[color:f6f3=004080] 1 ـ الإمامة أ ـ إمامة جعفر بن محمد الصادق ب ـ إمامة موسى بن جعفر الكاظم جـ ـ إمامة علي بن موسى الرضا د ـ إمامة محمد بن علي الجواد هـ ـ إمامة علي بن محمد الهادي و ـ إمامة الحسن بن علي العسكري ز ـ إمامة محمد بن الحسن المهدي ( صاحب الزمان )
[color:f6f3=004080]
2 ـ عقائد الإمامية أ ـ الإمامة ب ـ العصمة ج ـ التقية د ـ الرجعة
( 236 )
( 237 )
الإمامة :
أ ـ إمامة جعفر الصادق : لما توفي أبو جعفر الباقر سنة 114 هـ (1) ، قال بعض الشيعة بإمامة ابنه أبي عبد الله جعفر الصادق (2). وتستدل الشيعة على إمامة الصادق بعدة أدلة ، فقد ذكر الكليني عن أبي عبد الله أنه قال « إن أبي استودعني ما هناك ، فلما حضرته الوفاة قال : ادع لي شهوداً فدعوت له أربعة نفر من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر فقال : اكتب ، هذا ما أوصى به يعقوب بنيه ( يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) وأوصى محمد بن علي إلى جعفر بن محمد ... ثم قال للشهود : انصرفوا رحمكم الله فقلت له : يا أبت ـ بعدما انصرفوا ـ ما كان في هذا بأن تشهد عليه فقال : يا بني كرهت أن تغلب وأن يقال : إنه لم يوصِ إليه فأردت أن تكون لك الحجة » (3). ويذكر المسعودي أن محمداً الباقر أشار إلى الصادق في حياته مدة أيامه ثم نص عليه ويورد رواية في النص على أبي عبد الله الصادق عن زرارة وأبي الجارود (4) ، « إن أبا جعفر أحضر أبا عبد الله وهو صحيح لا علة به فقال : إني أريد أن آمرك بأمر فقال له : مرني بما شئت ، فقال : ____________ (1) النوبختي : فرق الشيعة ص 53. (2) ن . م ص 55. (3) الكليني : الكافي ج 1 ص 307 ( الأصول ) وانظر المفيد : الإرشاد ص 271. (4) زرارة بن أعين من أصحاب الإمام الباقر كان فقيهاً ومحدثاً وعد أيضاً من أصحاب الإمام الصادق توفي سنة 150 هـ . انظر الطوسي : الفهرست 100 ، أما أبو الجارود فهو المنذر بن زياد زيدي المذهب إليه تنسب الجارودية عده الطوسي من أصحاب الإمام الباقر ، انظر الفهرست ص 98 .
( 238 )
ائتني بصحيفة ودواة فأتاه بها فكتب له وصيته الظاهرة ثم أمر أن يدعو له جماعة من قريش فدعاهم واشهدهم على وصيته إليه » (1). كما أورد الكليني عدة روايات استدل بها على إمامة الصادق ، فعن أبي الصباح الكناني قال « نظر أبو جعفر إلى أبي عبد الله يمشي فقال : ترى هذا ؟ من الذين قال الله عز وجل : ( ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ) (2). وعن سدير الصيرفي قال « سمعت أبا جعفر يقول إن من سعادة الرجل أن يكون له الولد يعرف فيه شبه خلقه وخلقه وشمائله وإني لأعرف من إبني هذا شبه خلقي وخلقي وشمائلي يعني أبا عبد الله » (3). وروي أيضاً عن أحمد بن مهران صاحب أبي جعفر الباقر قال « كنت قاعداً عند أبي جعفر فأقبل جعفر ( الصادق ) فقال أبو جعفر : هذا خير البرية » (4). كما روي عن جبر الجعفي (5) ، رواية عدها من أدلة إمامة الصادق فقد ذكر جابر عن أبي جعفر قال « سئل ( الباقر ) عن القائم فضرب بيده على أبي عبد الله فقال : هذا والله قائم آل محمد ، قال عنبة : فلما قبض أبو جعفر دخلت على أبي عبد الله فأخبرته بذلك فقال : صدق جابر ثم قال لعلكم ترون ان ليس كل إمام هو القائم بعد الإمام الذي قبله » (6). فيلاحظ أن أبا جعفر الباقر كان يؤكد إمامة ابنه جعفر الصادق خوفاً من أن تذهب ظنون الشيعة إلى القول بإمامة غيره ، ولعله فعل ذلك لظهور ____________ (1) المسعودي : إثبات الوصية ص 178. (2) الكليني : الكافي ج 1 ص 306 ( الأصول ) وقد ذكر هذه الرواية المفيد في الإرشاد ص 271 في باب إمامة الصادق. (3) الكليني : الكافي ج 1 ص 306 ( الأصول ). (4) ن. م ج 1 ص 307 وانظر المفيد : الإرشاد ص 271. (5) جابر بن يزيد الجعفي من أصحاب الإمام الباقر توفي سنة 128 هـ. انظر الطوسي : الرجال ص 111. (6) الكليني : الكافي ج 1 ص 307 ، المسعودي : إثبات الوصية ص 178 ، المفيد : الإرشاد ص 271 ، النيسابوري ( ت 508 ) : روضة الواعظين ص 249 .
( 239 )
أخيه زيد بن علي بن الحسين وقول جماعة من الشيعة بإمامته لذلك وضح الصادق قول أبيه مؤكداً إمامته بعده. ويقول المفيد في إمامة الصادق : « وكان الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين من بين إخوته خليفة أبيه محمد بن علي ووصيه والقائم بالإمامة بعده » (1). ويستدل الطوسي على إمامة الصادق لكونه علماً بجميع أحكام الشريعة لأنه لم يكن هناك من ادعيت له هذه الصفة ، كما أن تواتر الشيعة بالنص عليه من أبيه دليلاً على إمامته (2). واختلفت الشيعة أيام جعفر بن محمد الصادق في الإمامة وتفرقوا وظهرت حركات غلو خرجت عن الخط الشيعي ، فقد ظهر في أيام الصادق الكيسانية التي بإمامة محمد بن الحنفية وتطورت حتى أخرجت الإمامة من ولد علي إلى آل العباس وقد مر ذكر ذلك في باب الدعوة العباسية . كما خرج في أيام الصادق محمد بن عبد الله النفس الزكية على المنصور سنة 1450 هـ كما مر ذكره في الفصل الرابع وقتل محمد فظهرت طائفة قالت بإمامته وزعمت بأنه القائم وأنه المهدي (3). وقد أنكر هؤلاء الذي قالوا بإمامة محمد النفس الزكية إمامة الصادق وادعت فرقة منهم أن الإمامة في المغيرة بن سعيد إلى خروج المهدي ، وهو عندهم محمد النفس الزكية وقالوا بأنه حي لم يمت ولم يقتل وهؤلاء هم المغيرية (4). ____________ (1) المفيد : الإرشاد ص 270 . (2) الطوسي : تلخيص الشافي ج 4 ص 196 ، ويضيف الطبرسي دليلاً آخر على أدلة إمامة الصادق فيروى عن الكليني قصة مناقشة أحد الشاميين مع الإمام الصادق في الإمامة ودعوة الصادق هشام بن الحكم لإجابته إلا أن الشامي رفض إلا أن يناقشه الصادق فلما ناقشه وأقنعه فقال الشامي أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله وأنك وصي الأوصياء . الطبرسي : الإحتجاج ج 1 ص 199 ، إلا أن الخبر غير وارد في الكليني في باب إمامة الصادق انظر الكليني ج 1 ص 307. (3) النوبختي : فرق الشيعة ص 54. (4) النوبختي ص 55.
( 240 )
كما ظهرت فرق أخرى من الغلاة منهم العلبائية وقد ادعى هؤلاء أن محمداً عبداً لعلي وعلي هو الرب وهؤلاء أصحاب بشار السعيري (1). ولعل أخطر حركات الغلو التي ظهرت أيام الصادق « الخطابية » أتباع أبي الخطاب محمد بن أبي زينب الأجدع الأسدي ، وكان هذا من أتباع جعفر الصادق وقد زعم أبو الخطاب أن لجعفر الصادق طبيعة إلهية وأن له معجزات وأنه يعلم الغيب (2). وقد كثر أتباع أبي الخطاب في الكوفة فيذكر الكشي « أن أبا الخطاب أفسد أهل الكوفة فصاروا لا يصلون المغرب حتى يغيب الشفق » (3). وقد وقف الصادق موقفاً صارماً تجاه أبي الخطاب وأتباعه فمنع أصحابه من الإتصال بهم فروى المفضل بن يزيد أن أبا عبد الله الصادق قال له عندما ذكر أصحاب أبي الخطاب والغلاة فقال : « لا تواكلوهم ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم » (4). ومن مبادئ الخطابية ، أنهم زعموا أنه لا بد من وجود رسولين في كل عصر واحد ناطق والآخر صامت فكان محمد ناطقاً وعلي صامتاً وتأولوا في ذلك قول الله تعالى ( ثم أرسلنا رسلنا تترى ) وقد قال بعضهم هما آلهة ، ثم إنهم افترقوا لما بلغهم أن الصادق لعنهم وتبرأ منهم كما لعن أبا الخطاب وتبرأ منه (5). ____________ (1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 59. (2) الكشي : الرجال ص 246 ـ 248. (3) ن. م ص 249. (4) ن. م ص 252. (5) سعد القمي : المقالات والفرق ص 50 ، ويذكر سعد القمي أن الخطابية افترقوا إلى أربع فرق ، منهم من قال أن جعفر بن محمد هو الله وأن أبا الخطاب نبي مرسل أرسله جعفر وأمر بطاعته . وقال آخرون أن بزيغاً وكان حائكاً من حاكة الكوفة هو نبي مرسل مثل أبي الخطاب وشريكه ، أرسله الصادق وجعله شريك أبي الخطاب في النبوة والرسالة . ومنهم من قال أن السرى الأقصم أرسله الصادق كما زعموا أن جعفر الصادق هو الإسلام والإسلام هو السلم والسلم هو الله ونحن بنو الإسلام ودعوا إلى نبوة السرى وصلوا =
( 241 )
وقد انتهي أمر أبي الخطاب فقد قتل مع سبعين شخصاً من أتباعه بالكوفة قتله عيسى بن موسى عامل الكوفة بعد أن بلغه أن أبا الخطاب وأتباعه أظهروا الإباحات (1). وهكذا كانت الإمامة لا تزال غير مستقرة على خط معين ، إلا أن الشيعة التي قالت بإمامة جعفر الصادق ظلت ثابتة على إمامته حتى أشار إلى إمامة ابنه إسماعيل ، ويبدو أن إسماعيل كان على صلة بأبي الخطاب وأتباعه فقد روى الكشي عن المفضل بن عمر الجعفي وكان خطابياً أن الصادق قال له : يا كافر يا مشرك مالك ولا بني يعني إسماعيل بن جعفر وكان منقطعاً إليه يقول فيه مع الخطابية ، كما أن الصادق قال لإسماعيل : « أيت المفضل وقل له يا كافر يا مشرك ما تريد إلى ابني تريد أن تقتله » (2). ويذكر لويس « إن الكنية ( أبو إسماعيل ) التي يضيفها الكشي على أبي الخطاب إنما تشير إلى إسماعيل بن جعفر وأن أبا الخطاب كان المتبني لإسماعيل والأب الروحاني له » (3). ويناقش المفيد إمامة إسماعيل ويرى أن الصادق لم ينص على إمامته وإنما اعتقد الناس بها لكونه أكبر أولاد أبيه ولما رأوا من تعظيمه إياه (4). ويقول لويس : « ومن هذا كله نستطيع أن نستنتج مؤيدات قوية للفرضية القائلة بأن إسماعيل كان ذا صلة وثيقة بالأوساط المتطرفة والثورية التي أوجدت الفرقة المسماة بإسمه وبأن عزل جعفر له كان لهذه الصلة » (5). ____________ =
وصاموا وحجوا لجعفر بن محمد . وفرقة منهم قالت جعفر بن محمد هو الله وإنما هو نور يدخل في أبدان الأوصياء فيحل فيها مكان ذلك النور في جعفر ثم خرج منه فدخل في أبي الخطاب وصار جعفر من الملائكة . المقالات والفرق ص 51 ـ 52. (1) النوبختي : فرق الشيعة ص 61. (2) الكشي : الرجال ص 272 ـ 274. (3) لويس : أصول الإسماعيلية ص 110. (4) المفيد : الفصول المختارة ج 2 ص 91. (5) لويس : أصول الإسماعيلية ص 111.
( 242 )
وهكذا كانت الآراء التي جاء بها أبو الخطاب أصبحت أساساً للمذهب الإسماعيلي فيما بعد . وقد مات إسماعيل في حياة أبيه فرجع بعض الشيعة عن القول بإمامة جعفر بن محمد الصادق وقالوا « كذبنا ولم يكن إماماً لأن الإمام لا يكذب ولا يقول ما لا يكون .. فمالوا إلى مقالة البترية » (1). والبترية إحدى فرق الزيدية التي وضح أمرها في هذه الفترة وتبنى آراءها أبناء الحسن ومنهم محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن (2). وهكذا كما يعتقد لويس « أنشأ أبو الخطاب وإسماعيل ـ متعاونين على ما يحتمل ـ نظام عقيدة صارت أساساً للمذهب الإسماعيلي فيما بعد وسعياً كذلك إلى خلق فرقة شيعية ثورية لتجمع كل الفرق الشيعية الضغرى على إمامة إسماعيل وذريته » (3). وقد انقسمت الشيعة بعد وفاة أبي عبد الله الصادق بالمدينة سنة 148 هـ (4) ، إلى ست فرق (5). ففرقة قالت : إن جعفر بن محمد حي لما يمت ولا يموت حتى يظهر ويلي أمر الناس وهو القائم المهدي وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال : إن رأيتم رأسي يدهده عليكم من جبل فلا تصدقوا فإني أنا صاحبكم وهذه الفرقة تسمى الناووسية نسبة إلى رئيس لهم يقال له « فلان بن فلان الناووس » (6). وفرقة « زعمت أن الإمام بعد جعفر ابنه إسماعيل وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه ، قالو وكان ذلك يلتبس على الناس لأنه خاف عليه ____________ (1) النوبختي : فرق الشيعة ص 55. (2) ن. م ص 18. (3) لويس : أصول الإسماعيلية ص 115. (4) الكليني : الكافي ج 1 ص 472. (5) سعد القمي : المقالات والفرق ص 79. (6) ن. م ص 80 ويذكر الشهرستاني الناووسية أتباع رجل يقال له ناووس وقيل نسبوا إلى قرية ناوساً . الملل والنحل ج 1 ص 273.
( 243 )
نفسه وزعموا أن إسماعيل لا يموت لا يموت حتى يملك الأرض ويقوم بأمور الناس ، إنه هو القائم لأن أباه أشار إليه بالإمامة بعده وقلدهم ذلك له ، وأخبرهم أنه صاحبهم والإمام لا يقول إلا الحق ... وهذه الفرقة هم الإسماعيلية الخالصة » (1). ويقول الرازي « إن جعفر أشار إليه « إسماعيل » في حياته ودل الشيعة عليه فكانوا مجتمعين كلهم على أنه الإمام بعد أبيه » (2). ثم جعلت طائفة من الشيعة الإمامة لمحمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وقالوا : « إن الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه فلما توفي قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الأمر لمحمد بن إسماعيل وكان الحق له ، ولا يجوز غير ذلك لأنها لا تنقل من أخ إلى أخ بعد حسن وحسين وهؤلاء هم المباركية سموا كذلك برئيس لهم كان يسمى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر (3). وقد انضم إلى هذه الفرقة قسم من الخطابية قالوا : إن روح جعفر بن محمد حلت في أبي الخطاب ثم تحولت بعد غيبة أبي الخطاب في محمد ابن إسماعيل بن جعفر ثم ساقوا الإمامة في ولد محمد بن إسماعيل (4). وظهرت من المباركة فرقة أخرى قالت بإمامة محمد بن إسماعيل وتسمى القرامطة وكانوا في الأصل على مقالة المباركية إلا أنهم خالفوها فقالوا : لا يكون بعد محمد النبي إلا سبعة أئمة علي وهو إمام رسول والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي ، وجعفر بن محمد ومحمد بن إسماعيل وهو الإمام القائم المهدي وهو رسول وزعموا أن النبي انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذي نصب فيه علياً للناس بغدير خم .. وإن النبي بعد ذلك كان مأموماً بعلي محجوجاً به ، لما مضى علي صارت الإمامة في الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم ____________ (1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 80. (2) الرازي : الزينة الورقة 231. (3) سعد القمي : المقالات والفرق ص 81. (4) النوبختي فرق الشيعة ص 16.
