الشيعة الإثنا عشرية ومسألة الإمامة ..
إن الإمامة عند الشيعة الاثنى عشرية كالنبوة، والإمام عندهم كالنبي غير أنه لا يطلق عليه لفظ النبوة كما صرح بذلك الكليني في كافيه، حيث روى عن محمد بن مسلم أنه قال:
وسمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الأئمة بمنزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إلا أنهم ليسوا بأنبياء، ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فأما ما خلا ذلك فهم بمنزلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " [الكافي في الأصول كتاب الحجة باب في أن الأئمة بمن يشبهون ممن مضى ج1 ص270].
وروي أيضاً عن جعفر أنه قال:
"نحن خزان علم الله، نحن تراجمة أمر الله، نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا، ونهى عن عصيتنا، نحن الحجة البالغة على من دون السماء وفوق الأرض" [الأصول من الكافي ج2 ص269].
وأورد رواية أخرى عن مفضل بن عمر عن جعفر أنه سئل عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهوفي بيته مرخي عليه ستره، فقال:
"يا مفضل، إن الله تبارك وتعالى جعل في النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسة أرواح، روح الحياة فيه دب ودرج، وروح القوة فيه نهض وجاهد، وروح الشهوة فيه أكل وشرب وأتى النساء من الحلال، وروح الإيمان فيه آمن وعدل، وروح القدس فيه حمل النبوة، فإذا قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - انتقل روح القدس فصار إلى الإمام [وهل يمكن أن يقال بعد هذا: بأنهم يعتقدون باعتقاد ختم نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وأنهم ليسوا بأول من أنكر ختم النبوة عليه واعتقدوا بجريانها بعده؟]، وروح القدس لا ينام ولا يغفل، ولا يلهوولا يزهو، وأربعة الأرواح تنام وتغفل، وتزهووتلهو، وروح القدس كان يرى به" [الأصول من الكافي كتاب الحجة باب فيه ذكر أرواح الأئمة عليهم السلام ج1 ص272].
وكما روى الكليني هذا أيضاً عن جعفر أنه سأله رجل من أهل هيت عن قول الله عز وجل: {وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا}، فقال: منذ أنزل الله عز وجل ذلك الروح على محمد - صلى الله عليه وسلم - ما صعد إلى السماء وإنه لفينا، وفي رواية: كان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره ويسدده - وهومع الأئمة من بعده - وهومن الملكوت" [الأصول من الكافي كتاب الحجة باب الروح التي يسدد الله بها الأئمة عليهم السلام ج1 ص273].
وهناك روايات أخرى صريحة أكثر من ذلك قد ذكرنا بعضاً منها فيما سبق، ونكتفي ههنا بذكر روايتين من الصفار عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال:
"إن جبريل أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برمانتين فأكل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحداهما وكسر الأخرى نصفين، فأكل نصفها وأطعم رسول الله علياً نصفها، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
يا أخي: هل تدري ما هاتان الرمانتان؟
قال: لا.
قال: أما الأولى فالنبوة، ليس لك فيها شيء، وأما الأخرى فالعلم، أنت شريكي فيه، فقلت: أصلحك الله كيف يكون شريكه فيه؟
قال: لا يعلم الله محمداً علماً إلا وأمره أن يعلم علياً" [بصائر الدرجات الكبرى باب في أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشاركه في العلم ولم يشاركه في النبوة، وذكر الرمانين ص312].
