- ما ورد من أن عقيلاً قد سأل معاوية عندما قدم عليه عن الحسن، فقال له: إنه أصبح قريش وجهاً، وأكرمها حسباً[45].. فلو كان علي حياً حينئذ لكان السؤال عنه والثناء عليه أولى، لأن الحسن لم يكن في حياة أبيه أكرم قريش حسباً.. إلا أن يقال: لا مانع من تعدد ذهاب عقيل إلى معاوية مرة أخرى في حياة علي وأخرى بعد وفاته.. ولأجل ذلك ذكرنا ذلك بعنوان التأييد لا الاستدلال.
ونعتقد أن فيما قدمناه كفاية.. والنقاش هنا لا يضر في النتيجة التي توصلنا إليها في هذا البحث.
الافتراء على عقيل:
وعلى كل حال.. فإن الافتراء على عقيل، بهدف النيل منه، ومن ثم من أخيه علي عليه السلام كثير..
وقد قالوا: "كان عقيل أنسب قريش، وأعلمهم بايامها، ولكنه كان مبغّضاً إليهم، لأنه كان يعد مساويهم"[46].
وقالوا: "كان عقيل أكثرهم ذكراً لمثالب قريش، فعادوه لذلك، وقالوا فيه بالباطل، ونسبوه إلى الحمق، واختلقوا عليه أحاديث مزورة.."[47].
وقال الجاحظ: "كان عقيل أكثرهم ذكراً لمثالب الناس، فعادوه لذلك، وقالوا فيه، وحمّقوه، وسمعت ذلك العامة، فلا تزال تسمع الرجل يقول قد سمعت الرجل يحمّقه، حتى ألف فيه بعض الأعداء الأحاديث، فمنها، قولهم: ثلاثة حمقى كانوا أخوة ثلاثة عقلاء، والأم واحدة الخ.."[48].
إلى غير ذلك مما يجده المتتبع مسطوراً في كتب التاريخ والأدب.
فريتان على عقيل:
ونستطيع أن نذكر هنا قضيتين مكذوبتين على عقيل كشاهد حي على ما ذكر من تعمدهم تشويه سمعته والحط من كرامته:
أولاهما:
ما ورد من ان علياً كان يقول: إنه لم يزل مظلوماً منذ صغره، حتى إن عقيلاً كان إذا رمدت عيناه لا يرضى بأن يذرّ الكحل في عينيه حتى يذرّ في عيني علي(ع) قبله..
مع انهم يذكرون: أن عقيلاً كان يكبر علياً بعشرين سنة، وإن كنا قد قوينا انه كان يكبره بـ 13 سنة.. فهل يعقل أن يصدر مثل هذا العمل من عقيل، الرجل الذكي، والمعروف بسرعة الخاطر، وحضور الجواب.. والذي قال عنه الجاحظ: " له لسانه، وأدبه ونسبه، وفضل نظراءه بهذه الخصال.."[49]. وسيأتي بعض ما يدل على مكانة عقيل وسؤدده عن قريب.
ثانيتهما: إن ابن سعد يذكر أن عقيلاً شهد غزوة مؤتة، ثم رجع، فعرض له مرض، فلم يسمع له بذكر في فتح مكة، ولا الطائف، ولا خيبر، ولا في حنين..[50].
مع أنهم يذكرون: أنه ممن ثبت يوم حنين..[51].
بل لقد " قال ابن هشام: وذكر زيد بن أسلم بن أبيه: أن عقيل بن أبي طالب دخل يوم حنين على امرأته فاطمة بنت شيبة بن ربيعة، وسيفه متلطخ دماً، فقالت: إني قد عرفت أنك قد قاتلت، فماذا أصبت من غنائم المشركين؟
قال: دونك هذه الإبرة تخيطين بها ثيابك، فدفعها إليها، فسمع منادي رسول الله(ص) يقول: من أخذ شيئاً فليرده، حتى الخياط والمخيط، فرجع عقيل فقال: ما أرى ابرتك إلا قد ذهبت، فأخذها، فألقاها في الغنائم.."[52].
فهذه الرواية – وإن كان قد قصد بها إظهار خسة نفس عقيل – إلا أنها تدل دلالة واضحة على استقامة عقيل من جهة، وعلى أنه قد شارك في حرب حنين مشاركة فعلية.
وقال الطبراني وغيره: إن عقيلاً حضر فتح خيبر وقسم له النبي(ص) من خيبر[53].