( 244 )
الباقر ثم الصادق ثم انقطعت عن الصادق في حياته فصارت في إسماعيل كما انقطعت عنه وصارت في ابنه محمد (1). وترى هذه الجماعة أن محمد بن إسماعيل هو القائم والمهدي وتقول : « جعل لمحمد بن إسماعيل دنة آدم ومعناها عندهم الإباحة للمحارم وجميع ما خلق في الدنيا وهو قول الله عز وجل ( فكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة ) ، أي موسى بن جعفر وولده من بعده ومن ادعى منهم الإمامة كما زعموا أن محمد بن إسماعيل هو خاتم النبيين » (2). وهكذا كانت الحركة الإسماعيلية التي ظهرت في القرن الثاني للهجرة حركة دينية اجتماعية للشيعة متشبعة النواحي لعبت دوراً مهماً في التاريخ ، نشأت بتمازج عدة فرق من الغلاة ، ولعل بعضها كان من أصل فارسي كما أن أن فيها أصولاً سريانية وغنوصية (3). وجاءت بمبادئ وآراء جديدة لا مجال لذكرها هنا لخروجها عن نطاق البحث (4). ومن الشيعة من ساق الإمامة في محمد بن جعفر بعد أبيه واستدلوا على ذلك وتأولوا في إمامته خبراً زعموا « أنه رواه بعضهم أن محمد بن جعفر دخل ذات يوم على أبيه وهو صبي صغير فدعاه أبوه فاشتد يعدو نحوه فكباً وعثر بقميصه وسقط لحر وجهه فقام جعفر فعدا نحوه حافياً ، فحمله وقبل وجهه ومسح التراب عنه بثوبه وضمه إلى صدره ، وقال : سمعت أبي محمد بن علي يقول يا جعفر إذا ولد لك ولد يشبهني فسمه باسمي وكنه بكنيتي فهو شبيهي وشبيه رسول الله ، فجعل هؤلاء الإمامة في محمد بن جعفر وفي ولده من بعده ، وهذه الفرقة تسمى السميطية وتنسب ____________ (1) النوبختي : فرق الشيعة ص 61. (2) النوبختي : فرق الشيعة ص 61. (3) الدوري : دراسات في العصور العباسية المتأخرة ص 126. (4) انظر عن أصول الإسماعيلية ومبادئهم لويس : الدوري دراسات في العصور العباسية المتأخرة الفصل الخاص بالإسماعيلية والقرامطة.
( 245 )
إلى رئيس يقال له يحيى بن أبي السميط وقال بعضهم الشميطية لأن رئيسهم كان يقال له يحيى بن أشمط (1). ثم قالت فرقة اُخرى أي الإمامة انتقلت بعد جعفر إلى ابنه عبد الله لأنه كان أكبر أبناء أبيه سناً وجلس مجلس أبيه وادعى الإمامة ووصية أبيه واعتلوا بذلك بأخبار رويت عن جعفر وعن أبيه قبله قالاً : « الإمامة في الأكبر من ولد الإمام إذا نصب ، فمال إلى عبد الله وإمامته جل من قال بإمامة أبيه وأكابر أصحابه إلا نفر يسير عرفوا الحق ، والمتحنوا عبد الله بالمسائل في الحلال والحرام والصلاة والزكاة فلم يجدوا عنده علماً ، وهذه الفرقة هي الفطحية سموا بذلك لأن عبد الله كان أفطح الرأس وقال بعضهم كان أفطح الرجلين (2). ويقول الرازي أنهم قالوا بإمامته « لأنه هو الذي تولى غسل أبيه بعد موته والصلاة عليه والإمام لا يصلي عليه إلا الإمام وأخذ خاتمه » (3). ويقول الرازي أيضاً « وروي أن جعفراً أودع اليه وديعة وأمره أن يدفعها إلى من يطلبها » (4). ولكن هذه الجماعة لم تستمر على إمامته عبد الله لأنه مات ولم يخلف ذكراً فشك القوم في إمامته « فرجع عامة الفطحية من القول بإمامته سوى قليل منهم إلى القول بإمامة موسى بن جعفر وقد كان رجع جماعة منهم في حياته ثم رجع عامتهم بعد وفاته » (5). ويقول سعد القمي « ارتاب القوم في أمامة عبد الله واضطربوا وأنكروا ذلك للروايات الكثيرة التي رووها عن علي بن الحسين ومحمد بن علي ____________ (1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 86 . النوبختي يسميهم السمطية نسبة إلى يحيى بن أبي السميط ص 65 ، الرازي في الزينة يقول الشمطية نسبة إلى يحيى بن أبي أشمط الورقة 230. (2) سعد القمي : المقالات والفرق ص 87. (3) الرازي : الزينة الورقة 231. (4) ن. م الورقة 231. (5) النوبختي : فرق الشيعة ص 66.
( 246 )
وجعفر بن محمد أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسنين ولا تكون إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى انقضاء الدنيا .. فرجعوا عن القول بإمامته » (1). وحديث الإمامة لا تكون في أخوين لم يرد في المصادر الإمامية إلا عن الصادق ولكن سعد القمي ينفرد بأن الحديث كان عن علي بن الحسين والباقر فقد أورد الكليني عدة أحاديث عن الصادق تفيد بأن الإمامة لا تكون إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب (2). ولعله أدق كما يروي سعد القمي أنه في زمن علي بن الحسين لوجود زيد والباقر وكون الإمامة للباقر ثم أن زيداً كان قد تكلم في الإمامة فظهر هذا الحديث ليقطع الطريق على زيد وعلى من ادعى الإمامة لزيد.
ب ـ إمامة موسى بن جعفر الكاظم : أما الشيعة الذين ساروا في الإمامة على المنهاج الأول أي التسلسل من علي وأولاده فقالوا أن الإمامة بعد جعفر تكون لإبنه موسى بن جعفر وخطأوا إمامة عبد الله وكان فيهم من وجوه أصحاب جعفر بن محمد مثل : « هشام الجواليقي ، عبد الله بن يعفور ، وعمر بن يزيد بن بياع السابري ، ومحمد بن النعمان أبي جعفر الأحوال مؤمن الطاق ، وعبيد بن زرارة وغيرهم ... » (3). فموسى بن جعفر هو الإمام بعد أبيه جعفر الصادق وتستدل الشيعة على إمامته بعدة أدلة فقد أورد الكليني عدة روايات في النص على إمامة موسى بن جعفر قال عن أحمد بن مهران .. عن أبي عبد الله ( الصادق ) : « إن الفيض بن المختار (4) قال لأبي عبد الله : خذ بيدي من النار من لنا بعدك فدخل عليه أبو إبراهيم ( موسى بن جعفر ) وهو يومئذ غلام فقال : هذا صاحبكم فتمسك به » (5) وعن أحمد بن مهران ... عن معاذ بن كثير ____________ (1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 87. (2) الكليني : الكافي ج 1 ص 286. (3) سعد القمي ـ المقالات والفرق ص 88. (4) الفيض بن المختار من أتباع الإمام جعفر الصادق ، الكشي ص 301. (5) الكليني : الكافي ج 1 ص 307.
( 247 )
عن أبي عبد الله قال « قلت له اسأل الله الذي رزق أباك منك هذه المنزلة أن يرزقك من عقبك قبل الممات مثلها ، فقال : قد فعل الله ذلك قال : قلت : من هو جعلت فداك ؟ فأشار إلى العبد الصالح وهو راقد فقال : هذا الراقد وهو غلام » (1). وعن أحمد بن مهران أيضاً عن المفضل بن عمر قال « كنت عند أبي عبد الله فدخل أبو إبراهيم وهو غلام فقال : استوصِ به وضع أمره عند من تثق به من أصحابك » (2). ويورد عن أبي عبد الله أن منصوراً بن حازم سأله بحضرة عبد الله بن جعفر عمن يتولى الإمامة بعده فأشار إلى موسى بن جعفر وعمره 5 سنين (3). وبهذا تنفي الشيعة إمامة عبد الله بن جعفر . وذكر الكليني عن محمد ابن يحيى عن عيسى بن عبد الله عن محمد بن عمر بن علي ، عن أبي عبد الله قال « قلت له إن كان كون فبمن أئتم قال : بولده ، قلت : فإن حدث بولده حدث ، وترك أخاً كبيراً أو ابناً صغيراً فبمن أئتم ؟ قال : بولده ثم قال : هكذا أبداً ، قلت : فإن لم أعرفه ولا أعرف موضعه ؟ قال تقول اللهم إني أتولى من بقي من حججك من ولد الإمام الماضي ، فإن ذلك يجزيك إن شاء الله » (4). فهذا تأكيد آخر من الصادق على إمامة ابنه موسى بن جعفر وإن الإمامة بعده في أولاده ونفي إمامة من ادعى الإمامة من غير موسى وأولاده وقد قال الصادق ذلك لكثرة ما ظهر في عصره من اختلافات في الإمامة وكثرة من ادعاها من ولده ومن دعا إليهم من أتباعه. وأورد الكليني عن فيض بن المختار عن أبي عبد الله : أن فيضاً ____________ (1) الكليني : الكافي ج 1 ص 308 ويقصد بالعبد الصالح موسى بن جعفر. (2) ن. م ج 1 ص 308. (3) ن. م ج 1 ص 309. (4) ن. م ج 1 ص 309.
( 248 )
حدث الصادق في أمر أبي الحسن موسى بن جعفر حتى قال له أبو عبد الله : « هو صاحبك الذي سألت عنه فقم إليه فأقر له بحقه ، فقمت حتى قبلت رأسه ويده ودعوت الله له ، فقال أبو عبد الله : أما أنه لم يؤذن لنا في أو منك ، قال قلت : جعلت فداك فأخبر به أحداً ؟ قال : نعم أهلك وولدك وكان معي أهلي وولدي ورفقائي فلما أخبرتهم حمدوا الله » (1). ويبدو أن موسى بن جعفر كان أقرب إخوته إلى أبيه وأرفعهم منزلة عنده يدل على ذلك ما رواه الكليني من أن الصادق كان يلوم ابنه عبد الله الأفطح ويعاتبه ويقول : « ما منعك أن تكون مثل أخيك ، فوالله إني لأعرف النور في وجهه ؟ فقال عبد الله : لم أليس أبي وأبوه واحداً وأمه وأمي واحدة فقال له أبو عبد الله : انه من نفسي وأنت ابني » (2). فهذا دليل آخر أكد به الصادق إمامة ابنه موسى من بين أولاده ، كما أن الصادق كان حذراً حتى في وصيته لموسى أبنه فلم يوص له فقط وإنما أشرك معه آخرين من أولاده ليبهم الأمر على المنصور آنئذ لشدته مع العلويين كما مر سابقاً ، فيروي المسعودي أن الصادق أوصى وصيته الظاهرة خوفاً على ابنه موسى وتقية إلى أربعة المنصور وابنه عبد الله الأفطح وابنته فاطمة وابنه موسى بن جعفر فقام موسى بأمر الإمامة سراً واتبعه المؤمنون (3). ويستدل الكليني على إمامة موسى بن جعفر بما رواه عن فيض بن المختار قال « إني لعند أبي عبد الله إذ أقبل أبو الحسن موسى وهو غلام فالتزمته وقبلته فقال أبو عبد الله : أنتم السفينة وهذا ملاحها ، قال : فحججت من قابل ومعي ألفاً دينار فبعثت بألف إلى أبي عبد الله وألف إليه ، فلما دخلت على أبي عبد الله قال يا فيض عدلته بي ؟ قلت : إنما فعلت ذلك لقولك ، فقال : أما والله ما أنا فعلت ذلك ، بل الله عز وجل فعله به » (4). ____________ (1) الكليني : الكافي ج 1 ص 309. (2) ن. م ج 1 ص 310. (3) المسعودي : إثبات الوصية ص 159. (4) الكليني : الكافي ج 1 ص 311.
( 249 )
وهذا تأكيد آخر على إمامة موسى بن جعفر لأن الفيض عدله بأبيه الإمام كما أن إمامته منصوص عليها من الله . ويذكر المسعودي أن من دلائل إمامة موسى بن جعفر ما رواه علي ابن حمزة الثمالي عن أبي بصير قال سمعت العبد الصالح يعني موسى بن جعفر يقول : لما وقع أبو عبد الله في مرضه الذي مضى فيه قال لي : يا بني لا يلي غسلي غيرك فإني غسلت أبي والأئمة يغسل بعضهم بعضاً » (1). ويبدوا أن الشيعة في هذه الفترة كانت في شك من أمر الإمامة والظاهر أن الظروف السياسية واضطهاد العباسيين للشيعة دعت إلى التكتم في أمر الإمامة لا سيما في فترة الصادق كما مر سابقاً. أما الشيخ المفيد فيشير إلى من أكد النص على إمامة موسى بن جعفر ويقول : وممن روى صريح النص بالإمامة من أبي عبد الله على ابنه أبي الحسن موسى بن جعفر من شيوخ أصحاب أبي عبد الله وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين منهم المفضل بن عمر الجعفي ومعاذ بن كثير وعبد بن الحجاج والفيض بن المختار ويعقوب السارج ... وقد روى ذلك من أخويه إسحاق وعلي ابنا جعفر وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان (2). ويضيف المفيد إلى الأدلة السابقة دليلاً آخر على إمامة موسى بن جعفر فيذكر رواية عن محمد بن الوليد قال « سمعت علي بن جعفر بن محمد لصادق يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد يقول لجماعة من خاصته وأصحابه : استوصوا بابني موسى خيراً فإنه أفضل ولدي ومن أخلف من بعدي وهو القائم مقامي والحجة الله تعالى على كافة خلقه من بعدي » (3). ____________ (1) المسعودي : إثبات الوصية ص 161. (2) المفيد : الإرشاد ص 288 وقد ذكر المفيد أدلة إمامة موسى بن جعفر كما وردت عند الكليني مع إختلاف بسيط في الألفاظ واختلاف في بعض الأسانيد. انظر المفيد : الإرشاد ص 289 ـ 290. (3) المفيد : الإرشاد ص 290.
( 250 )
ويتكلم الطوسي عن إمامة موسى بن جعفر ويفند إمامة ما عداه ويستدل على إمامته بتواتر الشيعة بالنص عليه من أبيه ، وما ورد من القول بإمامة الإثني عشر يبطل إمامة من عداه ، لأن كل من قال ذلك قطع على إمامته بعد أبيه (1). فموسى بن جعفر هو الإمام بعد أبيه لاجتماع خصال الفضل فيه ولنص أبيه عليه بالإمامة (2). ولكن الشيعة اختلفوا في إمامة موسى بن جعفر بعد أن حسبه الرشيد ومات في الحبس سنة 183 هـ (3) ، وشكوا في إمامته وافترقوا إلى عدة فرق قالت جميعها بأن موسى بن جعفر حي لا يموت حتى يملك الأرض شرقها وغربها ويملأها عدلاً كما ملئت جوراً وأنه خرج من الحبس واختفى عن السلطان وقالوا : إنه القائم المهدي واعتلوا في ذلك بروايات من أبيه أنه قال « هو القائم المهدي فإن يدهده رأسه عليكم من جبل فلا تصدقوا فإنه القائم » (4). ومنهم من قال أنه قد مات وأنه القائم « وإن فيه سنة من عيسى بن مريم وكذبوا من قالوا أنه رجع ، ولكنه يرجع في وقت القيامة فيملأ الأرض عدلاً ورووا في ذلك خبراً عن أبيه أنه قال إن ابني هذا فيه سنة من عيسى بن مريم وان ولد العباس يأخذونه فيحسبونه مرتين فيقتل في المرة الثانية فقد قتل » (5). ومن الشيعة من أنكر قتل موسى بن جعفر وقالوا : « مات ورفعه الله إليه وأنه يرده عند قيامه فسموا هؤلاء جميعاً الواقفة لوقوفهم على موسى ____________ (1) الطوسي : تلخيص الشافي . ج 4 ص 203. (2) النيسابوري : روضة الواعظين ج 1 ص 254 ، ويذكر الطبرسي دلائل امامة موسى بن جعفر ويذكر في هذا الصدد روايات الكليني والمفيد . انظر أعلام الورى ص 288 ـ 291 ، وكذ الأربلي فقد أخذ عن الكليني كما أخذ عن المفيد . انظر كشف الغمة ج 3 ص 10 ـ 13. (3) النوبختي : فرق الشيعة ص 67. (4) النوبختي : فرق الشيعة ص 67. (5) سعد القمي : المقالات والفرق ص 90.