وروي أيضاً عن علي بن الحسين:
"إن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان أمين الله في أرضه، فلما قبض محمد - صلى الله عليه وسلم - كنا أهل البيت ورثته، ونحن أمناء الله في أرضه، عندنا عل البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام، وإنا لنعرف الرجل إذا رأيناه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق، وأن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم، أخذ الله علينا وعليهم الميثاق، يردون موردنا، ويدخلون مدخلنا، نحن النجباء، وأفراطنا أفراط الأنبياء، ونحن أبناء الأوصياء، ونحن المخصصون في كتاب الله، ونحن أولى الناس بالله، ونحن أولى الناس بكتاب الله، ونحن أولى الناس بدين الله، ونحن الذين شرع لنا دينه، فقال في كتابه: شرع لكم يا آل محمد من الدين ما وصى به نوحاً، وقد وصانا بما أوصى به نوحاً، والذي أوحينا إليك يا محمد وما وصينا به إبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى وإسحاق ويعقوب، فقد علمنا وبلغنا ما علمنا، واستودعنا علمهم، نحن ورثة الأنبياء، ونحن ورثة أولي العزم من الرسل: أن أقيموا الدين يا آل محمد ولا تفرقوا فيه وكونوا على جماعة كبر على المشركين من أشرك بولاية على ما تدعوهم إليه من ولاية علي إن الله يا محمد يهدي إليه من ينيب من يجيبك إلى ولاية علي [ومن المعروف أن هذه العبارة ليست من القرآن بل إنها مختلفة مزورة مكذوبة على لسان علي زين العابدين، وأن علي بن الحسن وأمثاله براء مما يعتقده الشيعة من التحريف في القرآن] عليه السلام" [بصائر الدرجات الكبرى - باب في الأئمة أنهم ورثوا علم أولي العزم من الرسل وجميع الأنبياء، وأنهم صلوات الله عليهم أمناء الله في أرضه، وعندهم علم البلايا والمنايا وأنساب - العرب ص138].
فهذه هي الإمامة عند الشيعة وهذا هوالإمام، ولا بأس أن نورد ههنا روايتين أخريين أوردهما صدوق الشيعة - وهوكذوب - ابن بابويه القمي، وهوواحد من أصحاب الصحاح الأربعة أنه روى عن جعفر بن محمد الباقر عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين [وهذا أصح الروايات عند الشيعة حيث يروي إمام معصوم حسب زعمهم عن إمام معصوم إلى آخره] أنه قال:
"نحن أئمة المسلمين وحجج الله على العالمين، وسادة المؤمنين، وقادة الغر المحجلين، وموالي المؤمنين، ونحن أمان لأهل الأرض، كما أن النجوم أمان لأهل السماء، ونحن الذين بنا يمسك الله السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وبنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها، وبنا ينزل الغيث، وتنشر الرحمة، وتخرج بركات الأرض، ولولا ما في الأرض منا لساخت بأهلها، ثم قال:
"ولم تخل الأرض منذ خلق الله آدم من حجة الله فيها ظاهر مشهور، أوغائب مستور، ولا تخلوإلى أن تقم الساعة من حجة الله فيها، ولولا ذلك لما يعبد الله، قال سليمان: فقلت للصادق عليه السلام:
فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟
قال: كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب" [كمال الدين وتمام النعمة لابن بابويه القمي، باب العلة التي من أجلها يحتاج إلى الإمام ج1 ص207].
وروي أيضاً عن محمد الباقر أنه قال:
"نحن جنب الله، ونحن صفوته، ونحون حوزته، ونحن مستودع مواريث الأنبياء، ونحن أمناء الله عز وجل، ونحن حجج الله، ونحن أركان الإيمان، ونحن دعائم الإسلام، ونحن من رحمة الله على خلقه، ونحن من بنا يفتح وبنا يختم، ونحن أئمة الهدى، ونحن مصابيه الدجى، ونحن منار الهدى، ونحن السابقون، ونحن الآخرون، ونحن العلم المرفوع للخق، من تمسك بنا لحق، ومن تأخر عنا غرق، ونحن قادة الغر المحجلين، ونحن خيرة الله، ونحن الطريق الواضح والصراط المستقيم إلى الله عز وجل، ونحن من نعمة الله عز وجل على خلقه، ونحن المنهاج، ونحن معدن النبوة، ونحن موضع الرسالة، ونحن الذين إلينا تختلف الملائكة، ونحن السراج لمن استضاء بنا، ونحن السبيل لمن اقتدى بنا، ونحن الهداة إلى الجنة، ونحن عرى الإسلام، ونحن الجسور والقناطر، من مضى عليها لم يسبق، ومن تخلف عنها محق، ونحن السنام العظام، ونحن الذين بنا ينزل الله عز وجل الرحمة، وبنا يسقون الغيث، ونحن الذين بنا يصر عنكم العذاب، فمن عرفنا وأبصرنا وعرف حقنا وأخذ بأمرنا فهومنا وإلينا" [كمال الدين وتمام النعمة لابن بابويه القمي ج1 ص206].
