخ التسجيل : 28/09/2008
العمر : 74

خطر الصوفية علي الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: خطر الصوفية علي الاسلام   خطر الصوفية علي الاسلام Emptyالسبت ديسمبر 05, 2015 3:59 pm

الغلو والبدعة
* الشيخ /أحمد بن حسن المعلم

المقدمة 

الحمد لله رب العالمين، و الصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد و على آله و صحبه أجمعين          أما بعد:
 فإن الوضع الذي تعيشه الأمة الإسلامية لا يخفى على أحد، و الحرب العالمية الشاملة التي تواجهها لا يماري فيها عاقل، ولا يأمن مغبتها من يشاهد ملامحها، ويدرك بواعثها، ويدري دارية صحيحة بالسنن الإلهية التي بموجبها قامت، وبموجبها يحصل الظفر، أو المزيد من الانكسار للأمة، وأبرز أسباب ضعف الأمة وتسلط أعدائها عليها هو ضعف إيمانها، ولن تتنسم نسيم المجد و التمكين إلا إذا عملت على زيادة الإيمان و تقويته في النفوس: { إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم }، وهناك معوقات كثيرة تحول دون تقوية الإيمان من الانحرافات العلمية و العملية، ومن تلك الانحرافات " الغلو " الذي يبعث على العديد من الأمراض التي تضعف الإيمان، والابتداع وهو إن كان من مظاهر الغلو إلا أنه أعظم وأخطر تلك المظاهر؛ لذا فقد أحببت أن أقدم هذه الورقة عن هذين العائقين من عوائق الأعمال الصالحة، التي بها يقوى الإيمان؛ مساهمةً في ندوة تقوية الإيمان، التي تقيمها جامعة الإيمان - سلمها الله من كيد أعدائها - أسأل الله أن يجعل هذه المساهمة خالصة لوجهه، نافعة ومكملة لما يتقدم به الإخوة العلماء والدعاة، وإن كانت البضاعة مزجاة، فأسأل الله العفو عن الزلل، والبركة في العمل، إنه سميع مجيب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://arabelalekat.yoo7.com
الشيخ عودة
الشيخ عودة
الشيخ عودة



عدد المساهمات : 1748
تاريخ التسجيل : 28/09/2008
العمر : 74

خطر الصوفية علي الاسلام Empty
مُساهمةموضوع: رد: خطر الصوفية علي الاسلام   خطر الصوفية علي الاسلام Emptyالسبت ديسمبر 05, 2015 4:05 pm

د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف

 

 آفات النفوس ودسائسها لا حصر لها ، وما يعتري النفوس البشرية من اعوجاج وتلوُّن واضطراب يتعذر استيعابه ، وكما قال أحد الشيوخ لابن القيم : « آفات النفس مثل الحيات والعقارب التي في طريق المسافر ؛ فإن أقبل على تفتيش الطريق عنها ، والاشتغال بقتلها انقطع ، ولم يمكنه السفر قط ، وَلْتكن همتك المسير ، والإعراض عنها ، وعدم الالتفات إليها ، فإذا عرض لك فيها ما يعوقك عن المسير فاقتله ، ثم امضِ على سيرك » [1] .

  ولزوم السنة اعتقاداً وحالاً يهذِّب النفوس ، ويحقق استقرارها ، ويستلزم حياة طيبة ، ويورث ثباتاً وطمأنينة ، فلا ترى في هذه النفوس المطمئنة عِوَجاً ، ولا تلحظ تناقضاً أو تحولاً ، بل هي في منأى عن الإفراط والتفريط ، وعافيةٍ من غوائل التقصير والغلو .

  وسلفنا الصالح لَمَّا حذروا من الابتداع والإحداث في دين الله - تعالى - فلأجل ما يقتضيه من تشريع دينٍ لم يأذن به الله - تعالى - وما تخلِّفه البدع من اندراس السنن ، ووقوع العداوة والبغضاء ، وحرمان التوبة ، والتعرُّض للعقاب والوعيد .