( 251 )
ابن جعفر وأنه الإمام القائم ولم يأتموا بعده بإمام ولم يتجاوزوه إلى غيره » (1). وقد ظهرت أيضاً فرقة اُخرى سماها سعد القمي الهمسوية وهؤلاء أتباع محمد بن بشير مولى بني أسد من أهل الكوفة ، قالوا : إن موسى بن جعفر غاب ولم يمت ولم يحبس وهو القائم المهدي وقد خلف على الأمة وقت غيبته محمد بن بشير وبعده ابنه سميع بن محمد فهو الإمام (2). فهذه الفرقة أخرجت الإمامة حتى من أولاد موسى إلى أناس لا صلة لهم بالشيعة والأئمة. ويتكلم النوبختي عن الفرقة السابقة ويسميهم البشرية ويذكر أن لهم مبادئ كمبادئ الغلاة (3). أما الرازي فحين يتحدث عن الواقفة يقول : « إنما سموا بذلك لأنهم قالوا الإمام موسى بن جعفر بعد أبيه وزعموا أنه حي لا يموت وأنه القائم الذي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ووقفوا على القول بإمامته وأنكروا إمامة ابنه علي بن موسى بعده » (4). والوقف على الأئمة قد ظهر عند السبئيه التي أنكرت قتل علي بن أبي طالب وقالت بعودته بعد الموت ، كما ظهر عند الكيسانية التي قالت برجوع محمد بن الحنفية (5). ____________ (1) النوبختي : فرق الشيعة ص 68 . ويذكر النوبختي إن الواقفة لقبت عند مخالفيها ممن قال بإمامة علي بن موسى الرضا بالممطورة وغلب عليها هذا الاسم ، وسبب ذلك أن علياً بن إسماعيل الميثمي ويونس بن عبد الرحمن ناظراً بعضهما فقال له علي بن إسماعيل الميثمي وقد اشتد الكلام بينهم ما أنتم إلا كلاب ممطورة ، أراد أنكم أنتن من جيف ... فلزمهم هذا اللقب فإذا قيل للرجل أنه ممطور فقد عرف أنه من الواقفة على موسى بن جعفر خاصة لأن كل من مضى له واقفة وقفت عليه وهذا اللقب لاصحاب موسى خاصة ص 69. (2) سعد القمي : المقالات والفرق ص 91. (3) النوبختي : فرق الشيعة ص 70. (4) الرازي : الزينة الورقة 235. (5) النوبختي : فرق الشيعة ص 19 ، 20.
( 252 )
ويروي الصدوق أن السبب الذي من أجله قال بعض الشيعة بالوقف على موسى بن جعفر ، أن موسى عاش أيام الرشيد وقد كثر أعداؤه ومن يسعى به عند الرشيد ومن يقول أن لديه الأموال الكثيرة وأنه يدعي الإمامة ويروم الخروج ، فأراد موسى أن ينفي هذه الشائعات ففرق أمواله بين أصحابه ومنهم زياد القندي وكان عنده سبعون ألف دينار وعلي بن أبي حمزة وعنده ثلاثون ألف دينار ، فلما مات موسى بن جعفر وخلفه ابنه علي ابن موسى الرضا امتنعا من دفع المال وأنكرا موت موسى بن جعفر (1). واستمر الواقفة على قولهم هذا إلا أن جماعة منهم رجعيت عن قولها بعد أن رأت أموراً من الرضا ودلائل فقالت بإمامته (2).
ج ـ إمامة علي بن موسى الرضا : أما الشيعة أتباع موسى بن جعفر فقد قالت بعد وفاته بإمامة ابنه علي ابن موسى الرضا وهذه الفرقة القطعية « لأنها قطعت على وفاة موسى بن جعفر وعلى إمامة ابنه علي بن موسى الرضا ولم يشك في أمرها ولم يرتب وأقرت بموت موسى وأنه أوصى إلى ابنه علي وأشار إلى إمامته قبل حبسه وجرت على المنهاج الأول » (3). ويقصد بالمنهاج الأول تسلسل الإمامة في علي والحسن والحسين وأبناء الحسين. ويقول الرازي : « سميت هذه الفرقة القطعية لقطعهم على موت موسى ابن جعفر والقول بإمامة علي بن موسى من بعده ثم بواحد بعد الآخر ولد علي بن موسى » (4). فالإمام بعد موسى بن جعفر أبو الحسن علي بن موسى الرضا بنص ____________ (1) الصدوق : علل الشرائع ج 1 ص 235 ـ 236. (2) النوبختي : فرق الشيعة ص 69 وانظر عن الواقفة المفيد : الفصول المختارة من العيون والمحاسن ج 2 ص 93 ، الطوسي : الغيبة ص 19 وما بعدها. (3) سعد القمي : المقالات والفرق ص 89. (4) الرازي : الزينة الورقة 235.
( 253 )
أبيه عليه واجتماع رؤوس أصحاب أبيه عليه (1). وتستدل الشيعة على إمامته بوصية أبيه وبروايات تستدل منها على إمامته. فقد ذكر الكليني عن أحمد بن مهران ... قال : حدثني المخزومي وكانت أمه من ولد جعفر بن أبي طالب قال « بعث إلينا أبو الحسن موسى فجمعنا ثم قال لنا : أتدرون لم دعوتكم ؟ فقلنا : لا فقال : أشهدوا أن ابني هذا وصيي والقيم بأمري والخليفة من بعدي ، من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا ومن كانت له عندي عدة فلينجزها منه ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني إلا بكتابه » (2). ويورد الكليني عن محمد بن الحسن ... عن ابن سنان قال دخلت على أبي الحسن موسى قبل أن يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه فنظر إلي فقال : يا محمد أما أنه سيكون في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك ، قال : قلت وما يكون .. قال أصير إلى الطاغية ، أما أنه لا يبدأني منه سوء ومن الذي يكون بعده ، قال قلت : وما يكون قال : يضل الله الظالمين ويفعل ما يشاء قال قلت وما ذاك ؟ قال : من ظلم ابني هذا حقه وجحد إمامته من بعدي كان كمن ظلم علي حقه وجحد إمامته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم قال : قلت : والله لئن مد الله لي في العمر لأسلمن له حقه ولأقرن له بإمامته قال : صدقت يا محمد يمد الله في عمرك وتسلم له حقه وتقر له بإمامته وإمامة من يكون بعده قال : قلت : ومن ذاك قال : محمد ابنه » (3). ويروي المسعودي عن العباس بن محمد .. عن صفوان بن يحيى وعلي بن جعفر قالا : « كنا مع عبد بن الرحمن بن الحجاج بالمدينة فدخلناها بعدما حمل موسى فجاءنا إسحاق وعلي ابنا أبي عبد الله فشهدوا عند عبد الرحمن أن علي بن موسى وصي أبيه وخليفته من بعده » (4). ____________ (1) النيسابوري : روضة الواعظين ج 1 ص 265. (2) الكليني : الكافي ج 1 ص 312. (3) ن. م ج 1 ص 319. (4) المسعودي : إثبات الوصية ص 166.
( 254 )
ويذكر الصدوق وصية موسى بن جعفر لابنه الرضا ، عن حسن بن بشير قال « أقام لنا أبو الحسن موسى بن جعفر ابنه علياً كما أقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً يوم غدير خم فقال : يا أهل المدينة ، أو قام يا أهل المسجد هذا وصيي من بعدي » (1). ويورد الصدوق حديثاً آخر في الوصية فيروي عن حيدر بن أيوب قال « كنا بالمدينة في موضع يعرف بالقباء فيه محمد بن زيد بن علي فجاء بعد الوقت الذي كان مجيئنا فيه فقلنا له : ما حبسك قال دعانا أبو إبراهيم ( موسى بن جعفر ) اليوم سبعة عشر رجلاً من ولد علي وفاطمة فاشهدنا لعلي ابنه بالوكالة والوصية في حياته وبعد موته ، وأن أمره جايز عليه وله ثم قال محمد بن زيد : والله يا حيدر لقد عقد له الإمامة اليوم وليقولن الشيعة به من بعده قال حيدر قلت : بل يبقيه الله وأي شيء هذا ؟ قال يا حيدر إذا أوصى إليه عقد له الإمامة » (2). ويذكر الكليني نص وصية موسى بن جعفر لابنه علي بن موسى الرضا ومما جاء فيها : « وإني قد أوصيت إلى علي وبني بعد معه وإن شاء وآنس منهم رشداً وأحب أن يقرهم فذاك له وإن كرههم وأحب أن يخرجهم فذاك له ولا أمر لهم معه وأوصيت إليه بصدقاتي وأموالي وموالي وصبياني الذين خلفت وولدي إلى إبراهيم والعباس وقاسم وإسماعيل وأحمد وأم أحمد وإلى علي أمر نسائي دونهم وثلث صدقة أبي وثلثي يضعه حيث يرى ويجعل فيه ما يجعل ذو المال في ماله ، فإن أحب أن يبيع أو يهب أو يتصدق بها على من سميت له وعلى غير من سميت فذاك له وهو أنا في وصيتي في مالي وفي أهلي وولدي ... وإن أراد رجل منهم أو يزوج أخته فليس له أن يزوجها إلا بإذنه وأمره .. وأي سلطان أو أحد من الناس كفه عن شيء أو حال بينه وبين شيء مما ذكرت في كتابي هذا أو أحد ممن ذكرت فهو من الله ومن رسوله بريء والله ورسوله منهم براء وعليه لعنه الله ... » (3). ____________ (1) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج 1 ص 28. (2) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج 1 ص 28. (3) الكليني : الكافي ج 1 ص 317 ، وذكر الصدوق نص وصية موسى بن جعفر إلى ابنه =
( 255 )
وتستدل الشيعة أيضاً على إمامة علي بن موسى الرضا بعدة أدلة اُخرى وأحاديث ترويها عن أبيه ومن ذلك ما رواء الكليني ، فقد روي عن أحمد بن مهران ... عن زياد بن مروان القندي وكان من الواقفة قال « دخلت على أبي إبراهيم وعنده أبو الحسن ( الرضا ) فقال لي : يا زياد هذا ابني فلان ، كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قال فالقول قوله » (1). وذكر رواية اُخرى عن أحمد بن مهران عن محمد بن علي ... قال « جئت إلى أبي إبراهيم بمال فأخذ بعضه وترك بعضه فقلت : أصلحك الله لأي شيء تركته عندي ؟ قال إن صاحب هذا الأمر يطلبه منك فلما جاءنا نعيه بعث إلي أبو الحسن ابنه فسألني ذلك المال فدفعته إليه » (2). كما ذكر عن محمد بن يحيى ... عن الحسين بن نعيم الصحاف قال « كنت أنا وهشام بن الحكم وعلي بن يقطين ببغداد فقال علي بن يقطين : كنت عند العبد الصالح ( موسى بن جعفر ) جالساً فدخل عليه ابنه علي فقال لي : يا علي بن يقطين هذا علي سيد ولدي أما إني قد نحلته كنيتي ... » (3). وروي عن نعيم القابوسي عن ابن الحسن أنه قال « إن ابني علياً أكبر ولدي وابرهم عندي وأحبهم إلي وهو ينظر معي في الجفر ولم ينظر فيه إلا نبي أو وصي نبي » (4). وأورد عن الحسين بن محمد ... عن محمد بن اسحاق بن عمار قال « قلت لأبي الحسن الأول ( موسى بن جعفر ) ألا تدلني إلى من أخذ عنه ديني ، فقال : هذا ابني علي إن أبي أخذ بيدي ____________ =
الرضا كما ذكرها الكليني مع إختلاف في بعض العبارات والأسناد ، الصدوق : عيون أخبار الرضا ج 1 ص 33 ـ 36. (1) الكليني : الكافي ج 1 ص 312. (2) ن. م ج 1 ص 313. (3) ن. م ج 1 ص 311. (4) ن. م ج 1 ص 311 ، والجفر كما يروي الكليني عن أبي عبد الله : « وعاء من أدم فيه علم النبيّين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل » انظر ج 1 ص 239.
الشيخ عودة الشيخ عودة
عدد المساهمات : 1748 تاريخ التسجيل : 28/09/2008 العمر : 74
موضوع: رد: الإمامـة وتطورها عند الشيعة الإمامية الثلاثاء ديسمبر 02, 2014 8:09 am
فأدخلني إلى قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال : يا بني إن الله عزّ وجلّ قال ( إني جاعل في الأرض خليفة ) (1) وإن الله عزّ وجلّ إذا قال قولاً وفى به » (2). وروي أيضاً عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار ... عن داود الرقي قال « قلت لأبي الحسن موسى : إني قد كبرت سني ودق عظمي وإني سألت أباك فأخبرني بك فأخبرني من بعدك فقال : هذا أبو الحسن الرضا » (3). فهذه كلها نصوص للتدليل على إمامة الرضا وقد أسهبت المصادر الإمامية في كلامها على إمامة الرضا نتيجة لما ساد تلك الفترة من الإختلافات وظهور الدعوات والفرق المتعددة حول الإمامة كما مر بنا (4). فعلي بن موسى الرضا هو الإمام بعد أبيه « لفضله على جماعة إخوته وأهل بيته وظهور علمه وورعه وإجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه ومعرفتهم به منه ولنص أبيه على إمامته من بعده وإشارته إليه بذلك (5). ويبدو أنه قد أصبح لعلم الإمام أهمية خاصة سيما وأن الرضا عاش أيام المأمون وقد بينا ما حفل به عصر المأمون من التيارات الفكرية المختلفة وتشجيع المأمون للحركة الثقافية. ويحدثنا الصدوق عن كثرة المناظرات التي كانت تدور بين الرضا والمتكلمين من أهل الفرق المختلفة وأغلب هذه المناظرات كانت حول ____________ (1) سورة البقرة 2 : 30. (2) الكليني : الكافي ج 1 ص 312. (3) ن. م ج 1 ص 312. (4) انظر عن دلائل إمامة الرضا ما أورده الصدوق حيث ذكر ثمانية وعشرين نصاً وقد أخذ عن الكليني مع إختلاف في الأسانيد والألفاظ ، عيون أخبار الرضا ج 1 ص 21 ـ 40 وقد أخذ المفيد أيضاً عن الكليني في باب إمامة الرضا وأورد نفس الروايات الإرشاد ص 304 وما بعدها ، وكذا فعل الطوسي انظر الغيبة ص 24 وما بعدها وانظر أيضاً الطبرسي أعلام الورى ص 303 وما بعدها حيث أخذ عن الكليني أيضاً أما الأربلي في كشف الغمة في معرفة الأئمة فقد أخذ عن المفيد كما أخذ عن الكليني ج 3 ص 63 ـ 66. (5) المفيد : الإرشاد ص 304.
( 257 )
مسألة الإمامة ومنزلة آل البيت من النبي ووراثتهم له. ويذكر الصدوق : « إن المأمون كان يجلب على الرضا متكلمي الفرق والأهواء المضلة وكل من سمع به حرصاً على انقطاع الرضا عن الحجة مع واحد منهم وذلك حسداً منه له ولمنزلته من العلم فكان لا يكلم أحداً إلا أقر له بالفضل وألزم الحجة له عليه » (1). فمن جملة المناظرات التي ذكرها الصدوق أن الرضا سئل عن العترة أهم الآل أم غير الآل فقال : « هم الآل فقالت العلماء : فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال : أمتي آلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لا يمكن دفعه آل محمد أمته فقال أبو الحسن : أخبروني فهل تحرم الصدقة على الآل قالوا : نعم قال : فتحرم على الأمة قالوا : لا قال : هذا فرق بين الآل والأمة ... أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة على المضطفين المهتدين دون سائرهم قالوا : ومن يا أبا الحسن فقال : من قول الله ( ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهم النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ) (2) فصارت وراثة النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين » (3). كما يذكر الصدوق أن مناظرة جرت في مجلس المأمون بين الرضا وعدد من العلماء بين فيها الرضا فضل آل البيت ومنزلتهم فقد سأل المأمون عن معنى الآية : ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا ) (4) فقالت العلماء : أراد الله بذلك الأمة كلها فسأل المأمون الرضا عن ذلك فقال : أراد الله العترة الطاهرة لأنه لو أراد الأمة لكانت أجمعها في الجنة بقول الله : ( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) (5) ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال : ( جنات عدن ____________ (1) الصدوق : التوحيد ص 329 ـ 330. (2) سورة الحديد 57 : 26. (3) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج 1 ص 230 وانظر الطبري : بشارة المصطفى ص 282. (4) سورة فاطر 35 : 32. (5) سورة فاطر 35 : 32.
( 258 )
يدخلونها ... ) (1) فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم ، فقال المأمون : من العترة الطاهرة فقال الرضا : الذين وصفهم الله في كتابه فقال : ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ... ) (2) وهم الذين قال فيهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم : إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي (3). وآية التطهير وحديث الثقلين من أهم الأدلة عند الشيعة الإمامية في حصر الإمامة في علي وأولاده كما مر بنا ، وبهذا احتج الرضا على المأمون وأكد أن الوراثة فيهم لا لغيرهم. كما أن الرضا بين أنهم أمس برسول الله من غيرهم فيذكر المفيد أن المأمون سأل الرضا قال « يا أبا الحسن ... إني فكرت في أمرنا وأمركم ونسبنا ونسبكم فوجدت الفضلية فيه واحدة ورأيت أختلاف شيعتنا في ذلك محمولاً على الهوى والعصبية ... فقال الرضا : لو أن الله بعث محمداً فخرج علينا من وراء أكمة من هذه الأكمام فخطب إليك ابنتك أكنت تزوجه إياها فقال : يا سبحان الله وهل أحد يرغب عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال الرضا : افتراه يحل له أن يخطب إلي قال : فسكت المأمون ثم قال : أنتم والله أمس برسول الله رحماً » (4). وهكذا استطاع الرضا أن يؤكد حقه بالإمامة لاتصاله برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ووراثته إياه. ونظراً للإختلافات في أمر الإمامة فقد أوضح الرضا الإمامة ومنزلة الإمام ودلائله ورتبته وصفاته. ففي وصف الإمامة قال « إن الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً بإختيارهم ، إن الإمامة خص الله عزّ وجلّ بها ____________ (1) سورة النمل 16 : 31. (2) سورة الأحزاب 33 : 33. (3) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج 1 ص 229. (4) المفيد : الفصول المختارة من العيون والمحاسن ج 1 ص 15 ـ 16.
( 259 )
إبراهيم الخليل بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة وفضيلة شرفه بها وأشاد بها جلّ ذكره فقال : ( إني جاعلك للناس إماماً ) (1) ، فقال الخليل سروراً بها ( ومن ذريتي ) (2) قال الله تبارك وتعالى ( لا ينال عهدي الظالمين ) (3) فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال ( ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين. وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وأقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ) (4). فلم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض حتى ورثها الله تعالى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال جل وتعالى : ( إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين ) (5) فكانت له خاصة فقلدها صلّى الله عليه وآله وسلّم علياً عليه السلام بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله فصارت في ذريته الأصفياء الذين أتاهم الله العلم والإيمان بقوله تعالى : ( وقال الذين اوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ) (6) فهي في ولد علي خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد محمد » (7). يبدو من هذا أن الإمامة عهد من الله وليس بإختيار البشر ولا ينالها الظالمون وأنها في الصفوة من ذرية الأنبياء وقد أورثها الله محمداً صلّى الله عليه وآله وسلم ثم قلدها صلّى الله عليه وآله وسلم علياً ثم إختار الله لها من ذرية علي الأصفياء. ويقول أيضاً في الإمامة « إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وارث الأوصياء ان الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم ومقام أمير المؤمنين ( علي ) ____________ (1) سورة البقرة 2 : 124. (2) سورة البقرة 2 : 124. (3) سورة البقرة 2 : 124. (4) سورة الأنبياء 21 : 72. (5) سورة آل عمران 3 : 68. (6) سورة الروم 30 : 56. (7) الكليني : الكافي ج 1 ص 199.
( 260 )
وميراث الحسن والحسين » (1). كما أن وجود الإمام واجب لأن « بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف » (2). كما أن من واجبات الإمام أن يحل حلال الله ويحرم حرام الله ، ويقيم حدود الله ، ويذب عن دين الله ، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ، والحجة البالغة » (3). أما صفات الإمام فهي : « الإمام البدر المنير ، السراج الزاهر ، النور الساطع ، والنجم الهادي في غياهب الدجى ... الشمس المضيئة والسماء الظليلة ... الأنيس الرفيق الوالد الشفيق ... أمين الله في خلقه وحجته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله ، والذاب عن حرم الله. الإمام المطهر من الذنوب والمبرأ عن العيوب ، المخصوص بالعلم ، الموسوم بالحلم ... وهو واحد دهره لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ... » (4). ولما كانت هذه الصفات غير متوفرة إلا في آل بيت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لذلك فقد خصهم الله تعالى بالإمامة دون غيرهم. فهكذا أبان الرضا الإمامة وشروطها وصفات الإمام وقد أصبحت هذه المبادئ فيما بعد من المبادئ الأساسية حيث بنيت عليها نظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية كما سنرى. إلا أن الشيعة اختلفت في أمر إمامة علي بن موسى الرضا كما اختلفت في إمامة من سبقه. ____________ (1) الكليني : الكافي ج 1 ص 200. (2) ن. م ج 1 ص 200. (3) ن. م ج ف 1 ص 200. (4) الكليني : الكافي ج 1 ص 200 ـ 201 وانظر أيضاً الصدوق : عيون أخبار الرضا ج 1 ص 216 ـ 222 فقد ذكر ما جاء في الكليني مع بعض الإضافات.
( 261 )
فلما توفي علي بن موسى الرضا سنة 203 هـ (1). افترقت الشيعة بعد وفاته فصارت فرقاً منهم من قال أن الإمامة انتقلت إلى أحمد بن موسى بن جعفر أوصى إليه وإلى الرضا وأجازوها في أخوين ، وأن أبوه جعله الوصي بعد علي بن موسى ومالوا إلى رأي شبيه برأي الفطحية (2). وظهرت فرقة ثانية يسميهم سعد القمي المؤلفة من الشيعة ويقول : « قد كانوا نصروا الحق قطعوا على إمامة علي بن موسى بعد وقوفهم على موسى وإنكار موته فصدقوا موته وقالوا بإمامة الرضا فلما توفي رجعوا إلى القول على موسى بن جعفر » (3). وفرقة ثالثة يسميهم النوبختي المحدثة ويقول : « وكانوا من أهل الأرجاء وأصحاب الحديث فدخلوا في القول بإمامة موسى بن جعفر وبعده بعلي بن موسى وصاروا شيعة رغبة في الدنيا وتصنعاً ، فلما توفي علي بن موسى رجعوا إلى ما كانوا عليه » (4). ويعلل سعد القمي سبب إختلاف الفرقتين اللتين قالت إحداهما بإمامة أحمد بن موسى والاُخرى بالوقف على الرضا ، لأن الرضا توفي وابنه محمد ( الجواد ) ابن سبع سنين فستصغروه وقالوا : « لا يجوز أن يكون الإمام إلا بالغاً ولو جاز أن يكلف غير بالغ فكذلك لا يعقل أن يفهم القضاء بين دقيقة وجليلة وغامض الأحكام وشرائع الدين وجميع ما أتى به النبي وما يحتاج إليه جميع الأمة إلى يوم القيامة من أمر دينها ودنياها طفل غير بالغ ... » (5) ولما تولى علي بن موسى الرضا العهد للمأمون يقول النوبختي « وفرقة كانت من الزيدية الأقوياء منهم والبصراء فدخلوا في إمامة علي بن موسى عندما أظهر المأمون فضله وعقد بيعته تصنعاً للدنيا واستكانوا الناس بذلك دهراً فلما توفي علي بن موسى رجعوا إلى قومهم الزيدية » (6). ____________ (1) ابن طولون : الأئمة الإثني عشر ص 98. (2) النوبختي : فرق الشيعة ص 72. (3) سعد القمي : المقالات والفرق ص 94. (4) النوبختي : فرق الشيعة ص 72. (5) سعد القمي : المقالات والفرق ص 95. (6) النوبختي : فرق الشيعة ص 73.
( 262 )
د ـ إمامة محمد بن علي الجواد : أما الشيعة أصحاب الرضا فقالت « الإمام بعد علي بن موسى ابنه محمد بن علي ولم يكن إلى غيره ... واتبعوا الوصية والمنهاج الأول من لدن النبي » (1) ويبدو أن المنهاج الأول يقصد به القول بإمامة علي والحسن والحسين وأولاد الحسين كما نص النبي عليهم ، أي الطريق الذي سارت عليه الشيعة الإمامية. ولكن يبدو كما تذكر كتب الفرق أن الشيعة التي قالت بإمامة محمد ابن علي بن موسى ( الجواد ) لم تكن جماعة واحدة وقد بين سعد القمي سبب اختلافهم فقال : « ثم إن الذين قالوا بإمامة أبي جعفر محمد بن علي ( الجواد ) اختلفوا في كيفية علمه وكيف وجه ذلك لحداثة سنه ضرباً من الاختلاف فقال بعضهم لبعض : الإمام لا يكون إلا عالماً وأبو جعفر غير بالغ وأبوه قد توفي كيف علم ومن أين علم » (2). وجماعة قالت : « إنه أخذ العلم عن أبيه وهو الذي علمه ومنه تعلم ولا يجوز غير ذلك » (3). ولم توافق أكثرية الشيعة على ذلك فأنكروه وقالوا : « لم يكن ذلك من قبل أبيه وتعليمه أياه لأن أباه حمل إلى خراسان وأبو جعفر ابن أربع سنين وأشهر ومن كان في هذا السن فليس في حد من يستفرغ تعليم معرفة دقيق علوم الدين ولكن الله علمه ذلك عنه البلوغ بضروب مما تدل جهات علم الإمام مثل الإلهام والنكت في القلب والنقر في الأذن والرؤيا في النوم والملك المحدث له ووجود رفع النار له والعمود والمصباح وعرض الأعمال عليه لأن ذلك كله قد صح بالأخبار الصحيحة أنها من علامات علوم الإمام وجهاتها ، فأما قبل البلوغ فهو إمام على معنى أن الأمر له دون غيره وأنه لا يصلح في ذلك الوقت لموضع الإمامة غيره إذ قد أوصى أبوه ____________ (1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 93. (2) سعد القمي : المقالات والفرق ص 96. (3) ن. م ص 97.
( 263 )
إليه وقلدنا إمامته إذ لا ولد لأبيه غيره » (1). فهنا نلاحظ التأكيد على علم الإمام لأن عصر الإمام محمد الجواد كان استمراراً لعصر أبيه الرضا قد حفل بمختلف التيارات الثقافية ، كما يلاحظ إن فكرة الإمامة بدأت تتضح في بعض خطواتها الأساسية كصفات الإمام فهذه الصفات لم تظهر إلا في هذه الفترة. ويقول النوبختي أن هناك جماعة من الشيعة قالت : « الإمام يكون غير بالغ ولو قلت سنه لأنه حجة لله فقد يجوز أن يعلم وإن كان صبياً ويجوز عليه الأسباب التي ذكرت مثل الإلهام والنكت والرؤيا .. كل ذلك جائز عليه ... واعتلوا في ذلك بيحيى بن زكريا وأن الله أتاه الحكم صبياً وبأسباب عيسى بن مريم .. وبعلم سليمان بن داود حكماً من غير تعليم » (2). وقالت جماعة من الشيعة بمقالة الجماعة السابقة إلا أنهم قالوا إن محمد الجواد لم يتعلم من أبيه « ولكن انه علم ذلك عند البلوغ من كتب أبيه وما ورثه من الأصول والفروع وبعض هذه الفرقة يجوز له القياس في الأحكام ويزعم أن القياس جائز للرسول والأنبياء والأئمة ، وكان يونس بن عبد الرحمن (3) يقول : إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان يستخرج ويستنبط بوقوع ما أنزل عليه ... فزعموا أن ذلك جائز للإمام أن يقيس على الأصول التي في يده لأنه معصوم من الخطأ والزلل والعمد فلا يجوز أن يخطئ في القياس » (4). ونلاحظ هنا ظهور فكرة عصمة الإمام وعدم جواز الخطأ عليه في هذه الفترة وقد صارت العصمة فيما بعد من المبادئ الأساسية للشيعة الإمامية. ____________ (1) سعد القمي : المقالات . والفرق ص 97. (2) النوبختي : فرق الشيعة ص 76. (3) يونس بن عبد الرحمن ، اشتهر بالعلم والفتيا روى عن موسى بن جعفر وابنه الرضا وكان 4 وكيلاً للرضا يرجع إليه أصحابه في أخذ الفتيا . انظر النجاشي : الرجال ص 348. (4) النوبختي : فرق الشيعة ص 76.
( 264 )
ويعلل النوبختي قول هذه الفرقة بجواز القياس للأئمة فيقول : « وإنما صاروا إلى هذه المقالة لضيق الأمر عليهم في علم الإمام وكيفية تعليمه إذ ليس هو ببالغ عندهم » (1). أما الشيعة التي قالت بإمامة إبي جعفر محمد بن علي ( الجواد ) فقد استدلت على إمامته بالأدلة التالية. فيذكر الكليني عن علي بن محمد ... عن يحيى بن حبيب الزيات قال « أخبرني من كان عند أبي الحسن الرضا جالساً فلما نهضوا قال له : ألقوا أبا جعفر فسلموا عليه وأحدثوا به عهداً فلما نهض القوم التفت إلي فقال : يرحم الله المفضل إنه كان ليقنع بدون هذا » (2). يبدو لنا من كلام الرضا أن الشيعة كانت في شك من أمر الإمامة لمحمد الجواد فحاول تأكيدها. ويبدوا أن لصغر سن محمد الجواد سبباً دعا الشيعة إلى الشك بإمامته فيروي الكليني عن محمد بن يحيى ... عن معمر بن خلاد قال « سمعت الرضا وذكر شيئاً فقال : ما حاجتكم إلى ذلك ، هذا أبو جعفر قد أجلسته مجلسي وصيرته مكاني ، وقال : إنّا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة » (3). ويورد الكليني أيضاً عن أحمد بن مهران ... عن ابن قياماً الواسطي قال « دخلت على علي بن موسى فقلت له أيكون إمامان ؟ قال لا إلا واحدهما صامت فقلت له : هو ذا أنت ليس لك صامت ولم يكن ولد له أبو جعفر ( الجواد ) بعد فقال لي : والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله ، ويحق به الباطل وأهله ، فولد له بعد سنة أبو جعفر وكان ابن قياماً واقفياً » (4). ____________ (1) النوبختي : فرق الشيعة ص 76. (2) الكليني : الكافي ج 1 ص 320. (3) ن. م ج 1 ص 321. (4) ن. م ج 1 ص 321.
( 265 )
وعن محمد بن يحيى ... عن صفوان بن يحيى قال « قلت للرضا : قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول يهب الله لي غلاماً فقد وهبه الله لك ، فأقر عيوننا ، فلا أرانا الله يومك فإن كان كون فإلى من ؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه فقلت : جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين ، فقال : وما يضره من ذلك فقد قام عيسى بالحجة وهو ابن ثلاث سنين » (1). وروى عن الحسين بن محمد ... عن معمر بن خلاد قال « سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا : ان ابني في لسانه ثقل ، فأنا أبعث به إليك غداً فتمسح على رأسه وتدعو له فإنه مولاك ، فقال : هو مولى أبي جعفر فابعث به غداً إليه » (2). وعن الحسين بن محمد عن الخيراني عن أبيه قال « كنت واقفاً بين يدي أبا الحسن بخراسان فقال له قائل : يا سيدي إن كان كون فإلى من ؟ قال : إلى أبي جعفر ابني ، فكأن القائل استصغر سن أبي جعفر فقال أبو الحسن : إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى بن مريم رسولاً نبياً ، صاحب شريعة مبتدئة في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر » (3). ويذكر المسعودي في إمامة محمد الجواد رواية عن الحميري ... عن حنان بن سدير قال « قلت للرضا يكون امام ليس له عقب فقال لي : أما أنه لا يولد لي إلا واحد ولكن الله ينشئ منه ذرية كثيرة ولم يزل أبو جعفر محمد بن علي مع حداثته وصباه يدير أمر الرضا بالمدينة ويأمر الموالي وينهاهم ولا يخالف عليه أحد منهم (4). كما يذكر المسعودي أن الناس بعد وفاة الرضا احتاروا فيمن يقصدون للسؤال بعده فاجتمعوا إليه وسألوه عدة أسئلة فأجابهم بإجابات والده فاعترفوا له بالإمامة (5). كما يذكر مناقشة دارت بين محمد الجواد ____________ (1) الكليني : الكافي ج 1 ص 321. (2) ن. م ج 1 ص 321. (3) ن. م ج 1 ص 322. (4) المسعودي : إثبات الوصية ص 179. (5) المسعودي : إثبات الوصية ص 180 ـ 181.
( 266 )
ويحيى بن أكثم تغلب فيها محمد الجواد وأقر له يحيى بالفضل العلم (1). ويبدوا من هذا أن علم الإمام أصبح ذا أهمية في إثبات إمامته وكون معرفة الإمام بالعلوم شرطاً لإمامته. أما الصدوق فيذكر عدة روايات في الدلالة على إمامة محمد الجواد فذكر عن أبي الحسين بن محمد بن أبي عباد وكان يكتب للرضا ضمه إليه الفضل بن سهل قال « ما كان يذكر محمداً ابنه إلا بكنيه يقول : كتب إلي أبو جعفر وكنت أكتب إلى أبي جعفر وهو وصيي بالمدينة فيخاطبه بالتعظيم وترد كتب أبي جعفر في نهاية البلاغة والحسن فسمعته يقول : أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من بعدي » (2). وعن جعفر بن محمد النوافلي قال أتيت الرضا وهو بقنطرة أربق فسلمت عليه ، ثم جلست وقلت ... إن أناساً يزعمون أن أباك حي ، فقال : كذبوا لعنهم الله ولو كان حياً ما قسم ميراثه ولا نكح نساؤه ، ولكنه والله ذاقه الموت كما ذاقة علي بن أبي طالب قال فقلت له ما تأمرني ؟ قال عليك بابني محمد من بعدي ، وأما أنا فإني ذاهب في وجه الأرض لا أرجع منه ... » (3). ويقول المفيد في إمامة محمد بن علي الجواد « وكان الإمام بعد الرضا علي بن موسى ابنه محمد بن علي الرضا بالنص عليه الإشارة من أبيه إليه وتكامل الفضل فيه » (4). كما يذكر من روى النص عن أبي الحسن الرضا على ابنه أبي جعفر بالإمامة فيعدد قسماً منهم مثل علي بن جعفر بن محمد الصادق ، صفوان ابن يحيى ، معمر بن خلاد ، الحسين بن بشار ، ابن قياماً الواسطي ، الحسن ابن الجهم ... (5). ____________ (1) المسعودي : إثبات الوصية ص 183. (2) الصدوق : عيون أخبار الرضا ج 2 ص 240. (3) ن. م ج 2 ص 216. (4) المفيد : الإرشاد ص 316. (5) المفيد : الإرشاد ص 317 ، كما ذكر المفيد نصوص إمامة محمد الجواد كما ذكرها الكليني مع إختلاف في الأسانيد ص 317 ـ 319.
( 267 )
فالإمام بعد أبي الحسن الرضا ابنه أبو جعفر محمد الجوادج « لنص أبيه عليه وإشارته إليه » (1). أما ابن شهر آشوب فيقول : « والدليل على إمامته القطع على العصمة ووجوب كونه أعلم الخلق بالشريعة واعتبار القول بإمامة الاثني عشر وتواتر الشيعة » (2) فابن شهر آشوب هنا يعطي صفات الامام وأهم هذه الصفات العصمة من الأخطاء والعلم بالشريعة وقد أصبحت هذه فيما بعد من شروط الإمامة عند الشيعة الإمامية.
هـ إمامة علي بن محمد الهادي : ولما توفي محمد الجواد سنة 220 هـ (3) . قالت الشيعة أصحاب محمد الجواد الذين ثبتوا على إمامته إلى القول بإمامة ابنه ووصية علي بن محمد ( الهادي ) « فلم يزالوا على ذلك إلا نفر منهم يسير عدلوا عنه إلى القول بإمامة أخيه موسى بن محمد (4) ، ثم لم يثبتوا على ذلك قليلاً حتى رجعوا إلى إمامة علي بن محمد ورفضوا إمامة موسى لأن موسى كذبهم وتبرأ منهم وما ادعى إمامة لنفسه ... » (5). أما الشيعة الذين قالوا بإمامة علي بن محمد ( الهادي ) فقد استدلوا على إمامته بوصية أبيه محمد الجواد وبأدلة اُخرى. فيذكر الكليني عن محمد بن جعفر الكوفي ... عن محمد بن الحسين الواسطي أنه سمع أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر ( محمد الجواد ) « إن أبا جعفر محمد بن علي ( الجواد ) أوصى إلى علي ( الهادي ) ____________ (1) النيسابوري : روضة الواعظين ج 1 ص 282 ، كما يذكر قسماً من الأدلة التي ذكرها الكليني في النص على إمامة الجواد ج 1 ص 282. (2) ابن شهر آشوب : مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 380 وانظر أيضاً عن إمامة الجواد ما ذكره الطبرسي في أعلام الورى فقد أورد النصوص التي ذكرها الكليني ص 330 ، وكذا فعل الأربلي فقد أخذ عن الكليني والمفيد ، انظر كشف الغمة ج 3 ص 142 ـ 144. (3) النوبختي : فرق الشيعة ص 71. (4) موسى بن محمد الجواد ويلقب بالمبرقع له عقب بقم يقال لهم الرضويون ، انظر ابن شدقم : زهرة المقول ص 61. (5) سعد القمي : المقالات والفرق ص 99.
( 268 )
ابنه بنفسه وإخوته وجعل أمر موسى إذا بلغ إليه وجعل عبد الله المساور قائماً على تركته من الضياع والأموال والنفقات إلى أن يبلغ علي بن محمد » (1). كما ذكر عن الحسين بن محمد ، إن محمد الجواد قال « إني ماض والأمر صائر إلى ابني علي وله عليكم ما كان لي عليكم » (2). أما المسعودي فيذكر عن الحميري عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه : « إن أبا جعفر لما أراد الشخوص من المدينة إلى العراق أجلس أبا الحسن في حجره وقال له : ما الذي تحب أن يهدى إليك من طرائف العراق فقال : سيفا كأنه شعلة ثم التفت إلى موسى ابنه فقال : ما تحب أنت من طرائف العراق فقال له : فرش بيت ، فقال أبو جعفر : أشبهني أبو الحسن ( الهادي ) وأشبه هذا أمه » (3). ويقول المفيد « وكان الإمام بعد أبي جعفر ابنه أبا الحسن علي بن محمد ( الهادي ) لإجتماع خصال الإمامة فيه وتكامل فضله وأنه لا وارث لمقام أبيه سواه وثبوت النص عليه بالإمامة والإشارة إليه من أبيه بالخلافة » (4). ويستدل ابن شهر آشوب على إمامته بإجماع الإمامية على ذلك ، وطريق النص ، والعصمة ، ونص النبي على إمامة الأئمة الاثني عشر ، والنص من آبائه على إمامته » (5). ويقول الطبرسي : « إن إجماع الشيعة على إمامته وعدم من يدعي فيه إمامته غيره غناء عن إيراد الأخبار في ذلك ، هذا وضرورة أئمتنا في هذه الأزمنة في خوفهم من أعدائهم وتقيتهم منهم أحوجت شيعتهم في معرفة ____________ (1) الكليني : الكافي ج 1 ص 325. (2) ن. م ج 1 ص 324. (3) المسعودي : إثبات الوصية ص 187. (4) المفيد الإرشاد ص 327 ، ثم يعتمد في ذكر بقية الأدلة على الكليني ص 327 ـ 329. (5) ابن شهر آشوب : مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 402.
( 269 )
نصوصهم على من بعدهم » (1). ويبدو من هذا أن فكرة الإمامة بدأت بالوضوح إلا أن الشيعة حاولت معرفة الإمام لشدة السلطة لا سيما وأن علي الهادي عاش أيام المتوكل وقد لاحظنا مما مر كيف عامل المتوكل الشيعة. وقد ظهرت في أيام محمد بن علي ( الهادي ) النميرية وهذه الفرقة خرجت عن إمامة علي الهادي فيذكر النوبختي أنهم قالوا « بنبوة رجل يقال له محمد بن نصير النميري وكان يدعي أنه نبي بعثه أبو الحسن العسكري وكان يقول بالتناسخ والغلو في أبي الحسن ويقول فيه بالربوبية ويقول بالإباحة للمحارم » (2). ويذكر النوبختي أيضاً « وكان يقوي أسباب هذا النميري محمد بن موسى بن الحسن بن الفرات فلما توفي قيل له في علته وقد كان اعتقل لسانه : لمن هذا الأمر من بعدك ؟ فقال : لأحمد فلم يدروا من هو فافترقوا ثلاث فرق ، فرقة قالت أنه ابنه أحمد وفرقة قالت هو أحمد بن موسى بن الحسن بن الفرات ، وفرقة قالت أحمد بن أبي الحسين محمد بن محمد بن بشر بن زيد فتفرقوا فلا يرجعون إلى شيء » (3). فلما توفي علي بن محمد ظهرت فرقة من الشيعة قال « بإمامة ابنه محمد وكان قد توفي في حياة أبيه بسر من رأى وزعموا أنه حي لم يمت واعتلوا في ذلك بأن أباه أشار إليه وأعلمهم أنه الإمام بعده والإمام لا يجوز عليه الكذب ولا يجوز البداء فيه ، وإن كانت وفاته في حياة أبيه فإنه لم يمت في الحقيقة ولكن أباه خاف عليه فغيبه ، وهو المهدي القائم وقالوا فيه بمثل مقالة أصحاب إسماعيل بن جعفر » (4). وظهرت فرقة ثانية قالت بإمامة جعفر بن علي وقالوا : « أوصى إليه ____________ (1) الطبرسي : أعلام الورى بأعلام الهدى ص 341. (2) النوبختي : فرق الشيعة ص 78. (3) النوبختي : فرق الشيعة ص 78. (4) سعد القمي : المقالات والفرق ص 101.
( 270 )
أبوه بعد مضي ابنه محمد وأوجب إمامته وأظهر أمره وأنكروا إمامة أخيه محمد وقالوا : إنما فعل ذلك أبوه اتقاء عليه ودفاعاً عنه وكان الإمام في الحقيقة جعفر بن علي وهؤلاء هم الجعفرية الخلص » (1). ونلاحظ أن الإختلافات وظهور الفرق المتعددة بدأت تنحصر في فرقة أو فرقتين وهذا يدل على وضوح فكرة الإمامة وفكرة تسلسل الائمة.
و ـ إمامة الحسن بن علي العسكري : أما الشيعة أصحاب علي بن محمد الهادي فقالوا بإمامة ابنه الحسن ابن علي العسكري ، وثبتوا له الإمامة بوصية أبيه إليه (2). واستدلت الجماعة التي قالت بإمامته كما استدلوا على إمامة من سبقه ، بالنص عليه من أبيه . فقد ذكر الكليني عن علي بن محمد ... عن يحيى بن يسار القنبري قال « أوصى أبو الحسن ( الهادي ) إلى ابنه الحسن قبل مضيه بأربعة أشهر وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي » (3). وعن علي بن عمر النوافلي قال « كنت مع أبي الحسن في صحن داره فمر بنا ابنه محمداً فقلت له : جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال : لا صاحبكم بعدي الحسن » (4). وروي عن عبد الله بن محمد الأصفهاني قال « قال أبو الحسن : صاحبكم بعدي الذي يصلي علي قال ولم نعرف أبا محمد ( العسكري ) قبل ذلك ، قال : فخرج أبو محمد فصلى عليه » (5). ولما كان الحسن العسكري أكبر أولاد أبيه فقد عهد إليه بالإمامة يؤيد هذا ما رواه الكليني عن علي بن مهزيار : قال : « قلت لأبي الحسن : إن كان كون وأعوذ بالله فإلى من ؟ قال عهدي إلى الأكبر من ولدي » (6). ____________ (1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 101. (2) سعد القمي : المقالات والفرق ص 101. (3) الكليني : الكافي ج 1 ص 325. (4) ن. م ج 1 ص 325. (5) ن. م ج 1 ص 326.
( 271 )
وكذلك روي عن علي بن عمرو العطار قال « دخلت على أبي الحسن العسكري وأبو جعفر ابنه في الأحياء وأنا أظن أنه هو ، فقلت له : جعلت فداك من أخص من ولدك ؟ فقال : لا تخصوا أحداً حتى يخرج إليكم أمري قال فكتبت إليه بعد فيمن يكون هذا الأمر ؟ قال فكتب إلي : في الكبير من ولدي قال وكان أبو محمد أكبر من أبي جعفر » (1). ويروي الكليني عن محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسن الأفطس أنهم حضروا يوم وفاة محمد إلى ابي الحسن علي يعزونه قالوا : « قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني هاشم وقريش مائة وخمسون رجلاً سوى مواليه وسائر الناس إذ نظر إلى الحسن بن علي قد جاء مشقوق الجيب حتى قام عن يمينه ونحن لا نعرفه ، فنظر إليه أبو الحسن بعد ساعة فقال : يا بني أحدث الله عزّ وجلّ شكراً فقد أحدث فيه أمراً فبكى الفتى وحمد الله واسترجع ، وقال : الحمد لله رب العالمين وأنا أسأل الله تمام نعمته لنا فيك وإنا لله وإنا إليه لراجعون ، فسألنا عنه فقيل هذا الحسن ابنه وقدرنا له في ذلك الوقت عشرين سنة أو أرجع فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالإمامة أقامه مقامه » (2). ويؤكد المفيد إمامة الحسن العسكري ويقول : « وكان الإمام بعد أبي الحسن علي بن محمد ابنه أبا محمد الحسن بن علي لاجتماع خلال الفضل فيه وتقدمه على كافة أهل عصره فيما يوجب له الإمامة ويقتضي له الرياسة » (3). أما ما هي الشروط التي توجب الإمامة فهي : العلم ، والزهد ، كمال العقل ، والعصمة ، والشجاعة ، والكرم ، وكثرة الأعمال المقربة إلى الله عزّ وجلّ ثم النص (4). ____________ (1) الكليني : الكافي ج 1 ص 326. (2) الكليني : الكافي ج 1 ص 326. (3) المفيد : الإرشاد ص 334 ، ثم يذكر نفس روايات الكليني في الدلالة على إمامة الحسن العسكري ص 335 ـ 338 ؟ (4) المفيد : الإرشاد ص 334.
( 272 )
ويبدو من هذا أن فكرة الإمامة قد وضحت وأن هناك شروطاً يجب توفرها لتعقد الإمامة. ويقول ابن شهر آشوب في إمامة الحسن العسكري « ويستدل على إمامته بطريق العصمة والنصوص ، وبما استدل على أمير المؤمنين علي بعد النبي بلا فصل وكل من قطع على ذلك قطع على أن الإمام بعد علي بن محمد التقي ( علي الهادي ) الحسن العسكري لأنه لم يحدث فرقة أخرى بعد الرضا وقد صحت إمامته وطريق النص من آبائه من الموالف والمخالف » (1). وتوفي الحسن بن علي العسكري سنة 260 هـ ولم ير له خلف ولم يعرف له ولد ظاهر فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر (2) وأمه وهي أم ولد ، ثم افترق أصحابه من بعده خمس عشرة فرقة (3) . ويجعلها النوبختي أربع عشرة فرقة (4). الفرقة الأولى قالت : إن الحسن بن علي ( العسكري ) حي لم يمت وإنما غاب وهو القائم ولا يجوز أن يموت الإمام ولا ولد له ولا خلف معروف ظاهر لأن الأرض لا تخلو من إمام ... والحسن بن علي قد ثبتت وصيته بالإمامة وأشار أبوه إليه بالإمامة (5). فنلاحظ هنا أهمية الإمامة بالنسبة الشيعة لذلك يجب أن لا تخلو الأرض من إمام كما يلاحظ أنه بعد وفاة كل امام تظهر جماعة تقول بالوقف عليه وقد قالت هذه الفرقة بمقالة شبيهة بمقالة الواقفة على موسى ____________ (1) ابن شهر آشوب : مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 462. (2) جعفر بن علي أخو الحسن العسكري ويلقب زق الخمر لأنه كان يشرب الخمر ظاهراً ونادم المتوكل العباسي وكان المتوكل يريد بمنادمته الغض من أخيه الحسن العسكري ، ويلقب عنه الإمامية الكذاب لأنه ادعى ميراث أخيه الحسن . ابن شدقم : زهرة المقول ص 61. (3) سعد القمي : المقالات والفرق ص 102. (4) النوبختي : فرق الشيعة ص 79. (5) سعد القمي : المقالات والفرق ص 106.
( 273 )
ابن جعفر ، إلا أنهم خطأوا من وقف على موسى لأنه توفي عن بضع عشر ذكرا وقالوا : « إنما يجوز الوقف على من ظهرت وفاته ولا خلف له بين ظاهر فيجب الوقوف عليه ، لأنه لا يجوز موت إمام بلا خلف عدل ظاهر من ولد لصلبه ، ولو جاز أن يقف على موسى وله أولاد ذكور معروفون مشهورون لكانت الواقفة على أمير المؤمنين علي ومن بعده ولد » (1). وعللت هذه الفرقة قولها بالوقف فقالوا : « فلما وجدنا فقد إمام قد ثبتت إمامته عن أبيه ولم نجد له خلفاً أشار إليه مشهوراً معروفاً ، صح أن الحسن بن علي غاب وأنه حي لم يمت » (2). أما الفرقة الثانية قالت : « إن الحسن بن علي ( العسكري ) مات وعاد بعد موته وهو القائم واعتلوا برواية اعتلت بها فرقة من واقفة موسى بن جعفر رووها عن أبيه أنه قال « سمي القائم قائماً لأنه يقوم بعدما يموت ، فالحسن بن علي قد مات ولا شك في موته ولا خلف له ، ولا وصي موجود فلا شك أنه القائم وأنه حي بعد الموت لأن الأرض لا تخلو من حجة ظاهر ، فهو غائب مستتر وسيظهر ويملأ الأرض عدلاً » (3). يتضح من هذا التأكيد على الإمامة ووجوبها فلا يمكن أن تخلو الأرض من إمام ظاهر وإلا فهو غائب مستتر. وقالت الفرقة الثالثة : إن الحسن بن علي قد صحت وفاته كما صحت وفاة آبائه بتواطئ الأخبار التي لا يجوز تكذيب مثلها ... وصح أنه لا خلف له ، فلما صح عندنا الوجهان ثبت أنه لا إمام بعد الحسن بن علي ، وإن الإمامة انقطعت .. كما جاز أن تنقطع النبوة بعد محمد ، واعتلوا في ذلك بخبر يروي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، وأنه سئل عن الأرض اتخلوا من حجة فقال لا إلا أن يغضب الله على أهل الأرض بمعاصيهم فيرفع عنهم الحجة ... وهذه الفرقة لا توجب قيام القائم ولا ____________ (1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 107. (2) ن. م ص 107. (3) ن. م ص 107 وانظر : .Montgomery watt : The Reappraisal Abbasid Sh,ism
( 274 )
خروج مهدي وتذهب في ذلك إلى بعض معاني البداء » (1). والفرقة الرابعة قالت : إن الحسن بن علي قد مات وصح موته وأن الإمامة انقطعت حتى يبعث الله قائماً من آل محمد ، إن شاء بعث الحسن وإن شاء بعث غيره من آباءه ، ولا بد من ذلك لأن قيام القائم وخروج المهدي حتم من الله ، كما أن النبوة انقطعت وأنه لا نبي بعد محمد ولكن يكون فترة كما كانت بين محمد وبين عيسى بن مريم لم يكن فيها رسول ولا نبي ولا إمام فكذلك الأمر يكون في هذه الحال ، لأن وفاة الحسن بن علي قد صحت وصح أنه لا خلف له فقد انقطعت الإمامة ولا عقب له وإذ لا يجوز إلا أن يكون في الأعقاب ولا يجوز أن ينصرف إلى عم ولا ابن عم ولا أخ بعد حسن وحسين فهي منقطعة إلى القائم منهم » (2). ويلاحظ هنا التأكيد على أن الإمامة لا تكون إلا في الأعقاب بعد الحسن والحسين ووضوح هذه الفكرة. أما الفرقة الخامسة فقالت : « إن الحسن وجعفر ابنا علي الهادي لم يكونا إمامين ، فإن الإمام كان محمد الميت في أيام إبيه الهادي كما أن علي الهادي لم يوصِ إليهما بالإمامة ولا أشار إليهما وإنما ادعياً ما لم يكن لهما بحق ، لذلك أن الحسن العسكري توفي ولا ولد له كما أن جعفر لا يصلح للإمامة لأنه « ظاهر المجانة والفسق » (3). ولما كانت شروط الإمام كما مر بنا أن يكون معصوماً من الزلل طاهراً من الآفات عفيفاً لذلك رجعوا إلى « إمامة محمد بن علي إذ لم يظهر منه إلا العفاف والصلاح وإذ قد ثبتت إشارة أبيه إليه بالإمامة والإمام لا يشير إلى غير إمام (4). كما ذكر بعضهم أن الحسن بن علي العسكري حي لم يمت وأن أباه ____________ (1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 107 ـ 108. (2) ن. م ص 108. (3) ن. م ص 109 وانظر : .Montgomery wett : The Reappaisal of Abbasid shiism
(4) سعد القمي : المقالات والفرق ص 109.
( 275 )
غيبه وستره خوفاً عليه (1). أما الفرقة السادسة فقالت : إن الحسن ( العسكري ) توفي ولا عقب له والإمام بعده جعفر بن علي أخوه وإليه أوصى أبوه ومنه قبل جعفر الوصية وعنه صارت إليه الإمامة (2). وهؤلاء شابهوا مذهب الفطحية في عبد الله وموسى ابني جعفر ( الصادق ) وزعموا أن هذا من طريق البداء كما بدا لله في إسماعيل بن جعفر فأماته وجعل الإمامة في عبد الله وموسى ، فكذلك جعلها في الحسن ثم بدا له أن يكون في عقبه فجعلها في أخيه جعفر جعفر الإمام من بعد الحسن بن علي ( العسكري ) (3). وقالت الفرقة السابعة : إن جعفر بن علي هو الإمام وأن إمامته كانت من قبل أبيه علي بن محمد ( الهادي ) وأن القول بإمامة أخيه الحسن خطأ وجب الرجوع عنه إلى إمامة جعفر لأن الإمامة لا يجوز أن تكون فيمن لا خلف له والحسن ( العسكري ) قد توفي ولا عقب له وقالوا : « وإن الإمام بإجماعنا جميعاً لا يموت إلا عن خلف ظاهر معروف يوصي إليه ويقيمه مقامه بالإمامة ، فالإمامة لا ترجع في أخوين بعد حسن وحسين ، فالإمام لا محالة جعفر بوصية أبيه إليه » (4). الفرقة الثامنة : قالت بمثل مقالة الفطحية « إن الحسن بن علي توفي وهو إمام بوصية أبيه إليه ، وإن الإمامة لا تكون إلا في الأكبر من ولد الإمام ممن بقي منهم بعد أبيه ، لا ممن مات في حياة أبيه ولا في ولده ولا أشار أبوه إليه لأن من ثبتت إمامته لا يموت أبداً وخلف له من صلبه والإمام لا يوصي إلى ابن ابن ولا يجوز ذلك فالإمام بعد الحسن بن علي جعفر أخوه ولا يجوز غيره إذ لا ولد للحسن معروف ولا أخ إلا جعفر في وصية أبيه كما أوصى جعفر بن محمد إلى عبد الله لمكان الأكبر » (5). ____________ [size=undefined] (1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 109. (2) ن. م ص 110. (3) ن. م ص 110. (4) ن. م ص 110 ـ 111. (5) سعد القمي : المقالات والفرق ص 111. [/size]
الشيخ عودة الشيخ عودة
عدد المساهمات : 1748 تاريخ التسجيل : 28/09/2008 العمر : 74
موضوع: رد: الإمامـة وتطورها عند الشيعة الإمامية الثلاثاء ديسمبر 02, 2014 8:12 am
أما الفرقة التاسعة فقالت : إن الإمام محمد بن علي بإشارة أبيه إليه ونصبه له إماماً ونصه على اسمه وعينه ، ولا يجوز أن يشير الإمام بالإمامة والوصية إلى غير إمام فلا ثبتت إمامته على أبيه ، ثم بدا لله في قبضه في حياة أبيه أوصى محمد إلى جعفر أخيه بأمر أبيه ووصاه ودفع إليه الوصية والعلوم والسلاح إلى غلام يقال له نفيس كان في خدمة أبي الحسن ( الهادي ) وكان ثقة أميناً ... وهكذا فالإمامة صارت لجعفر بن علي بوصية أخيه محمد وهذه الفرقة تسمى النفيسية » (1). وقد ظهرت فرقة من النفيسية قالت : « إن الإمامة لجعفر بوصية نفيس إليه عن محمد أخيه ، وأنكروا وصية الحسن بن علي ( العسكري ) وقالوا : لم يوصِ إليه أبوه ولا غير وصيته إلى محمد ابنه » (2). ويقول النوبختي وهذه الفرقة « تتقول على أبي محمد الحسن بن علي ( العسكري ) تقولاً شديداً وتكفره وتكفر من قال بإمامته وتغلو في القول في جعفر وتدعي أنه القائم وتفضله على ابن أبي طالب وتعتقد في ذلك بأن القاسم أفضل الخلق بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم » (3). ويسمي سعد القمي هذه الفرقة النفيسية الخالصة (4). وتقول الفرقة العاشرة : إن الحسن بن علي قد توفي وهو الإمام وخلف ابناً بالغاً يقال له محمد وهو الإمام من بعده وأن الحسن العسكري أشار إليه ودل عليه وأمره بالإستتار في حياته خوفاً عليه ، فهو مستتر خائف تقية من عمه جعفر وأنه قد عرف في حياة أبيه ولا ولد للحسن بن علي ( العسكري ) غيره ، فهو الإمام وهو القائم لا محالة ، واعتلوا في ذلك بخبر يروي عن الصادق أنه قال « القائم من يخفي ولادته على الناس ويخمل ذكره ولا يعرفه الناس » (5). ____________ (1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 112. (2) ن. م ص 113. (3) النوبختي : فرق الشيعة ص 89. (4) سعد القمي : المقالات والفرق ص 114. (5) سعد القمي : المقالات والفرق ص 114.
( 277 )
أما الفرقة الحادية عشرة : فقد قالت أيضاً بموت الحسن بن علي ( العسكري ) وأن لا خلفاً ذكراً يقال له علي ، وكذبوا القائلين بمحمد وزعموا أنه لا ولد للحسن غير علي وأنه قد عرفه خاصة أبيه وشاهدوه وهي فرقة قليلة بناحية سواد الكوفة (1). وقالت الفرقة الثانية عشرة : « إن للحسن بن علي ولداً ولد بعده بثمانية أشهر وأنه مستتر لا يعرف اسمه ولا مكانه ، واعتلوا في تجويز ذلك بحديث يروي عن ابي الحسن الرضا أنه قال إنكم ستبتلون بالجنين في بطن أمه والرضيع » (2). الفرقة الثالثة عشرة ، قالت : « لا ولد للحسن بن علي أصلاً ... ولو جاز أن يقول في مثل الحسن بن علي ( العسكري ) وقد توفي ولا ولد له ظاهر معروف وأن له ولداً مستوراً لجاز مثل هذه الدعوى في كل ميت من غير خلف ولجاز مثل ذلك في النبي أن يقال خلف ابنا رسولاً » (3). أما الفرقة الرابعة عشرة : فقد اختلف عليها الأمر فقالت « إلا انا نقول أن الحسن بن علي ( العسكري ) كان إماماً مفترض الطاعة ثابت الإمامة وقد توفي وصحت وفاته والأرض لا تخلو من حجة فنحن نتوقف ولا نقدم على القول بإمامة أحد بعده إذ لم يصح عندنا أن له خلفاً وخفي علينا أمره حتى يصح لنا الأمر ويتبين ونتمسك بالأول كما أمرنا ، أنه إذا هلك الإمام ولم يعرف الذي بعده فتمسكوا بالأول حتى يتبين لكم الآخر ، فنحن نأخذ بهذا ونلزمه ولا ننكر إمامة أبي محمد ( الحسن العسكري ) ولا موته ولا نقول إنه رجع بعد موته ولا نقطع على إمامة أحد من ولده » (4). نلاحظ أنه بعد أن وضحت فكرة الإمامة عند الشيعة وعرفوا منزلة الإمامة وصفاته كما علموا بوجوب الإمامة وعدم خلو الأرض منها ، وأن الإمامة محصورة في أولاد الحسين وأنها لا يمكن أن تكون إلا في ____________ (1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 114. (2) ن. م ص 114. (3) ن. م ص 115. (4) سعد القمي : المقالات والفرق ص 115.
( 278 )
الأعقاب وأعقاب الأعقاب ، لكن الشيعة واجهت في هذه الفترة أي بعد وفاة الحسن العسكري سنة 260 هـ مشكلة هي اخفاء شخص الإمام وعدم معرفته وقد عللت الإمامية هذا الأختفاء تقية من السلطة الحاكمة وشدة طلبها للأئمة. وقد سبب اختفاء الإمام ظهور الانقسامات والإختلافات الواسعة بين فرق الشيعة فظهرت فرق متعددة ذات دعوات متعددة (1).
ز ـ إمامة محمد بن الحسن المهدي ( صاحب الزمان ) : أما الفرقة الخامسة عشرة فهي الإمامية (2). ونلاحظ هنا ترد لفظة الإمامية لأول مرة عند سعد القمي والنوبختي أي بعد أن كملت السلسلة ووضح أمر الإمامة. فالشيعة الإمامية قالت : « إن لله في أرضه بعد مضي الحسن بن علي ( العسكري ) حجة على عباده وخليفة في بلاده قائم بأمره من ولد الحسن ابن علي بن محمد بن علي الرضا ، مبلغ عن آبائه مودع عن أسلافه ما استودعوه من علوم الله وكتبه وأحكامه وفرائضه وسننه » (3). فنلاحظ أن الشيعة الإمامية تؤكد وجوب الإمامة وكونها في أولاد الحسن العسكري كما أن الإمام حافظ للعلوم والأحكام والفرائض. ولما كانت الشيعة الإمامية ترى أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين ، « لذلك لا يجوز إلا أن يكون في عقب الحسن بن علي ابن محمد إلى فناء الخلق » (4). ____________ (1) وقد اعتمدت على المصادر الإمامية في بيان الانقسامات في فرق الشيعة ولو ان كتب الفرق الاُخرى كالفرق بين الفرق للبغدادي ، والملل والنحل للشهرستاني تتناول الإمامية وفرقهم إلا أن التطورات التي تذكرها المصادر الإمامية أوسع لتوضيح فكرة الإمامة عند الشيعة مما تذكره المصادر الاُخرى . وأحسن هذه المصادر هو كتاب فرق الشيعة للنوبختي وكتاب المقالات والفرق لسعد القمي لأن بقية المصادر تنقل عنهما. (2) سعد القمي : المقالات والفرق ص 102 وانظر النوبختي ص 90. (3) سعد القمي : المقالات والفرق ص 102. (4) ن. م ص 102 . وانظر : . Monthomery Watt : The Reppaisal of Abbasid shi,ism
( 279 )
لذلك تمسكت الشيعةالإماميةبإمامةالحسن العسكري وأقرت بوفاته كما آمنت أن له خلفاً من صلبه وأنه الإمام بعد أبيه الحسن العسكري لكنه مستتر خائف مغمور ومأمور بذلك حتى يأذن الله عزّ وجلّ له فيظهر ويعلن أمره (1). ومن هنا بدأت فكرة غيبة الإمام التي تطورت فيما بعد وأصبحت من عقائد الإمامية الأساسية المتعلقة بالإمامة. وقد عللت الإمامية اختفاء الإمام تقية كما أمر النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في حال نبوته بترك إظهار أمره والسكوت والإختفاء من أعدائه والإستتار وترك إظهار النبوة التي هي أجل وأعظم من الإمامة ومثلوا لذلك بالهجرة إلى الحبشة واختفاء النبي في الغار (2). كما احتجوا بحديث عن علي بن أبي طالب قال « إن الله لا يخلي الأرض من حجة له على خلقه ظاهراً معروفاً أو خافياً مغموراً لكي لا تبطل حجته وبيناته (3)». وقالوا : « هو غائب خائف مغمور مستور بستر الله متبع لأمره عزّ وجلّ ولأمر أبائه ، بل البحث عن أمره وطلب مكانه والسؤال عن حاله وأمره محرم لا يحل ولا يسع لأن في طلب ذلك وإظهار ما ستره الله عنا وكشفه وإعلان أمره والتنويه باسمه معصية لله والعون على سفك دمه ودماء شيعته وانتهاك حرمته » (4). وقالوا أيضاً في اختفائه : « والإمام أعلم بأمور نفسه وزمانه وحوادث أمور الله منا وقد قال أبو عبد الله جعفر بن محمد ( الصادق ) : وهو ظاهر الأمر معروف المكان مشهور الولادة والذكر لا ينكر نسبه ، شائع اسمه وذكره في الخاص والعام من سماني بإسمي فعليه لعنة الله وقد كان الرجل ____________ (1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 103. (2) سعد القمي : المقالات والفرق ص 103. (3) ن. م ص 104. (4) ن. م ص 104.
( 280 )
من أوليائه وشيعته يلقاه في الطريق فيحيد عنه ولا يسلم عليه تقية ، فإذا لقيه أبو عبد الله شكره على فعله» (1). وأوجبوا التقية في هذا الزمان « لشدة الطلب وضيق الأمر وجور السلطان عليهم وقلة رعايته لحقوق أمثالهم ، ومع ما لقي أبو الحسن من المتوكل وما حل بأبي محمد ( العسكري ) من صالح بن وصيف وما نالت الشعية من الأذى والتعنت » (2). كما تؤكد الشيعة الإمامية بأن إمامته قد صحت بشهادة الشهود « لأن الإشارة بالوصية من إمام إلى إمام بعده لا تصح ولا تثبت إلا بشهود عدول من خاصة الأولياء أقل ذلك شاهدان فما فوقهما » (3). وهكذا فالشيعة الإمامية تقول : « إن الإمامة في عقب الحسن بن محمد ما اتصلت أمور الله ولا ترجع إلى أخ ولا عم ولا ولد ، ولد ومات أبوه في حياة جده ولا يزول عن ولد الصلب ولا يكون أن يموت إمام إلا ولد له لصلبه وله ولد ولد » (4). فيلاحظ هنا التأكيد على إمامة الولد بعد الوالد. ويذكر سعد القمي « فهذه سبيل الإمامة وهذا المنهاج الواضح والغرض الواجب اللازم الذي لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإمامية » (5). ويقول المفيد : « ووصف الفريق من الشيعة بالإمامية فهو علم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام ثم حصر الإمامة في ولد الحسين بن علي » (6). ____________ (1) سعد القمي : المقالات والفرق ص 105. (2) سعد القمي : المقالات والفرق ص 105. (3) ن. م ص 106. (4) ن. م ص 106. (5) ن. م ص 106. (6) المفيد : أوائل المقالات ص 7.
( 281 )
فهذه أهم المبادئ التي بنت عليها الشيعة الإمامية نظرية الإمامة فيما بعد. وقد أثبتت الشيعة الإمامية إمامة محمد بن الحسن بن علي ( المهدي ) بعدة أدلة ونصوص منها ما رواه الكليني. فقد أورد عن علي بن محمد ... عن ضوء بن علي العجلي عن رجل من أهل فارس قال أتيت سر من رأى ولزمت باب أبي محمد ( الحسن العسكري ) فدعاني من غير أن استأذن ، فلما دخلت وسلمت قال لي : يا أبا فلان ما الذي أقدمك ؟ قلت : رغبة في خدمتك قال : فقال : فألزم الدار قال : فكنت في الدار مع الخدم ثم صرت أشتري لهم الحوائج من السوق وكنت أدخل عليه من غير إذن إذا كان في دار الرجال ، فدخلت عليه يوماً وهو في دار الرجال فسمعت حركة في البيت فناداني مكانك لا تبرح ، فلم أجسر أن أخرج ولا أدخل ، فخرجت علي جارية معها شيء مغطى ثم ناداني أدخل فدخلت ونادى الجارية فرجعت فقال لها : أكشفي عما معك فكشفت عن غلام أبيض حسن الوجه ... فقال : هذا صاحبكم ثم أمرها فحملته فما رأيته بعد ذلك حتى مضى أبو محمد ( الحسن العسكري ) » (1). كما روي أيضاً عن علي بن محمد عن محمد بن علي بن بلال قال « خرج إلي من أبي محمد قبل مضيه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده ، ثم خرج إلي من قبل مضيه بثلاثة أيام يخبرني بالخلف من بعده » (2). وعن علي بن يحيى ... عن أبي هاشم الجعفري قال « قلت لأبي محمد : جلالتك تمنعني من مسألتك فتأذن لي أن أسألك ؟ فقال : سل قلت : يا سيدي هل لك ولد ؟ فقال : نعم قلت : فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه قال : بالمدينة » (3). ____________ (1) الكليني : الكافي ج 1 ص 328. (2) ن. م ج 1 ص 328. (3) ن. م ج 1 ص 328.
( 282 )
وعن علي بن محمد ... عن عمرو الأهوازي قال « أراني أبو محمد ابنه وقال هذا صاحبكم بعدي » (1). وبالإضافة إلى هذا يفرد الكليني باباً خاصاً في تسمية من رأى المهدي. فروي عن علي بن محمد عن محمد بن إسماعيل بن موسى بن جعفر وكان أسن شيخ من ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بالعراق فقال : رأيته بين المسجدين وهو غلام (2). وعن علي بن محمد عن فتح مولى الرازي قال : سمعت أبا علي بن مطهر يذكر أنه قد رآه ووصف له قده (3). ولكن بالرغم من كل هذه التأكيدات على شخصية المهدي ووجوده وكونه ابن الحسن العسكري ، إلا أنه قد نهي عن ذكر اسمه. فيذكر الكليني عن علي بن محمد ... عن داود بن القاسم الجعفري قال « سمعت أبا الحسن العسكري يقول : الخلف من بعدي الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ؟ فقلت : ولم جعلني الله فداك ؟ قال : إنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه ، فقلت : « فكيف نذكره ؟ فقال : قولوا الحجة من آل محمد ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ » (4). كما أن الحسن العسكري قد مهد السبيل لغيبة ابنه ولجعل الغيبة شيئاً مألوفاً فيذكر المسعودي : « إن أبا الحسن صاحب العسكر احتجب عن كثير من الشيعة إلا عن عدد يسير من خواصه فلما أفضى الأمر إلى أبي محمد كان يكلم شيعته الخواص وغيرهم من وراء الستر إلا في الأوقات التي يركب فيها إلى دار السلطان وأن ذلك كان منه ومن أبيه قبله مقدمة لغيبة صاحب الزمان لتألف الشيعة ذلك ولا تنكر الغيبة وتجري العادة بالاحتجاب والإستتار » (5). ____________ (1) الكليني : الكافي ج 1 ص 328. (2) الكليني : الكافي ج 1 ص 330. (3) ن. م ج 1 ص 331. (4) ن. م ج 1 ص 333. (5) المسعودي : إثبات الوصية ص 225.
( 283 )
وبالإضافة إلى ما مر أحاديث تشير إلى إمامة المهدي بوصية إبيه الحسن العسكري فقد استدلت الشيعة على إمامته أيضاً بالحديث المأثور عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بأن الأئمة اثنى عشر إماماً ، فقد ذكر سليم بن قيس « أن علياً سأل رسول الله عن الأوصياء بعده فأخبره أنهم اثنا عشر إماماً منهم المهدي » (1). ويورد الصدوق عن جابر الأنصاري قال « قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المهدي من ولدي اسمه اسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم » (2). ويذكر النص على القائم من أمير المؤمنين علي عن كميل بن زياد النخعي قال « قال لي أمير المؤمنين : لا تخلو الأرض من قائم لله بحججه ظاهر أو خاف مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته »(3). كما يذكر أيضاً أن القائم قد نص عليه في اللوح الذي أهداه الله إلى رسول ودفعه إلى فاطمة (4). وعن الحسين بن علي عن رجل من همدان قال : « سمعت الحسين بن علي يقول : قائم هذه الأمة التاسع من ولدي وهو صاحب الغيبة يقسم ميراثه وهو حي » (5). وعن الباقر عن عبد الله بن عطاء قال : « قلت لأبي جعفر ( الباقر ) : شيعتك بالعراق كثيرة فوالله ما في أهل بيتك مثلك فكيف لا تخرج فقال : يا عبد الله بن عطاء قد أمكنت الحشوة من أذنيك والله ما أنا بصاحبكم قلت : فمن صاحبنا قال : انظروا من تخفى على الناس ولادته فهو صاحبكم » (6). ____________ (1) سليم بن قيس : السقيفة ص 94. (2) الصدوق : كمال الدين وتمام النعمة ج 1 ص 403 وانظر الكنجي : البيان في أخبار صاحب الزمان ص 102 وما بعدها. (3) الصدوق : كمال الدين وتمام النعمة ج 1 ص 410. (4) ن. م ج 1 ص 425. (5) ن. م ج 1 ص 434. (6) الصدوق : كمال الدين ج 1 ص 441.
( 284 )
وعن الصادق قال « إذا اجتمعت ثلاثة إسامِ متوالية محمد وعلي والحسن فالرابع القائم » (1). وعن موسى بن جعفر وقد سأله دواد بن كثير الرقي عن صاحب هذا الأمر فقال : « هو الطريد الوحيد الغريب الغايب عن أهله الموتور بأبيه » (2). وعن الرضا عن الريان بن الصلت قال سمعته يقول : سئل أبو الحسن الرضا عن القائم فقال : لا يرى جسمه ولايسمى باسمه » (3). وعن محمد الجواد قال « إن من بعد الحسن ابنه القائم بالحق المنتظر فقيل له : لم سمي المنتظر قال : لأن له غيبة يكثر أيامها ويطول أمدها » (4). وعن الإمام علي الهادي عن داود بن القاسم الجعفري قال « سمعت أبا الحسن ( علي الهادي ) يقول : الخلف من بعدي ابني الحسن فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف فقلت : ولم فقال : لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكر اسمه » (5). وهكذا تؤكد الشيعة الإمامية إمامة القائم بالنصوص الواردة في إمامته عن النبي صلّى الله وعليه وآله وسلّم والأئمة. أما الشيخ المفيد فيستدل على إمامته « ومن الدلايل على ذلك ما يقتضيه العقل بالإستدلال الصحيح من وجود إمام معصوم كامل غني عن رعاياه في الأحكام والعلوم ... وعدم هذه الصفات من كل أحد سوى من أثبتت إمامته أصحاب الحسن بن علي وهو ابنه المهدي » (6). ويستدل الطوسي على إمامته بكونه معصوماً لا يجوز عليه الغلط (7). ____________ (1) الصدوق : كمال الدين ج 2 ص 3. (2) ن. م ج 2 ص 30. (3) ن. م ج 2 ص 41. (4) ن. م ج 2ص 50. (5) ن. م ج 2 ص 53. (6) المفيد : الإرشاد ص 347. (7) الطوسي : تلخيص الشافي ج 4 ص 217.
( 285 )
ولما كان القول بالغيبة قد ظهر في فترة سابقة لهذه الفترة عند بعض فرق الشيعة ، فلذلك تبطل الشيعة الإمامية قول كل من ادعى الغيبة وتؤكد أنها وقعت في محمد المهدي ( ابن الحسن العسكري ). وقد مر بنا دعوى السبأية التي قالت بعودة علي بن أبي طالب بعد موته ، فيقول الطوسي والذي يفسد قول هؤلاء : « بما ذللنا عليه من موت من ذهبوا إلى حياته ، وبما بينا أن الأئمة اثنا عشر وصحة إمامة ابن الحسن » (1). ويبطل كذلك إمامة محمد بن الحنفية ، وكذلك من ذهب إلى القول بأنه المهدي ، ويقول : « إذا بينا أن المهدي من ولد الحسين بطل قول المخالف في إمامته (2) ، كما يقول أن الإمامة لا تعود في أخوين بعد الحسن والحسين ، ولا يكون بعد علي بن الحسين إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب » (3). ويبطل قول الناووسية الذين وقفوا على إمامة جعفر الصادق وقالوا إنه المهدي ، « لصحة إمامة ابنه موسى بن جعفر وما ثبت من إمامة الاثنى عشر ، ويؤكد ذلك ما ثبت من صحة وصيته إلى من أوصى إليه » (4). وكذلك يبطل قول الواقفة على موسى بن جعفر لنفس الأسباب ، وقول المحمدية الذين قالوا بإمامة محمد بن علي العسكري ، ويقول : ثبت أن محمداً مات في حياة أبيه (5). ثم يرد على من قال بأن الإمام الحسن العسكري حي ، وعلى من قال بأنه مات ويرجع بعد موته ، ومن قال بإمامة جعفر بن علي أخو الحسن العسكري ، كما يرد من قال بأنه لا ولد له ، وأن الإمامة انقطعت بعد وفاة الحسن العسكري (6). ____________ (1) الطوسي : الغيبة ص 117. (2) ن. م ص 118. (3) ن. م ص 118. (4) ن. م ص 119. (5) الطوسي : الغيبة ص 120. (6) ن. م ص 130 ـ 135.
( 286 )
وهكذا يؤكد الطوسي أن الإمامة في المهدي بن الحسن العسكري وأنه القائم ، إلا أنه غائب مستور. وتعلل الشيعة الغيبة بالتقية ولما كان المهدي عند الشيعة هو الإمام المنتّظر لدولة الحق الذي سيملأ الارض عدلاً فقد غاب حتى يخرج « وليس لأحد في عنقه بيعة » (1). أما المرتضى فيذكر أن « السبب في الغيبة ، هو إخافة الظالمين له ومنعهم يده من التصرف فيما جعل إليه التصرف فيه لأن الإمام إنما ينتفع به النفع الكلي إذا كان متمكناً مطاعاً مخلى بينه وبين أغراضه يقود الجنود ويحارب البغاة ... وكل ذلك لا يتم إلا مع التمكن فإذا حيل بينه وبين أغراضه سقط عنه فرض القيام بالإمامة ، وإذا خاف على نفسه وجبت غيبته والتحرز من المضار واجب عقلاً وسمعاً ». ثم يضرب مثلاً باستتار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في الشعب والغار وأن هذا الإستتار سببه الخوف. كما يذكر أنه لا فرق بين قصر الغيبة وطولها لأنها مقرونة بسببها فتقصر بقصره وتزول بزواله (2). ويعلل المفيد سبب الغيبة ويقول « إن استتار ولادة المهدي بن الحسن ( العسكري ) عن جمهور أهله وغيرهم وخفاء ذلك واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف ولا مخالفاً لحكم العادات. ويقول : من الناس من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم في حقه وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد فلا يزال مستوراً حتى يتمكن من إظهاره على أمان منه » (3). ويفسر الطوسي سبب الغيبة بالتقية ويقول : « وإمام الزمان كل الخوف عليه لأنه يظهر بالسيف ويدعو إلى نفسه ويجاهد من خالف عليه » (4). ____________ (1) الصدوق : كمال الدين وتمام النعمة ج 1 ص 439. (2) المرتضى : مسألة في الغيبة ( نفائس المخطوطات المجموعة الرابعة ص 11 ). (3) المفيد : الفصول العشرة في الغيبة ص 6 ـ 7. (4) الطوسي : تلخيص الشافي ج 4 ص 217.
( 287 )
فنلاحظ هنا التأكيد على الظهور بالسيف ، بعد أن امتنعت الشيعة الإمامية عن إشهار السيف بوجه الظالم في الفترة السابقة. كما يذكر الطوسي « لا علة تمنع من ظهوره ( المهدي ) إلا خوفه على نفسه من القتل لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الإستتار ، وكان يتحمل المشاق والأذى ، فإن منازل الأئمة وكذلك الأنبياء إنما تعظم لتحملهم المشاق العظمية في ذات الله تعالى » (1). كما تذكر الشعية أن للقائم غيبة صغرى وأخرى طويلة الأمد ، فقد ذكر النعماني عن محمد بن يعقوب ... عن إسحاق بن عمار قال قال : أبو عبد الله : « للقائم غيبتان إحداهما طويلة والاُخرى قصيرة ، فالأولى يعلم بمكانه فيها خاصته من شيعته والاُخرى لا يعلم يمكانه فيها إلا خاصة مواليه في دينه » (2). كما تروي الشيعة أن للقائم أيام غيبته سفراءاً بينه وبين شيعته وهؤلاء من خاصة الشيعة الموثوق بهم وعن طريقهم يجري الإتصال بين المهدي وشيعته (3). كما كانت تصدر منه ( المهدي ) توقيعات إلى شيعته فيما يشكل عليهم من أمور الدين ويذكر الطوسي عدداً من هذه التوقيعات ، ومن جملة ما ذكره عن محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابوية القمي : قال : اختلف جماعة من الشيعة في أن الله عزّ وجلّ فوض إلى الأئمة أن يخلقوا أو يرزقوا ، فقال قوم : هذا محال لا يجوز على الله تعالى ، لأن الأجسام لا يقدر على خلقها غير الله عزّ وجلّ ... وتنازعوا في ذلك ، فكتبوا المسألة وأنفذوها إليه مع أبي جعفر محمد بن عثمان العمري ( من السفراء أيام الغيبة ) فخرج إليهم من جهته ( المهدي ) توقيع نسخة : ____________ (1) الطوسي : الغيبة ص 199. (2) النعماني : الغيبة ص 89. (3) الطوسي : الغيبة ص 214 وما بعدها وانظر الحائري : إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب ص 424 وما بعدها.