وعلى ذلك قالوا: "يجب على الله نصب الإمام كنصب النبي" [انظر لذلك منهاج الكرامة للحلي ص72، وأيضاً أعيان الشيعة الجزء الأول، القسم الثاني ص6، أيضاً الشيعة في التاريخ لمحمد حسين الزي ص44، 45، أيضاً أصول المعارف لمحمد الموسوي ص82، أيضاً الألفين الفارق بين الصدق والمين للمحلي ص15].
وليس للخلائق خيار في اختيار الإمام وتعيينه، والله نصب للعالم أجمع اثنى عشر إماماً، أولهم علي وآخرهم معدومهم الذي يزعمونه ابناً للحسن العسكري الذي لم يولد قط.
ومن الغرائب أن واحداً من هؤلاء الاثنى عشر لم يملك زمام الحكم أبداً غير علي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي جعل الإمام باختيار من الناس بعد خلفاء رسول الله الثلاثة الذين سبقوه على منصب الإمامة والزعامة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذين استشهد علي رضي الله عنه على صحة خلافته بصحة خلافتهم حيث قال كما ورد في أقدس كتاب شيعي (نهج البلاغة) - عكس ما يقوله القوم ورغم أنوفهم:
"إنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد أن يختار، ولا للغائب أن يرد، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار، فإن اجتمعوا على رجل وسموه إماماً كان ذلك لله رضى، فإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أوبدعة ردوه إلى ما خرج منه، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى" [نهج البلاغة بتحقيق صبحي صالح ص366، 367 - ط بيروت].
وحاصل الكلام: "أننا لا نفهم الإمامة الشيعية التي يجعلونها واجبة، والتي يقولون فيها: إن على الله أن ينصب من يشغلها ويجوز بها لردع الظالم عن ظلمه وحمل الناس على الخير وردعهم عن الشر" [أعيان الشيعة الجزء الأول القسم الثاني ص6].
و: لحفظ الشريعة من الضياع ورفع الفساد وإقامة الحدود ونشر الأحكام والانتصاف للمظلوم من الظالم" [أصول المعارف لمحمد الموسوي ص82].
و: إن الناس متى كان لهم رئيس منبسط اليد، قاهر، عادل، يردع المعاندين، ويقمع المتغلبين، وينتصف للمظلومين من الظالمين، اتسقت الأمور، وسكنت الفتن، ودرت المعايش، وكان الناس مع وجوده إلى الصلاح أقرب. ومتى خلوا من رئس صفته ما ذكرناه تكدرت معايشهم وتغلب القوي على الضعيف، وانهمكوا في المعاصي، ووقع الهرج والمرج، وكانوا إلى الفساد أقرب، ومن الصلاح أبعد" [تلخيص الشافي للطوسي ج1 ص60 ط قم - إيران الطبعة السادسة صنة1974م].