وبعد فإن هناك قضية أخرى مكذوبة على عقيل، وهي قضيته مع معاوية بشأن الجارية التي اشتراها له، فولدت له مسلماً.. الذي وقف من معاوية ذلك الموقف الغريب، والذي كان سفيراً للحسين إلى أهل الكوفة، الذين غدروا به وقتلوه، وقد ناقشنا هذه الرواية على حدة في موضع آخر..
مكانة عقيل:
لقد كان لعقيل مكانة خاصة في قريش، وكان موضع احترام وتقدير من كل من عرفه ولسنا هنا في صدد استقصاء ما قيل أو يقال حول عقيل ثناءً وتعظيماً.. ونكتفي هنا بأن نضيف إلى عبارة الجاحظ المتقدمة.. أقوال بعض الشعراء فيه، فنقول:
لقد افتخر به جعدة بن هبيرة، فقال:
أبي من بني مخزوم إن كـنت سائلاً ومــن هــاشـم أمـي لـخير قبيل
فمن ذا الذي يبأى علي بـخـالـه وخـالي علي ذو الـنـدى وعقيل[54]
وقال قدامة بن موسى بن قدامة بن مظعون:
وخالي بـغـاة الخيـر تـعلـم أنـه جدير بـقول الـحق لا يـتـوعـر
وجـدي عـلي ذو التقى وابن امـه عقيل وخـالـي ذو الجناحين جعفـر
فنحن ولاة الـخير في كل مـوطــن إذا ما ونى عنه رجال وقصروا[55]
وقال حسان بن ثابت في قصيدة له يرثي بها جعفراً، ويمدح بها بني هاشم:
بهتالـيـل منهـم جعفر وابن أمه عـلـي ومـنـهـم أحمد المتخير
وحـمـزة والعباس منهم ومنـهـم عقيل وماء العود من حيث يعصر[56]
إلى غير ذلك مما لا مجال لنا لتتبعه واستقصائه..
سرّ الافتراء على عقيل:
وأما سرّ الافتراء على عقيل، فلعله يرجع إلى:
1- إن عقيلاً كان له معهم مواقف مشهورة، وأجوبة معروفة في تأييد علي وحق علي.. والإزراء على معاوية وكل من كان على شاكلته، وبيان تفاهات ونقائص مناوئي علي عليه السلام والناصبين له العداء..
2- إنهم كانوا يريدون النيل من علي والحط من كرامته عن طريق النيل من أخيه عقيل والحط من كرامته.. ويريدون أن يقولوا أيضاً إن علياً لا يحتمل، فحتى اخوه لقد فارقه وتركه، وناصر عدوه، فكيف بمن لم يكن أخاً لعلي، ولا تربطه فيه قربى ولا وشائج رحم، ولعلنا نستطيع أن نلمس هذا المعنى من تلك المنقولات المنسوبة إلى معاوية، وأنه وجهها لعقيل عندما فارق أخاه وأتاه..
3- إنهم يريدون أن يضيفوا صحابياً جديداً إلى قائمة المناصرين لمعاوية وكان معاوية بأمس الحاجة للواحد منهم في مقابل علي وجيشه الذي كان يضم الآلاف من الصحابة الأبرار، والمصطفين الأخيار..
4- إنهم يريدون أن ينتقموا لأنفسهم، وينفسوا عن حقدهم، ويغطّوا على مثالبهم، التي مازال يكشفها عقيل العالم بالأنساب، والذي كان له بعد لسانه وأدبه، وكان لا يجارى ولا يبارى، ولا يثبت معه رأي، ولا تلين صفاته من مكيدة..
ولكن تأبى الحقيقة والتاريخ إلا أن يبقى وجه عقيل مشرقاً بابتسامة كلها سخرية وهزء بل واحتقار لكل أولئك الذين نسبوا الباطل إليه، وأجهدوا أنفسهم بالكذب والافتراء عليه..
والحمد لله وصلاته على عباده الذين اصطفى.
17/محرم/1397ﻫ.
جعفر مرتضى العاملي
[1] روي ذلك في أسد الغابة / ج3 ص423.
[2] عمدة الطالب / ص31.