  كما أنهم على دراية بأهواء النفوس ، وطبائعها وحظوظها ، وما يكتنف هذه النفوسَ من آفات وعلل ؛ إذ يكشف الابتداع عن نفوس معتلَّة ، تقارف تنصُّلاً عن لزوم الصراط المستقيم ، وتعاني اضطراباً وتناقضاً ، واندفاعاً جامحاً ونشاطاً محموماً في سبيل الابتداع في الدين ، ومضاهاة الشرع المنزَّل ، إضافة إلى ما تكابده هذه النفوس من تناقض بين التنظير والتأصيل وبين التطبيق والتنفيذ .

  فالتفلت من لزوم الشرع : هو من خبايا النفوس الملتوية وآفاتِ أرباب البدع ويقترن بهذا الروغان عن السُّنة اجتهادٌ ظاهر ، وجَلَدٌ متواصل في التشبث بالبدع وإذكائها .

  وهذا ما جاء في الحديث الصحيح بشأن الخوارج : « تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ...

 » [2] .

  وأشار الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - إلى هذا « النشاط البدعي » بقوله : « اقتصاد في سُنة خير من اجتهاد في بدعة » [3] .

  فنفوس أهل الأهواء يعتريها الكسل والعزوف عن اتباع الشرع ، لكنها سرعان ما تنشط وتندفع في مقارفة البدع ، بكل شوق واستمتاع !  ولَمَّا قيل لسفيان بن عيينة : ما بال أهل الأهواء لهم محبة شديدة لأهوائهم ؟ فقال : أَنسيتَ قوله - تعالى - : [ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ]( البقرة : 93 ) ؟ [4] وكَشَف أبو الوفاء ابن عقيل هذه الدسيسة النفسانية بقوله : « لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام ، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاعٍ وضعوها لأنفسهم فسهلت عليهم ؛ إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم .

 قال : وهم كفار عندي بهذه الأوضاع ، مثل : تعظيم القبور ...

 » [5] .

  وأما الإمام الشاطبي فله معرفة متينة بآفات نفوس المبتدعة وحظوظها ، وقد أفصح عن ذلك بتحقيقٍ وتحريرٍ ، فكان مما قاله - رحمه الله - : « إن الدخول تحت تكاليف الشريعة صعب على النفس ؛ لأنه أمر مخالف للهوى ، وصادٌّ عن سبيل الشهوات ؛ لأن الحق ثقيل ، والنفس إنما تنشط بما يوافق هواها لا بما يخالفه ، وكل بدعة فللهوى فيها مدخل ؛ لأنها راجعة إلى نظر مخترعها لا إلى نظر الشارع .

  ومن الدليل على ذلك ما قاله الأوزاعي : « بلغني أن من ابتدع بدعةً خلاَّه الشيطان والعبادة ، وألقى عليه الخشوع والبكاء ، لكي يصطاد به » ، وقال بعض الصحابة : « أشد الناس عبادةً مفتونٌ » ، ويحقق ما قاله الواقع ، كما نُقل عن الخوارج وغيرهم ؛ فالمبتدع يزيد في الاجتهاد لينال في الدنيا التعظيمَ والجاهَ والمالَ ؛ وما ذاك إلا لخفَّةٍ يجدونها في ذلك الالتزام ، ونشاطٍ يُداخلهم ، يستسهلون به الصعب بسبب ما داخل النفس من الهوى » [6] .

  ومن آفات النفوس التي تصاحب الابتداع في دين الله - تعالى - : داء الكِبْر وحبُّ الظهور وازدراء الآخرين ، وهذا ما قرره ابن تيمية لَمَّا أورد مفاسد البدعة ، فقال : « مسارقة الطبع إلى الانحلال من رِبقة الاتباع ، وفوات سلوك الصراط المستقيم ؛ وذلك أن النفس فيها نوعٌ من الكبر ؛ فتحب أن تخرج من العبودية والاتباع حسب الإمكان ، كما قال أبو عثمان النيسابوري - رحمه الله - : « ما ترك أحد شيئاً من السُّنة إلا لِكِبْر في نفسه » [7] .