لأن أئمتهم الاثنى عشر بما فيهم علي رضي الله تعالى عنه - حسب مقولتهم - لم يستطيعوا ردع الظالم عن ظلمه إياهم، ولم يتمكنوا بإقامة الحدود ولا رفع الفساد، ولا الانتصاف لأنفسهم من الظالم .. فضلاً عن غيرهم من المظلومين، وبذلك رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكر كلام الحلي: إنه نصب أولياء معصومين لئلا يخلي الله العالم من لطفه، فقال:
هم يقولون: إن الأئمة المعصومين مقهورون مظلومون عاجزون، ليس لهم سلطان ولا قدرة حتى إنهم يقولون ذلك في علي رضي الله عنه منذ مات النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن استخلف، وفي الاثنى عشر، ويقرون أن الله ما مكنهم ولا ملكهم، وقد قال الله تعالى: {. . فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً}، فإن قيل: المراد بنصبهم أنه أوجب عليهم طاعتهم فإذا أطاعوهم هدوهم، ولكن الخلق عصوهم، فيقال: لم يحصل - بمجرد ذلك - في العالم، لا لطف ولا رحمة، بل إنما حصل تكذيب الناس لهم ومعصيتهم إياهم. و(المنتظر) ما انتفع به من أقر به ولا من جحده، وأما سائر الاثنى عشر - سوى علي رضي الله عنه - فكانت المنفعة بأحدهم كالمنفعة بأمثاله من أئمة الدين والعلم، وأما المنفعة المطلوبة من أولي الأمر فلم تحصل بهم، فتبين أن ما ذكره من (اللطف) تلبيس وكذب" [المنتقى من منهاج الاعتدال للذهبي ص34].
وقد ذكرنا عجزههم، وما حل بهم من قهر وظلم، وغلبة الغير عليهم من كتب القوم أنفسهم في كتابنا (الشيعة وأهل البيت) وكتابنا (الشيعة والتشيع)، وأكثر من ذلك أثبتنا أن المنفعة الدينية أيضاً لم تكن تحصل منهم للخلق حيث أنهم كانوا يخافون الحكام ويهابون المخالفين، ولم يكونوا يستطيعون أن يظهروا ما في قلوبهم حسب علمهم وإيمانهم، وقد أوردنا في ذلك روايات كثيرة، منها ما ذكرناها عن الكليني أنه روى عن زرارة بن أعين أنه قال:
سألت أبا جعفر عليه السلام عن مسألة فأجابني، ثم جاء رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاء رجل فسأله فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول الله، رجلان من أهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟.
فقال: يا زرارة، إن هذا خير لنا وأبقى لكم، ولواجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم.
قال: ثم قلت لأبي عبد الله عليه السلام: شيعتكم لوحملتموهم على الأسنة أوعلى النار لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين؟ قال: فأجابني بمثل جواب أبيه" [الأصول من الكافي في باب اختلاف الحديث ج1 ص65].
وكما أوردنا رواية في مبحث التقية عن جعفر أنه قال لأحد متبعيه:
"يا سليمان، إنكم على دين من كتمه أعزه الله، ومن أذاعه أذله الله" [الكافي في الأصول ج2 ص222 باب التقية - ط إيران].
وهناك روايات في هذا المعنى أكثر من أن تعد وتحصى.
وحاصل الكلام: أن هذه هي الإمامة الشيعية التي يوجبونها على الله ولم تحصل لأحد، ولم تثبت ولم تتحقق .. وقد بحثناها مفصلاً في كتابنا (الشيعة والتشيع).
وهؤلاء هم أئمتهم: علي وأولاده الأحد عشر بما فيهم المعدوم، ويعدون غيرهم وكل من تولى الخلافة والإمامة في زمنهم خلفاء غاصبين مغتصبين [انظر: (عقائد الشيعة) تأليف الحاج ميرزا آقاسي - نقلاً عن (عقيدة الشيعة) لرونالدسن - ط عربي القاهرة ص35 باب (الغاصبون الثلاثة) وغيره من كتب الشيعة الكثيرة] بما فيهم أبوبكر وعمر وعثمان الخلفاء الراشدون الثلاثة رضي الله عنه أجمعين، ويوجبون البراءة منهم، والولاء لأئمتهم، ويجعلون ولايتهم أصلاً من أصول الإسلام وأساساً من أسسه ودعائمه، لا يؤمن من لا يعتقد بها، ولا يكفر من يؤمن بها. والروايات والتصريحات في هذا لكثيرة جداً، فالخلاف بيننا وبينهم في هذه المسألة خلاف جوهري وأصولي وعقائدي، لا كما زعمه السيد الدكتور وصرح به حيث يقول:
"إن خلافهم معنا في هذا الصدد خلاف نظري وأقرب أن يكون اختلافاً في حقائق التاريخ ولا يؤثر في إيمانهم شيئاً" [بين الشيعة وأهل السنة ص75].