[3] الاستيعاب هامش الإصابة / ج3 ص158، وذخائر العقبى / ص222 وتاريخ الخميس / ج1 ص163، وأسد الغابة / ج3 ص423، والبيان والتبيين / ج2 ص326، والسيرة الحلبية / ج1 ص268، وفيه أن علياً(ع) قال له:
" اصبر حتى يخرج عطاؤك مع المسلمين فأعطيك. فقال له: لأذهبن إلى رجل هو أوصل إليّ منك ".
[4] المعارف / ص88 ورواه في عيون الأخبار / ج2 ص197 عن الأصمعي.
[5] البيان والتبيين / ج2 ص326، وأسد الغابة / ج3 ص424، وقاموس الرجال / ج6 ص321 عنه.
[6] شرح النهج للمعتزلي / ج11 ص251، وأسد الغابة / ج3 ص423، والاستيعاب هامش الإصابة / ج3 ص158، وذخائر العقبى / ص222 عنه، وتاريخ الخميس / ج1 ص163 عنه ايضاً، والسيرة الحلبية / ج1 ص268. ونكت الهميان / ص201.
[7] عيون الأخبار لابن قتيبة / ج2 ص197.
[8] تاريخ الخلفاء للسيوطي / ص204، والسيرة الحلبية / ج1 ص268.
[9] أنساب الأشراف ط الأعلمي / ص73 ج2.
[10] شرح النهج / ج4 ص92، والدرجات الرفيعة / ص158.
[11] العقد الفريد ط دار الكتاب العربي / ج4 ص5، وثمرات الأوراق / ص153، 154 عنه وأمالي السيد المرتضى / ج1 ص276 عنه ايضاً.. وليراجع الموفقيات / ص335.
[12] مروج الذهب / ج3 ص36.
[13] راجع: الغارات للثقفي / ج1 ص64، 65، وأسد الغابة / ج3 ص423 وليراجع: ثامن البحار / ص567، وأمالي ابن الشيخ / ج2 ص335.
[14] العقد الفريد ط دار الكتاب العربي / ج4 ص5، والبيان والتبيين / ج2 ص326، وأمالي المرتضى / ج1 ص276، والاستيعاب هامش الإصابة / ج3 ص158، وأنساب الأشراف / ط الاعلمي / ج2 ص72، وعمدة الطالب ط – النجف / ص31-32، وقاموس الرجال / ج6 ص322 عنه، والدرجات الرفيعة / ص157.
[15] العقد الفريد ط دار الكتاب / ج4 ص4-5، والدرجات الرفيعة / ص161.
[16] ثمرات الأوراق / ص158-159، والعقد الفريد ط دار الكتاب العربي / ج4 ص29، والدرجات الرفيعة / ص161. والغدير ج10 ص260/261 عن العقد وعن المستطرف ج1 ص54.
[17] العقد الفريد / ج4 ص5، وأنساب الأشراف ط الأعلمي / ص73 ج2.
[18] أسد الغابة / ج3 ص423.
[19] شرح النهج للمعتزلي / ج4 ص92، والدرجات الرفيعة.
[20] تاريخ الخلفاء / ص204 عن تاريخ ابن عساكر.
[21] ذخائر العقبى / ص222، وتاريخ الخميس / ج1 ص163.
[22] غارات الثقفي / ج1 ص64، ونقله المعلق عن ثامن البحار / ص567.
[23] شرح النهج / ج2 ص124.
[24] أمالي ابن الشيخ المطبوعة مع أمالي الشيخ في النجف / ج2 ص334.
[25] راجع: تاريخ الخلفاء / ص204، وشرج النهج / ج2 ص124 وج4 ص92، وأمالي ابن الشيخ / ج2 ص334.
[26] أسد الغابة / ج3 ص424.
[27] مروج الذهب / ج3 ص36.
[28] أسد الغابة / ج3 ص423.
[29] الغارات للثقفي / ج1 ص64-65 وشرح النهج / ج2 ص125.
[30] أمالي ابن الشيخ آخر أمالي الشيخ / ج2 ص335.
[31] أسد الغابة / ج3 ص423، وأمالي ابن الشيخ / ج2 ص335.
[32] راجع: شرج النهج / ج11 ص251، والدرجات الرفيعة / ص155، والشهيد مسلم..
[33] شرح النهج / ج10 ص250.
[34] الاستيعاب هامش الإصابة / ج2 ص357، وتاريخ الخميس / ج1 ص167.
[35] شرح النهج / ج10 ص250.
[36] راجع: شرح النهج / ج11 ص250 وج10 ص250.