  وكذا الشاطبي أَلْمَح إلى هذا الوباء قائلاً : « لم يتبين للمبتدع أنه ما وضعه الشارع فيه من القوانين والحدود كافٍ ؛ فرأى من نفسه أنه لا بد لِمَا أُطلِق الأمر فيه من قوانين منضبطة وأحوال مرتبطة ، مع ما يداخل النفوس من حبِّ الظهور والذكر بالمناقب التي ينفرد بها ، واستنباط الفوائد التي لا عهد بها ؛ إذ الدخول في غُمار الخلق يميت الهوى ؛ لعدم الظهور ، أو عدم مظنته » [8] .

  وجزم العلاَّمة ابن الوزير أن داء الكبر والعُجْب لا يفارق عموم المبتدعة ، فقال - رحمه الله - : « الغالب على أهل البدع شدة العُجْب بنفوسهم ، والاستحسان لبدعتهم ، وربما كان أجر ذلك عقوبة على ما اختاروه أول مرة من ذلك ، كما حكى الله - تعالى - ذلك في قوله : [ وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ العِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ]( البقرة : 93 ) .

  وهي من عجائب العقوبات الربانية ، والمحذرات من المؤاخذات الخفية .

  وقد كثرت الآثار في أن إعجاب المرء بنفسه من المهلكات ، ودليل العقوبة في ذلك أنك ترى أهل الضلال أشد عُجْباً وتيهاً وتهليكاً للناس واستحقاراً لهم .

 نسأل الله العفو والمعافاة من ذلك كله » [9] .

  ومهما يكن فإن تلك النفوس المشحونة بالكبر والتعالي ، سرعان ما يتقشع ذلك عنها ويعقبه المهانة والصغار ؛ إذ يعاقب الله - تعالى - هذا الصنف بنقيض قصدهم ، فتتساقط دعواهم العريضة ، وينكشف عوارهم وعجزهم ، كما حرره ابن تيمية قائلاً : « هكذا شيوخ الدعاوى والشطح يدَّعي أحدهم الإلهية وما هو أعظم من النبوة ، ويعزل الربَّ عن ربوبيته ، والنبيَّ عن رسالته ، ثم آخرتُه شحَّاذ يطلب ما يُقِيتُه ، أو خائف يستعين بظالم على دفع مظلمته ؛ فيفتقر إلى لقمة ، ويخاف من كلمة ؛ فأين هذا الفقر والذل من دعوى الربوبية المتضمِّنة للغنى والعز ؟ » [10] .

  وأما ما يعلق بنفوس المبتدعة من التناقض والاضطراب فهذا مما يصعب حصره ، لا سيما الروافض الإمامية ، والذين يتعسر إيراد اضطرابهم وتخبُّطهم ...

 وكما قال عنهم الدهلوي - رحمه الله - : « من استكشف عن عقائدهم الخبيثة ، وما انطووا عليه ، علم أن ليس لهم في الإسلام نصيب ، وتحقق كفرهم لديه ، ورأى منهم كلَّ أمر عجيب واطلع على كل أمر غريب ، وتيقن أنهم قد أنكروا الحسي ، وخالفوا البدهي الأولي ، ولا يخطر ببالهم عتاب ، ولا يمرُّ على أذهانهم عذاب أو عقاب ؛ فإن جاءهم الباطل أحبوه ورضوه ، وإذا جاءهم الحق كذبوه وردُّوه » [11] .

  وسأكتفي بمثالين : أحدهما : المرجئة : فإن الإرجاء دين الملوك - كما قال النضر بن شميل في حضرة الخليفة المأمون [12] - ويقال : فلان مرجئي يتبع السلطان [13] ، ويرون طاعة الأمراء مطلقاً وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ ظناً أن ذلك من باب ترك الفتنة [14] ! ثم هم يتناقضون ؛ فمع أن الجهم بن صفوان من غلاة المرجئة إلا أنه خرج على بني أمية ، و الحارث بن سريج يرى الإرجاء ، وقد خرج على نصر بن سيار [15] ، وقد وصف الأميرُ عبد الله بن طاهر ( ت 230هـ ) المرجئة فقال : « لا يرون للسلطان طاعة » [16] .