وعلى ذلك يكفر الشيعة كل من ينكر إمامة أئمتهم المزعومين، كما أن منكر النبوة كافر بالاتفاق، لأن الإمامة لا تختلف مع النبوة في أصلها، وجوهرها كما بيناه مقدماً، وكما صرح بذلك أساطين الشيعة وصناديدها الذين نحن بصدد ذكرهم الآن، وكما دلت عليه روايات كثيرة عن أئمتهم المعصومين - حسب زعمهم - وسيأتي ذكرها إن شاء الله، لا كما زعمه سيادة الدكتور حيث قال:
إنهم لم يحكموا بالكفر على من لا يعتقد بالإمامة على النحوالذي ذكروه ولوأنهم حكموا بذلك لكان لنا معهم موقف آخر إذ يكون معنى حكمهم هذا تكفير جميع أهل السنة [بين الشيعة وأهل السنة ص77].
يا لتساهل الدكتور، وفي هذا العمر!!!
ويا لتحمسه لأهل السنة المساكين!!!
ولقد ذكرني قوله هذا ببيت شعر أورد ما معناه: لم يكن يسعنا إلا أن نموت من شدة الفرح والسرور لوكنا نعرف صدق وعده ووفائه.
واأسفاه على عدم معرفة السيد الدكتور عقائد القوم وعدم علمه بالحقائق الثابتة الموجودة المسطورة في جميع كتبهم من التفسير والحديث والعقائد والكلام والتاريخ، وأنها كلها مليئة بتكفير أهل السنة قاطبة وتسميتهم النواصب. اللهم إلا بعض الكتب الدعائية التي لم تكتب لبيان المعتقدات وتعليمها وتفهيمها الشيعة، بل لمغالطة أهل السنة وخداعهم والتلبيس عليهم وتزوير الحقائق أمامهم، وإن لم يكن كذلك فلأي شيء حصل الافتراق والاختلاف؟.
وإن القوم الذين حكموا على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالردة، خيار خلق الله بعد الأنبياء والمرسلين، وصفوتهم، لم يحكموا عليهم بهذا الحكم القدسي الجاني إلا لعدم مبايعتهم علياً رضي الله عنه - حسب زعمهم - ومبايعتهم أبا بكر الصديق، وبعده عمر الفاروق، وبعده عثمان ذا النورين رضي الله عنهم أجعين، وتركهم مناصرة علي وخذلانهم إياه كما يذكرون!!
فهذا هوالكليني وغيره يروون عن أبي جعفر محمد الباقر أنه قال:
"كان الناس أهل ردة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة: المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وأبوذر الغفاري. . وقال:
هؤلاء الذين دارت عليهم الرحى وأوا أن يبايعوا" [كتاب الروضة من الكافي للكليني ج8 ص246].
وروى الكليني أيضاً عنه أنه قال:
أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً كئيباً حزيناً، فقال له علي عليه السلام: ما لي أراك يا رسول الله كئيباً حزيناً؟.
قال: وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أن بني تيم (أي أبا بكر وقومه)، وبني عدي (أي عمر وقبيلته)، وبني أمية (أي عثمان وعشيرته) يصعدون منبري هذا يردون الناس عن الإسلام القهقرى:
فقلت (يعي الرسول): يا رب، في حياتي أوبعد موتي؟
فقال: بعد موتك" [كتاب الروضة من الكافي للكليني ج8 ص246].