[37] شرح النهج / ج2 ص142، والدرجات الرفيعة / ص160.
[38] راجع: الدرجات الرفيعة / ص158-159 وغيره.
[39] راجع: الدرجات الرفيعة / ص158، ولتراجع أيضاً: ص160، وشرح النهج للمعتزلي / ج11 ص253-254، ونهج البلاغة نفسه لأن علياً عليه السلام قد ذكرها في بعض خطبه.
[40] راجع: شرح النهج للمعتزلي / ج11 ص253، والدراجات الرفيعة / ص160.
[41] عمدة الطالب / ص32.
[42] راجع: التنبيه والأشراف / ص256، وتاريخ الطبري / ج4 ص52 عن الواقدي.. ويدل على ذلك أيضاً: أن المسعودي في التنبيه والأشراف، وتاريخ اليعقوبي / ج2 ص193 ط صادر قد ذكرا أن وقعة النهروان كانت سنة 39، وهو ما يقتضيه قول أبي مريم والواقدي والمسعودي بأن بين الحكمين والنهروان سنة وشهران، حيث إن النهروان تكون على هذا في ذي القعدة سنة 39.
[43] الغارات للثقفي / ج2 ص429-430، وشرح النهج / ج2 ص118-119، وأنساب الأشراف ط الأعلمي / ج2 ص74-75، والأغاني ط ساسي / ج15 ص46، والبحار ط حجرية / ج8 ص621،673، وجمهرة رسائل العرب / ج1 ص595، ونهج السعادة / ج5 ص300، وسفينة البحار / ج2 ص215، وأشار إليها في العقد الفريد ط دار الكتاب / ج2 ص356، وج3 ص504، وذكرها ايضاً في الدرجات الرفيعة / ص155-157.
وفي الإمامة والسياسة / ج1 ص53-54 ط سنة 1967م، وقاموس الرجال / ج6 ص323 عنه..
أن عقيلاً قد التقى بعائشة، وطلحة، والزبير، أيضاً.. وهذا كذب لأن طلحة والزبير كانا قد قتلا قبل غارة الضحاك بسنوات !! ولا يخفى سر زيادة ذلك في رسالة عقيل..
[44] شرح النهج للمعتزلي / ج11 ص253، والدرجات الرفيعة / ص160.
[45] أنساب الأشراف ط الاعلمي / ج2 ص72.
[46] الاستيعاب هامش الإصابة / ج3 ص158، وذخائر العقبى / ص222 عنه، وتاريخ الخميس / ج1 ص163، وشرح النهج / ج11 ص250، ونكت الهميان / ص200 والدرجات الرفيعة / ص154، والمنمق / ص484.
[47] الاستيعاب هامش الإصابة / ج3 ص158، وأسد الغابة / ج3 ص423، ونكت الهميان / ص200.
[48] البيان والتبيين / ج2 ص324.
[49] البيان والتبيين / ج2 ص326.
[50] طبقات ابن سعد / ج4 ص30 قسم1 ط ليدن، وعنه في الإصابة / ج3 ص494، وأسد الغابة / ج3 ص422، وتهذيب الأسماء واللغات / ج1 ص337 لكنه لم يذكر خيبراً.
[51] أسد الغابة / ج3 ص423، والإصابة / ج3 ص494 عن الزبير بن بكار عن الحسن بن علي، وتهذيب التهذيب ج7 ص254، عن الحسين بن علي..
[52] سيرة ابن هشام / ج4 ص135، وانساب الأشراف ط الأعلمي / ج2 ص71 باختصار، وطبقات ابن سعد / ج4 قسم1 ص30 إلا أن هذا الأخير لم يذكر: أن ذلك كان يوم حنين.. وأسد الغابة / ج5 ص525 والإصابة / ج4 ص382 وغير ذلك.
[53] مجمع الزوائد / ج9 ص373، وراجع: تهذيب الأسماء واللغات للنووي / ج1 ص337، ومكاتيب الرسول / ج2 ص535 عن عدة مصادر.
[54] البيان والتبيين / ج2 ص324، وشرح النهج للمعتزلي / ج10 ص79 ونسب قريش ص344.
[55] البيان والتبيين / ج2 ص324-325.
[56] سيرة ابن هشام / ج4 ص37، وديوان حسان ط ليدن / ص23، وشرح النهج / ج15 ص63.