( 288 )
« إن الله تعالى خلق الأجسام وقسم الأرزق لأنه ليس بجسم ولا حال في جسم ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ، وأما الأئمة فإنهم يسألون الله تعالى فيخلق ويسألونه فيرزق أيجاباً لمسألتهم وإعظاماً لحقهم » (1). وبالرغم من غيبة المهدي إلا أن الشيعة تعتقد بظوره وعودته وأنه سيحيي العدل ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً وتستدل على هذا بعدة أدلة منها ما بشر به النبي من ظهور القائم ، كما وتؤكد هذا بآيات من القرآن تفسرها بقيام القائم ، وما ورد من أحاديث عن آبائه الأئمة بظهوره. فيروي الصدوق عن جابر الأنصاري قال قال : رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : « المهدي من ولدي اسمه إسمي وكنيته كنيتي أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً تكون به غيبة وحيرة تضل فيها الأمم ثم يقبل كالشهاب الثاقب فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (2). كما تروي الشيعة الإمامية عدداً من الآيات وتفسرها بقيام المهدي منها ما ذكره فرات عن أبي جعفر ( الباقر ) في قول الله تعالى : ( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ) (3) ، قال : نحن وشيعتنا قال أبو جعفر : ثم شيعتنا أهل البيت ( في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ) (4) يعني من شيعة علي بن أبي طالب ( ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين ) (5) فذاك ____________ (1) الطوسي : الغيبة ص 187 وما بعدها وانظر الجزائري : الأنوار النعمانية ج 2 ص 21 وانظر أيضاً الحائري : إلزام الناصب في إثبات الحجة الغائب ص 435 وما بعدها ، كما يذكر ابن طاووس في مهج الدعوات ومنهج العبادات أدعية للإمام المهدي انظر ص 194 ـ 295. (2) الصدوق : كمال الدين ج 1 ص 403 ، والنظر لطف الله : منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر ص 58 وما بعدها وأكثرها أحاديث عن النبي تنشر بظهر القائم. (3) سورة الواقعة 56 : 27. (4) سورة المدثر 74 : 42. (5) سورة المدثر 74 : 44.
( 289 )
يوم القائم وهو يوم الدين ( وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتانا اليقين ) (1) أيام القائم » (2). ويذكر علي بن إبراهيم القمي في تفسير الآية ( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا ان أخرج قومك من الظلمات إلى النور وذكرهم بأيام الله ) (3) ، قال أيام الله ثلاثة يوم القائم ويوم الموت ويوم القيامة » (4). كما يذكر رواية عن أبي عبد الله ( الصادق ) في تفسير قوله تعالى : ( اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير ) (5) قال إن العامة يقولون : نزلت في رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما أخرجته قريش من مكة ، وإنما هو القائم إذا خرج يطلب بدم الحسين (6). وعن أبي الجارود في قوله تعالى : ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ) (7) فهذه لآل محمد إلى آخر الأئمة والمهدي وأصحابه يملكهم الله مشارق الأرض ومغاربها ويظهر به الدين ويميت الله به وبأصحابه البدع والباطل كما أمات السفهاء الحق حتى لا يرى أين الظلم ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر » (. كما يفسر قوله تعالى ( واقتربت الساعة ) (9) يعني خروج القائم (10). ويرد في تفسير العياشي عدداً من الأيام تتعلق بظهور القائم كما يفسرها. فيذكر عن جابر عن أبي جعفر ( الباقر ) في قول الله ( وأذان من الله ____________ (1) سورة المدثر 74 : 46. (2) فرات : تفسير فرات نقلاً عن بحار الأنوار للمجلسي ج 59 ص 61 ( طبع إيران باجزاء لم تتم بعد ) ولم أجد هذا في التفسير المطبوع. (3) سورة إبراهيم 14 : 5. (4) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص 221. (5) سورة الحج 22 : 39. (6) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص 274. (7) سورة الحج 22 : 41. ( القمي : تفسير القمي ص 274. (9) سورة القمر 54 : 1. (10) علي بن إبراهيم القمي : تفسير القمي ص 343.
( 290 )
ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ) (1) ، قال : خروج القائم و « أذان » دعوته إلى نفسه (2)، ويذكر عن زرارة قال : قال أبو عبد الله ( الصادق ) : سئل أبي عن قول الله : ( قاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) (3). حتى لا يكون مشرك ( ويكون الدين كله لله ) ، ثم قال : إنه لم يجئ تأويل هذه الآية ولو قد قام قائمنا سيرى من سيدركه ما يكون من تأويل هذه الآية ، وليبلغن دين محمد ما بلغ الليل حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض كما قال الله (4). وبالإضافة إلى هذا تؤكد الشيعة ظهور المهدي بما ورد من أحاديث عن الأئمة فيذكر النعماني عن أم هانئ عن أبي جعفر الباقر في معنى قول الله « فلا أقسم بالخنس » فقال : يا أم هانئ امام يخنس نفسه حتى ينقطع عن الناس علمه سنة ستين ومائتين ثم يبدو كالشهاب الواقد في الليلة الظلماء فإن أدركت ذلك الزمان قرت عينيك (5). وعن أبي عبد الله الصادق عن آبائه قال « زاد الفرات على عهد أمير المؤمنين علي فركب هو وابناه الحسن والحسين فمر بثقيف فقالوا : قد جاء علي يرد الماء فقال علي : أما والله لأقتلن أنا وابناي هذان وليبعثن الله رجلاً من ولدي في آخر الزمان يطالب بدمائنا ... وليغيبن عنهم حتى يقول الجاهل : ما لله في آل محمد من حاجة » (6). كما جعلت الشيعة الإمامية لظهور القائم علامات ودلائل ، وإنه سيخرج في فترة تسوء فيها الأوضاع ويعود الإسلام غريباً كما بدأ غريباً (7). ____________ (1) سورة التوبة 9 : 3. (2) العياشي : تفسير العياشي ج 2 ص 76. (3) سورة التوبة 9 : 36. (4) العياشي : تفسير العياشي ( عن المجلسي في بحار الأنوار ج 51 ص 66 ) وانظر أيضاً الطبسي الشيعة والرجعة ج 2 ص 48 ـ 174 حيث ذكر 76 آية فسرها بظهور المهدي. (5) النعماني : الغيبة ص 75. (6) ن. م ص 70. (7) ن. م ص 174.
( 291 )
كما أن من علائم ظهوره قيام دولة بني العباس ، والصيحة في شهر رمضان وظهور النجم وظهور السفياني في البصرة ومصر ، وأن المهدي لا يخرج حتى تباع المرأة بوزنها طعاماً ، وأن المهدي سيظهر بعد اليأس منه ويخرج في جيش عظيم يطالب بثأر آل البيت (1). إلا أن الشيعة لم تعين الوقت الذي سيظهر فيه المهدي ونهت عن التوقيت كما نهت عن التسمية (2). ويقول المرتضى : « وطول الغيبة كقصرها لأنها متعلقة بزوال الخوف الذي ربما تقدم أو تأخر ». كما يعلل زيادة عمر الغائب عن المعتاد بأن هذا قد يجوز للأئمة والصالحين (3). وهكذا نشأت فكرة المهدي عند الشيعة الإمامية ، والذي سيعود ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وأصبحت هذه من أهم عقائد الإمامية. وقد دفع إليها طبيعة « الوضع الفاسد في البشر البالغة الغاية في الفساد والظلم ، مع الإيمان بصحة هذا الدين وأنه الخاتمة للأديان يقتضي انتظار هذا المصلح لإنقاذ العالم مما هو فيه » (4). كما ترى الشيعة الإمامية أنه ليس معنى انتظار المهدي ، أن يقف المسلمون مكتوفي الأيدي فيما يعود إلى الحق من دينهم ، وما يجب عليهم من نصرته والجهاد في سبيله والأخذ بأحكامه ... بل المسلم مكلف أبداً بالعمل بما أنزل من الأحكام ... وأن انتظار المهدي لا يسقط تكليفاً ولا يؤجل عملاً ولا يجعل الناس هملاً كالسوائم » (5). ____________ (1) ابن طاووس : الملاحم والفتن ص 17 ، 22 ، 25 ، 29 ، 35 ، 39 ، 41 ... . وانظر القمي : الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية ص 351 ، 352 ، 353. (2) النعماني : الغيبة 157. (3) المرتضى : جمل العلم والعمل ص 46. (4) المظفر : عقائد الإمامية ص 78. (5) المظفر : عقائد الإمامية ص 79.
( 292 )
وهكذا كانت حصيلة هذه التطورات والانقسامات بين الشيعة ظهور الشيعة الإمامية التي اصبحت فرقة خاصة لها أصولها ومبادؤها المعروفة ثم تطورت هذه الأفكار الأولى حتى كونت النظرية الخاصة بالشيعة الإمامية والتي بنيت على الإمامة التي هي مدار الخلاف.
2 ـ عقائد الإمامية : وهكذا كانت التطورات السابقة هي الأساس الذي بنت عليه الشيعة الإمامية عقائدها ، وأهمها مسألة الإمامة فقد تكونت نظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية كما اتصلت بها أمور اُخرى كالعصمة والتقية والرجعة. ( أ ) الإمامة : فالإمامة عند الشيعة الإمامية « رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم (1). كما تؤكد الشيعة الإمامية أن الإمامة واجبة وأن الأرض لا تخلو من حجة (2). كما تقول الإمامية أن الإمامة لطف واللطف واجب في الحكمة (3). والذي يدل على أن الإمامة لطف « أن الناس متى كان لهم رئيس منبسط اليد ، قاهر عادل ، يردع المعاندين ، ويقمع المتغلبين ، وينتصف للمظلومين الظالمين . اتسقت الأمور ، وسكنت الفتن وردت المعائش ، وكان الناس ـ مع وجوده ـ إلى الصلاح أقرب ، ومن الفساد أبعد . ومتى خلوا من رئيس ـ صفته ما ذكرناه ـ تكدرت معائشهم وتغلب القوي على الضعيف وانهمكوا في المعاصي ووقع الهرج والمرج وكانوا إلى الفساد ____________ (1) السيوري : النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر ص 61 وانظر البرسي مشارق أنوار اليقين ص 162 ، الجزائري : المبسوط ص 9. (2) الكليني : الكافي ج 1 ص 178. (3) المفيد : النكت الإعتقادية ص 47 ، المرتضى : الشافي ص 2 جمل العلم والعمل ص 45 ، نصير الدين الطوسي فصول العقائد ص 36.
( 293 )
أقرب ومن الصلاح أبعد. وهذا أمر لازم لكمال العقل » (1). وترى الشيعة الإمامية أن النبوة لطفاً (2) ، ولما كانت الإمامة لطف ، فلذلك كل ما دل على وجوب النبوة فهو دال على وجوب الإمامة خلافة عن النبوة قائمة مقامها إلا في تلقي الوحي الالهي بلا واسطة (3). كما ترى الشيعة الإمامية أن الإمامة عهد من الله إلى الأئمة وتستدل على ذلك بقول الصادق قال « أترون أن الوصي منا يوصي إلى من يريد ؟ لا ولكنه عهد من الله إلى الأئمة » . وتستدل على ذلك بقول الصادق قال « أترون أن الوصي منا يوصي إلى من يريد ؟ لا ولكنه عهد من الله ورسوله لرجل فرجل حتى ينتهي الأمر إلى صاحبه » (4). كما أن الإمامة بالنص من الله ورسوله وأن الأئمة منصوص عليهم وقد بينا ذلك سابقاً. ثم إن الإمامة محصورة في أولاد الحسين بن علي ، وأنها ثابتة في الأعقاب وأعقاب الأعقاب وأنها لا تعود في أخ ولا عم ولا غيرها من القرابات ، بعد الحسنين (5). فهذه هي أهم الخطوط الرئيسية لنظرية الإمامة عند الشيعة الإمامية ولما كانت الإمامة ذات منزلة كمنزلة النبوة فلذلك يجب أن يتولاها من يكون أهلاً لذلك فكان ذلك للإمام الذي له « الرياسة العامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم » (6). وتجعل الشيعة الإمامية صفات وشروطاً للإمام ، فالإمام يجب أن يكون معصوماً لأنه لو جازعليه الخطأ لافتقر إلى إمام آخر يسدده ، كما أنه ____________ (1) الطوسي : تلخيص الشافي ج 1 ص 70. (2) المفيد : النكت الإعتقادية ص 39. (3) السيوري : النافع يوم الحشر ص 62. (4) الكليني : الكافي ج 1 ص 277. (5) ن. م ج 1 ص 285. (6) المفيد : النكت الإعتقادية ص 47.
( 294 )
لو جاز عليه فعل الخطيئة ( فإن ) وجب الإنكار عليه سقط محله من القلوب (1). ولما كان الإمام حافظاً للشرع ، لو لم يكن معصوماً لم تؤمن منه الزيادة والنقصان (2). ويقول الطوسي ومما يدل على أن الإمام يجب أن يكون معصوماً : « ما ثبت من كونه مقتدى به . ألا ترى أنه إنما سمي إماماً لذلك ، لأن الإمام هو المقتدى به » (3). ويقول ابن المطهر بوجوب عصمة الإمام لأن الأئمة كالأنبياء في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش من الصغر إلى الموت عمداً وسهواً لأنهم حفظة الشرع والقوامون به حالهم في ذلك كحال النبي (4). ولما كانت الحاجة إلى الإمام « للإنتصاف للمظلوم من الظالم ورفع الفساد وحسم مادة الفتن وأن الامام لطف يمنع القاهر من التعدي ويحمل الناس على فعل الطاعات واجتناب المحرمات ويقيم الحدود والفرئض ويؤاخذ الفساق ويعذر من يستحق التعذير فلو جازت عليه المعصية وصدرت عنه انتفت هذه الفوائد وافتقر إلى إمام آخر ... » (5). ويذكر ابن المطهر دلائل العصمة ويكثر في الكلام في هذا الباب ، فيذكر في عصمة الإمام « وهي ما يمتنع المكلف معه من المعصية متمكناً منها ولا يمتنع منها مع عدمها » (6). ويروي ابن المطهر في هذا الباب عدة أدلة فيذكر أن الإمامة لما كانت عهد من الله فكل إمام ينصبه الله فهو معصوم (7). ____________ (1) المفيد : النكت الإعتقادية ص 48. (2) ن. م ص 49. (3) الطوسي : تلخيص الشافي ج 1 ص 201. (4) ابن المطهر : احقاق الحق ج 1 ص 197. (5) ن. م ج 1 ص 197. (6) ابن المطهر : الألفين ص 50. (7) ن. م ص 52.
( 295 )
ثم إن الإمام لو كان غير معصوم « لزوم تخلف المعلول عن علته التامة لكن التالي باطل فالمقدم مثله بيان الملازمة أن تجيز على المكلف موجب لإيجاب كونه مرؤوساً لإمام والإمام لا يكون مرؤوساً لإمام وإلا لكان هو الإمام من غير احتياج إليه » (1). ثم إن الله هو الناصب للإمام ... وأن الله تعالى لا يفعل القبيح فلا بد أن يكون الإمام معصوماً (2). وان قول الله تعالى ( أطيعو الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر ... ) وكل من أمر الله بطاعته فهو معصوم لاستحالة إيجاب طاعة غير المعصوم (3). كما أن في قوله تعالى : ( إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الظالين ) فغير المعصوم ضال فلا يسأل إتباع طريقة قطعاً (4). وهكذا تستدل الشيعة على عصمة الأئمة وتجعل العصمة شرطاً من شروط الإمامة وصفة أساسية للإمام. دكما أن الإمام عند الشيعة الإمامية يجب أن يكون أفضل من كل واحد من رعيته لأنه مقدم على الكل (5). ويقول الطوسي والكلام في كون الإمام أفضل من رعيته ينقسم إلى قسمين ، أحدهما يجب أن يكون أفضل منهم بمعنى أنه أكثر ثواباً عند الله. والقسم الآخر أنه يجب أن يكون أفضل منهم في الظاهر في جميع ما هو إمام فيه (6). ____________ [size=undefined] (1) ابن المطهر : الألفين ص 57. (2) ن. م ص 60. (3) ن. م ص 60. (4) ن. م ص 60 وما بعدها كثير من الأدلة التي لا مجال لذكرها هنا فقد ذكر ابن المطهر 2000 دليل ولكن الموجود فقط أقل من هذا العدد. (5) السيوري : النافع يوم الحشر ص 67. (6) الطوسي : تلخيص الشافي ج 1 ص 209. [/size]