وبلغوا في اللؤم حيث كذبوا على محمد الباقر أنه قال:
ما كان ولد يعقوب أنبياء ولكنهم كانوا أسباط أولاد الأنبياء، ولم يكن يفارقون الدنيا إلا سعداء، تابوا وتذكروا ما صنعوا.
وإن الشيخين (يعني أبا بكر وعمر) فارقا الدنيا ولم يتوبا، ولم يتذكرا ما صنعا بأمير المؤمنين عليه السلام، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" [كتاب الروضة من الكافي للكليني ج8 ص246].
فمن كان هذا شأنهم مع أولئك الأخيار الأبرار فماذا سيكون موقفهم في أخلافهم، ومن يسلكون مسلكهم، وينهجون منهجهم، ويتبعونهم بإحسان؟.
فإن القوم لا يكتمون حقدهم وبغضهم وعقيدتهم في أولئك، فيقولون بكل صراحة ووقاحة:
"اتفقت الإمامية على كفر من أنكر إمامة أحد من الأئمة، وجحد ما أوجب الله تعالى له من فرض إطاعته فهوكافر ضال مستحق الخلود في النار" - قاله المفيد محمد بن النعمان العكبري [كتاب المسائل للمفيد المنقول من (البرهان في تفسير القرآن) مقدمة ص20 - ط إيران].
وقال أيضاً:
"اتفقت الإمامية على أن الإمامة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - في بني هاشم خاصة، ثم في علي والحسن والحسين، ومن بعده في ولد الحسين عليه السلام دون ولد الحسن إلى آخر العالم .. واتفقت الإمامية على أن رسول الله استخلف أمير المؤمنين عليه السلام في حياته، ونص عليه بالإمامة بعد وفاته، وإن من دفع ذلك عنه دفع فرضاً من الدين" [أوائل المقالات ص48].
وقال ابن بابويه القمي:
"اعتقادنا فيم جحد إمامة أمير المؤمنين والأئمة من بعده عليهم السلام أنه بمنزلة من جحد نبوة الأنبياء عليهم السلام، وفيمن أقر بأمير المؤمنين وأنكر واحداً من بعده من الأئمة عليهم السلام أنه بمنزلة من آمن بجميع الأنبياء وأنكر نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - " [اعتقادات الصدوق - نقلاً عن مقدمة البرهان ص19، 20].
وقال أيضاً:
"يجب أن يعتقد أنه لا يتم الإيمان إلا بموالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، وإن أعداء الأئمة كفار مخلدون في النار وإن أظهروا الإسلام، فمن عرف الله ورسوله والأئمة وتولاهم وتبرأ من أعدائهم فهومؤمن، ومن أنكرهم أوشك فيهم أوفي أحدهم أوتولى أعداءهم فهوضال هالك، بل كافر، ولا ينفعه عمل ولا تقبل له طاعة" [اعتقادات الصدوق - نقلاً عن مقدمة البرهان ص19، 20].
هذا وقال السد المرتضى الملقب بعمل الهدى:
"إن المعرفة بهم (يعني الأئمة) كالمعرفة به تعالى فإنها إيمان وإسلام، وإن الجهل والشك فيهم كالجهل والشك فيه فإنه كفر وخروج من الإيمان، وهذه المنزلة ليست لأحد من البشر إلا لنبينا - صلى الله عليه وسلم - والأئمة من بعده، على أولاده الطاهرين .. والذي يدل على أن معرفة إمامة من ذكرناه من الأئمة عليهم السلام من جملة الإيمان، وأن الإخلال بها كفر ورجوع عن الإيمان بإجماع الإمامية" [الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة - نقلاً عن مقدمة البرهان ص20].
وقال الطوسي الملقب بشيخ الطائفة:
دفع الإمامة كفر، كما أن دفع النبوة كفر، لأن الجهل بهما على حد واحد، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
"من مات وهولا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، وميتة الجاهلية لا تكون إلا على كفر" [تلخيص الشافي للطوسي ج4 ص131 - 132].
وقال أيضاً:
"إن المخالف لأهل الحق كافر، فيجب أن يكون حكمه حكم الكفار" [انظر: مقدمة البرهان ص120].
وقال الهاشم البحراني:
"إن الإقرار بنبوة النبي وإمامة الأئمة والتزام حبهم وإطاعتهم وبغض أعدائهم ومخالفيهم أصل الإيمان مع توحيد الله عز وجل بحيث لا يصح الدين إلا بذلك كله، بل إنها سبب إيجاد العالم، وبناء حكم التكليف، وشرط قبول الأعمال، والخروج عن حد الكفر والشرك، وإنها التي عرضت كالتوحيد على جميع الخلق، وأخذ عليها الميثاق، وبعث بها الأنبياء، وأنزلت في الكتب، وكلف بها جميع الأمم ولوضمناً، وأن نسبة النبوة إلى الإمامة كنسبتها إلى التوحيد في تلازم الإقرار بها وبقرينها بحيث أن الكفر بأحدها في حكم الكفر بالآخر، ولا يفيد الإيمان ببعض دون بعض، وإن الأئمة مثل النبي في فرض الطاعة والأفضلية .. وإن الأحاديث غير المحصورة تدل على هذه الأمور المذكورة، بل أكثرها مما هومجمع عليه عند علمائنا الإماميين.
وقد نص على حقيقته، بل كون جلها من ضروريات هذا المذهب أعاظم أصحابنا المحدثين" [انظر المقالة الثانية في: مقدمة تفسير البرهان للهاشم البحراني ص19].
وأما السيد حسين الملقب ببحر العلوم فقد أوضح أكثر مما قال به الآخرون حيث رجّح الإمامة على النبوة فقال:
"إن منطلق الإمامة هومنطلق النبوة بالذات، والهدف الذي من أجله وجبت النبوة هونفسه الهدف الذي من أجله تجب الإمامة، وكما أن النبوة لطف من الله تعالى كذلك الإمامة لطف من الله أيضاً، واللحظة الحاسمة التي انبثقت فيها النبوة - وهي يوم الدار - هي نفسها اللحظة التي انبثقت فيها الإمامة، فما انطلق لسان النبي الأعظم - صلى الله عليه وسلم - بالتشريع النبوي المقدس إلا وضم إليه المحافظة والوزارة والخلافة لعلي عليه السلام بقوله: "أنت وزيري وخليفتي". وهكذا استمرت الدعوة الإسلامية ذات لسانين: النبوة والإمامة في خط واحد، وامتازت الإمامة على النبوة: أنها استمرت بأداء الرسالة بعد انتهاء دور النبوة - ولن تزال - ببركة وجود صاحب الأمر عجل الله فرجه.
فالإمامة إذن قرين النبوة بالتشريع، وامتداد لها بالمحافظة والرعاية، وبهذا المعنى نفسر كلام الإمام الكاظم عليه السلام - كما في أصول الكافي - أن النبوة لطف خاص، والإمامة لطف عام" [تلخيص الشافي للطوسي ج4 ص131، 132 - الهامش].
وقال محدث الشيعة الكبير الحر العاملي:
"إن من ادعى الإمامة بغير حق، أوأنكر إمامة إمام الحق كفر" [الفصول المهمة في معرفة أصول الأئمة ص142].
أوبعد هذا كله مجال للشك بأن الشيعة لا يكفرون جميع أهل السنة؟
ثم .. ويجب أن يعلم بأن عقيدتهم هذه ليست إلا مبنية على تعاليم أئمتهم المعصومين - حسب زعمهم - وأقوالهم وتصريحاتهم.
وعلى ذلك نختم هذا الباب ونسأل الله الهداية والتوفيق.