  وأما المثال الآخر : فأرباب التعبد المحدث ( التصوف ) : فإنهم يتشدقون بالمثالية الجامحة والرهبانية الحادثة ، بينما هم منغمسون في الشهوات والملذات ، وسماعٍ ورقصٍ ، وصحبة مردان ونسوان ...

 فهذه المثالية المُفْرِطة تخالف الشرع والعقل والفطرة ؛ إذ تسعى إلى استئصال نوازع البشر ، وقمع الغرائز ، واجتثاث الشهوات ، فأعقب ذلك إغراقاً في الملذات ، وانتكاساً في حضيض الشهوات .

  وقد أشار ابن الجوزي إلى ذلك بقوله : « إن قوماً منهم وقع لهم أن المراد رياضة النفوس لتخلُص من أكدارها المردية ، فلما راضو مدة ورأوا تعذُّر الصفاء قالوا : ما لنا نتعب أنفسنا في أمر لا يحصل لبشر ، فتركوا العمل » [17] .

  وأحد أدعياء التصوف المعاصرين قدَّم أمثلة جليَّة على هذا التناقض المكشوف والاضطراب المعهود عنه وعن أسياده .. فبينا هو يلوِّح في الفضائيات متحدثاً عن الذوق الرفيع والتذوق اللطيف ؛ إذ يدعو إلى العكوف في المزابل والنفايات طلباً لتهذيب النفوس ، وتراه يصنِّف في السلوك ، وتزكية النفوس ، ورقَّة الشعور ، ثم لا يغادر لَمْزَه وبغيَه على السلف الصالح [18] .

  والمقصود أن البدع لا تنفك عن أهواء النفوس وأدوائها ورعونتها ؛ ولذا أطلق أهل السُّنة على المبتدعة « أهل الأهواء » .

  وإذا كانت البدعة قد تفضي إلى الشرك ، فإن الهوى قد يكون إلهاً يُعبَد من دون الله .

  قال الله - عز وجل - : [ أَفَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ]( الجاثية : 23 ) .

------------

(1) مدارج السالكين : 2/314 .

(2) أخرجه البخاري و مسلم .

(3) أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ، (1/173) ، ورواه الطبراني في الكبير .

(4) ينظر : العبودية لابن تيمية ، ص 70 .

(5) تلبيس إبليس لابن الجوزي ، ص 455 .

(6) الاعتصام (تحقيق : مشهور) : 1/215 - 217= باختصار .

(7) اقتضاء الصراط المستقيم : 2/611 - 612 .

(Cool الاعتصام : 1/49 = بتصرف يسير .

(9) إيثار الحق على الخلق ، ص 426 = باختصار .

(10) منهاج السُّنة النبوية وانظر : الرد على الشاذلي في حزبه لابن تيمية (ت : د.

 سمية حسين) ، ص 55 - 56 .

(11) مختصر التحفة الإثنى عشرية, ص 300 .

(12) انظر : البداية لابن كثير : 10/276 .

(13) انظر : تهذيب التهذيب لابن حجر : 11/436 .

(14) انظر : الآداب الشرعية لابن مفلح : 1/177 ، ومجموع الفتاوى لابن تيمية : 26/28 .

(15) انظر : المنتظم لابن الجوزي : 7/169 ، 258 .

(16) أخرجه الصابوني في عقيدة السلف (ت : الجديع) ، ص 272 .

(17) تلبيس إبليس, ص 415 .

(18) انظر : ما سطره د.

 خلدون الحسني في كتابه المتين : « إلى أين أيها الحبيب الجفري ؟ » وكذا كتاب : « النصيحة مناقشة لفكر الحبيب الجفري » لحسن الحسني .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://arabelalekat.yoo7.com
 
خطر الصوفية علي الاسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» فرقة الصوفية
» تعريف الصوفية والتصوف
»  إدعاء بعض الصوفية لأنساب آل البيت
» هذه هي الصوفية في حضرموت الشيخ : علي بابـكــــر
» الصوفية المنحرفة في المغرب الاقصي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
aloqili.com :: منتدي الصوفية المحترقة-
انتقل الى: